• كيف دخل الإسلام إلى اليابان

    الدين الحنيف يبزغ بقوة في بلاد الشمس المشرقة
    أزمة النفط في حرب "أكتوبر" دفعت اليابانيين إلى دراسة الإسلام


    انطلقت رسالة الإسلام من جزيرة العرب في اتجاهات الأرض الأربعة.. إلا أنها بدت حثيثة في خطاها تجاه الشرق الأقصى.. عبرت إيران إلى أفغانستان فالصين ثم الهند ووصلت إلى الفلبين، لكنها لم تدخل اليابان والتي تسمى بلاد الشمس المشرقة لأنها لم تكن - وقتها - مفتوحة على العالم، ولم تتصل بالعقيدة الإيمانية إلا قبل أربعة قرون فقط، من خلال ترجمة بعض كتب الغربيين والمستشرقين إلى اليابانية، والواضح أن المسلمين - ذاتهم - بعد وصولهم إلى الفلبين انشغلوا بمعركة الدفاع عن الذات والوجود خصوصا بعد سقوط الأندلس واتجاه الاسبان والبرتغاليين لحصار الدين الحنيف في آسيا، حيث قتلوا السلطان سليمان ونجحوا في تحويل حاضرته “أمان الله” إلى مانيلا الحالية.

    فى عام 1890م وصلت الباخرة العثمانية “أرطغرل” وعلى متنها نحو 600 ضابط وجندي وبحار في زيارة ودية إلى اليابان، وغرقت في طريق عودتها في بحر اليابان، وقضى 550 من طاقمها نحبهم بسبب إعصار مدمر، فأرسلت اليابان إحدى سفنها وحملت الأحياء من الباخرة التركية إلى اسطنبول وكان هذا أول اتصال إسلامي رسمي باليابان، ثم أقام اليابانيون للضحايا صرحاً ومتحفاً تخليداً لذكراهم بحسب عاداتهم في مثل هذه الظروف، ولا يزالون يحتفلون كل 5 أعوام في التاريخ نفسه بهذا الحدث، حيث تزور باخرة تركية على متنها وفد يمثل جميع القطع العسكرية التركية مكان الحادث، ويخرج السكان المحليون لإقامة المراسم وكأن الحادثة وقعت بالأمس القريب.

    تبرعات لضحايا السفينة

    وبعد سنة من حادثة غرق السفينة أي في عام 1891م قام صحافي ياباني بجمع تبرعات مالية لأسر ضحايا السفينة أرطغرل، وزار عاصمة الخلافة العثمانية وهناك طلب منه السلطان عبد الحميد البقاء لتعليم بعض ضباط الجيش اللغة اليابانية، وعلى أثر ذلك أسلم وتسمى ب “عبد الحليم نوده”، ولعله أول ياباني مسلم معروف.

    وفي عام 1892م قام صحافي آخر بزيارة مماثلة إلى اسطنبول ومنّ الله عليه أيضا بنعمة الإسلام ولعله ثاني ياباني مسلم معروف، وفي عام 1900م قام مدير شركة نصراني ياباني بزيارة بومباي ولفتت نظره عمارة أحد المساجد وكانت سببا في سؤاله عن الإسلام ثم اعتناقه له لاحقا وتسمى ب “أحمد أريكا” وقد شارك في ترجمة معاني القرآن الكريم، وساهم إسهامات كبيرة في الدعوة الإسلامية في اليابان.

    وفي كتاب “الرحلة اليابانية” ذكر “علي أحمد الجرجاوي” مؤلف الكتاب أنه قام بزيارة اليابان عام 1906-1907م ومعه مسلم صينى والتقيا هناك في طوكيو بمسلمين “روسى وتركى” وكونوا جمعية إسلامية وحينها أسلم على أيديهم 12ألفاً من مختلف شرائح المجتمع الياباني.

    وفي عام 1909م وصل إلى اليابان داعية تتاري الأصل بقي فيها ستة أشهر ودعا إلى الإسلام، وألف كتاب “عالم إسلام” وقد ترجم إلى العربية، وفي العام نفسه أسس أول حاج ياباني حج عام 1909م مع المسلمين الجدد العائدين من الحرب “جمعية مسلمي اليابان”، وهي أول جمعية إسلامية معروفة في البلاد ولاتزال تعمل حتى الآن. وفي الفترة ما بين 1914-1919م أقام في اليابان أستاذ للغة الأوردو في جامعة “طوكيو” وفي الوقت نفسه داعية من الهند، وكان له دور كبير في مساعدة الداعية التتاري في عمله الإسلامي.

    ومن المعروف أن أول تجمع إسلامي في اليابان أقامه المهاجرون التتار الروس في أوائل القرن العشرين نحو عام 1921م، ثم أسس بعض التجار المهاجرين من الهند مسجد كوبة عام 1935م، ومما يدعو للدهشة أن هذا المسجد كان المبنى الوحيد الذي بقي دون غيره بعد أن ضرب المنطقة أحد الزلازل المدمرة في أواخر القرن العشرين، ودمر الكنائس والمعابد والمؤسسات التجارية.

    نشاط ملحوظ

    وكان هناك نشاط ملحوظ في نشر الدعوة تقوم به جمعية الطلبة المسلمين. وزادت مجهودات اليابانيين أنفسهم في الدعوة، وهناك عدد من المسلمين اليابانيين تحملوا مسؤولية الدعوة، ومن أنشط المسلمين طبيب ياباني اسمه (شوقي فوتاكي ) افتتح مستشفى خاص وأسلم على يديه الآلاف وساعدته في ذلك جمعية تعاونية إسلامية، ساعدت في إقامة المستشفي في قلب مدينة طوكيو، كما أسلم تاجر لحوم في مدينة ساكو وأصبح يزود المسلمين بحاجتهم من اللحوم المذبوحة بالطريقة الإسلامية .

    وينتشر المسلمون اليابانيون في مناطق طوكيو، وكَنْسَاي، وأُوساكا، وكوبي، وكِيُوتُو، وفي نَاجويا، وفي جزيرة هُوكَّايْدو، ومنطقة سِنْدَاي، وشِيزُوكَا، وهِيروشيما .

    توجد في اليابان عدة مساجد، واحد في طوكيو أسسه المرحوم (محمد عبد الحي قربان ) سنة 1357 ه وهو على طراز المساجد التركية، وقد تصدع بنيانه وهو الآن ملك السفارة التركية، ومسجد في مدينة أوساكا، ومسجد في مدينة كوبي، وهناك مسجد أثري في مدينة ناجويا وقد تهدم في غارات الحرب العالمية الثانية، وتبرعت وزارة الأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة بمبلغ مليون وثلث المليون دولار لبنائه، وباقي المساجد موزعة في بعض المدن خارج طوكيو، كما تبرعت المملكة العربية السعودية بأرض سفارتها القديمة في طوكيو لإقامة مسجد ومركز إسلامي.

    ترجمت معاني القرآن إلى اللغة اليابانية، وكانت أول ترجمة في سنة 1339 ه، وصدرت الترجمة الثانية في سنة 1393 ه، ويجب التدقيق فيما صدر من تراجم، فقد استمدت مصادرها من تراجم إنجليزية.

    وتوجد في اليابان عدة جمعيات إسلامية منها: الجمعية الإسلامية اليابانية، والجمعية اليابانية الثقافية، والمؤتمر الإسلامي الياباني الذي قام بفتح فصول لتحفيظ القرآن الكريم، والمركز الإسلامي الياباني، وجمعية الطلاب اليابانيين المسلمين، وجمعية الوقف الإسلامي باليابان. ومع أزمة النفط التي واكبت حرب أكتوبر/ تشرين الأول بدأ العديد من اليابانيين يبحثون عن مصدر الطاقة وأدركوا أن معظمها يأتي من الدول الإسلامية، مما دفع العديد منهم لدراسة الإسلام ومن ثم اعتناقه. وخلال هذه الفترة تزايدت التجمعات الإسلامية من أقصى الشمال في هوكايدو (مجموعة عبد الله أراي) إلى سنداي (مجموعة محمد ساتو) وطوكيو (د. شوقي فوتاكي ومحمد سوادا) والعديد من الأفراد في مختلف أنحاء اليابان.

    وفي فترة ما قبل عام 1973 م كان عدد المسلمين اليابانيين ما بين ألف وثلاثة آلاف، وقدرت تقارير الحكومة اليابانية أعدادهم بمائة ألف قبل بضع سنوات، إلا أن عددهم يزداد باطراد، أما الأجانب فلا يقل عددهم عن ثلاثمائة ألف.

    مركز "الخليج" للدراسات
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.