أربعون عاما من الوعظ:قصة قصيرة بقلم زكريا عبدالعنى
by
, 16/05/2010 at 01:08 PM (3920 Views)
[COLOR=Red][SIZE=5][FONT=Tahoma] [SIZE=4]أربعون عاما من الوعظ:قصة قصيرة بقلم زكريا عبدالغنى [COLOR=Blue]
شكّلوا وفدا من بينهم،وذهبوا قبل ظهر الجمعة إلى بيت الشيخ إبراهيم إمام المسجد،كانوا أربعة من الرجال الوقورين على رأسهم شيخ البلد،فرحت ابنته برؤيتهم لعلهم يستطيعون أن يخرجوه من صمته وعزلته اللذين اعتصم بهما منذ يوم الجمعة الماضى.
فتح باب الغرفة ورد السلام ونادى يطلب الشاى،ثم لاذ بالصمت العنيد،حلّقت فوق رؤوسهم رهبة غامضة،والشيخ يتشاغل بمسبحته حتى جىء بالشاى،كأن دخول الشاى أيقظ العزم النائم داخلهم فتشجع شيخ البلد: _ لم نرك منذ أسبوع يا شيخ إبراهيم.
مد راحته والسبحة تتدلى منها أن اشربوا الشاى،كان وجهه غامضا يائسا رهيبا،فانخرطوا فى شرب الشاى، وتعاقبت الرشفات.
_سمعنا أنك لن تخطب الجمعة ثانية،ونخشى أن يكون هذا حقيقة.
حدّق الشيخ فيهم طويلا حتى ملأ الغبش عينيه،رفع نظارته الطبية ودعك عينيه بإصبع يده اليسرى،ارتاح للظلام فأطال الدعك حتى هتف أحدهم:
_مالك يا شيخ إبراهيم؟
أعاد نظارته وقال بصوت خفيض بعد أن تنهّد تنهيدة كادت تشرخ صدره:
_ أربعون عاما وأنا أخطب الجمعة،أليس من حقى الآن أن أرتاح؟!
اغتبطوا إذ تفوّه بالكلام،وقالوا بصوت واحد:
_ومن لنا غيرك يا مولانا؟
ضغط الشيخ شفتيه بأسنانه،وبدا كأنه يكظم ألما،ثم همهم بصوت خافت:
_لا فائدة.
خافوا مغبة الجدل فانكفأوا على أكواب الشاى،فيما سرت الرعشة من صوت الشيخ إبراهيم إلى جسده النحيل وأطرق يحدّق فى الشاى متظاهرا بالتماسك،طالت اللحظات فهتف أحدهم:
_مالك يا شيخ إبراهيم؟
أفاق الشيخ ونظر يحدّق فيهم،ثم قال بصوت يائس:
_الحقوا بالصلاة فقد حان أوان الظهر.
_تعال معنا لتخطب فينا.
_أقسمت بالله ألاّ أخطب بعد الآن.
خرجوا من الحجرة واحدا بعد الآخر.توضأ الشيخ إبراهيم،ثم لبس قفطانه وتعمم بعمامته وتناول عصاه،عندما رأته ابنته ابتهجت،فتح الباب الخلفى واتجه إلى الفناء،كانت الجاموسة والبقرة تجتران والحمارة السوداء تقف وادعة فى الظل،بينما تمرح بعض الماعز،والخروف ينطح الشاة بحنان،وقد انتشرت فى الفناء بعض دجاجات تنقر الحب،خلع الشيخ إبراهيم حذاءه واعتلى المصطبة وهو يتوكأ على عصاه،واجه البهائم وتنحنح ثم قال بصوت خاشع:
_الحمد لله.
التفتت إليه الحيوانات،ثم أرهفت السمع.
* * * * * [/COLOR][/SIZE]
[/FONT][/SIZE][/COLOR]