View RSS Feed

طارق شفيق حقي

الحيوانات في يومها الحادي عشر

Rate this Entry
الحيوانات في يومها الحادي عشر
همس الهدهد في أذني ما كتبه ابن المقفع في روايته التي أحرقت مع كتب ابن رشد فكتبت:
على جذع شجرة كبيرة في الغابة نقشت الحيوانات هذه الحكمة
" الحكمة كنزٌ لا يفنى على إنفاق"
بعيد الثورة الملونة التي اجتاحت الغابة ، وبعد أن قُتل بيدبا وهرب الملك ،قررت الحيوانات الاتفاق على عقد اجتماعي جديد .
النمر يفتتح الجلسة بالزمجرة : يا أيها الحيوانات العظيمة، يا حيوانات غابتنا العظيمة ،إنني ومن موقع المسؤولية التاريخية وشديد خوفي على الغابة وحيواناتها أهيب بكل الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات أن تعيد النظر بعلاقتنا الدموية في وطننا ، لمستقبل زاهر لأحفادنا وبقاء جنسنا الحيواني، لقد قتل القوي منا الضعيف ، وأكلنا بعضنا كما لم يأكل حيوان أخاه الحيوان ، مذ دخل جلجامش وعصابته غابتنا يريد قتل خمبابا والحيوانات انقمست بين مؤيد ومعارض.
قال الحمار : أيها النمر العجوز ، من نصبك ملكاً للغابة ؟ منذ متى كنت ملكاً لغابتنا لتترأس جلسة الحوار الوطني ؟
النمر : يا حمار، ألا تعرف أن في غابتنا لا يوجد أسود وأنا أقوى الحيوانات .
الحمار : إذن ستصوغ العقد الاجتماعي من منطق القوة وتعود غابتنا لسابق عهدها ؟
هجم النمر على الحمار وعضه من رجله ،هاجت الحيوانات، وعض كل حيوان أخاه الحيوان وفشل الحوار الوطني.
في اليوم الثاني عشر اجتمعت الحيوانات مرة أخرى.

زمجر النمر مرة أخرى وتجاوز المقدمات ونظر في الحيوانات وقال : أين هو الببغاء ؟ لماذا لا أشاهد الببغاء بينكم ؟
حط الببغاء على الشجرة وقال : جئتكم بخبر البشر ، كنت أعيش بينهم ،ولقد تعلمت طريقة عيشهم وتفكيرهم وأدركت سر تقدمهم.
قال النمر : ما هو الحل لغابتنا ؟
الببغاء : الحل هو المواطنة.
المواطنة .... صاحت الحيوانات ؟!!!
يمشي الببغاء وهو يدخن الغليون ويخرج من جيبه قداحة مذهبة ، يشعل الغليون وينفث الدخان في وجوه الحيوانات، ويكمل : المواطنة هي أن نعيش كلنا في غابة واحدة يحكمها القانون ونكون جميعاً تحت سقف القانون حيوانات في غابة واحدة.
النمر : المواطنة ؟؟ كيف لنا أن نطبقها ؟
الببغاء : نلغي كل الأنواع والفصائل ، لا يوجد فصيلة للنمور ولا فصيلة للأفاعي ولا فصيلة للأرانب، كلنا حيوانات في وطن واحد.
في عالم البشر تم إلغاء الحدود الفاصلة بين الإنسان وأخيه الإنسان بل بين البشر وبين الحيوانات .
النمر : كيف ذلك ؟
الببغاء: كنت أعيش في قفص جميل في منزل جميل ، كان الأب ينظر لزوجته ويقول لها :
عيون المها بين الرصافة والجسر... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وحين دخل ابنه للغرفة : قال له يا حمار اذهب للدراسة.
سمعت الأخ يقول لأخيه الصغير: يا جحش. والأستاذ يقول للطالب : يا حيوان.
الجامعات تدرس الطلاب أن أصلهم قردة.
تصفق القردة وتتقافز من شجرة إلى شجرة وتقول : يحيا الإنسان.
البشر ألغوا الحواجز بين البشر والحيوانات، إنها الحداثة التي يجب أن ندخل عصرها ، وننعم بأنوارها.

قالت الغزلان : نحن مع المواطنة ، ففي دولة المواطنة لن يأكلنا الذئب.
الذئاب تعترض : وكيف سنعيش معشر الذئاب، هل سنأكل المواطنة ؟
الببغاء : في الغابة الحديثة لم تعد الذئاب تأكل الغزلان، الذئاب أصبحت تعمل .
صاح الجميع : تعمل ؟!
الببغاء : نعم إنها تعمل في السيرك ، حديقة الحيوانات ، والناس تصفق لكم وترمي لكم بالطعام .
النمر: إذن البند الأول : يمنع تعليم الحيوانات في المدارس تاريخ الفصائل وأنواعها وأشكالها وأنسابها ويستعاض بذلك بكلمة واحدة هي فصيلة الحيوانات ، فلا فرق بين حيوان وحيوان إلا بما يقدمه للمجتمع.
الببغاء: نضم فصيلة الغزلان لفصيلة الذئاب لن تقوم الذئاب بأكلها لأنها من ذات الفصيلة وسيؤمن العمل لهم لقمة العيش.
الذئاب: يجب غربلة التراث وإلغاء تدريس تاريخ الغزلان، ففصيلة الغزلان تقول إن جدنا قتل جدهم، المصالحة مع الغزلان تقتضي ذلك.
الغزلان: المصالحة لا تعني إلغاء التاريخ، لا يمكن لأحد أن يغير التاريخ، لكننا سنسامح ولن ننسى.
الذئاب: جدنا أكل جدكم ليس لفتنة طائفية كما تعلمون أولادكم، بل لأن جدنا ذئب والذئب حين يجوع لا بد أن يأكل.
النمر: المواطنة هي الحل.
الببغاء : في الغابة يجب اعتماد الزواج المدني وكل حيوان حر في الزواج من أي حيوانة أخرى، في عالم البشر احتفلوا بزواج إنسان على تمساح .
ضرب التمساح بذنبه وغاص في البحيرة.
النمر: البند الثاني هو اعتماد الزواج المدني بين الحيوانات.
في اليوم الثالث عشر
ذهبت الحيوانات وعملت في السيرك وحدائق الحيوان ، ودخلت القطط والكلاب المنازل والحواري، دخلت الأغنام والأبقار مصانع الألبان والأجبان ،ودخلت العصافير أجمل الأقفاص وغنت النشيد الوطني الجديد للحيوانات، وتغنت بالمواطنة الجديدة.
لم يشهد عالم الحيوان نزاعات دموية جديدة، وساد العدل وتساوت الحيوانات أمام القانون.
وفجأة اشتعلت حرب أهلية بين البشر فهربت الحيوانات إلى الغابة.
اجتمعت الحيوانات لاهثة حول النمر.
زمجر النمر : أين هو صاحب فكرة المواطنة ؟
اقترب الببغاء بوجل.
قال النمر: ماذا تقول بما حصل بين البشر؟ وكيف نضمن أنه لن يحصل في غابتنا ؟
الببغاء : أضمن لكم أنه لن يحدث ،نحن بحاجة لمجلس للأمن.
صاح الجميع: مجلس للأمن ؟
نعم ونضم له النمر والذئب والضبع والفهد والثعلب.
نهق الحمار رافضاً.
فضموه للحيوانات غير دائمة العضوية.
وعاشت الغابة في سعادة دائمة وكانت مثالاً ناجحاً للمواطنة وصارت الحيوانات تأكل بعضها وفق قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع أو بدونه.

طارق شفيق حقي
Tags: None Add / Edit Tags
Categories
قصة

Comments

Leave Comment Leave Comment

Trackbacks

Total Trackbacks 0
Trackback URL: