• سورية : حسم ورسائل حازمة .. بقلم : د. أمين محمد حطيط

    سورية : حسم ورسائل حازمة .. بقلم : د. أمين محمد حطيط


    عندما أُخرجت حماه قبل ما يقارب الـ45 يوماً عن سيطرة الدولة، ظن موجهو الأحداث في الشارع السوري، أن النظام بدأ يترنّح، وانطلقت التكهنات بتوقيت سقوطه، حتى أن البعض ـ من الداخل والخارج - لم يتورع عن البحث عن حصته في الكعكة السورية، وراحت دول وهيئات وتنظيمات حتى وشخصيات في الداخل والخارج تعيد النظر بمواقفها، لتتقرب من جماعات خرجت على االقانون والدين والأخلاق، ومارست الاجرام بكل ما تعنيه الكلمة، تراجع مواقفها طلباً لاسترضاء "المعارضة " التي شارفت على الحكم، او استرضاء أميركا التي ترعاها.
    لكن الحالة التي خدع البعض بها لم تطل، بعد أن تمكنت الدولة بقواها العسكرية الأمنية أن تضع حداً للعصيان المسلّح في حماه، وتنفذ عملية عسكرية ناجحة، أعادت المدينة كما كانت اعادت سواها الى كنف الأمن الشرعي، ابتداء بدرعا وانتهاء بجسر الشغور. وبهذا كان الذهول الخارجي عامة والأميركي خاصة، الأميركي الذي صدم بالنجاح السوري في معالجة العصيان التخريبي، ما أسقط في يده.
    ذهلت أميركا من النجاح السوري في معالجة الإرهاب التآمري على استقرار الدولة ووحدتها. صدمة سببها شعورها بأن ما تمنته من تعويض خسارة حرب العام 2006 (التي عولت عليها لتكون المدخل لشرق أوسط مفتت متناحر لا مكان للمسيحيين فيه) بات غير ممكن التحقيق في الظروف المتشكلة بعد الصمود السوري الذي أفشل الخطة الاميركية التي كلف بتنفيذها اقليميون من عرب ومسلميين مع أوروبيين، والتي قامت على اشعار النظام بالمخاطر التي تتهدده، لدفعه الى الاستسلام ثم الاذعان لمطالبها التي باتت واضحة محددة بتفكيك جبهة المقاومة والممانعة، والتحاق سورية بالركب الأميركي، ومنع تهديد الوجود الاميركي في العراق، والحد من اي تهديد "لإسرائيل" التي تعاني الكثير بعد هزيمتها في لبنان عام 2006.
    لقد نظرت أميركا الى حماه – التي عزلتها "المعارضة المسلحة " - على أساس أنها الاحتياط الإستراتيجي لتنفيذ الخطة وإنجاحها وتعويض ما فات في السنوات الست الماضية، وأرسلت سفيرها اليها ليبلغ المسلحين الخارجين على القانون، بأن أميركا معهم ولن تدع النظام يعود اليها، الا بإشرافها، وفد اكده الاعلان التركي بأن "حماه خط أحمر" بوجه الجيش والامن السوريين، وكررته بعض دول الخليج، بترداد المقولة ذاتها بعبارات عربية مختلفة . لقد عولت اميركا على حماه ذات السبعمئة الف نسمة حتى تشاغل النظام لمدة اقلها 3 أشهر، تتمكن خلالها من تعميم الحالة الحموية على مناطق أخرى مع طموح بتفجير الاوضاع في كل من دمشق وحلب اللتين استعصتا على المؤامرة.
    لكن نجاح الدولة السورية في معالجة ملف حماه ادى ميدانيا الى انهيار الآمال الاميركية خصوصاً وان العملية العسكرية جرت جراحة بالمنظار. نجاح لم يكن ليحصل الا بسبب يعود الى ان غالبية أهالي حماه، هم مع دولتهم وجيشهم وان الجيش ابدى احترافا ميدانيا عاليا في العمل بين أهله، لذلك لم تكلف المعالجة من الوقت إلا اياماً لم تتجاوز اصابع اليد الواحدة ولم تتسبب في خسائر بشرية، الا ما قتله المسلحون، أو ما الزم المخربون الجيش قتله منهم وهي حصيلة منخفضة السقف ودون مستوى التصديق من قبل الخبراء العسكريين الذين يتوقعون عادة ان يسقط في عملية مماثلة الآلاف، فوجدوا ان الكلفة لم تتجاوز العشرات (75 قتيلاً خلال خمسة ايام من العمل الميداني).
    وبسبب هذا الإنهيار للآمال الأميركية ووقوف اميركا على حقيقة لا يمكن إخفاؤها، تتمثل بالقول أن سورية بانجازها اليوم تكمل نصر العام 2006 على المشروع الغربي، الذي حفر قبره آنذاك ويوارى في الثرى اليوم، لهذه الأسباب قادت أميركا "الثورة الخارجية البديلة" فقد حركت اتباعها في المنطقة، علها تنتزع من اليد السورية النصر الذي تحقق بوعي الشعب السوري، وبعرق ودماء أبنائه، وصلابة حكامه، ثورة ترجمت بمواقف خليجية معلبة، وتهويل تركي موجّه، لتمنع الاجهاز على الحركة التخريبة الداخلية. لكن الغريب أن أصحاب هذه المواقف قفزوا فوق الواقع الذي يعلمون بان سورية تعلمه، وهو عجزهم عن شن حرب على سورية تحقق أهدافهم، او حصارها اقتصادياً بشكل يسقطها. وهم يعرفون قدرتها مع حلفائها على رد يلهب المنطقة، ويحرق مصالحهم، وان الحلفاء والاصداقاء من جوار سورية، لن يتخلوا عنها اقتصاديا. ولهذا، ومع استحالة الحرب، وتلاشي الآمال الموضوعة على الحركات التخريبية، بعد استعادة حماه، يبدو أن أميركا بدأت المرحلة الاخيرة من مراحل الخطة الغربية ضد سورية، وهي كما يظهر، مرحلة ذات مضمون سياسي - اقتصادي، تترجم بالضغط المتصاعد والتهويل والعقوبات.
    وفي المواجهة الأولى من هذه المرحلة، كان انتصار سوري آخر، عبر ما تمخّضت عنه زيارة الوزير التركي، الذي سمع ما خططته سورية لنفسها، دونما إصغاء لإملاءات احد، وعبر التعامل السوري مع النبرة الأميركية، التي علت بالتهديد والعقوبات لتبتز، فلم تغير شيئا، وكذلك من خلال ردة الفعل السورية على حركة سفراء من الخليج، فقد استمر الموقف السوري على تماسكه، مظهراً حقيقة الواقع كما يبدو من الصلابة والحزم، اكثر مما توقع الآخرون: واقع يؤكد ان سورية بصدد الخروج السريع من ازمتها، مسجلة الانتصار على خصومها في الخارج، ومقدمة الإصلاح المطلوب لشعبها في الداخل، وهذا ما احدث للاخر الصدمة الثانية، عندما رأى انها في الوقت الذي أكدت فيه على السير في الحركة الاصلاحية التي بدأتها دونما تراجع، وشرعت ابواب الانخراط فيها للمعارضة الوطنية السلمية من دون قيد، تؤكد على اجتثاث الحركة التخريبية التي يرعاها الغرب، فكانت رسائلها الاشد حزما:" سورية ستفرض الامن، وتحقق الاصلاح وتستأنف الدور الاقليمي، مفعلة موقعها الإستراتيجي الذي أرادوا زحزحتها عنه، ففشلوا.

    صحيفة البناء
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.