رد: أدب الرحـــــــلة ...
باحثون مغاربة يناقشون
آفاق البحث الرحلي بالمغرب
سعيد الراقي
شهدت قاعة محمد حجي للمحاضرات بكلية الآداب بالرباط، وعلى امتداد يوم كامل(الخميس 6 دجنبر 2007) ندوة علمية تحت عنوان آفاق البحث الرحلي بالمغرب نظمتها الجمعية المغربية للبحث في الرحلة. وجمعت نخبة من الباحثين المغاربة من عدة جامعات مغربية(تطوان، الرباط، الدار البيضاء، القنيطرة، وجدة، اكادير.) ومن تخصصات علمية مختلفة(الأدب العربي، التاريخ، الأدب الفرنسي). وقد توزعت أشغال هذه الندوة على ثلاث جلسات علمية.
انشغلت الجلسة الأولى(الخميس صباحا) التي ترأسها الحسن الغشتول بأفاق البحث الرحلي افتتحها عبد الرحيم مؤدن(أستاذ جامعي) بتدخل موسوم ب"قراءة في مشروع ارتياد الآفاق للبحث الجغرافي" وصف فيه هذه التجربة، كما وكيفا، المخصصة للنص الرحلي، تحقيقا وتعريفا ونقدا وتداولا، مع إبراز مدى إسهام هذه المؤسسة في التعرف على الذات والآخر، من جهة، وتحصين من جهة ثانية، قيمة الاختلاف والمغايرة كأداة للحوار بين الشعوب والثقافات النتعددة بعيدا عن الأحادية أو القطبية الإبداعية والإيديولوجية.
ثم تلاه محمد الحاتمي(أستاذ جامعي) بتدخله بموضوع تحت عنوان" رحلة العبدري من النشر إلى التحقيق العلمي" تتبع فيه مسار تحقيق رحلةالعبدري الذي بدأه بن جدو ثم تبعه محمد الفاسي ثم تلاه المحققون الآخرون وتوقف عند كل محطة وبين بعض نواقصها وذلك من أجل تحفيز الباحثينإلى المزيد من العناية بهذا المجال - تحقيق النصوص- متى يجد من يتصدى لدراسة الرحلةنصا محققا يطمئن إليه.
وفي نفس الموضوع تدخل أحمد السعيدي(باحث) بتدخل موسوم ب"النص الرّحلي وتحقيقاته: قراءة في تحقيقات رحلة "ناصر الدين على القوم الكافرين" انطلاقا من تعدد تحقيقات رحلة أفوقاي "ناصر الدين، على القوم الكافرين" البالغة أربعا (تحقيق محمد رزوق البيضاء، 1987،/ تحقيق شورد فان كوننكزفلد، مدريد 1997/ تحقيق أحمد حسن، بيروت 1999/ تحقيق محمد رزوق في طبعة أخرى) وقد بين في هذا العرض أسباب التحقيق وإعادة التحقيق ومسوّغاتهما وخُطط المحققين في ذلك، مع الموازنة بين أعمال التحقيق هذه المهتبلة بالنصّ الرحلي نفسه وتقويم لها، وهذا كله ينطلق من منظور مناهج التحقيق المعاصرة مع ما يتصل بها من تخريج وتوثيق وفهرسة وتقديم أو دراسة للعمل المحقَّق، مع غبراز إيجابيات وسلبيات كل تحقيق. وقد أغنى تدخله باكتشافه لنسخة مخطوطة ستمكن من ملء بياضات النسخة الموجودة حاليا. ودعا في ختام مداخاته إلى ضرورة غعادة تحقيقة رحلة أفوقاي.
وكانت آخر متدخلة هي بشرى بنبلا(أستاذة جامعية) بموضوع حمل عنوان "أدب الرحلة جنس شكالي كلي وواقعي."(بالفرنسية) أكدت في تدخلها، المستند على خلفية معرفية غربية، على أن أدب الرحلة ينتمي إلى الأدب المقارن لأنه يساهم في الكتابة عن الغير ويؤسس لكتابة غيرية تكتشف الآخر. وقد حاولت في ورقتها إبراز السمات المميزة لأدب الرحلة، إبراز إشكالية هذا الجنس المنفلت من كل تحديد، إبراز سعيه إلى إثبات ذاته باستجابته لأفق انتظار فئة من القراء تهتم بالغريب والعجيب.
اهتمت الجلسة الثانية( الخميس بعد الزوال) بالرحلة في الدراسات الأكاديمية والجامعية وقد ترأسها محمد الحاتمي وكان أول متدخل هو بوشعيب الساوري(ناقد وباحث) بموضوع حمل عنوان :"عبد الرحيم مؤدن: نحو أدبية للنص الرحلي" تناول جانب الدراسات من أعماله، وهي كتبه الثلاثة: الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر مستويات السرد(2006)، أدبية الرحلة(1997)، والرحلة في الأدب المغربي(2006). الكتاب الأول دراسة أكاديمية ترصد أهم الخصوصيات الفنية والأدبية لمتن الرحلة المغربية خلال القرن التاسع عشر، مضبوطة زمنيا ومنهجيا، يحاول التأسيس للرحلة باعتبارها جنسا أدبيا، وذلك عبر التحليل النصي المستند إلى بعض التحديدات والمفاهيم التي تراعي خصوصيات وملابسات إنتاج النص الرحلي وتلقيه. الكتاب الثاني امتداد للأول، فيه يرصد أهم النتائج التي قاد إليها التحليل النصي في الكتاب الأول مع السعي إلى تعميمها على النص الرحلي، وإن ظلت مشدودة إلى متن الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر، لذلك لن نهتم به في هذه المداخلة. أما الكتاب الثالث فهو تجميع لدراسات متفرقة سبق أن نشر أغلبها في الملاحق الثقافية، تدرس نصوصا رحلية تتجاوز القرن التاسع عشر؛ تعود إلى الوراء إلى رحلة ابن بطوطة، كما تتناول رحلات من القرن العشرين، شفوية ومكتوبة، شعبية وعالمة. وتتطرق إلى نصوص تطرح إشكالية تجنيسها خصوصياتها كأنماط رحلية، وهو موجه باستراتيجية توسيع ما تم التوصل إليه من نتائح في الكتاب الأول وجعلها منطلقات نظرية لمقاربة نصوص أخرى. وقد حاول في قراءته رصد المشترك والمختلف، التقاطعات والتداخلات والتفاعلات بين مكونات الكتب الثلاثة التي قادته إلى صياغة أسس أدبية النص الرحلي محايثة لإمكاناته الداخلية، بعيدا عن كل تعسف نظري.
ثم تدخل بعده المهدي السعدي(أستاذ جامعي) بتدخل حمل عنوان "أدب الرحلة في الدراسات الجامعية بالمغرب"تناول فيه طرق ومناهج دراسة أدب الرحلة في الدراسات الجامعية المغربية من خلال نموذج مختار، هو أطروحة لنيل دكتوراه الدولة تقدم بها الأستاذ محمد الحاتمي لنيل دكتوراه الدولة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير وهي بعنوان: رحلات السوسيين بين الإمتاع والإفادة. حاول العرض استجلاء منهج التعامل مع النص الرحلي في الجامعة المغربية، والتصورات التي تؤطره، خاصة أن العمل في هذا المجال يزاوح بين مجالين اثنين هما التحقيق (أو على الأقل البحث عن النصوص المخطوطة والعمل على قراءتها) والدراسة المبنية على وصف البنيات المضمونية والفنية.
إدريس الخضراوي(ناقد وباحث) كان ثالث متدخل بموضوع موسوم ب "مناهج دراسة الرحلة كتاب الرحلة والنسق لـ بوشعيب الساوري نموذجا" ركز في تدخله على تنوع الدراسات الرحلية بالمغرب التي احتمى أصحابها بمناهج ومرجعيات متنوعة لمساءلة النص الرحلي وإنجاز تقصيات عميقة في بنياته ومستوياته الخطابية والجمالية. وهذا ما أبرزه كذلك من خلال انكبابنا على محاورة الدراسة الهامة التي أنجزها الباحث المغربي بوشعيب الساوري بعنوان: الرحلة والنسق، مستفيدا فيها من التطور الذي تعرفه الدراسة الأدبية وكذلك مفهوم الأدب في إطار ما بعد البنيوية بانطلاقه من الدراسات الثقافية والنسقية، مقربا نصا من أهم العلامات الوضاءة في الرحلة العربية وهو رحلة بن فضلان في القرن الرابع الهجري.
أما التدخل الأخير فقد كان للباحثة أسماء المكناسي تحت عنوان "إشكالية الرحلة في القرن التاسع عشر"( بالفرنسية) وتعرضت فيه الباحثة للأسباب الموضوعية والذاتية التي كانت وراء ظهور ظاهرة الرحلة عند الكتاب الفرنسيين (الرومانسيين) خصوصا مع بداية القرن التاسع عشر إذ كانت الرحلة بالنسبة غليهم فرصة للبحث عن منافذ جديدة للإبداع، بعد إعطاء نبذة مقتضبة عن صورة الشرق عند الغربيين قبل ذلك.
أما الجلسة الثالثة (الخميس بعد الزوال2) فقد تركزت حول "النص الرحلي: مقاربات نقدية" تراسها الأستاذ أحمد السعيدي كان أول متدخل هو الأستاذ محمد رزوق(أستاذ جامعي) بموضوع "قضايا التاريخ الموريسكي في رحلة الشهاب الحجري"أبرز فيها أن الشهاب الحجري تطرق إلى العديد من القضايا التي تهم الموريسكيين، وتأتي أهمية ما طرحه من قضايا إلى العوامل التالية:
- لأنه يحكي تجربته كموريسكي، وبالتالي فكلامه عيارة عن وثيقة تاريخية تسجل الحدث.
- عاصر جل القضايا الكبرى التي سجلها سواء بالندلس أو البلدان العربية التي زارها.
- اتصالاته بالرهبان والأحبار بفرنسا وهولندا ومجادلتهم في العديد من القضايا التي تهم العالم الإسلامي.
ثاني متدخل كان هو الحسن الغشتول(ناقد وباحث) بتدخل حمل عنوان "نموذج المجتمع المغربي وثقافته في رحلة أنس الساري" ذهب في تدخله إلى القول بأن التأريخ للمناطق المغربية ـ من الحواضر والبوادي ـ يفرض العودة إلى كتابات الرحالين الذين يغوصون في جملة من الحقائق التي قد تتجاوزها بعض الوثائق والشهادات. لهذا، فإن صنوفا خاصةً من الرحلات تقرِّبنا ولا ريب، من طبيعة المؤسسات الفكرية والدينية السائدة، خلال مراحل تاريخية معينة، كما تتيح لنا السعي إلى فهم بنية الخطاب الذي تنتجه تلك المؤسسات في عصرها لحفظ توازنها، أو لمجابهة التحديات والمخاطر التي تحدق بها وتسعى إلى قضم شوكتها. وقد وظف الباحث بعض التقنيات والأساليبن من اجل استجلاء مكنونات الرحلة وبيان عمقها الفكري، استنادا إلى وسائط أسلوبية يراعى فيها الخصوصية الفنية والأدبية، دون تجاوز الحقيقة باعتبار أن الرحلة ضرب من المجازلت والاستطرادات التي تظل شديدة الصلة بالواقع، خصوصا وأنها تمثل حدثا عينيا خلافا للتشكلات الفنية المفارقة والاستيهامية كالرواية والقصة.
كان ثالث متدخل هو محمد دخيسي(باحث) بتدخل تحت عنوان " قراءة في فضاءات الإكسير في فكاك الأسير لابن عثمان المكناسي"(باللغة الفرنسية) أكد فيه أن وصف الفضاء أهم مكون في رحلة الإكسير في فكاك الأسير لابن عثمان المكناسي(ق18 م) لكن هذا الوصف هو أيضا فضاء لأصوات متعددة تعكس خطابا متعدد الأوجه يساهم في بناء صورة الاخر. وذلك بهدف الكشف عن هذه الصورة في علاقتها مع فضاء الرحلة.
التدخل الأخير كان لعبد العزيز بلبكري(باحث) بعنوان "الرحلة الداخلية لأحمد بن الحسن السبعي" في البداية عرف بصاحب الرحلة أحمد بن الحسن السبعي الإدريسي المنتسب إلى قرية تالسينت شرق المغرب(توفي في اواخر العقد الثاني من القرن العشرين). وقد جاءت رحلته في سياق المقاومة المغربية المسلحة الشعبية التي قادتها زعامات شعبية محلية، فقام السبعي لحث السكان على مواجهة الغزاة المتربصين بالتراب المغربي. وتعكس هذه الرحلة جوانب مختلفة كغيرها من المتون الرحلية، ومنها:
- الجانب الطبيعي المتمثل في التضاريس التي عبرها خلال خط الرحلة، بما رافق ذلك من تنوع تضاريسي وتباين مناخي.
- الجانب الاقتصادي الذي يعكس صورة مصغرة وواقعية لبعض مظاهر النشاط الفلاحي والتجاري والحرفي للمجال المعبور.
- الجانب الاجتماعي بمكوناته التنوعة وتمظهراته المتباينة كزيارة الأضرحة واللباس...
- الجانب الفكري المتجلي في حلقات الدرس التي جمعته وعلماء كثر صادفهم او قصدهم في رحلته، او ذكر المؤلفات التي كانت رائجة في حينه.
- الجانب المعماري حيث سجلت الرحلة معطيات عمرانية متباينة وفق تباين المكنة التي عبرها الرحالة سواء في نوع السكن أو في شكله أو في زخرفته...
رد: أدب الرحـــــــلة ...
باحثون مغاربة يناقشون
آفاق البحث الرحلي بالمغرب
سعيد الراقي
شهدت قاعة محمد حجي للمحاضرات بكلية الآداب بالرباط، وعلى امتداد يوم كامل(الخميس 6 دجنبر 2007) ندوة علمية تحت عنوان آفاق البحث الرحلي بالمغرب نظمتها الجمعية المغربية للبحث في الرحلة. وجمعت نخبة من الباحثين المغاربة من عدة جامعات مغربية(تطوان، الرباط، الدار البيضاء، القنيطرة، وجدة، اكادير.) ومن تخصصات علمية مختلفة(الأدب العربي، التاريخ، الأدب الفرنسي). وقد توزعت أشغال هذه الندوة على ثلاث جلسات علمية.
انشغلت الجلسة الأولى(الخميس صباحا) التي ترأسها الحسن الغشتول بأفاق البحث الرحلي افتتحها عبد الرحيم مؤدن(أستاذ جامعي) بتدخل موسوم ب"قراءة في مشروع ارتياد الآفاق للبحث الجغرافي" وصف فيه هذه التجربة، كما وكيفا، المخصصة للنص الرحلي، تحقيقا وتعريفا ونقدا وتداولا، مع إبراز مدى إسهام هذه المؤسسة في التعرف على الذات والآخر، من جهة، وتحصين من جهة ثانية، قيمة الاختلاف والمغايرة كأداة للحوار بين الشعوب والثقافات النتعددة بعيدا عن الأحادية أو القطبية الإبداعية والإيديولوجية.
ثم تلاه محمد الحاتمي(أستاذ جامعي) بتدخله بموضوع تحت عنوان" رحلة العبدري من النشر إلى التحقيق العلمي" تتبع فيه مسار تحقيق رحلةالعبدري الذي بدأه بن جدو ثم تبعه محمد الفاسي ثم تلاه المحققون الآخرون وتوقف عند كل محطة وبين بعض نواقصها وذلك من أجل تحفيز الباحثينإلى المزيد من العناية بهذا المجال - تحقيق النصوص- متى يجد من يتصدى لدراسة الرحلةنصا محققا يطمئن إليه.
وفي نفس الموضوع تدخل أحمد السعيدي(باحث) بتدخل موسوم ب"النص الرّحلي وتحقيقاته: قراءة في تحقيقات رحلة "ناصر الدين على القوم الكافرين" انطلاقا من تعدد تحقيقات رحلة أفوقاي "ناصر الدين، على القوم الكافرين" البالغة أربعا (تحقيق محمد رزوق البيضاء، 1987،/ تحقيق شورد فان كوننكزفلد، مدريد 1997/ تحقيق أحمد حسن، بيروت 1999/ تحقيق محمد رزوق في طبعة أخرى) وقد بين في هذا العرض أسباب التحقيق وإعادة التحقيق ومسوّغاتهما وخُطط المحققين في ذلك، مع الموازنة بين أعمال التحقيق هذه المهتبلة بالنصّ الرحلي نفسه وتقويم لها، وهذا كله ينطلق من منظور مناهج التحقيق المعاصرة مع ما يتصل بها من تخريج وتوثيق وفهرسة وتقديم أو دراسة للعمل المحقَّق، مع غبراز إيجابيات وسلبيات كل تحقيق. وقد أغنى تدخله باكتشافه لنسخة مخطوطة ستمكن من ملء بياضات النسخة الموجودة حاليا. ودعا في ختام مداخاته إلى ضرورة غعادة تحقيقة رحلة أفوقاي.
وكانت آخر متدخلة هي بشرى بنبلا(أستاذة جامعية) بموضوع حمل عنوان "أدب الرحلة جنس شكالي كلي وواقعي."(بالفرنسية) أكدت في تدخلها، المستند على خلفية معرفية غربية، على أن أدب الرحلة ينتمي إلى الأدب المقارن لأنه يساهم في الكتابة عن الغير ويؤسس لكتابة غيرية تكتشف الآخر. وقد حاولت في ورقتها إبراز السمات المميزة لأدب الرحلة، إبراز إشكالية هذا الجنس المنفلت من كل تحديد، إبراز سعيه إلى إثبات ذاته باستجابته لأفق انتظار فئة من القراء تهتم بالغريب والعجيب.
اهتمت الجلسة الثانية( الخميس بعد الزوال) بالرحلة في الدراسات الأكاديمية والجامعية وقد ترأسها محمد الحاتمي وكان أول متدخل هو بوشعيب الساوري(ناقد وباحث) بموضوع حمل عنوان :"عبد الرحيم مؤدن: نحو أدبية للنص الرحلي" تناول جانب الدراسات من أعماله، وهي كتبه الثلاثة: الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر مستويات السرد(2006)، أدبية الرحلة(1997)، والرحلة في الأدب المغربي(2006). الكتاب الأول دراسة أكاديمية ترصد أهم الخصوصيات الفنية والأدبية لمتن الرحلة المغربية خلال القرن التاسع عشر، مضبوطة زمنيا ومنهجيا، يحاول التأسيس للرحلة باعتبارها جنسا أدبيا، وذلك عبر التحليل النصي المستند إلى بعض التحديدات والمفاهيم التي تراعي خصوصيات وملابسات إنتاج النص الرحلي وتلقيه. الكتاب الثاني امتداد للأول، فيه يرصد أهم النتائج التي قاد إليها التحليل النصي في الكتاب الأول مع السعي إلى تعميمها على النص الرحلي، وإن ظلت مشدودة إلى متن الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر، لذلك لن نهتم به في هذه المداخلة. أما الكتاب الثالث فهو تجميع لدراسات متفرقة سبق أن نشر أغلبها في الملاحق الثقافية، تدرس نصوصا رحلية تتجاوز القرن التاسع عشر؛ تعود إلى الوراء إلى رحلة ابن بطوطة، كما تتناول رحلات من القرن العشرين، شفوية ومكتوبة، شعبية وعالمة. وتتطرق إلى نصوص تطرح إشكالية تجنيسها خصوصياتها كأنماط رحلية، وهو موجه باستراتيجية توسيع ما تم التوصل إليه من نتائح في الكتاب الأول وجعلها منطلقات نظرية لمقاربة نصوص أخرى. وقد حاول في قراءته رصد المشترك والمختلف، التقاطعات والتداخلات والتفاعلات بين مكونات الكتب الثلاثة التي قادته إلى صياغة أسس أدبية النص الرحلي محايثة لإمكاناته الداخلية، بعيدا عن كل تعسف نظري.
ثم تدخل بعده المهدي السعدي(أستاذ جامعي) بتدخل حمل عنوان "أدب الرحلة في الدراسات الجامعية بالمغرب"تناول فيه طرق ومناهج دراسة أدب الرحلة في الدراسات الجامعية المغربية من خلال نموذج مختار، هو أطروحة لنيل دكتوراه الدولة تقدم بها الأستاذ محمد الحاتمي لنيل دكتوراه الدولة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير وهي بعنوان: رحلات السوسيين بين الإمتاع والإفادة. حاول العرض استجلاء منهج التعامل مع النص الرحلي في الجامعة المغربية، والتصورات التي تؤطره، خاصة أن العمل في هذا المجال يزاوح بين مجالين اثنين هما التحقيق (أو على الأقل البحث عن النصوص المخطوطة والعمل على قراءتها) والدراسة المبنية على وصف البنيات المضمونية والفنية.
إدريس الخضراوي(ناقد وباحث) كان ثالث متدخل بموضوع موسوم ب "مناهج دراسة الرحلة كتاب الرحلة والنسق لـ بوشعيب الساوري نموذجا" ركز في تدخله على تنوع الدراسات الرحلية بالمغرب التي احتمى أصحابها بمناهج ومرجعيات متنوعة لمساءلة النص الرحلي وإنجاز تقصيات عميقة في بنياته ومستوياته الخطابية والجمالية. وهذا ما أبرزه كذلك من خلال انكبابنا على محاورة الدراسة الهامة التي أنجزها الباحث المغربي بوشعيب الساوري بعنوان: الرحلة والنسق، مستفيدا فيها من التطور الذي تعرفه الدراسة الأدبية وكذلك مفهوم الأدب في إطار ما بعد البنيوية بانطلاقه من الدراسات الثقافية والنسقية، مقربا نصا من أهم العلامات الوضاءة في الرحلة العربية وهو رحلة بن فضلان في القرن الرابع الهجري.
أما التدخل الأخير فقد كان للباحثة أسماء المكناسي تحت عنوان "إشكالية الرحلة في القرن التاسع عشر"( بالفرنسية) وتعرضت فيه الباحثة للأسباب الموضوعية والذاتية التي كانت وراء ظهور ظاهرة الرحلة عند الكتاب الفرنسيين (الرومانسيين) خصوصا مع بداية القرن التاسع عشر إذ كانت الرحلة بالنسبة غليهم فرصة للبحث عن منافذ جديدة للإبداع، بعد إعطاء نبذة مقتضبة عن صورة الشرق عند الغربيين قبل ذلك.
أما الجلسة الثالثة (الخميس بعد الزوال2) فقد تركزت حول "النص الرحلي: مقاربات نقدية" تراسها الأستاذ أحمد السعيدي كان أول متدخل هو الأستاذ محمد رزوق(أستاذ جامعي) بموضوع "قضايا التاريخ الموريسكي في رحلة الشهاب الحجري"أبرز فيها أن الشهاب الحجري تطرق إلى العديد من القضايا التي تهم الموريسكيين، وتأتي أهمية ما طرحه من قضايا إلى العوامل التالية:
- لأنه يحكي تجربته كموريسكي، وبالتالي فكلامه عيارة عن وثيقة تاريخية تسجل الحدث.
- عاصر جل القضايا الكبرى التي سجلها سواء بالندلس أو البلدان العربية التي زارها.
- اتصالاته بالرهبان والأحبار بفرنسا وهولندا ومجادلتهم في العديد من القضايا التي تهم العالم الإسلامي.
ثاني متدخل كان هو الحسن الغشتول(ناقد وباحث) بتدخل حمل عنوان "نموذج المجتمع المغربي وثقافته في رحلة أنس الساري" ذهب في تدخله إلى القول بأن التأريخ للمناطق المغربية ـ من الحواضر والبوادي ـ يفرض العودة إلى كتابات الرحالين الذين يغوصون في جملة من الحقائق التي قد تتجاوزها بعض الوثائق والشهادات. لهذا، فإن صنوفا خاصةً من الرحلات تقرِّبنا ولا ريب، من طبيعة المؤسسات الفكرية والدينية السائدة، خلال مراحل تاريخية معينة، كما تتيح لنا السعي إلى فهم بنية الخطاب الذي تنتجه تلك المؤسسات في عصرها لحفظ توازنها، أو لمجابهة التحديات والمخاطر التي تحدق بها وتسعى إلى قضم شوكتها. وقد وظف الباحث بعض التقنيات والأساليبن من اجل استجلاء مكنونات الرحلة وبيان عمقها الفكري، استنادا إلى وسائط أسلوبية يراعى فيها الخصوصية الفنية والأدبية، دون تجاوز الحقيقة باعتبار أن الرحلة ضرب من المجازلت والاستطرادات التي تظل شديدة الصلة بالواقع، خصوصا وأنها تمثل حدثا عينيا خلافا للتشكلات الفنية المفارقة والاستيهامية كالرواية والقصة.
كان ثالث متدخل هو محمد دخيسي(باحث) بتدخل تحت عنوان " قراءة في فضاءات الإكسير في فكاك الأسير لابن عثمان المكناسي"(باللغة الفرنسية) أكد فيه أن وصف الفضاء أهم مكون في رحلة الإكسير في فكاك الأسير لابن عثمان المكناسي(ق18 م) لكن هذا الوصف هو أيضا فضاء لأصوات متعددة تعكس خطابا متعدد الأوجه يساهم في بناء صورة الاخر. وذلك بهدف الكشف عن هذه الصورة في علاقتها مع فضاء الرحلة.
التدخل الأخير كان لعبد العزيز بلبكري(باحث) بعنوان "الرحلة الداخلية لأحمد بن الحسن السبعي" في البداية عرف بصاحب الرحلة أحمد بن الحسن السبعي الإدريسي المنتسب إلى قرية تالسينت شرق المغرب(توفي في اواخر العقد الثاني من القرن العشرين). وقد جاءت رحلته في سياق المقاومة المغربية المسلحة الشعبية التي قادتها زعامات شعبية محلية، فقام السبعي لحث السكان على مواجهة الغزاة المتربصين بالتراب المغربي. وتعكس هذه الرحلة جوانب مختلفة كغيرها من المتون الرحلية، ومنها:
- الجانب الطبيعي المتمثل في التضاريس التي عبرها خلال خط الرحلة، بما رافق ذلك من تنوع تضاريسي وتباين مناخي.
- الجانب الاقتصادي الذي يعكس صورة مصغرة وواقعية لبعض مظاهر النشاط الفلاحي والتجاري والحرفي للمجال المعبور.
- الجانب الاجتماعي بمكوناته التنوعة وتمظهراته المتباينة كزيارة الأضرحة واللباس...
- الجانب الفكري المتجلي في حلقات الدرس التي جمعته وعلماء كثر صادفهم او قصدهم في رحلته، او ذكر المؤلفات التي كانت رائجة في حينه.
- الجانب المعماري حيث سجلت الرحلة معطيات عمرانية متباينة وفق تباين المكنة التي عبرها الرحالة سواء في نوع السكن أو في شكله أو في زخرفته...
رد: أدب الرحـــــــلة ...
"أوروبا في مرآة المرحلة؛ صورة الآخر في الرحلة المغربية المعاصرة"
سعيد بنسعيد العلوي
http://www.neelwafurat.com/images/lb...142/142522.gif
الأهلية للنشر والتوزيع تاريخ النشر: 01/01/2006
الطبعة الأولى
223 صفحة
تحمل قراءة متون الرحلة العربية إلى أوروبا، في القرون الثلاثة الأخيرة، المرء على التنقل في رحلة أخرى، رحلة في طبيعة مغايرة، هي تلك التي يقطعها الوعي بالذات، أو تقطعها الذات في لحظات وعيها بذاتها، وفي هذه الدراسة الشائقة يبرهن الباحث على أن الانتقال في مطالعة المتون المغربية، ابتداءً من رحلة "البدر السافر"، و"الإكسير" إلى "إتحاف الأخيار" مروراً بنصوص رحلات كل من الصفار، والعمراوي، والطاهر الفاسي، وانتهاءً بالحجوي في "الرحلة الأوروبية"، انتقال يؤكد لنا وجود الارتباط العلي المباشر بين حصول الوعي بالذات وكيفية تجلية أو ظهوره، وبين إدراك الآخر: ذاك الذي تقضي الذات بمغايرته لها واختلافه عنها.
دراسة تركز على صورة الآخر من متون الرحلة المغربية، من خلال جنس أدبي يتسم بالطرافة منى ما قورن بالأجناس الأدبية الأخرى، ويمتاز بجمعه بين ألإفادة والإمتاع، وقارئ الرحلة، كما تذهب هذه الدراسة، لا يطلع على العالم الذي ينقله إليه المسافر صاحب الرحلة وحسب، بل يتعرف أيضاً على أفكار وتصورات ورؤى عصر من خلال عيني الرحالة.
رد: أدب الرحـــــــلة ...
"أوروبا في مرآة المرحلة؛ صورة الآخر في الرحلة المغربية المعاصرة"
سعيد بنسعيد العلوي
هذه الدراسة لا تهدف إلى الحديث عن محتويات ومضامين الرحلة المغربية أثناء القرن التاسع عشرـ بل إلى محاورة الجانب البنائي للرحلة قبل الحديث عن المحتوى، ما دامت الرحلة نصاً حربائياً بالمعنى الإيجابي، يأخذ لون كل فضاء، سواء أكان مادياً أم مجازياً، يمر به الرحالة. في المغامرة الجريئة لهذه الدراسة قد تكون الرحلة حجازية الموضوع، ولكنها متعددة طرائق الكتابة، بحكم انتقالات الرحالة بين الفضاء الأليف والفضاء الغريب، بين لغة المناسك ولغة المعجم الجديد غير المألوف، بين صورة العروض والأطوال والصورة الواقعية.. صورة المرئيات المرتبطة بالنشر اليومي المنحط على حد تعبير لوكاش.
وبالعودة لمتن هذه الدراسة، نجد أنها قد خضعت للتبويب التالي الباب الأول ضم ثلاثة فصول طرح أولها إشكالية التجنيس محاولاً الوصول إلى تميز هذا الجنس، شكلاً ومضموناً، عن باقي الأجناس الأخرى، مستبعداً أن يكون نص الرحلة نصاً غائباً أو مغيباً من جهة، أو نصاً مساعدا مهمشاً لنص مركزي آخر من جهة ثانية.
وعالج الفصل الثاني متناً هاماً من متون السفر المغربي في القرن الـ19 ذلك هو متن الحركة الذي -حسب اعتقادي- تأرجح بين الرحلة والدليل، وإن غلب عليه النعت الأخير. أما بالنسبة للفصل الثالث، فالهدف منه هو تقديم العلاقة بين البر والبحر واقعياً ودلالياً.
يأتي الباب الثاني وعنوانه "البنية السردية" ليطرح مكونات السرد الثلاثة عبر الفصول الثلاثية المكونة لجسد هذا الباب. في الفصل الأول تم طرح قضية السرد مركزاً على العلاقة بين الصورة -بلاغة ورسماً- والكتابة. أما بالنسبة للفصل الثاني، فقد تطرق للسارد سواء كان مؤلفاً (كاتباً) أو شخصية مركزية، أو سارداً (متكلماً). وفي الفصل الثالث نجد "المسرود له" الذي قد يأخذ صفة المسرود له، ذي الطبيعة التاريخية الذي يعيد إنتاج "المضارع التاريخي" منذ الحروب الصليبية ومعاناة الحجاج المستمرة مع "الكونطينة" من جهة، أو مع تحولات الحداثة القاهرة من جهة أخرى.
ويأتي الباب الثالث ليقدم الفصول الثلاثة التالية: الفصل الأول المتعلق باشتغال الوصف الذي استند، في جوهره، إلى آلية البصر والبصيرة، سواء بالنسبة للرحالة، أو بالنسبة للمرتحل إليهم، بمرجعياتهم المختلفة. وارتكزت هذه الآلية على رسم لقيم مستوحى من معجم الفضائل المتوزعة بين المدح والذم، بين الكائن الحي والكائن غير الحي. وينتهي هذا الفصل، أخيراً بتقديم أنواع الوصف من مباشر وأدبي، فضلا عن وظائفه الإخبارية والتعليمية والتوثيقية.
أما بالنسبة للفصل الثاني، فقد حاول تقديم مستوى من مستويات حوار الرحلة مع النصوص الموازية لها، أو المتقاطعة معها في الزمان والمكان، مفضلاً استخدام مصطلح المعارضة -دون إلغاء دلالته التناصية- بأهدافها العديدة في الإضافة والتعليق والحاشية والمقارنة والسخرية والرفض والسند، وأخيراً، وليس آخراً، في استنبات محطات حكائية متعددة في جسد الرحلة.
وقد حاول هذا الفصل، عبر جداول محددة، إبراز لحظات التفاعل بين النص المركزي ونصوص الرحلة المغربية في هذه الفترة سواء عن طريق اليوميات أو المذكرات، أو عن طريق التقرير في سياق الموضوعات (الثيمات) المشتركة أو غير المشتركة صيغاً ومعجماً.
أما بالنسبة للفصل الأخير، فقد عنون بـ: المكان والفضاء ذلك أن الرحلة المغربية، أثناء القرن الـ19 تأرجحت بين المكان والفضاء. فهي رحلة في المكان عند خضوعها للجانب التوثيقي، أو للهاجس المعرفي والحدود الخرائطية، معيدة إنتاج أسلافها في أدب المسالك والممالك وعلم الأطوال والعروض.
ولما كان الهدف المركزي من هذا البحث المتواضع، هو إعادة الاعتبار لهذا الجنس الأدبي، فإن ذلك قد دفع الباحث إلى التركيز على النص قبل غيره، محاولاً الاستناد إلى التحليل النصي المطعم بمفاهيم معينة من السرديات المعاصرة، عوض السقوط في إقحام المفاهيم على النص، الذي قد لا يأتمر إلا بالأوامر الصادرة عن قوانينه الذاتية، ومن ثم، فالمفاهيم المنهجية في التحليل، يجب أن تستنبط من المتن ذاته. والتركيز على التحليل النصي، سمح باستكمال طريق البحث الذي بدأه الباحثون المغاربة، في هذا السياق، عند معالجتهم لمتن الرحلة، خاصة أنه قد حاول الاستفادة من المخطوط، فضلاً عن المطبوع، بهدف إضاءة بعض خصوصيات الكتابة.
المصدر
رد: أدب الرحـــــــلة ...
رد: أدب الرحـــــــلة ...