• د.مبارك بن زعير يصلي في حمام قذر..!


    بقلم منصور القحطاني
    قبل أسابيع أعتقل الدكتور مبارك بن زعير عندما كان ذاهباً ليبشر ذوي المعتقلين بوعود العدل والإنصاف التي بشره بها الأمير محمد بن نايف، يقول الدكتور في رسالته التي أطلقها من داخل المعتقل واصفاً طريقة الاعتقال وطبيعة السجن

    عندما كنت أقرأ وأشاهد الصور والتقارير والأخبار التي تتسرب من معتقل غوانتانامو كنت أتألم كثيراً لتلك المعاملة الحقيرة التي يتلقاها نزلاء المعتقل هناك!، يكفي من شناعة الجرم الذي يرتكب في حقهم أن يكون السجن عبارة عن أقفاص لا تختلف كثيراً عن الأقفاص التي نراها في حديقة الحيوانات..!، ينام ويصحو ويأكل ويشرب ويصلي السجين في تلك الأقفاص وكأنه حيوان نادر أتوا به من أدغال أفريقيا.!، إنها تلك الأقفاص الحقيرة التي كانت تنتهك إنسانية السجين انتهاكاً جذرياً..!، تهمة واحدة بعينها هي التي كانت تقف خلف هذه المعاملة الدنيئة هي تهمة الإرهاب.!، وبرغم أن تركة 11 سبتمبر كانت ثقيلة على الحس الإنساني الغربي إلا أننا لم نعدم أصواتاً كثيرة من الغرب ذاته كانت ترفض بشدة كل هذا الخرق الصارخ لحقوق الإنسان!، كانت تمضي الأيام والسنوات فيزداد الضغط على الإدارة الأمريكية بشأن غوانتانامو، كانت صور القفص وبداخله إنساناً سوياً تشوه صورة أمريكا وتنقض القيم الغربية من أساسها، كانت كذلك، فكان القرار الأول للرئيس أوباما هو إغلاق غوانتانامو..!


    قبل أسابيع أعتقل الدكتور مبارك بن زعير عندما كان ذاهباً ليبشر ذوي المعتقلين بوعود العدل والإنصاف التي بشره بها الأمير محمد بن نايف، يقول الدكتور في رسالته التي أطلقها من داخل المعتقل واصفاً طريقة الاعتقال وطبيعة السجن:

    "وسأسرد هنا عدة مخالفات وخروقات مورست ضدي:

    - رفض تقديم أمر إيقاف حين طلبته/ رفض إجراء مكالمة هاتفية لإبلاغ أهلي بالإيقاف/ التحقيق من قبل رجال شرطة/ رفض تمكيني من الاتصال بمحامي/ التعامل الشرس القاسي أثناء النقل من مكان لآخر: عصب العينين – تقييد الأيدي – تقييد الأرجل عدة ساعات وصعود السلالم بهذه الحالة والتعنيف اللفظي المهين.

    - نقلت لمركز شرطة الملز مساء الأثنين بل صبيحة الثلاثاء 17/4/1432هـ الساعة 2:30 صباحا ووضعت في زنزانة انفرادية عبارة عن (حمام) ضيق قذر تفوح منه روائح المجاري العفنة النتنة طوال الوقت، وتم حرماني من (فراش النوم) و(فراش الأرض) فأنا على أرضية جرداء والغرفة الضيقة (الحمام) تمثل نموذجا لامتهان البشر، وعدم احترام كرامتهم الإنسانية فضلا عن المكانة العلمية لأستاذ جامعي، ناهيك عن شخص يحمل رسالة من مساعد وزير الداخلية وكلف بإيصالها للناس سعيا لتهدئتهم والبحث عن سبل لعلاج ملف مضن.

    - المنع من الاتصال بأحد / المنع من الاتصال الهاتفي/ المنع من الزيارة/ منع الصابون ووسائل النظافة الشخصية وغني عن القول أن (الزنزانة الحمام) التي خصصت سكنا لأستاذ الجامعة خالية من التكييف والتهوية!/ عدم توفير ملابس إضافية، أو السماح بتوفيرها عن طريقي حتى اليوم السادس!!
    تعاطف بعض أفراد الحراسة فأعطوني (فرشة) قطعة حصير صغيرة، هي مكان جلوسي، ونومي،وصلاتي طوال اليوم، وأكدوا أن الجهة التي أوصلتني عندهم (شعبة التحري والبحث الجنائي) هي من ألقى بتلك التعليمات المتشدده في التعامل معي.

    - وقد تأثرت جسديا من صلابة أرضية (الزنزانة الحمام) حيث أعاني من أثار عمليتين جراحيتين في كلا (الركبتين)، حيث يوجد في الركبة (مسمار) لتثبيتها.

    - الموضوع الذي أوقف فيه لا علاقة له بالجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف!" انتهى الجزء المقتبس من رسالة الدكتور

    حسناً، أنا لا أشعر بأن أقفاص غوانتانامو أكثر سوءاً من هذا الحمام القذر المنتن الذي تفوح منه روائح المجاري طوال الوقت!، وفي هذا الحمام القذر يقضي الدكتور مبارك بن زعير الساعات تلو الساعات!، يأكل في حمام قذر، ويشرب في حمام قذر، وينام في حمام قذر، ويصحو في حمام قذر، ويصلي في حمام قذر!، يصلي وروائح المجاري المنتنة تملأ المكان!، يا الله، لماذا كل هذا التحامل والانتهاك لحقوق الدكتور مبارك.؟، لماذا يتعرض لكل هذا الظلم.؟، ما هو الجرم الذي أقدم عليه.؟، ما هي الخطيئة التي أقترفها.؟، لا أشك أبداً بأن تهمة الدكتور مبارك ـ إن صحت تسميتها تهمة أصلاً ـ لا تقارن بجزء من المليون من التهم التي كان يحقق فيها السجان في غوانتانامو وتتعلق بقضايا إرهاب.!، بل من الواضح جداً أنها لا توجد تهمة ولا قضية ولا داع ولا مبرر على الإطلاق لهذا الاعتقال.!، فالرجل لم يكن سوى رسول يبلغ بشارة الأمير لأهالي المعتقلين!، ويخفف الاحتقان ويسعى للتهدئة!، فكيف يعتقل.؟، ثم كيف تمتهن كرامته وإنسانيته إلى هذه الدرجة الغير معقولة.؟


    أنا لا أملك من الجرأة ما أتجاوز به ما يسمى بالخطوط الحمراء!، بالقدر الذي لا أملك فيه من الصبر أن أصمت إزاء هذه المظلمة الكبيرة لأحد الشرفاء الذين يعتز بهم الوطن، ستبدو المعادلة صعبة للغاية!، سنلقي باللوم على من لا يستحقون اللوم!، سنوجه أصابع الاتهام إلى الفراغ!، إلى أشخاص لا نعرفهم!، أو لا نريد أن نعترف بأننا نعرفهم، هذه الحيرة وهذا التردد وهذا التلكؤ وهذا الخوف في مقابل حجم المعاملة السيئة التي يتلقاها بعض الشرفاء ظلماً وعدواناً هي بعض العوامل شديدة الوضوح التي تضغط بقوة تجاه المزيد من السخط، من الكبت، ومن الاحتقان.!، في مقابل كل هذا، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للغربيين "الكفار" الذي دافعوا عن حقوق المعتقلين "المسلمين" التي تنتهك في غوانتانامو على الرغم من أنهم متهمين في قضايا إرهاب.!، وليست قضية رسالة يوصلها الدكتور لأهالي المعتقلين ويبلغهم فيها بـ "بشائر" عدل وإنصاف..!


    يقول الدكتور مبارك في نهاية رسالته:

    "أثناء الكتابة ثارت عاصفة ترابية أصابتنا بالاختناق ودخل الغبار بكميات كبيرة سببت عدم القدرة على التنفس وطلبنا من يساعدنا بأي شيء ولا مجيب!، قلنا للحراس: سنموت من الاختناق، فكان ردهم: المقابر فاتحة..!"
    ما أعظم حزني على هذا الوطن..!


    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.