العلمانية والليبرالية العربية
كعادة العرب والمصريين خاصة يتم إستيراد المصطلحات التى تعبرعن إتجاه فلسفى أو منهج سياسى. لكن عن عمد يتم تعريب المصطلح لتقليل حدته وتكييفه بما يوافق أهواء معتنقيه. هذا التماهى ينقذ معتنقى المذهب من إشكاليات كثيرة أهمها على الإطلاق هو تجنب نفورالرأى العام من وقع الكلمة الصادمة لمعتقدات وإيمان الفرد. الأمر الآخر هو تكييف هذه الفلسفة لما يتناسب مع أهداف معتنقيها والتحلل من بعض إلتزاماتها وتبعاتها.
الإشكالية الكبرى أن إستيراد هذه الإتجاهات يتم بعيدا عن أسباب نشأتها. فلا أحد يسأل ولاأحد يحاول أن يشرح السياق (context ) الذى ظهرت فيه هذه الفلسفة أو إذا كانت ظهرت كرد فعل أو لمقاومة ظروف مجتمعية أو سياسية فى المجتمع الذى نشأت فيه. فنشوء الفلسفات وتطورها فى الغرب قد يستغرق عدة مئات من السنين فتبدأ بفكرة ثم مجموعة من المنظرين وقد تتطور فتتبناها الأحزاب السياسية وقد تنشأ دول لتطبيق هذه الفلسفات كما حدث مع الشيوعية و روسيا.
لكن مايحدث فى العالم العربى ومصر خاصة أن هذه الفلسفات لاتظهر إلا فى وسائل الإعلام ويتم فرضها فرضا فى مناهج التعليم والقوانين والإعلام وكل ماأوتى النظام قوة. وفى نفس الوقت تمارس أجهزة الدولة القمع و التضييق على معارضى هذه الفلسفات حتى لو كان المعارضون يروجون لفلسفات غربية أخرى (مثلا الشيوعية والرأسمالية) فما بالك بالإسلاميين؟
لكن الجديد هو خروج المجتمع بعد الثورة من تحت مظلة القمع. فمبجرد إنهيار النظام وجد العلمانيون والليبراليون والشيوعيون أنفسهم فى موقف لايحسدون عليه. فهم غير موجودين فى الشارع وليس لهم عدد كاف من الأنصار. فهم بالكاد مع دعم الكنيسة المسيحية لم يستطيعوا أن يستميلوا إلا 22% لصالح موقفهم من رفض التغييرات الدستورية. ولكن هناك معركة لجذب مزيد من المؤيدين بإستخدام التلاعب اللفظى والتعمية الحقيقية عن طبيعة هذه الفلسفات . أكثر هذه الفلسفات إنتشارا هى العلمانية والليبرالية أو تلازمهما معا.
العلمانية ( secularism) : طبعا ليس هناك علاقة بين هذه الفلسفة والإصطلاح المستخدم فى العربية فمثلا الموسوعة البريطانية تقول "secularism, any movement in society directed away from otherworldliness to life on earth " بمعنى الإنصراف إلى الحياة الدنيا والبعد عن أى غيبيات (دين) .فالترجمة الصحيحة لها هى الدنيوية أو اللادينية (سنستخدم الدنيوية بدلا من اللادينية للتخفيف). ونشأة الدنيوية فى أوروبا كانت فى سياق حكم الكنيسة والملك بزعم وجود وحى أو حق إلهى أو مايسمى ب ( divine kingship) كما يزعمون فتم حرمان وقتل العديد من العلماء . وخضعت أوروبا لفساد وظلم تحالف الكنيسة والملكية. فالدنيوية كانت فلسفة للخروج من حكم الوحى الإلهى للتطور العلمى والحضارى.وهذه الحالة لم توجد فى أسوأ حقبات الظلم فى التاريخ الإسلامى أن إدعى أحد أنه يحكم بوحى إلهى.
حقيقة الدنيوية : تعنى التخلص من الإسلام كمرجعية للتشريع والسلوك الفردى. وأى كلام خلاف ذلك هو من باب المواراه والموائمة .
الليبرالية ( liberalism) : أما الليبرالية التى يستنكف الليبرالين العرب ترجمتها إلى التحررية فهى طبقا للموسوعة البريطانية أيضا liberalism, Political and economic doctrine that emphasizes the rights and freedoms of the individual and the need to limit the powers of government. أى إعلاء الخصوصية الفردية فى مقابل قوة الحكومة. وقد نشأت فى أوروبا بواسطة (Thomas Hobbes و John Locke) فى أعقاب حرب الثلاثون سنة (1618–48) التى قامت لأسباب عديدة أهمها دينى ونتيجة لذلك خرجا بنظرية العقد الإجتماعى بين الحاكم والمحكوم فى مقابل الحق الإلهى ( the consent of the governed, given in a hypothetical social contract rather than by divine right ) ثم إضيف لها البعد الإقتصادى أى السوق الحرة بواسطة ( Adam Smith((واسطة آدم سميث أى السوق الحرة.السوق الحرة.كوم فى مقابل الحق الإريعات.م أقرب الناس للكنيسة المصرية ولاأقول لمطالب المسيحين. و ر) . يمكن بللورة فكرة التحررية السياسية فيما قاله (Tocqueville) الذى يعتبر أبو الليبرالية التقليدية محذرا من "tyranny of the majority " أو طغيان الأغلبية فقال "The very essence of democratic government consists in the absolute sovereignty of the majority." أى " جوهر الحكم الديمقراطي تتمثل في السيادة المطلقة للغالبية" .
الترجمة العربية لاتستخدم مطلقا وهى التحررية والتعمية على القيم التى تجلب إزعاجا أى إعلاء حرية الفرد حتى لو خالف الدين والتقاليد مالم يؤذى الآخرين (من وجهة نظرهم طبعا) والتركيز على تطبيق وحيد من تطبيقاتها وهو مراعاة الأقليات الدينية والعرقية.
التحررية العربية تعنى فى المقام الأول التحرر من القيود الشرعية الإسلامية بدعوى مراعاة حقوق الأقليات الدينية وتسويق الأمر على أن وضع الإسلام كمرجعية هو ظلم وإهدار لحقوق الأقلية .
التوظيف السياسى للعلمانية والليبرالية : بالرغم من أن الترجمة الحرفية للعلمانية تعنى الدنيوية أواللادينية فهذا لايعنى أن كل العلمانيين لادينيين. وأيضا لايعنى أن كل الليبراليين تحررين. للأسف هناك الكثيرين الذين يتشدقون بهذه الألفاظ ويفخرون بإنتسابهم للفلسفتين بدون إدراك كامل لمعناهما. أما المثقفين الذين يؤمنون إيمانا كاملا بالمنهجين فلايفصحون أبدا بطريقة مباشرة عن إعتقادهم فتراهم يتشدقون بأن إبتعاد الدين عن السياسة هو حماية للدين نفسه من دنس السياسة وألاعيبها. بينما يطاردون كل ماهو إسلامى تجدهم ضيوف دائمون فى الأعياد المسيحية ويفتخرون بصداقاتهم للبابا وكبار رجال الكنيسة. يقولون يجب أن يبقى الإسلام فى المسجد لكن فى نفس الوقت يتصيدون مايقال فى المسجد وينشرونه بإنتقاد لاذع. يختزلون قيم الليبرالية والعلمانية بحماية الأقلية المسيحية لتحقيق أهدافهم فقط. فمثلا المفروض حسب القيم الليبرالية أن يرعوا الأقليات الدينية الأخرى كالشيعة والبهائيين مثلا ولكنهم لايؤمنون بوجوب دعمه هذه الأقليات فضلا عن خوفهم من النظام. وإذا كانوا ليبرالين حقا لماذا لايدعموا حق الشواذ جنسيا مثلا لكنهم لايريدون التصادم مع المجتمع.
الموضوع بإختصار هو أن الدنيويين والتحرريين يستخدمون المسيحيين كحائط صد لتطبيق التشريعى للإسلام.
الإسلامية : الإسلاميون يطرحون دولة تكون الشريعة مقننة بقوانين ثابتة وليست فتاوى متناثرة كل قاض يفسر أو يختار الفتوى التى على هواه كما يزعمون. دولة تحترم فيها حرية الفرد لكن بسقف دينى. لأن الذى ينتهك الدين حتى لو خلا بنفسه يؤذى المجتمع ككل ومن واجبات الفرد والدولة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. إن أكبر ضمانة لحقوق الأقليات هى الشريعة الإسلامية حيث كل طائفة تشرع لنفسها عكس النظم الغربية مثلا التى تجرم الجمع بين أكثر من زوجة للمسلم مثلا. فى حين يتيح النظام الإسلامى لغير المسلم فى الدولة الإسلامية شرب الخمر وأكل الخنزير وهما محرمان على المسلمين.
قبل الإسلاميون بالإحتكام إلى صندوق الإقتراع وحرية تأسيس الأحزاب حتى للشيوعيين إيمانا منهم بإختيار الأغلبية للطرح الإسلامى على غيره من المذاهب السياسية. فقرار الإخوان بالتنافس على 50% فقط من مقاعد البرلمان لإعطاء الفرصة للأحزاب عبارة عن تطبيق حرفى لقيم الليبرالية السياسية. أما قمة الليبرالية السياسية من الإخوان فلأنه التيار الوحيد القادر على إيصال المرأة والمسيحى عن طريق الإقتراع الحر إلى البرلمان. فى نفس الوقت الذى ترى فيه التيارات السياسية والعلمانية تريد مصادرة ليس فقط حق الإسلاميين فى تكوين أحزاب والترشح فى الإنتخابات بل مصادرة حق التصويت إن أمكن.
فهذا هو النظام الإسلامى المنشود الذى ينبغى ألا يخيف أحدا إلا من له رغبات معينة لايمكن أن تتوافق ولايستطيع أن يتكيف مع النظام.
محمد أبو راشد المرصفى
كاتب مصرى
رسالة إدارية
حدثت الأخطاء التالية عند الإرسال