رد: أدب الرحـــــــلة ...
سليمان القريشي والرحلة العياشية
التاريخ: الثلاثاء 2006/01/24
المحاور: أحمد الحيدري
http://arabic.irib.ir/Gifs/Culture/L...006-1/le02.jpg
الرحلة العياشية، نص مطول جدا واحتاج إلى بحث ودقة وصبر، هذه الرحلة التي كانت تنظر إلى النور وهي قابعة في مكانها الظلالي، وسليمان القريشي قام بتحقيق هذه الرحلة مع صديق له.
يتحدث الدكتور القريشي عن مسير هذه الرحلة وعن رحلته مع الرحلة التي فازت بجائزة ابن بطوطة.
أحمد حيدري: في هذه الحلقة ومن عاصمة الأمارات، ابو ظبي التقينا مع كاتب، وهو فائز أيضاً بجائزة اهتمت بأدب راقي وجميل جداً ارتبط به العرب والمسلمون منذ القدم، معنا في هذه الحلقة الدكتور سليمان القريشي من المغرب، اهلا بك.
سليمان القريشي: أهلاً وسهلاً.
احمد حيدري: أبدأ معك استاذ سليمان، خاصة انني ذكرت ادب الرحلة، وذكرت ان المسلمين والعرب ارتبطوا مع هذا النوع من الكتابة الأبداعية، حققت وقدمت للمكتبة، رحلة، وهي التي جاءت بعنوان "الرحلة العياشية"، جاءت أيضاً في سلسلة (موسوعة رحلات الحج)، سوف اخصص له عدة اسألة، واهمية هذه الرحلات، التي تتعلق بالحج خاصة، ابدأ معك عن الرحلة العياشية، اذ أردنا أن نعطي شيئا مختصرا عن هذه الرحلة، وإن كانت هذه الرحلة ذات حجم كبير، ابدأ معك دكتور، الرحلة العياشية التي فازت جائزة ابن بطوطة.
سليمان القريشي: اولاً اشكر لك هذه الأستضافة الكريمة واتمنى ان اكون في مستوى الأنتظار، واشكر لك كذلك هذا اللقاءالذي اتمنى ان يساهم اكثر بالتعريف بالكتاب والباحثين المغاربة.
أحمد حيدري: إن شاء الله.
سليمان القريشي: وبنشر الثقافة المغربية وبتعريفك ذلك بهذا الفن الراقي كما سميته، الا وهو فن الرحلات، من هذه الرحلات نذكر الرحلة العياشية، التي تتمايز بعدة خاصيات، ابرزها، المساحة الجغرافية الهامة، التي قطعتها، هذه المساحة التي امتدت من المغرب للمدينة المنورة، ومكة المشرفة، ثم الى القدس الشريف والخليل – مدينة لوط، ثم العودة الى مصر والأقامة بها وصولاً الى المغرب عن طريق كل من ليبيا، وتونس والجزائر، بالأضافة الى هذه الأهمية فأن رحلة العياشية، تقتبس قيمتها من نسبتها الى ابي سالم محمد بان عبد الله العياشي، الذي يعتبر من كبار فقهاء المغاربة واحد المع وجوه الثقافة والفقه في المغرب في القرن الحادي عشر، اذ ان صاحبنا هذا لم يكن مجرد رحالة عادي، تستهويه الأسفار وتشده المسالك والطر ق، او مجرد مؤمن ورع يبتغي اداء الركن الخامس من اركان الأسلام، ولكن صاحبنا هذا كان بالأضافة الى كل ذلك فقيه- عالم- اديب - معلم - مشارك - كاتب اذ انه الف - واجاز- واستجاز- وراسل – وشارك في كتابة مقدمات بعض الكتب، ولعل هذا غريب في بابه، ثم انه قد حرص خلال هذه الرحلة على لقاء كبار الفقهاء ومحادثة اعلام العلماء خاصه في الحرمين الشر يفين.
أحمد حيدري: اذاً الرحلة مع ذلك ليست وصفاً للأمكنة وللجرافيا، بل ان هناك ايضا احاديث، كما رأيت، وايضاً ابيات شعرية ذكرت من اناس كثيرين، بل حتى الأحاديث التي جرت بين العلماء والمراسلات ذكرها في هذه الرحلات العياشية.
سليمان القريشي: نعم هذه الرحلة كانت كما وصفها صاحبها، او كما اراد لها ان تكون، ديوان علم وأدب، لأنها قد حوت في ثناياها بالأضافة الى المسالك والطرق والجغرافياومعطياتها، العلم والأدب، العلم الذي يبرز في فقهياته بخاصة، وفي الأيجازات والمناظرات العقائدية والفكرية وسواها، اما الأدب فيتجلى اساساً في الشعر، حيث تميز صاحبنا بملكته الشعرية، وحرص على مكاتبة كثير من معارفه واصدقائه، ورفقاء طريق شعره، وبالتالي فقد حفظت لنا هذه الرحلة ديوانا شعرياً ضخماً، سواءً من ذلك الذي انتسب للعياشي، وسواءً من ذلك الذي انتسب لمعاصريه، ومجيليه، وبالتالي فقد تمكنت هذه الرحلة من ان تحقق هذه الخاصية لأنها ديوان علم وادب.
أحمد حيدري: هذا شئ ممتاز احببت ايضاً ان اطلع الآخرين ان هذه الرحلة جاءت ضمن مشروع موسوعة رحلات الحج، اردت ان اعرف اهمية هذه الرحلات، اي رحلات الحج، وخاصة ان هذه النصوص التي ارتبطت بالحج الى الكعبة المشرفة، لجهة ان هناك الكثير من المسلمين ، في ايران او في تركية، هناك نصوص ترتبط برحلة الى الحج، اهمية مثل هذه النصوص التي ترتبط برحلات الحج اذا اردنا من محققي هذه الرحلة، العياشي التي ارتبطت بأدب الرحلة ان صح التعبيرالى الأماكن المقدسة.
سليمان القريشي: هي اهمية لا تختلف كثيرا من الأهمية التي تكتسبها كل الرحلات، بحيث ان هذه الرحلات تسلط الضوء بصفة خاصة على المسار المؤدي نحو الحرمين الشريفين، وهي كذلك تأتي في سياق خاص قد نقول انه سياق مقدس وقد نقول كذلك انه سياق فرضي، عكس الرحلات ربما السفارية اوغيرها التي تأتي بتكليف او امر من جهة معينة، اقصد ان هذه الرحلات الحجية، كانت في غالبها بدافع شخصي اي ان الرحالة، هو الذي قرر وصمم وخطط وبادر الى القيام برحلته هذه، ثم ان اهمية هذه الرحلات الحجية، هي انها تعطينا صورة عن الواقع العربي الأسلامي خلال المرحلة التي انجزت فيها، اذ ان مكة والمدينة، شكلت على امتداد العصور، منذ بزوغ الدعوة الأسلامية، محجا لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فتجاورت العادات والطباع، والأعراف والأخلاق والعلوم، والآداب وغيرها، وبالتالي فأن نكهة الرحلة لا تقف عند مصدر صاحبها، اي ان هذه الرحلة، بأتجاه الحرمين الشريفين، لا تقف عند معطيات ايران، اذا انطرحت من ايران او تركيا او اذا انطلقت من المغرب، ولكنها تتجاوز ذلك خاصة عندما تصل الى مقصدها، اقصد الحرمين الشريفين، لتنفتح على امم اخرى وشعوب وقبائل واشخاص وافراد وذلك يبقى حسب طبيعة الرحالة الذاتي وطبيعة شخصيته وتكوينه وثقافته، بالأضافة الى هذا فأن الرحلات الحجية كثير ماسجلت لنا بعض العادات الأجتماعية والممارسات والطقوس المرتبطة بالحج، كشعيرة دينية، نعلم جميعاً ان هذه المواكب صحبت احياناً الأحتفالات والعادات ولباس معين، مأكولات، يعني هذه الرحلات الحجية يمكن ان تشكل لنا نظرة بانورامية عن الحج كتقليد ليس ديني، ولكنه كتقليد اجتماعي، نعرف مثلاً في المغرب عندما كان يخرج موكب الحج، يخرج مشيعاً بأهالي المدن ومصاحباً بأحتفالات وبألعاب ومهرجانات، لأنه كان حدثاً اجتماعياً، حقيقياً يشارك فيه الجميع، من هنا اقول ان هذه خصوصية كبيرة وخاصة، للرحلات الحجية.
أحمد حيدري: مع تعريف الدكتور القريشي حول اهمية هذه الرحلات الى الحج، ننتقل الى نص الر حلة العياشية، دكتور نريد قبل قراءة هذه الرحلة، التعرف على وصف الرحالة القدماء للبيت العتيق، ومكة المشرفة، والشكل الذي لفت انتباهك في هذه الرحلة عندما توصف تلك الأماكن؟
سليمان القريشي: في مراحلها اريد ان انبه ، الى ان الرحالة قد حرص على ان يكون عيناً لقارئيه، انه حرص على نقل كل مارآه بدقة متناهية، وبلغة بالغة في الدقة بوصف الأماكن والجزئيات والدقائق من مختلف الزوايا، وفي هذا الأطار، كان حرص الرحالة اشد على وصف البيت العتيق، بأعتباره مقصد هذه الرحلات وغايتها الكبرى، وفي هذا الأطار لقد جاء وصف، العياشي للبيت العتيق كما سماه، يقول في الصفحة(322) من الجزء الأول من هذه الرحلة، والأشارة فقد طلعت في جزئين فقط، في نحو الف صفحة وزيادة، يقول صفة بيت العتيق زاده الله شرفاً من داخله بيت مربع ونقص من الركن الذي عن يمين، داخل مقدار السلم نحو ثلاثة اذرع يصعد منه الى السطح، وارضه مفروشة بالمرمرالملون المجزأ، مقسوم الحيطان والسقف، بكسوة على هيئة الكسوة الخارجة في الصنعة والكتابة، مخالفة لها في اللون، فأما الخارج فسوداء كلها والداخل بياض في حمرة، وفيه مصابيح كبيرة معلقة، بعضها من الذهب وبعضها من البضار الأبيض الصافي. المكتوب بلون آزردي، وله ثلاثة اعمدة من خشب مصطفة في وسطه مابين اليمين والشمال، وكل عمود منها قد سمرت عليه الواح من عود من اسفله مقدار وقفه، وهذه صورته، وهنا يعمد العياشي الى رسم صورة للبيت العتيق بأبعادها، وزواياها.
أحمد حيدري: هل جاءت هذه الرسوم في النص الذي كتب في تلك الفترة؟
سليمان القريشي: نعم انا اعتمدت في هذا التحقيق على النسخة الخطية وللأشارة فأن هذه الرحلة قد قامت بين1661و 1663 للميلاد اي حوالي سنة 1071و 1073 للهجرة، والعياشي قد خط بيده هذه الرسومات ويبدو انها كانت متداولة ومتناقلة بين الرحلات وكتب الجغرافيا وسواها، اما ماشد انتباهي في هذا الوصف هو قدرة الباحثين اليوم على تتبع مختلف اطراف تطور العمارة والمجال في الحرمين الشريفين، حيث رصد كل رحالة التغييرات التي حصلت في عصره والتطورات التي كانت سواء في العمران، في البناء، في اللباس، وفي سواها، بحيث اننا نستطيع اليوم ان نرسم، او نميز، صورة شبه سنوية للتغييرات الحاصلة.
احمد حيدري: حقيقة السيد القريشي احببت ان اكمل معك في مواضيع شتى اخرى، خاصة ان لك مؤلفات اخرى، ولكن بما ان الحديث اختص بالرحلة العياشية، اتمنى ان تكون لنا حلقة اخرى كي اناقش ماكتبته وما قدمته للمكتبة، وللقراء من كتابات، فلنعود الى شخص آخر رحل عنا وهو صديق لك وشاركك ايضاً في تحقيق هذه الرحلة وهو المرحوم الدكتور سعيد الفاضلي، الذي شاركك في هذا المجهود الكبير وفي تقديم مثل هذا العمل، الذي حقيقتاً استطيع ان اصفه بالجميل جداً، والذي اتمنى ان يستمتع به القراء لمعرفة وصف المكان والعادات والتقاليد والأدب في تلك الفترة، احببت ان نتحدث ايضاً بعملية مشاركة الدكتور سعيدالفاضلي في هذا العمل، اذ قام اثنان بأنجاز هذا العمل من تحقيق ومتابعة وكتابة الى آخره؟
سليمان القريشي: في الحقيقة مشاركتي للدكتور المرحوم سعيد الفاضلي كانت بناءاً على رغبته، بأعتبار ان النصوص الرحلية الضخمة قد تتجاوز قدرة الفرد الواحد على انجازها واخراجها في حلة تليق بمكانتها العلمية، وللأمانة فأن اخراج هذه الرحلة وتحقيقها كان من اقتراحة، حيث بادر الى مفاتحتي بالموضوع وقمنا فعلاً بعد الحصول على النسخة بمباشرة العمل الذي اسميته بعد رحيله عنا متمنياً في ذاك السياق ان اكون قد وفيت بألتزاماتي تجاهه ووفقت في اخراج الرحلة، كما خططنا لها سابقاً وكما صممنا لها بدايتاً.
احمد حيدري: سؤالي الأخير هو حول الأعمال المستقبليه، اذ بالتأكيد هناك اعمال مستقبلية، ان كانت في هذا الحقل اوفي حقول اخرى؟
سليمان القريشي: نعم، بالنسبة لأعمالي المستقبلية في مجال الرحلات فقد حققت رحلة الطيب بن كيران، وهي الآن تخضع للطبع والنشر، واشرع في ذاتي الآن في تحقيق رحلة الهشتوكي، وهذا رحالة مغربي عاش في القرن الثاني عشر للهجرة، معتمداً في ذلك على نسخة خطية بيده.
احمد حيدري: نعم، هل هناك اعمال اخرى وتريد ان تقوم بأعمال مستقبلية اخرى ترتبط بهذا النوع من الأعمال؟
سليمان القريشي: في الحقيقة ان في زيارتي لبلدان عربية، وخاصةً اقوم ضمن ما اقوم به، بالبحث عن مخطوطات وبالمشاورة والمذاكرة مع الباحثين بهذا المجال، وقد قمت اكثر من مرة واكثر من منبر، وانا صادق في قولي هذا ومؤمن به، انني ادعو كل من يرغب من الباحثين التعاون في مجال الرحلات، بأنني مستعد لأتعاون في هذا الأطار، قصد اخراج متميز من الأعمال، والجديد منها والصعب والكبير والموسوعي، الذي يتجاوز قدرة الأفراد، مهما كان استعدادهم، ومهما كان المجال الزمني المتاح لهم، وفي هذا الأطار ايضاً فأني ارغب في تجاوز المجال العربي- الأسلامي، لأنني في هذا الأطار ايضاً اعمل على تحقيق رحلة البلوي- اللي سجل مفرق عادي، والتي حققت سابقاً في اواخر الستينيات على ماأذكر، لأبحث عن رحلات اخرى سواء في افريقيا، او آسيا او في غيرها، وفي هذا الأطار فربما رغبتي هذه تتجاوز امكاناتي الذاتية، لأن هذه المخطوطات غير متوافرة عندنا في المغرب او لم استطيع الوصول الى اماكنها المختبئة فيها.
أحمد حيدري: نتقدم في ختام الحلقة الى الضيف الكريم بالشكر الجزيل.
سليمان القريشي: شكراً لكم.
المصدر
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
رد: أدب الرحـــــــلة ...
الحج في أدب الرحلات
عبد الله بن حمد الحقيل
يعد أدب الرحلات فناً متميزاً عني به أعلام بارزون عبر مراحل التاريخ وإن الحج أمل ومطمح الكثير من العلماء والأدباء وملتقى روحي تتطلع نفوسهم لبلوغه لأداء فريضة الحج ليؤدوا ركناً من أركان الإسلام، وفيما يأتي تلخيص لرحلات إلى الحج قام بها عدد من الأدباء والعلماء والرحالة والمؤرخين الذين ألفوا كتباً في وصف طريق الحج ومشاعره المقدسة وآثاره ووصف المدينتين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولقد قامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة مشكورة بإصدار كتاب بعنوان: المؤلفات النادرة عن المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية وصدر في عام 1416هـ واشتمل قسم منه على التدوين التاريخي، والنوع الثاني عن الكتب التي تتعرض للحرمين الشريفين وكل ما يتعلق بهما وتاريخهما وعن الحج ومناسكه ومعظمها جاء على شكل كتب رحلات الحج، واستعرض في هذه العجالة شيئاً مما كتب في هذا الشأن مما يتسع له المجال وبخاصة أهم رحلات الحج.(1)
وفي ذلك يقول الدكتور عبدالله العسكر: ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه لا يوجد مكان في العالم يؤمه عشرات الآلاف من الأشخاص كل سنة مثل مكة والمدينة، ولعل هذا الوضع هو الذي قاد إلى ما يسمى برحلات الحج، وهي رحلات تختلف عما هو معهود من رحلات كتلك التي استعرضنا بعضها.
هذه الرحلات مخصصة لنسك إسلامي هو الحج والعمرة لا تتعداه ولم يعرف أصحاب تلك الرحلات أمكنة خارج نطاق الحج ومكانه، ولم يسيحوا في الأرض ابتغاء مآرب أو بتكليف مسبق وهم لا يرحلون إلا لهذين النسكين، ومع هذين النسكين طفِق عدد كبير من الحجاج الرحالة أو الحجاج العلماء أو الحجاج طلاب العلم من اهتبال الفرصة، فأخذوا يكتبون ويؤلفون، ويدرسون وينشرون علماً نافعاً يتمحور في مجمله حول الحرمين الشريفين، وحول المدينتين المقدستين، وحول المناسك والشرائع، وحول الحج والعمرة والزيارة، وحول ما يتعلق بهذا وذاك، من مثل ملاحظة أحوال سكان المدينتين ومعاشهم وعاداتهم، أو من مثل التأليف في شعيرة لها مساس بوجود المسلم في مكة، والطرق والمسافات في مكة والمدينة، بل كان البعض يجمع بين الحج والعناية بالأثر والدراية بالرواية على يد مشايخ البلدين الشريفين، وبعض من المقيمين أو المجاورين من الرحالة يسجلون لأساتذتهم تراجم ومعلومات لا تتوافر إلا في مثل هذه الكتب. ومن هنا توافر لنا اليوم عدد وفير من المؤلفات التي تندرج تحت مسمى كتب الحرمين الشريفين.
ويظهر أن الرحالة الحجاج من المغرب العربي والأندلس يأتون في المقدمة مقارنة بإخوانهم من بقية البلاد الإسلامية في هذا الشأن. فقد رصد الشيخ حمد الجاسر حوالي سبعين اسماً وأثراً من القرن الثالث الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري وكلهم من الأندلس والمغرب قدموا إلى الحجاز لأجل الحج والزيارة وخلفوا تآليف، بعضها مطبوع وبعضها مخطوط، ويحسن أن نستعرض أهمها:
ففي القرن الثالث الهجري برز عدد من رواد الرحالة منهم الحاج زكريا بن خطاب التطيلي وصل مكة سنة 295هـ، وسمع في مكة كتاب النسب للزبير بن بكار، وفي القرن الرابع يأتي العلامة محمد بن عبدالله بن يحيى (ت 339هـ) اشتغل في الأندلس بالقضاء والتدريس والتأليف.
وقد زار مكة وأقام بها مدة تلقى العلم فيها على يد ابن المنذر والعقيلي. وفي القرن الخامس نجد عبدالوهاب بن محمد القرطبي (ت461هـ) أقام بمكة مدة سمع فيها الحديث والسيرة.
وفي القرن السادس نصادف محمد بن عبدالله العربي (ت 543هـ) وهو من أئمة المالكية المشهورين، وله تصانيف كثيرة. وقد دون رحلته إلى الحجاز، ومنها قطعة نشرها الدكتور إحسان عباس في مجلة الأبحاث. وفي هذا القرن يأتي ابن جبير الرحالة المشهور الذي سبق أن مر معنا، ورحلته مشهورة ومطبوعة، وله أحاديث شيقة عن مكة والمدينة، وبخاصة الجوانب الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي القرن السابع الهجري برز محمد بن عمر بن محمد المعروف بابن رشيد (ت 721هـ) وهو من أشهر علماء الأندلس. وتعد رحلته عن الحجاز التي سماها (ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة في الوجهتين الكريمتين إلى مكة وطيبة) التي جاءت في خمسة أجزاء من أوسع وأمتع الرحلات. وركز في رحلته على الناحية العلمية في الحجاز وعلى العلماء.
ومن رحالة هذا القرن أيضاً محمد بن محمد علي العبدري الذي وصل إلى مكة سنة 689هـ ويظهر أنه استفاد كثيراً من رحلة ابن جبير، ولكنه أضاف أشياء لم يذكرها. وقد طبعت رحلته في الرباط بتحقيق الشيخ محمد الفاسي سنة 1388هـ، ومن الرحالة في هذا القرن الصفدي، واسمه خليل بن ايبك (ت 764هـ)، وقد سماها (حقيقة المجاز إلى الحجاز) وما زالت مخطوطة وفيها معلومات كثيرة.
وفي القرن التاسع الهجري فإن الرحلة التي قام بها أبو الحسن علي القلصادي الأندلسي (ت 891هـ) تأتي في مقدمة رحلات هذا القرن، وقد وصل القلصادي جدة في سنة 851هـ واستغرقت رحلته سنة كاملة، وقد نشرت هذه الرحلة بعناية الأستاذ محمد أبو الأجفان في تونس سنة 1399هـ.
وفي القرن العاشر الهجري تأتي الرحلة الموسومة بالدرر الفرائد المنظمة للشيخ محمد عبد القادر الجزيري المصري الحنبلي المتوفى سنة 975هـ، وفي هذه الرحلة وصف صاحبها رحلته من القاهرة إلى الحجاز بطريق الساحل، وقد نشرها العلامة حمد الجاسر في ثلاثة أجزاء.
ويشهد القرن الحادي عشر الهجري عدداً من الرحالة الحجاج نأخذ منهم ثلاثة كل منهم دوّن رحلته، منهم أبو سالم عبدالله بن محمد العياشي الفاسي (ت 1090هـ) صاحب الرحلة العياشية التي دعاها باسم (ماء الموائد) وتعد من أوفى الرحلات، وفيها وصف شامل للحجاز في القرن الحادي عشر الهجري من جميع النواحي الاجتماعية والعلمية والدينية والاقتصادية والسياسية، وفيها قصص وأخبار وطرائف تنسب للحجازيين. وقد اهتم العياشي بالمزارات والقبور، ونهل من هذه الرحلة عدد كبير من رحالة المغرب والأندلس الذين جاؤوا بعد العياشي، وهي مطبوعة ونشرت سنة 1397هـ، ثم تأتي رحلة الناصرية لصاحبها الشيخ أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي (ت 1192هـ)، والرحلة ممتعة جداً وقد اعتمد فيها صاحبها على رحلة العياشي، وفيها أشياء طريفة، وطبعت الرحلة في فاس سنة 1320هـ.
والرحلة الثالثة للشيخ عبدالغني بن إسماعيل النابلسي الدمشقي (ت 1143هـ)، وهذا الرحالة العلامة له تصانيف كثيرة في علوم متعددة، وله تصانيف في الرحلات تبلغ ثلاثة مؤلفات. منها رحلته إلى الحجاز التي أسماها (الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز) والطريف في هذه الرحلة أنه ألفها على طريقة كتابة المذكرات اليومية، فجاءت على شكل أيام. وكان نصيب الحجاز مئتين وخمسة أيام من مجموع أيام الرحلة التي بلغت ثلاثة مئة وثمانية وثمانين، والرحلة ممتعة وفيها معلومات وآراء وهي لم تطبع بعد.
وهكذا قام عدد كبير من علماء العرب والمسلمين بزيارات لهذه الأمكنة المقدسة وتدوين رحلاتهم مما أوجد كماً هائلاً من المعلومات الثرية في شتى المجالات حافلة بالتحليل العميق ومفعمة بالرؤية والانطباعات والملاحظات المتعددة والزيارات الميدانية والمشاهدات الشخصية، وفي الحلقات القادمة نستعرض عدداً من تلك الرحلات، هذا وبالله التوفيق.
(1) المؤلفات النادرة عن المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية، (من منشورات مكتبة الملك عبد العزيز العامة 1421هـ).
حياكم الله
http://www.w6w.net/album/35/w6w20050...21b61726a0.gif
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
رد: أدب الرحـــــــلة ...
رد: أدب الرحـــــــلة ...
رد: أدب الرحـــــــلة ...