• اسبنوزا والعلمانية

    اسبنوزا والعلمانية



    يعد الفيلسوف اليهودي اسبنوزا من أهم المفكرين الداعين للعلمانية وفصل الدين عن الدولة ويحارب الخلط بين الدين والسياسة


    من أهم أفكاره : فكرة الله مساوي للطبيعة وأن المادية صفة من صفات الله ، وله آراء في وحدة الوجود والطبيعة وكذلك في إضافة صفة الجسمية إلى الله
    وربما شبه البعض فلسفته بالمذهب الهندوسي والتقريب بين صفات الله و" براهما" وبين رأيه في النفس والأراء الهندوسية في الروح المسماة أتمن ATMAN وبين كتاب الأخلاق وكتاب الأوبانشاد "
    ولا شك أن له أفكار أقرب إلى الصوفية الهندية رغم ذلك فهو يعد مفكر يسارياً بالمعنى الحديث
    انتمى إلى جمعيات سرية ثورية كجمعيات الميونيين والكويكر والمجمعيين
    اتبع اسبنوزا المنهج الهندسي لعرض أفكاره
    ولد اسبنوزا في أمستردام 1632 وقد سيم عند ولادته الباروخ وترجمتها اللاتينية بانديكتوس ، وهو ينحدر من يهود المارانو من أسرة من الأسر اليهودية المهاجرة والتي أخفت دينها تحت تأثير الحكام واعتنقت الكاثوليكية و قد تلقى تعليمه في المدرسة التلمودية بأمستردام، لكنه ثار على التعليم اللاهوتي مما أجبر أسرته على إيكال أمر تعليمه للطبيب المعلم "فان دن إنده " ويذكر كوليرس في ترجمته لحياة اسبنوزا أن هذا الأستاذ كان يلقن تلاميذه إلى جانب اللاتينية شيئاً آخر هو تعليمات الإلحاد .
    من كتاب" اسبنوزا " . د فؤاد زكريا
    - هناك من يؤكد" أن اسبنوزا يفيد أمريكا في محاربتها للشيوعية ، وأن تعليمه يمكن أن تقتبس أثناء وضع الخطط اللازمة للدفاع ضد العدوان السوفيتي في مجال الفكر ، ويجد في بعض نصوصه ما يعتقد أن يؤيد الرأي القائل بوجوب حل المنازعات بين الدول بالالتجاء إلى الأمم المتحدة"
    المرجع :
    DUNNER:SPINOZA AND WESTERN DEMOCRACY. NEW YORK PHILOSOPHICAL LIBRARY 1955

    ووفق ما اطلعت على تعاليم جمعية المينونية هي تعاليم أقرب لتعاليم الماسونية في الحرية الدينية والتسامح، ورفض المظاهر الدينية وأن المهم هو طهارة القلب وعدم الاقتراب من السياسة والسياسيين
    وربما فكرة إخفاء الهدف برع به اليهود خاصة مع تجربة الاضطهاد ومحاكم التفتيش في إسبانيا، أجبرتهم على إخفاء دينهم واعتناق دين آخر بشكل شكلي واتقان هذا الدور، هذا التاريخ من الإخفاء تترجم مستقبلاً لتوظيف أفكار هذه الجماعات سياسياً وفكرياً، خاصة مع تأكيد انتماء اسبنوزا لجمعيات سرية ، وأخبار حول تلقيه تعاليم الإلحاد على يد المعلم الطبيب " فان دن إنده " ، والمنهج الذي اتبعه في عرض أفكاره وهو المنهج الهندسي وما يعتريه من غموض في طرح الفكرة فهي تأخذ أكثر من تأويل وبالفعل أخذت فلسفة اسبنوزا جدلاً كبيراً ، ولعل طرح فكرة فصل الدين عن الدولة شكل غامض لحقيقة رفض اسبنوزا الدين برمته ، وتشكيله لفلسفة مزج بين أفكار كثيرة منها الهندوسية والعقلانية واليهودية ، ولعل ذلك يذكرنا بماني الذي مزج بين المجوسية والمسيحية والبوذية، ونذكر هنا شعار الماسونية " حرية عدالة مساوة
    لكن الفرق أن اسبنوزا أخذ العلمانية شكلاً لرفض الدين برمته وتشكيل شكل جديد من الإيمان القلبي الأقرب للصوفية الهندية ، ولعل التدرج في طرح الأفكار من أهم الخطط لمحاربة الدين واختراقه، وتحويلها لشكل حداثي معاصر على أنقاض الدين
    وسأذكر هنا تصريح مترجم كتب محمد أركون وهو هشام صالح في مطلع كتاب " نحو نقد العقل الإسلامي" ، يقول :" على مدار ثلاثين سنة متتالية لم أتجرأ على ذلك، كنت أشتغل تحت الأرض بشكل من الأشكال وأُكثر من العناوين وأًنوع فيها من دون أن أضع ترجماتي تحت العنوان الحقيقي . هل اللحظة مناسبة ؟ لا أعتقد " ص 5 من كتاب نحو نقد العقل الإسلامي 2009
    ولو عدنا لترجمة الكاتب لكتاب محمد أركون وقد عنونه " قضايا في نقد العقل الديني " 1998
    ولعل أول كتاب لأركون كان تحت عنوان " الفكر العربي"
    إذن من نقد العقل العربي لنقد العقل الديني لنقد العقل الإسلامي، وربما لاحقاً نقد الإسلام
    وهكذا تستمر مسلسلات إخفاء النوايا لتمرير الفكرة ، وأذكر هنا كلام للدكتور عبد الوهاب المسيري يقول : لكن أنا أعرّف العلمانية بأنها ليست فصل الدين عن الدولة، وإنما فصل مجمل حياة الإنسان عن جميع القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، بحيث يتحول العالم إلى مادة استعمالية يوظفها القويّ لحسابه.
    وأذكر كذلك أن فكرة حل النزاعات بالعودة للأم المتحدة كما ترغب به أمريكا وهي المهيمن على هذه المنظمة الأممية ، تشابه فكرة عقد المجمع المسكوني لحل النزاعات الفكرية تحت رعاية الإمبراطور قسطنطين ، وهذه المؤتمرات لم تنصر الحق بل نصرت الأفكار الغربية كالنزاع الحاصل وقتها بين أثناسيوس وآريوس حول فكرة الثالوث ، والغريب أن الإمبراطور وقتها يرعى هذه المؤتمرات الدينية في حين أنه لم يكن معمداً.
    أخيراً نذكر تعريف عبد الرحمن حبنكة للعلمانية :
    تعريف بالعلمانية :

    فالعلمانية ليست مذهباً محدد المعالم ، واضح الأركان ، لكنها عنوان لاتجاه هدفه النظر بعين واحدة ، هي عين البحث العلمي بالوسائل الإنسانية ، وطمس عين العلم الأخرى التي تقتبس المعرفة من الدين والوحي طمساً كلياً ، وفي هذه الحالة تكون العلمانية إلحاداً بصورة إيجابية ، أو إهمالاً للدين وعدم التفات إليه ، أو طمساً جزئياً ، وفي هذه الحالة تكون العلمانية إلغاءً للدين فيما عدا قضايا الاعتقادات الدينية والغيبية ، أو العبادات المحصنة وطقوسها ، مع بعض أحكام ومراسيم أخرى ،وسلوك فردي خاصّ بمستلزمات الحريّة الشخصية .

    ولفظ "العلمانية" ترجمة اصطلاحية مهذبة فيها تعديل لما حقُّه أن يترجم بـ"اللادينية" أو بـ"الدنيوية" أو بـ"الاتجاه الذي لا يعتبر الدين ، ولا يهتم به ، ولا يقيم له وزناً في شؤون الحياة" و"الدنيوية" التي ترجمت "بالعلمانية" لا تؤمن بشيء وراء الحياة الدنيا.

    وكلٌّ من الترجمة والأصل الغربي يعبّر عن اتجاه فكري وعملي ظهر بقوة إبان الثورة الفرنسية ، قبلها إرهاصاً ، وبعدها شعاراً ومبدأً ، فهو من الشعارات التي برزت بروزاً واضحاً في الغرب أواخر القرن الثامن عشر .

    وقد غدا من الواضح لدى كل الباحثين المحققين –كما سبق بيانه- أن الثورة الفرنسية وشعاراتها مكيدة دبرها المكر اليهودي ، وتآمر على وضع خططها اللازمة المرابون العالميون اليهود ، بتوجيه النورانيين من الحاخامين .
    من كتاب كواشف زيوف
    في المذاهب الفكريّة المعاصرة

    طارق شفيق حقي
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.