• رسالة إلى الريف الحلبي

    رسالة إلى الريف الحلبي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    هذه رسالتي لأهل منبج خاصة والريف الحلبي عموماً

    إذا كنتم أول من حمل السلاح ، فلا تكونوا آخر من يدخل المصالحات، ولقد تبين للقاصي والداني وللجاهل قبل العاقل خطل هذه الحرب وطريقها المسدود، مالذي جنيتموه بعد سنوات من الدمار والدماء.
    لا شك أن القلوب تقول مقالتي لكن من يمنعها عن الرضوخ لمطلب العقل هو هوى النفس، والنفس آمارة بالسوء.
    لا يطلب منكم اليوم غير الاستعداد لقبول المصالحة، الاستعداد النفسي، الاستعداد لصياغة مصالحة لا غالب ولا مغلوب، وكيف يغلب عاقل.
    لقد دخلت لليوم مناطق واسعة من سوريا في المصالحات، ولقد صاغ عقلاء هذه المناطق مطالبهم ومظالمهم، لم يكونوا خونة، ولم يكونوا ضعفاء ، لم ينقصهم سلاح ولا مال ، لقد كانوا حكماء ، لقد أدركوا أن هذا الطريق مسدود، فامتلكوا الجرأة لقول الحق والقبول بالصلح.
    لا أحد يطالبكم أن تعودوا لنقطة الصفر، ما جرى قد جرى ولنقفل صفحة سوداء من تاريخ هذه الأمة، نقفلها كارهين لها، نقفلها نادمين على أيامها السوداء التي شردت الأطفال والنساء، وجعلت السوري يتسول كرامته في تركيا أو الأردن أو العراق.
    كثيراً ما كنت أعرج على منبج العروبة وأنا في طريقي لحلب، كثيراً ما كانت تشدني، لقد جلست في بيوتها واستمعت لحوارات مثقفيها وشعرائها.
    لقد كنت أقف عند كلمات وكان وجداني لا ينساها، مالذي يجعل هذا المثقف صاحب السليقة الجلية، و اللغة السليمة والفكر العروبي أن يتمسك بأفكار حداثية هدامة.
    رن ناقوس الخطر في وجداني حين سمعت أحد المثقفين يقول إن سوريا بحاجة لإعادة بناء.
    إعادة بناء، فكرة بسيطة ، لكنها تغوي العقل ، فكرة واحدة، لا يقل أثرها عن فيروس الإيدز.
    كيف لهذا العقل العربي أن يغوى بمصطلحات هدمت دولاً ومجتمعات.
    كنت أقف عند هذا التوجه وأخاف منه، وكثيراً ما حاربته في كل مجلس وحوار، مالذي تهدمونه ؟؟

    ماذا ستهدمون ؟؟
    إن إعادة البناء تتطلب الهدم ، فكيف نهدم ذواتنا وكياننا المتداخل كما تتداخل الروح بالمادة.
    ولقد كان، لقد هدم هؤلاء الثائرون ذواتهم وعواطفهم وتاريخهم ولقد غدى مستقبلهم في مهب الريح، قبل أن يهدموا النظام والدولة السورية.
    حقاً لقد تقاذفتكم الأهواء ، ففي اللحظة التي كان عليكم الإصغاء للفطرة السليمة، أصبحت القنوات الخبيثة مصدر قلوبكم، ربما هو الهوى، أو الغوى، ربما أغوتكم رياح الفتنة، كما أغوتكم كلمات الشعراء، وأغوتكم مصطلحات الحداثة.
    لقد حملت رؤوس كثير من الإسلاميين أفكاراً صغيرة كانت بمثابة معاول للهدم، لقد كانوا حداثين بكل معنى الكلمة ولو ظهروا بلبوس إسلامي.
    في بداية الأحداث كنا نمشي وأحد الأصدقاء المنبجين في حلب ، وأنا أسأل البائع والسائق والجاهل والمتعلم: هل تتوقع أن تقوم ثورة في سوريا ؟؟
    كل من سألته من مدينة حلب كان يقول نحن دعمنا المقاومة ووقفنا مع لبنان والعراق، سوريا قدمت للجميع.
    كان صديقي خائفاً يقول لي: كن حذراً.
    لكن حذري على وطني كان أكبر من حذري على نفسي .
    حاورت الكثيرين ولقد حاربت الأفكار الحداثية الهدامة ، من أول ما تعرفت إليها في منتديات حلب، حتى السنة الرابعة في الجامعة إلى يومنا هذا.
    وماذا بعد

    الصلح خير
    إن سوريا اليوم بحق بحاجة لإعادة بناء

    لقد تحققت أحلامكم وأفكاركم حول إعادة البناء
    لقد تهدمت بيوت السوريين وقبلها أفكاركم وها أنتم بحاجة لإعادة إعمار
    لقد أتممتم المرحلة بنجاح، وكانت سوريا بحاجة للإصلاح أكثر منها للهدم.
    لقد تحادثنا صراحة بأن سوريا بحاجة لإصلاح ، لا أعرف إن كنتم تذكرون.
    لقد هزم الفكر الإصلاحي بحق ، لأنه لم يجد رجاله .
    لقد نجحتم في الهدم ولكنكم هدمتم ذواتكم معها.
    فهل نقفل صفحة الهدم إلى الأبد، هل نودع الأفكار الهدامة، هل تعود هذه الديار للخير.

    الصلح خير
    ولا أملك لكم اليوم غير نصيحة الصلح وكفى.

    فمن أراد الصلح فإن طريقه محمي بنور الله، ومن أبى فقد أبى.

    والحمد لله رب العالمين.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.