• الرئيس الأسد لرئيس وزراء قطر:أنا أحمي شعبي بالجيش أما أنت فتحميه بالقواعد الأميركية الموجودة على أرضكم

    يروي دبلوماسي عربي في القاهرة أن الرئيس السوري بشار الأسد اتهم رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جبر آل ثاني بأنه ينفذ «إملاءات أميركية»، وقال له «أنا أحمي شعبي بالجيش أما أنت فتحميه بالقواعد الأميركية الموجودة على أرضكم»، مضيفاً «لو أنكم جئتم الى دمشق كوفد لجامعة الدول العربية فأهلاً بكم، أما إذا كنتم موفدين من قبل الاميركيين فمن الأفضل ألا نناقش شيئاً».
    جرى ذلك في خلال استقبال الاسد لوفد الجامعة العربية في 26 تشرين الاول الماضي، فتشنجت الأجواء قليلا، وردّ المسؤول القطري قائلا «لو كنت أميركياً فسوف ألتزم الصمت» فرد الأسد قائلاً «أنت قطري ولكنك تنفذ إملاءات اميركية»، وبالفعل التزم الشيخ حمد الصمت ثم راحت الأجواء تترطب شيئاً فشيئاً وانتهى اللقاء بخطة عربية لإنهاء الأزمة السورية.


    كانت دمشق تشعر منذ البداية بأن في التحرك العربي دوراً قطرياً «مشبوهاً»، وفق تعبير مسؤول سوري

    ويروي الدبلوماسي العربي في القاهرة، ان اللقاء الاول بين وفد الجامعة العربية والأسد تخللته بعض اللقطات المضحكة، ومنها مثلا حين أخرج نائب الأمين العام للجامعة احمد بن حلي مبادرة الجامعة وراح يقرأها على مسمع الحاضرين، فصرخ به الشيخ حمد قائلاً «ليست هذه هي المبادرة التي نريدها وإنما الثانية»، وراح بن حلي يبحث في جيوبه عن النص الثاني ولم يجده، فضحك الأسد وضيوفه.

    تعددت آنذاك نصوص المبادرة، واستقر الرأي على تلك التي دعت الى سحب «المسلحين» من الشوارع، بمعنى ان العرب اعترفوا بوجود مسلحين غير الجيش الرسمي. وجرى اتفاق ضمني على ان تكون جلسة الحوار الأولى بين وفد السلطة والمعارضة في قاعات الجامعة العربية بالقاهرة.

    يقول السوريون إنهم شعروا بـ«أن فخاً كان ينصب»، ولكن العلاقة القوية مع موسكو فرضت قبولا بشروط عربية لم تكن دمشق لترتضيها في ظروف أخرى. كان لا بد للقيادة السورية من بعث رسالة واضحة لموسكو مفادها ان هذه القيادة منفتحة على الحوار وعلى كل المبادرات العربية، فهذا وحده كفيل بتقوية دعائم الموقف الروسي في مجلس الأمن بغية الوقوف في وجه المساعي الاميركية والفرنسية والأوروبية لاتخاذ مواقف صارمة او لتشريع التدخل الدولي.

    كان بند «سحب المسلحين» هو الأكثر خطورة على القيادة السورية، فكيف لها ان تسحب الجيش من مناطق باتت مسرحاً لحرب أهلية على غرار حمص. قال الشيخ حمد «لا بد من سحب الجيش ووقف قتل المتظاهرين»، رد الأسد عليه بالقول «إن الجيش لا يقتل المتظاهرين وإنما يلاحق الإرهابيين والمسلحين، ولو كان لديك حل لهؤلاء تفضل وقدمه لنا».

    يقول السوريون إنهم شعروا منذ ذاك اللقاء بأن قطر تستكمل هجومها على سوريا، الذي كانت بدأته عبر قناة «الجزيرة» وعبر التحرك حيال المعارضة والإخوان المسلمين وبالتعاون مع عواصم قرار غربية. وأن ذلك كان واضحاً في لقاء اللجنة العربية مع الأسد، فالضغط القطري على الوزير السوداني مثلا دفع بهذا الأخير الى حد القول في حضور الأسد: «إن التفاوض مع الغرب هو الطريق الأسلم للخروج من ازماتنا»، فقال احد اعضاء الوفد السوري «إن التفاوض أدى الى اقتطاع جنوب السودان ورفع الأعلام الإسرائيلية فيه».

    ويروي الدبلوماسي العربي في القاهرة ان دمشق شعرت ايضاً بأن الامين العام للجامعة العربية بات خاضعاً للضغط القطري، فحين تحدث مثلا نبيل العربي امام الأسد عن «وقف العنف من قبل كل الاطراف»، نظر اليه الشيخ حمد بشيء من التنبيه والتحذير فكاد يتراجع، وحينها تدخل وليد المعلم ليقول له «ولو! اهكذا تتراجع بسرعة»، فما كان من العربي إلا أن عاد وأكد على موقفه.

    وفي خلال الأيام العشرة التي تلت الاعلان عن المبادرة العربية، بعث وليد المعلم برسائل كثيرة الى الجامعة العربية يبلغها فيها بما تم تنفيذه من بنود المبادرة، فقد تم سحب الجيش من كثير من المناطق، واستبدل برجال شرطة وأمن داخلي، وتم قبول مجيء صحافيين عرب وأجانب، وأطلق سراح دفعة اولى من المعتقلين، وتم الإعلان عن العفو عمن يسلم سلاحه شرط ألا تكون يداه ملطخة بالدماء.

    اعتقدت القيادة السورية ان ذلك سيسمح بتبريد الأجواء ولكنها بقيت حذرة جداً من التحرك القطري. كانت بعض اطراف المعارضة وخصوصاً في هيئة التنسيق تتقبل الاشارات، وترسل ببعض الإيحاءات الإيجابية لجهة استئناف الحوار او الشروع بحوار عميق، وتردد كلام عن تبادل عروض بشأن المستقبل السياسي ومستقبل المشاركة في السلطة.

    تم إرسال مضمون كل ذلك الى موسكو، وتبين ان الادارة الروسية حرصت على تشجيع المبادرة العربية وقالت كلاماً إيجابياً بشأن التجاوب السوري، وتردد ان موسكو بعثت برسالة الى الجامعة العربية تنصح فيها بالتروي وبعدم اتخاذ مواقف متشنجة حيال القيادة السورية، ونصحت كذلك بتشجيع الرئيس بشار الأسد على المضي قدماً في قبول المبادرة والانفتاح على الإصلاح.

    الضغط الأميركي والموقف العربي

    ثمة شيء حصل في تلك الايام العشرة. لم يكن أحد يتوقع مسارعة الجامعة العربية لاتخاذ موقف حازم حيال دمشق يقضي بتعليق العضوية. يقول معارضون سوريون من هيئة التنسيق إنهم حين ذهبوا الى القاهرة والتقوا بنبيل العربي لم يشعروا بأن ثمة إعداداً لمثل هذا القرار.
    لكن القيادة السورية توقعت «شيئاً سلبياً» منذ التحاق وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل باجتماع اللجنة الوزارية. قالت اوساط سورية إن أميركا مارست اقسى الضغوط في الساعات الاخيرة لرفع اللهجة العربية ضد سوريا. سبق ذلك تصريح لوزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه يقول «إن المبادرة العربية ماتت»، وبين هذا وذاك صدر التصريح الأميركي الداعي المسلحين السوريين لعدم تسليم سلاحهم.

    يقول السوريون إنهم لم يفاجأوا فعلا بموقف الجامعة، ولكنهم فوجئوا بالتوقيت، وفوجئوا ايضا بأن الوزراء العرب لم يترددوا في دعوة رئيس المجلس الوطني المعارض برهان غليون الى طاولتهم في فندق الفورسيزنز، وهو ليس وزيراً للخارجية. قُرئ الموضوع من عنوانه.
    كانت دمشق تتوقع ان تصدر الجامعة موقفاً «سلبياً» في ختام المهلة التي اعطتها للقيادة السورية، ولكنها ما انتظرت سرعة القرار. ولذلك ثمة جزم سوري بأن الأميركيين دخلوا على الخط في الساعات الأخيرة.
    يقول مسؤول سوري له خبرة طويلة في اروقة الجامعة: «نحن نعرف كيف تصاغ القرارات في الجامعة العربية، وكيف ينصاع بعض الأخوة العرب للأسف للإملاءات الاميركية، وندرك ان قطر تلعب حالياً أسوأ الادوار في هذا السياق».

    وقائع الجلسة المغلقة
    عقدت الجلسة المغلقة واستهلها الامين العام للجامعة بعرض الخطوات التي تمت حيال سوريا، من الزيارة الأولى في 13 تموز 2011 وصولا الى اللقاء مع الأسد..شكا نبيل العربي من انه اتصل غير مرة بوزير الخارجية السوري ولم يجب، وترك له رسائل عند السكرتارية ولم يرد.
    ثم قال إنه «مع ارسال لجنة تقصي الحقائق لنسمع الرواية الحقيقية، ولكن مع الاسف لم نوفق بتشكيل اللجنة او بإرسالها في الوقت المناسب، ويمكن ان تضم اطرافاً دولية مثل مجلس حقوق الانسان او غيره».
    كان المندوب السوري متحفزاً للجواب. نظر الى الشيخ حمد وقال له «في هذه القاعة بالذات أثرت في مداخلتي في خلال الاجتماع الاول للجامعة ما تفضل به معالي وزير الخارجية اللبناني بأن ثمة نية مبيتة لأخذ سوريا الى مذاهب شتى. اجبتني يومها بأنك يا اخ يوسف متوهم فأجبتك أرجو يا شيخ حمد ان يكون الامر كذلك. اليوم وبعد قراءة هذه الورقة... واضح تماما انكم نسفتم، ليس الخطة فقط، بل حتى الآلية التي وضعتموها قبل ان تولد.

    كنتم في عجلة من امركم ولم تنتظروا مجرد تشكيل بعثة من الجامعة لتذهب الى سوريا من اجل ان تتقصى الوقائع ... لأنكم لا تريدون ان تقفوا على حقيقة الموقف».

    وأكد المندوب السوري ان تعليق العضوية باطل قانونياً، وشرح الاسباب. وقال يوسف احمد «حذار السماح بتأجيح النار التي لن توفر احداً، وسوف تلتهم الجميع، حذار من ترك سوريا من دون الوقوف بحزم حيال ما يحصل من مؤامرات مكشوفة وتحريض مغرض وحملات إعلامية شرسة تجاوزت كل الحدود ودعوات اجنبية علنية لإسقاط النظام».

    وقال «من الاجتماع الاول كنا نشتم رائحة تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وكنا نغالط انفسنا مرة تلو مرة. وما يطرح اليوم هو دليل قاطع على حقيقة ما توقعناه. ان البند الثاني من مشروع هذا القرار يشكل سابقة خطيرة للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدولة عضو في الجامعة.. ويقوض اسس السلام والاستقرار في المنطقة».

    ثم تحدث مندوب العراق فتحفظ على البند الثاني، وقال «نشم منه وكذلك اعتقد ان بعض الناس ستقول انه دعوة للتدخل الاجنبي وهذا سيعقد الامور، ليس على سوريا فقط وإنما على دول الجوار كالعراق... والنقطة الاخرى وحسب ميثاق الجامعة، نجد ان تعليق او تجميد عضوية دولة من المفروض ان يحصل على إجماع... واقتراحنا الملموس هو انه لدينا مبادرة عربية متفق عليها، وسوريا موافقة عليها ويمكن لهذه المبادرة ان تطرح على المجالس الدولية مثل مجلس الامن ومجلس حقوق الانسان ليتم تبنيها».

    رد نبيل العربي على الجانب القانوني بقراءة جزء من المادة 12 من النظام الاساسي لمجلس الجامعة، مشيراً الى ان تعليق العضوية هو من المسائل الموضوعية التي يتطلب إقرارها ثلثي اصوات الدول الحاضرة والمشاركة في التصويت وأما الفصل فيتطلب الاجماع.

    انتفض المندوب السوري قائلا «انا استغرب دفاع الامين العام عن مشروع القرار وهو المؤتمن على تنفيذ الميثاق، وأنا اسألك لماذا اجتزأت في قراءتك ما ورد في النظام الاساسي، فأنت تعرف ان المادة 12 من النظام الاساسي تنص صراحة على ان الفصل او التعليق يتطلب العمل بأحكام الفقرة 2 من المادة 18 من الميثاق التي تؤكد بشكل واضح وصريح وجود إجماع من المجلس في حالتي الفصل او التعليق».
    ووافقه على ذلك مندوب الجزائر الذي حذر من خطورة ما يجري ودعا الى الحكمة. وقال «نحن ننبه الامين العام ومجلس الجامعة الى ضرورة وضع دراسة فورية لهذه المسالة لأننا سندخل في متاهات وأمور كثيرة الآن وفي المستقبل قد لا تحمد عقباها، ولا بد من اعطاء الوقت الكافي للامانة العامة من اجل تقديم المطلوب قبل ان نقر هذه الفقرة المتعلقة بتعليق العضوية».
    وفي الختام تحدث الشيخ حمد موضحاً ان وفد لبنان اعترض على القرار وكذلك اليمن وأن العراق امتنع عن التصويت، وأنهى الاجتماع بشكل مفاجئ من دون السماح للوفد الجزائري بالتعبير عن موقفه، فانتفض المندوب السوري وقال للمسؤول القطري «هذا تآمر منك شخصياً وتجاوز على القانون والميثاق. انت رأس المطية والتخريب ليس في سوريا فقط بل على مستوى الدول العربية الاخرى. انت والامين العام تجرمون بحق سوريا وبحق الامة العربية. انتم عملاء وتنفذون اجندة غربية وسيحاسبكم الشعب العربي في يوم من الايام على هذه الجرائم التي ترتكبونها»
    تحت المجهر
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.