رد: أدب الرحـــــــلة ...
http://apu.mabul.org/up/2/apu-2-l8xb...7g4yettx1p.gif
*
http://www.tahayati.com/Translations...0Abdenbi14.JPG
الدكتور
عبد النبي ذاكر
عضو الهيئة التنفيذية
للمركز العربي للأدب الجغرافي
*
توصيات ندوة الرحلة العربية في ألف عام
على مدار ثلاثة أيام، احتضنت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط خلال أيام 26-27-28- جمادى الأولى 1430هـ الموافق لـ 22-23-24 مايو/آيار 2009م ندوة علمية حول: "الرحالة العرب والمسلمين: اكتشاف الذات والآخر، الرحلة العربية في ألف عام"، وذلك بتعاون بين وزارة الثقافة للمملكة المغربية والمركز العربي للأدب الجغرافي ارتياد الآفاق أبو ظبي/ لندن، ومجلس الجالية المغربية بالخارج.
وقد أسفرت المناقشات الجادة التي جمعت لفيفا من الباحثين من مختلف الأقطار العربية وغير العربية عن التوصيات التالية:
- إهداء أعمال الندوة إلى روح الباحث الفقيد د. سعيد الفاضلي.
- دعوة ومساهمة المركز العربي للأدب الجغرافي في دعم وتأسيس متحف ومرصد ابن بطوطة بالمغرب.
- التنسيق مع الجامعات والهيئات الثقافية العربية والأجنبية. ودعوة الجامعات العربية إلى تشجيع البحث في هذا المجال، وخلق تخصصات لها صلة بالموضوع.
- الانفتاح على باحثين عرب وأجانب في الثقافات واللغات والحقول المعرفية الأخرى المتصلة بالرحلة وموضوعاتها، من أجل تقوية البحث والاطلاع على نصوص في ثقافات أخرى، مع الاهتمام بالترجمة البينية.
- إيجاد صيغة متجددة ومتطورة في إقامة الندوات والتنويع في أماكن انعقاد الملتقيات المقبلة.
- اختيار مناسبات معينة ذات رمزية تكون عنوانا لندوة علمية علاوة على الندوة الكبرى: مثلا طرد المورِسكيين، ذكرى ابن خلدون، ذكرى ابن بطوطة، ذكرى المسعودي، ذكرى ابن حوقل…
- تركيز الاهتمام على رحلات النساء وصورة المرأة لدى الرحالين.
- الانفتاح على جغرافيات أخرى جديدة.
- المزيد من الاهتمام بمواضيع محددة تتصل بقضايا دقيقة في النص الرحلي، والمزيد من البحث في نصوص أخرى مضمنة داخل مصادر ومظان مختلفة من أجل ترميم النصوص الرحلية بناء على تكليفات. والاهتمام بالرُّحيْلات والرحلة الدبلوماسية ورحلات الأنترنيت والرحلات المتخيلة والرحلة في التراث الشعبي وعلاقة الرحلة بأشكال تعبيرية أخرى: رواية، سينما…
- تحويل نصوص الرحلة إلى جمهور أوسع من خلال المختصرات والمقتطفات والمختارات للأطفال واليافعين، مع مراعاة إدراج الرحلة في الكتب المدرسية والجامعية.
- تشجيع التحقيق وتوفير النصوص والحرص على الجودة في التوثيق العلمي الرصين.
- التوزيع الجيد لمنشورات المركز في كل الأقطار العربية وغير العربية.
- التجديد في مواضيع البحث الرحلي وتنويع المقاربات، وتوسيع مجال الدراسات الصورانية المقارنة.
- حرص اللجنة العلمية على جودة وجدة المداخلات المحكمة حفاظا على مستواها العلمي الرفيع.
- إفراد جانب من الندوات المقبلة لأعمال باحثين من أعضاء المركز وتخصيص بورتريهات وسير ذاتية للمشاركين.
- إيلاء المزيد من الاهتمام بمجلة الرحلة، لتصبح مجلة علمية ورقية وإلكترونية تعكس اهتمامات وطموحات الباحثين في المجال، مع انتظام صدورها.
- إعداد ببليوغرافيا منشورات المركز وتوزيعها على المراكز العلمية المهتمة مع تفعيل الموقع الالكتروني.
ـ إحداث (جائزة ابن بطوطة الصغير) لأدب الرحلة الموجّه لليافعين.
وقد تكونت لجنة التوصيات من:
الدكتور قاسم وهب (سوريا).
الدكتور عبد النبي ذاكر (المغرب).
الأستاذة خديجة صفوت (السودان).
الدكتور شعيب حليفي (المغرب).
الدكتور نواف عبد العزيز الجحمة (الكويت).
الدكتور الطائع الحداوي (المغرب).
الدكتور بوشعيب الساوري(المغرب).
المصدر
http://www.qassimy.com/vb/upk/klm2aatt.gif
رد: أدب الرحـــــــلة ...
رد: أدب الرحـــــــلة ...
http://apu.mabul.org/up/2/apu-2-l8xb...7g4yettx1p.gif
*
http://www.darah.org.sa/admin/img/Def_bpr13.jpg
*
يضم هذا الكتاب بين دفتيه البحوث المقدمة في ندوة "الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية"، التي أقامتها دارة الملك عبد العزيز في المدة 24 -27 رجب 1421هـ الموافق 21-24 أكتوبر 2000م وقد بلغ عدد هذه البحوث (25) خمسة وعشرين بحثاً باللغة العربية وخمسة بحوث باللغة الإنجليزية، وقد صنفت البحوث إلى أقسام ثلاثة هي البحوث الوصفية لرحلات شبه الجزيرة العربية، والبحوث التحليلية لرحلات شبه الجزيرة العربية، والبحوث المكتوبة بغير اللغة العربية.
المصدر
السرد العجائبي في رحلة الغرناطي
الثلاثاء, 20 فبراير, 2007
انجاز الاستاد ادريس فضوالي من المغرب
السرد العجائبي في رحلة " تحفة الالباب ونخبة الاعجاب" لابي حامد الغرناطي القيسي الاند لسي. الابعاد والدلالة
السرد العجائبي في رحلة " تحفة الالباب ونخبة الاعجاب" لابي حامد الغرناطي القيسي الاند لسي.الابعاد والدلالة
تمهيد :
يحفل التراث الإنساني بضروب عديدة من الأعاجيب و الخوارق التي تضفي عليه طابعا مثيرا، دفع بعض الدراسين الأجانب إلى الاهتمام به في محاولة لمقاربته قصد استكناه خباياه، و مجاهيله، و لئن كان التراث الإنساني غنيا بهذه "الأعاجيب" و "الأباطيل" فإن التراث العربي يحتوي على نصيب وافر من هذه الأعاجيب، و بهذا يشترك هذا التراث العربي بالتراث الإنساني العالمي، و المتأمل في هذه الأعاجيب يجدها حافلة بضروف من الخوارق و المتخيلات
و الأساطير التي يقف الدراس أمامها منبهرا يكاد لا يستسيغها.
1- تحديد المفهوم :
إن رسم هذا التحديد سيفيدنا في معرفة صفة "العجيب" كي يسهل علينا بعد ذلك الإمساك بجوهر هذا النوع السردي العجائبي، فمن معاني العجيب القاموسية، الدلالة على ما جاوز حد العجب تعني إنكار ما يرد عليك، و الأصل في ذلك أن الإنسان إذا رأى ما يذكره من الأشياء المألوفة قال عجبت من كذا.1
و من هنا تمدنا الدلالة اللغوية نفسها بالمعنى المباشر للعجب صفة لهذا النوع السردي، إذ الحكاية العجيبة لا تبتعد عن ذلك المعنى بحمولاته المشحونة غرابة و إثارة و اندهاشا، و عليه فمن المتوقع ألا تواجهنا الحكاية العجيبة إلا بما ليس في الحسبان، أي بما هو خارق للعادة، و فوق الطبيعة، و بعيد عن المعقول و منطق الواقع، من يشد إليه أفئدة السامعين و القارئين، و لعل هذا هو ما دفع ترفيتان تودوروف T.Todorov إلى أن يميز بين العجيب و الغريب
و الفانتزي، باعتبار العجيب يتعلق بظاهرة مجهولة، لم تر أبدا و تحيل على المستقبل، و لا تفسر إلا بقوانين طبيعية جديدة، حيث يقود ما هو مجهول إلى ما هو معلوم...بينما لا تستطيع مدة الحيرة التي يثيرها الفانتزي في القارئ إلا أن تقع بوضوح تام في الحاضر.2
1 انظر الفيروز أبادي : القاموس المحيط مادة (العجب)
انظر لسان العرب لابن منظور مادة (العجب)
2 د. مصطفى يعلي، القصص الشعبي بالمغرب دراسة مورفولوجية شركة النثر و التوزيع المدارس ط 1، 1999 ص 55.
و لقد عرف القزويني العجيب بقوله "العجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء، أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه ..."،1 إن هذه الحيرة هي التي تقف وراء فعل التعجب و الذهول الذي يعاب به البطل
و المتلقي أمام الظاهرة أما، "كارادي فو" فيعرف العجائب بأنها "أثار و وقائع
و مخلوقات ترد في كتب الجغرافيا و التاريخ و ما إليها مما انحدر من تلك العصور، و ليس ثمة ما يثبت حقيقتها، و لا ما يقطع ببطلانها، و أبرز صفاتها صعوبة إثباتها"، إن هذا التعريف قريب جدا هو الآخر من معنى العجائب كما تقدمه لنا الأدبيات العربية القديمة، بحيث نجد بعض الاستعمالات المتداولة في المصنفات القديمة التي يتقاطع فيها المعرفي بالشفهي من مثل "تعجب غاية التعجب" "أدركه العجب" و لذلك سبب عجيب" و غير ذلك.
2- تجليات هذا النوع السردي في "التحفة" :
بنظرنا إلى "تحفة الألباب" لأبي حامد الغرناطي نجد أنها حافلة بهذا الصنف من العجائب، و يرجع هذا إلى شغف أبي حامد الغرناطي بهذا لضرب من الحكي، و يبرز هذا الشغف من خلال نوع الكتابات التي اشتهر بها هذا الكاتب، إذ نجد له إلى جانب "تحفة الألباب" مؤلفات أخرى تسير في نفس الاتجاه،2 و فيها إلحاح كبير على النزوع إلى العجائب، و من خلال التأثير في هذه العناوين في الإعجاب و العجائب مما يبين بوضوح قصدية الكاتب التي تروم البحث عن ما هو غير مألوف، و الجدير بالذكر أن أبا حامد الغرناطي قد مهد بتقديم يهيئ فيه المتلقي لاستقبال هذه الخوارق عندما ركز على صفة العقل التي تيمز الإنسان عن باقي المخلوقات.
و من جهة أخرى نجد أن هذه الأعاجيب قد تعددت قنواتها، و تفرعت إلى مستويات أهمها.
- المعاينة : حيث نجد أن أبا حامد قد شاهد هذه الظواهر العجيبة بأم عينيه.
- السماع : فكما انه رأى ما رأى مباشرة نجده يقر بأنه سمع عن بعض الشيوخ أو المعارف الذين هو مصدر ثقة.
- الخبر : و هذا المستوى يكثر في هذا المصنف لطبيعته التي جمعت عدة أجناس أدبية و صهرتها في قالب رحلي.
1 القزويني، عجائب المخلوقات ص 13
2 تحدثنا عن المؤلفات في مدخل هذا البحث
و لعل هذا هو ما يؤكد التفاعل النصي الذي حققه هذا الكاتب مع نصوصه ثقافية أخرى، و هذه المستويات الثلاثة لا تخرج عن طريق الإسناد المعروفة في الفقه و الحديث، و بهذا تظهر جليا الرؤية الدينية المؤطرة لهذا "النص الرحلي".
3- نماذج من "التحفة" :
بالرجوع إلى موضوع هذه الأعاجيب المتوزعة في هذا الكتاب، نجدها متقاطعة مع الثقافي مشكلة بذلك نسيجا متكاملا، و هذا ما يميز المصنفات العربية القديمة التي يطغى عليها الطابع السردي، و الذي يربطها بالسردية العربية القديمة التي نشأت في ظل بيئة دينية، و لكي نقف على خصائص هذه المواد العجيبة المتفرقة في ثنايا الكتاب، نختار بعض النماذج التي تطغى فيها الخوارق و تتقاطع مع الواقعي و تفاعل معه.
* مدينة النحاس : و نقرأ عنها، أنها "مدينة عظيمة"، دور مدينة النحاس أربعون فرسخا و علو سورها خمسمائة ذراع، فيما يقال، و لها كتاب مشهور في كتابها أن ذا القرنين بناها، و الصحيح أن سليمان بن داود عليه السلام هو الذي بناها، و بنى إلى جانب السور بناء عاليا متصلا به، و جعل عليه سلما من الخشب متصلا بأعلى السور، و ندب إليه من أعطاه مالا كثيرا، و أن ذلك الرجل لما رأى داخل المدينة ضحك و ألقى بنفسه في داخل المدينة و سمعوا من داخل المدينة أصواتا هائلة، ثم ندب إليه آخر، و أعطاه مالا كثيرا و أخذ عليه العهد أن لا يدخل المدينة و يخبرهم بما يرى، فلما صعد و عاين المدينة ضحك و ألقى نفسه فيها، وسمعوا من داخلها أصواتا هائلة أيضا، ثم ندب إليه رجلا شجاعا و شد من وسطه، فعلم أن في المدينة جنا يجرون من علا السور، فأيسوا منها و تركوها"1.
الملاحظ أن مدينة النحاس تناولها أكثر من مصنف قديم، و عزا أمر بنائها إلى الجن، و في هذا المقطع السردي لا يخرج أبو حامد الغرناطي عن الموروث الثقافي، فهو أيضا يخصص لها تفسيرا، و هذا يدل على التفاعل النصي الذي حققه هذا الكتاب مع الكتب الأخرى السابقة عليه، فمثلا نجد ذكرا لهذه المدينة عند المقري،2 و أهم ما يميز هذا المقطع السردي ارتكازه علــى
1 كتاب التحفة ص 76
2 نفح الطيب للمقري، الجزء الأول.
الوصف بحيث نجد وصفا دقيقا لشيء خارج عن المألوف، مما يؤكد اختلاط الواقعي باللاواقعي، و من جهة أخرى فإن أبا حامد الغرناطي لم يخرج عن الموروث الثقافي العربي التقليدي الذي كان يجمع بين طياته العديد من الخرافات والأباطيل التي كانت تروى على أساس أنها وقائع لها وجود فعلي.
* حكاية السيف : وهي حكاية عجيبة أخرى تجمع شتاتا من الحكي الشعبي الذي يطغى عليه الطابع الخرافي و العجائبي، مما يمنح لهذه الحكاية بعدا عجائبيا ولخص هذه الحكاية في سيف سيتركه أمير قائد للجيوش،1 وسط أهل البلدة التي كان فيها ظنا منه أنه سيحميها ويحمي دين الإسلام من كل مرتد للدين الإسلامي.
ونقرأ في التحفة " ...فأخرج مسايمة سيف نفسه، فقال : سيفي بينكم، اتركوه هاهنا، فما دام بينكم لا يرتد من هذه الأمم أحد، فعملوا لسيفه كالمحراب من الصخر وأقاموه في داخله على تل حيث كان نازلا، وهو الآن باق في تلك الأرض يزوره الناس، من قصد إليه أن كان في الشتاء، أم يمنع من لبس الثياب الرزق وغيرها وان كان في وقت الحصاد يمنع أن يزوده أحد ألا بثوب أبيض جاء المطر الكثير، فيهلك الزرع وتفسد الفواكه، وهذا أمر مستفيض عندهم".2
فأهم ملاحظة يمكن لقارئ هذا المقطع الحكائي أن يستخلصها هي تأثير الطبيعي في ما فوق الطبيعي، أو بعبارة أخرى تحكم الواقعي في الغيبي، فالسيف الذي هو من صنع الإنسان يتحكم بقوة في إنزال المطر الذي يسقط بتأثير الألوان الأخرى غير الأبيض في فصول السنة باستثناء فصل الشتاء، أن لا تخرج عن الاعتقاد الديني السائد، الذي يؤمن بالمعزات والكرامات التي خص بها الله بعض أوليائه الصالحين.
* عجائب البحر: وقد وضح أبو حامد الغرناطي لمتلقيه العجائبي بتجاوز الأمكنة والناس والنبات ليطال البحر وما يسكنه من حيوانات عجيبة، وفي معرض حديثه عن حيوانات البحر العجيبة يقول : "وفي البحر أنواع من الحيوانات لها أجنحة تطير بها، و لقد رأيت سمكة سوداء بطول الذراع سوداء الظهر بيضاء البطن، خرجت من البحر و طارت في الهواء ما شاء الله تعالى ثم ألقت نفسها إلى البحر فسألت عنها فقالوا : اسمها الخطاف...".3
1 هو (مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير قائد الجيوش كان من أبطال عصره).
2 تحفة الألباب ص : 110
3 تحفة الألباب ص : 124
فها هي السمكة العجيبة، تثير العجب بطيرانها، إنها تطير بأجنحتها
و تغادر البحر في الجو لتعود إليه، إنها عجائب و غرائب الحيوانات، لأن العجائبي لا يقتصر فقط على الإنسان، و الأشياء، بل يطال حتى الأسماك التي تسكن أعماق البحار، و من هنا نلمس سيطرة هذه الرؤيا العجائبية على بعض المواد الحكائية التي طغت على هذه النصوص و شكلت تجانسا مع البعد السردي العام لكتاب "التحفة".
و في مقطع آخر يحكي لنا أبو حامد الغرناطي عن طائر الرخ الذي يكون جناحه الواحد، عشرة آلاف باع يقول "فخرج أهل السفينة ليأخذوا الماء
و الحطب، فرأوا فيها قبة عظيمة أعلى من مائة ذراع، لها لمعان و بريق، فتعجبوا منها، فلما دنوا منها، و إذا هي بيضة الرخ، فلما دنوا منها جعلوا يضربونها بالفؤوس و الخشب و الحجارة حتى انشقت كأنه جبل فتعلقوا بريش جناحه و جروه.
قال : فلما طلعت الشمس رأو الرخ قد أقبل في الهواء كالسحابة العظيمة، و في رجليه قطعة حجر كالبيت العظيم، أكبر من السفينة، فلما جارى السفينة ألقى ذلك الحجر، و كانت السفينة مسرعة بسعة من الأثقال عليها الشراعات،
و فوقع الحجر في البحر و سبقت السفينة، و نجانا الله عز و جل".1
و الملاحظ أن بعض الكتب العربية القديمة كألف ليلة و ليلة تعرضت إلى مثل هذه الطيور بما في ذلك طائر "الرخ" بوصف أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، كما وصفه ابن سعيد وصفا يدعو إلى الاستغراب بأداء كلامه بكلمة زعموا أنه "يغطي بظله سرية و يخطف بمخالبه فراخ الفيلة و يزقها فراخه، و يصنعون من قصبته قناطر على مياههم يجوزون عليه، ( و أن موطنه جزيرة القمر ).2
و الأمر لا يختلف بالنسبة لأبي حامد الغرناطي من حيث وصفه لهذا الطائر، إلا أن رؤيته الخاصة للعجيب و الغريب و رغبته في تأسيس بعد و دلالة له، هو الذي جعل الطائر يحضر في هذا المقطع السردي و ينهض بالفعل، فيهاجم السفينة المملوءة بالركاب، و لولا مشيئة الله عز و جل لكان خلاصهم من هذا الطائر الشرس.
1 تحفة الألباب ص : 132
2 تحفة الألباب ص : 131
إن هذا الحكي، كما نلاحظ يتخذ بعدا عجائبيا ما دام يرتكز على حدث خرافي قام به طائر لا وجود له في الواقع، و هذا يؤكد ما أسلفناه سابقا و التمثل في سيطرة العجائبي على ثنايا هذا الكتاب.
* عجائب الموتى : لقد طالت عجائبيات أبي حامد الغرناطي حتى الموات من البشر، فقد خص بابا بأكمله للحديث عن عجائب القبور و الموتى، ففي المقطع السردي التالي نقرأ ما يلي : "و في المغرب الأعلى ...قبر رجل صالح...كان من الزهاد مستجاب الدعوة، و كل من مر على قبره يأخذ من ترابه شيئا، فإذا ركبوا على البحر، و هاج البحر و عصفت الرياح، و كثر الموج أخرجوا من تراب قبره شيئا و ألقوه في البحر، و دعوا الله تعالى فسكن البحر و زالت الرياح و سهل عليهم السفر، و هذا معلوم في أرض المغرب،
و كان رجل من أصحابنا قد اخذ من ترابه و جعله مع ذهب كثير في هميان، كان معه و دخل البحر فأخرج الهميان و هو على جانب السفينة و الشراع يطير بالسفينة كالطير، فطرحه في حجرة و نسيه و قام على غفلة فسقط الهميان في البحر، و ذهل، فصاح الرجل و بكى و انقطع به الأياس و لم يكن له في السفينة إلى ذلك الهميان لأن أهم المغرب لا يتجرون في طريق الحج، و إنما يخرجون بالذهب للنفقة، فأيقن بالفقر و أيس من وجود ذلك الهميان لأنه في وسط البحر
و السفينة مسرعة كالطير الطائر، فلما كان العشي رفعوا دقل السفينة،
و وجدوا ذلك الهميان بذهبه ملفوفا على رجل السفينة، فأخذه صاحبه و فرح به و تعجب الناس، و قالوا هذا ببركة تراب قبر الزاهد محرز رحمه الله".1
إن أهم ملاحظة نستنتجها من هذا المقطع السردي هو كرامة الأولياء الصالحين التي لها فعل السحر و الأرصاد فبمجرد ما يلقي الناس تراب القبر في البحر يستكن الموج و يهد هيجان البحر، فهذه الكرامة تدخل في إطار الخوارق و تعطي لهذه المادة بعدا سرديا عجائبيا.
و غير هذا يورد أبو حامد الغرناطي نماذج عجائبية متعددة، كحديثه العجيب عن أهل الكهف يقول "و بالقرب من المدينة بثلاثة فراسخ مدينة صغيرة، يقال لها لوشة، إلى جانبها جبل ... مثل الغار كهف الشمس تزاور عن بابه ذات اليمين و إذا عربت تقرض ذات الشمال، و في داخله فتية عددهم سبعة
1 تحفة الألباب ص : 158
موتى ستة منهم نيام على ظهورهم، و آخر نائم على يمينه، و عند أرجلهم كلب، لم يسقط من أعضائهم و لا من شعورهم شيء، و الناس يغطونهم بأنواع الثياب
و يزورونهم ...و لهم هبة عظيمة، و على الكهف نور عظيم و الدعاء عندهم مستجاب و هذه كرامة الله ظاهرة بعباده في الدنيا".1
فالملاحظ إذن أننا أمام تحديد لعدد محدد لأهل الكهف، كما أننا أمام تحديد جغرافي دقيق للغاز و وصف دقيق لأهل هذا الكهف، و هذا ما يعطي لهذا الحكي نوعا من المصداقية و الوثوقية، و بالتالي يوهم المتلقي بأنه أمام محكي واقعي، و هكذا يتداخل هذا الواقعي بالخيالي المضفي عليه ليمنح المقطع السردي بعدا عجائبيا.
و هكذا يتضح جليا بأن البعد العجائبي يمتزج بالبعد السردي ليضفي على الكتاب المتحف و العجيب خيالية خاصة.
و لم يكتف أبو حامد الغرناطي بصنف واحد من هذه العجائب، كما رأينا، بل قدم لنا أصنافا متعددة، حيث نجده مقابل هذه العجائب الخاصة بأصحاب الكرامات الذين أحبهم الله و قربهم إليه بكرامة من الكرامات التي من عليهم بها، نجده يحكي لنا عن القبور التي لحقها العذاب لظلهم و تجبر أصحابها في الحياة.
يقول : "و أما ظهور الهوان و العذاب في حق الظالمين مما يظهر في قبورهم من النار و الدخان، فقد رأيت في بلد غرناطة، قبر رجل من الأمراء كان أميرا ظالما غاشما قاتلا ظلما و عدوانا ... و أنه فبني على قبره قبة عظيمة و عمل على قبره ألواح من الرخام، و أسود و احترق و اسودت القبة من الدخان الذي كان يخرج من قبره حتى صار كالآتون، و ل يدفن أحد بقربه ميتا" 2
و هكذا نلاحظ أن كل مقطع سردي يكون مشحونا بأبعاد و دلالات، فإذا كان ذكر أبي حامد الغرناطي للفتية السبعة هو لإبراز كرامات هؤلاء، و أن الله سبحانه و تعالى يقرب له هؤلاء لأعمالهم الصالحة لذلك قال سبحانه و تعالى فيهم "فأما إن كان من المقربين فروح و ريحان و جنة نعيم"، فإن حديثه عن العذاب الذي يصيب الظالمين الكافرين حتى في قبورهم، هو لإبراز قوة الخالق و لأجل الموعظة و العبرة يقول أبو حامد : "...و كنت أذهب مع الناس إلى قبره للاعتبار ..."3
1
تحفة الألباب ص : 143-144
2 تحفة الألباب ص : 144
3 تحفة الألباب ص : 144
البعد العجائبي :
بعدما قدمنا هذه السرود العجيبة في المبحث السابق على أنها نماذج عجائبية توزعت بشكل كبير في كتاب "التحفة" حيث أرفقناها بقراءة سطحية لعجائبيتها الطافحة من قوق و قدمناها على أنها عجائب تلتقي مع نماذج أخرى حفلت بها مختلف المصنفات و الكتب العربية القديمة التي حاولت رصد هذه العجائب، فقط هذا، و لم نشر إلى أن أبا حامد الغرناطي يختلف عن هؤلاء الذين تناولوا هذه العجائب، لا من حيث تقديمها و وصفها الدقيق حيث عمل على ترتيب موادها في مجموعة من الأبواب و كل باب خصه بمواد عجائبية معينة فكان ترتيبه للتحفة بالشكل الآتي :
الباب الأول : في صفة الدنيا و سكانها و إنسها و جانها
الباب الثاني : في صفة عجائب البلدان و غرائب البنيان
الباب الثالث : في صفة البحار و عجائب حيواناتها و ما يخرج منها من العنبر و القار و ما في جزائرها من أنواع النفط و النار.
الباب الرابع : في صفات الحفائر و القبور و ما تضمنته من العظام إلى يوم البعث و النشور.
و لعل هذا الترتيب لأبواب "التحفة" و لموادها العجائبية واجد ما يبرره عند أبي حامد الغرناطي، الذي كان يسعى إلى إقناع متلقيه بما يقدمه له من عجائب و غرائب موجودة في هذا الكون، و من هنا يتضح لنا رؤية أبي حامد الغرناطي لهذه العجائب و إحساسه بها على اعتبار أنها لم تأت من فراغ بل هي جزء لا يتجزأ من هذا الواقع المعاش، و من ثمة فهي ذات دلالة و أبعاد إن لم تأت من فراغ بل هي جزء من هذا الواقع المعاش، و من ثمة فهي ذات دلالة و أبعاد إن لم تظهر في النص بشكل مباشر، فإن موجودة بشكل ضمني و يكفي أن نتمعن في هذه العجائب كي نتبين بعدها العجائب، و لماذا حاول المؤلف إدراجها ضمن هذه المواد العجائبية.
و قبل أن نتحدث عن بعض ما يمكن استخلاصه من أبعاد و دلالات من هذه السرود العجائبية، نشير في بداية الأمر إلى الجدول السابق الذي حاولنا أن نعيد فيه ترتيب المواد العجائبية إلى فضاءات و شخصيات و مواد و حيوانات و نباتات، فرغم أن هذه العناصر متفرقة في أبواب "التحفة" إلا أن الدارس يستطيع بسهولة أن يتبين هذه العناصر، لكنه قد لا يستطيع أن يكشف عن أبعادها بنفس السهولة، لذلك سنحاول أن ندرج هذا الجدول لكننا سنضيف إليه هذه المرة الهدف من إدراج المؤلف لهذه المواد العجيبة و فيما يلي الجدول :
أ- جدول بأغلب هذه المواد الواردة في العوالم العجيبة :
العوالم العجيبة
نماذج التحفة
كيفية إثارتها للعجب
الهدف من إدراجها داخل الحفة
عالم الفضاءات
مدينة النحاس مدينة رومية العظمى صنك قادس
الظهور و الاختفاء بنتها الجن
إظهار عظمة الخالق
عالم الشخصيات
الرجل العملاق الأولياء الصالحين
طول القامة قربهم من الله و دعاهم المستجاب
-التأمل في خلق الله
-و عظمة الخالق
عالم المواد
أحجار كريمة أكسية
أشكالها بديعة أو غريبة
التأمل في خلق الله
عالم النباتات
عنب البحر
غرابة الشكل
التأمل في خلق الله
عالم الحيوانات
أسماك – حيات – طيور
غرابة الشكل
التأمل في خلق الله
وأبو حامد الغرناطي لم يكتف بتقديم هذه العوالم مجردة، و لكنه حاول أن ينسخ حولها حكايات عجيبة، ومن خلال هذه الحكايات يسرب إلى الملتقى السامع والقارئ معلومات تاريخية وتعاليم دينية إسلامية مشحونة بنفحة الإرشاد والوعظ.
ورغم أن عقلية المتلقي مرهونة بالفترة التاريخية آنذاك، فهذه المواد العجائبية قابلة للدراسة باعتبارها من جهة أولى مشاهدات التقطت في رحلة من رحلات أبي حامد الغرناطي، والرحلة كما هو معروف يطلب فيها الدقة التاريخية، وباعتبارها من جهة ثانية، سردا،ومن هنا يتحرر من الضوابط الموضوعية.
وانطلاقا من هذه الاعتبارات تتولد بالنص مجموعة من الثنائيات كتداخل الحقيقي بالواقعي الذي يزكيه التاريخ بالخيال الذي يزكيه العجائبي، فتصبح هذه الثنائية الواقعي/ الخيالي متجردة في النص من البداية إلى النهاية.
ب- ثنائيات متجدرة بالنص :
* الواقعي/ الخيالي :
فالواقعي يدل عليه السند و تحرصه مؤسسة الرقابة الدينية الحريصة على صحة الخبر خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالحقائق التاريخية وقضايا الدين الإسلامي، أما الخيال فتدل عليه المواد العجيبة، لآن السرد هو مجرد إعادة صنع للأحداث، وأن تشدد في تدقيق هذه المواد فهو مجرد إيهام بصدقيه هذه المواضيع.
الواقع الخيال
السند المضمون(المواد) العجائية
تحرصه مؤسسة الرقابة السرد(التحرر من الضوابط)
الدينية – التاريخ
تحفة الألباب نخبة الإعجاب
· المشرق/ المغرب :
ويمكن الحديث عن هذه الثنائية ضمن الخصوصية الأندلسية والدفاع عنها، هذه الثنائية استخلصناها من حكاية المدينين، (مدينة النحاس) و (مدينة ارم ذات العماد)، فمدينة النحاس حجبت لآن الجن استقلوا عن سلطة الإنسان (سليمان) فحجبوها، أما مدينة ارم ذات العماد فقد حجبت كرد فعل لتحدي الإنسان لله سبحانه وتعال، فلن يستطيع الإنسان بناء جنة تنافس الجنة الإلهية، لذالك حجب الله المدينة التي قيل عنها هي الجنة التي وعد بها النبي هو عليه السلام الملك شداد الذي تحداه ببناء ارم ذات العماد.
المغرب المشرق
مدينة النحاس مدينة الذهب (ارم ذات العماد)
حجبت لآن الجن استقلوا من حجبت لأنها جنة أرضية بناها الملك شداد
سلطة سليمان فحجبوها كتحدي للجنة الإلهية
قصة المغرب قصة المشرق "موضع الرسالات"
"سليمان نسبت إليه المدينة
لأنه يمتلك وسيط الريح"
"ولسليمان الريح غدوها شهر
ورواحها شهر"
· الإنس والجن :
وهما عالمان متمايزان في الواقع ومتدخلان في مخيلة الصراع بين الإنس والجن منذ بدأ التعاقب على خلافة الأرض.
الخلافة
آدام إبليس
سليمان الجن
فالجن يستخدمهم سليمان في بتاء المدن ابتداء من (القدس) وانتهاء بمدينة النحاس العجائبية التي بنتها الجن وأحكمت بنائها، من حيث الماحة (ستة أيام) والمنع سور بارتفاع مائتين وخمسين متر، ورغم محاولة الإنسان محاكاتها والتغلب عليها بطواف القائد حول المدينة بحثا عن الباب، بواسطة بناء برج مواز لها لقهر منعتها، لكن الجن ينتصروا في النهاية بالاحتفاظ بسر المدينة،لآن سليمان مات ولم يعودوا يقرون بالطاعة لعبد الملك ولا لقائده الذي استطاع أن ينتصر على الإنسان ويقهروه في المغرب وحتى نمله....
وهكذا اتضح لنا من خلال هذا البحث في الأبعاد أن هذه العجائب ليست مجرد خرافات وأساطير لا يراد بها سوء المتعة والطرافة، لكنها عجائبيات مؤسسة على منطق لأنها اختارت هذه المدن و النبي سليمان أيضا، حتى لا يقال أن الأنبياء والرسالات كان موطنها المشرق فقط.
4- البعد الغرائبي :
1-بالنسبة للبنيان فإن الأمر بشكل ما إلى الخليفة البدوية الصحراوية للإنسان العربي، الذي يتعود على البنيات القوية والمعقدة، وعليه فلا عجب أن ينبهر أمامها، و ينشط مخيلته لتفسير أسرارها تعويضا عن الحقائق المفقودة
أو المجهولة.
فالعقلية الخرافية البدائية دائما تعطي تفسيرات من صنعها لما لم تستطيع فهمه علميا،إسكاتا للظمأ المعرفي التي جبل عليه الإنسان الذي لابد له أن يشبع ويسكت أسئلته إما بالعلمي وإما بالخرافي، وعادة ما تتجه التفسيرات الإنسانية للأشياء الخارقة إلى إسنادها إلى قوى غيبية كثيرا ما تكون الجن والشياطين،
و أقرب مثال على ذلك شيطان الشعر.
2-أما بالنسبة لعجائب الموتى و القبور، فمن خلاله يلج أبو حامد الغرناطي إلى عالم يخفي وراءه مصائر الناس، فبعد الموت يشتد القلق من أجل معرفة هذا المصير، هل هو إلى جنة أم نار... و مادام الوصول إلى معرفة حقائق هذا العالم مستحيلة فلابد أن تنشط المخيلة أيضا لإشباع هذا القلق المعرفي، إما عن طريق الخيالات أو عن طريق الجن، أو من خلال المراني و أدغات الأحلام، و يتضح ذلك من خلال قول النبي (ص) لعبد الله بن عمر عندما خيل إليه صورة أبي جهل خارجا من النار في موقع بدر ناهيا على أن يسافر الواحد وحده، قال علي الصلاة و السلام : "الواحد شيطان و الثاني شيطانان و الثلاثة ركب".1
لماذا ...؟ لأن وحدة الإنسان تضعه في لحظات قلق و توجس و استعداد للتخيل، و هو يحتاج إلى رفقاء يؤنسونه و يعضضون خبره في الإسناد، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى، هذه التخيلات و المراني دائما ذات أبعاد و دلالات دينية أو سياسية (ايديولوجية) بدليل أنها غالبا ما تحاك حول شخصيات إما أعداء للإسلام حتى تنفر المتلقي من السير على آثار هؤلاء الكفرة، كهدف تربوي (وعظي) مثل قصة أبي جهل، و إما ذات بعد سياسي من العلاقة مع السلطان لأنها غالبا ما تكون قائمة في المخيلة الجمالية على مناصرته على الظلم،
1 تحفة الألباب ص : 145
و مثال ذلك قصة الفتى الذي كان يخدم أميره و يساعده على ظلم الناس
و الجور عليهم، فلما مات الأمير سلط الله عليه أفعى عقابا على ما كان يعمل في دنيا من سيئات، فقر الفتى قائلا : " ...لا أرجع إلى بلدي أبدا لما رأيته من ابن عمي من العذاب" و قد ذهب إلى الحج و كان من الصالحين1
و هذه الملاحظات كلها من ناحية القراءة التاريخية، و لكن يمكن أن تفسر من عدة زوايا، بالعقلية الدينية الغيبية، مثلا بأنها مظاهر للعبرة و التخويف، إذ هي ليست مستحيلة من منظار الغيبيات و الحكم على القدرة الإلهية، و من هذه الزاوية لم يكن عقل كتاب ذلك العصر رغم مكانتهم العلمية يجدون حرجا في نقلها و روايتها باعتبارها، مهما كانت متخيلة و عجائبية، لأن قدرة الله لا يعجزها شيء.
5- ما يمكن استخلاصه من الرحلة :
و نحن نخرج معمعان رحلتنا العجيبة ضمن عجائب رحلة أبي حامد الغرناطي، يمكن القول أنها تحفة أتحف بها خزائن التراث العربي جاعلا إياها "تحفة الألباب و نخبة الإعجاب"، محددا من خلال هذا العنوان الأداة التي ينبغي أن يتلقى بها هذا الكتاب باعتبار انه لا ينفذ إلى مخازنه العميقة إلا باستخدام العقل بعيدا عن الانفعالات العاطفية أو التأثرات الحسية، و لعل أول ما يربك الألباب في هذه "التحفة" هو أين نضعها ضمن إطارها التصنيفي، فهي كتاب بين الرحلة و بين كتب العجائب، لأن فيها من سرد الوقائع و تسجيل المشاهدات الواقيعة و فيها من المشاهدات و المأثورات الأقرب إلى الخيال من جهة أخرى، ما يجعلها متنازعة بين كتب الرحلات و كتب العجائب، مع أن التعارض السطحي بين الحقلين كثيرا ما يتحول إلى تداخل تتكسر فيه الحواجز الفاصلة بين الرحلة و بين العجائبيات و بين الواقع و الخيال أو "الأسطورة" بحسب طبيعة الموضوعين، إذ الرحلة تقتضي تسجيل الوقائع المألوفة و العجيبة معا "لأنها تتوخى الجمع بين الإفادة تخبرنا عما تراه، و الامتناع، لأنها تسعى أن ترصد ما تراه "عجيبا" و "غريبا".2
1 تحفة الألباب ص : 146
2 سعيد بنسعيد العلوي، أوربا في مرآة الرحلة، صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة منشورات كلية الآداب الرباط، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ط 1995، 1 ص : 15
فالعجائب تنطلق الرحلة لاكتشافه، و عقلية الرحالة المنفتحة على عوالم غريبة عليه، و غير مفهومة كل الفهم بحكم اختلاف اللغات و العادات، غالبا ما تكون مستعدة للاندهاش أمام بعض الظواهر و تصويرها في جو عجائبي رغم أنها قد تكون مألوفة عند من يعيشها و يدرك أسرارها و خلفياتها، و يكفينا هنا أن نستشهد بما نقله أبو حامد الغرناطي في وصفه لرياضة التزحلق على الجليد في إحدى المناطق الروسية، فهو يقدمهم لنا في تحفته على أنهم قوم يكثر في بلادهم الثلج و لا يستطيع أحد المشي فوق هذه الثلوج إلا بوضع ألواح خشبية تحت أرجلهم و الاتكاء باليدين على قضيبين، و الواقع أن أبا حامد الغرناطي لم يدرك أن هذه فقط رياضة تمارس في هذه المناطق الثلجية.
و هنا لابد من ملاحظة أن أبا حامد إن لم يدرك بعض من هذه الأمور، فهو في الأمور الأخرى التي تطرق لها، كان ينظر إلى هذه العجائب التي يشحن بها تحفته من منظور إيماني "بالله" و بالغيب...يختلف عن العقول الشكاكة و النزاعة إلى البرهان العلمي و الإقناع المنطقي، فهو يعتقد في العجائب
و يميل إلى سردها، باعتبارها، و مهما كانت مؤسطرة، تحتمل الواقعية، إن لم تكن هي الواقع بعينه، حسب خلفيته الإسلامية "التوحيدية" التي تنطلق من الإيمان بالغيب و بأن الله قادر على كل شيء شرطا لصحة العقيدة...و مفتاحا لتقلبها لعجائب الكون باعتبارها مظهرا لوجداني الله و قدرته على كل شيء...أكثر من النظر إليها باعتبارها خرافات و ترهات و أباطيل مستحيلة.
و لقد كان أبو حامد الغرناطي ذكيا و منهجيا –إلى حد كبير- في تسويغ عجائبيات "تحفة" في ذهن المتلقي الشكاك و كأنه كان يستشعر منه عن بعد إمكانية عدم تصديقه لهذه الأعاجيب، حيث رتب العقول "الألباب" التي توجه إليها بهذه "التحفة" عبر سلم متفاوت يتنازل من الملائكة و الأنبياء إلى العلماء إلى العوام إلى النساء إلى الصبيان... و بنى على هذا الترتيب بأنه "بقدر هذا التفاوت يكون الإنكار لأكثر الحقائق من أكثر الناس لنقصان العقول".1
1 تحفة الألباب ص : 33
و لم يكتف أبوحامد الغرناطي بإخراج متلقيه بوضعه أمام تحد صعب، إما أن يصدق بكل هذا العجائب، و غما أن يكون ناقص العقل بل أضاف إلى هذا تحدي الخيار بين العقل و اللاعقل إحراجا آخر دينيا عقائديا لهذا المتلقي، يضعه أمام اختيار أصعب إما أن يكون مؤمنا و إما أن يكون غير مؤمن، حيث يرتب أيضا بناءعلى ما تقدم "أن الذي يعرف الجائز و المستحيل يعرف أن كل مقدور بالإضافة إلى قدرة الله قليل".1
و بهذا يكون المؤمن الحقيقي "العاقل" إذا سمع عجبا جائزا استحسنه و لم يكذب قائله و لا هجنه و الجاهل، إذا سمع ما لم يشاهد، قطع بتكذيب و تزييف ناقله، و ذلك لقلة بضاعة عقله، و ضيق باع فضله".2
و هو يستشهد على ارتباط الرحلة، و باكتشاف العجائب في الخلفية الدينية بآيات قرآنية تحث على السير في الأرض و تدبر الآيات الكونية في السماوات و الأرض من أجل استخلاص العبر، و تجاور المخلوقات إلى خالقها،
و المعلومات إلى علتها الأولى، و لأجل هذا رتب أبو حامد الغرناطي مواده أربعة أبوب و جعل الباب الأخير في صفات الحفائر و القبور، و أحبار الموتى و يوم البعث و النشور "ليكون ذلك سببا للاعتبار، و داعيا إلى الفرار من دار البوار إلى دار القرار...".3
إنها فلسفة هذا الرحالة التي لخصها في استهلال بارع تضمنته حمدلته، حيث حمد الله كثيرا عن نعمه التي منها أنه "أظهر في الآفاق من عجائب المخلوقات ما تلك لإفهام عن إحصائه و تقديره و تكييفه و كل بالتماسه من حقه بتأييده و تسديده...".4
فقد أوحدت براعة الاستهلال هذه بموضوع الكتاب و طبيعته و ادعت أن المؤلف من المخصوصين بتأييد الله للقيام بهذه المهمة الصعبة التي انتدب بها المؤلف حيث حثه الشيخ الإمام الزاهد الماجد معين المسلمين و محي سنن سيد المرسلين أبي حفص عمر بن محمد، على أن "يجمع ما رآه في الأسفار من عجائب البلاد و البحار، و ما صح عنده من نقله الأخبار الثقات الأخيار".5
1 تحفة الألباب ص : 33
2 تحفة الألباب ص : 33
3 تحفة الألباب ص : 32
4 تحفة الألباب ص : 29
5 تحفة الألباب ص : 31
إنها فلسفة أدب الرحلة عند الرجل التي تتداخل فيها مختلف الأنساق الثقافية؟ رحلة، تاريخ أساطورة، جغرافية، سيرة، مغامرة...قرآن، أحاديث نبوية، شعر...ينصهر ذلك كله في بوثقة الهدف الديني، العقائدي "ترسيخ التوحيد"، ...و لأبي حامد الغرناطي – بالمناسبة- كتاب بعنوان "شرح أصول التوحيد"، مخطوط ينطلق من الفلسفة ذاتها أن أجزاء الكون مقدمات يستدل بها عن وحدانية الخالق.
و كلما تقدم أيضا يفسر التباس موضوع هذا الكتاب وصعوبة تصنيفه تصنيفا دقيقا، فلا هو رحلة توثيقية وقائعية كرحلة ابن جبير مثلا، و لا هو رحلة عجائبية متخيلة كرسالة الغفران التي تنطلق من المتخيل إلى الواقع...و غنما هو منزلة بين المنزلتين، بين كتبر الرحلات و كتب العجائب كما أسلفنا، حيث ينطلق من التوثيق و التسجيل الوقائعي لمشاهداته (رأيت) (شاهدت) (شهدت) أو مرورياته عن نقلة الأخبار الثقات الخيار) مفسحا المجال أمام المنحى العجائبي ليتسرب إلى التوثيق و يندس في ثناياه عبر نوافذ –فوراق المجتمعات و الأقطار من جهة، و نوافذ العقيدة المؤمنة بالغيب و بقدرة الله المطلقة من جهة أخرى، و مهما يكن، فإنا إذا تجاوزنا هذه التداعيات التي يثيرها مضمون هذا الكتاب حول طبيعة التصنيفي نجد أن الطريقة أو الأسلوب الذي قدم أبو حامد الغرناطي تحققه كان أسلوبا ذا أبعاد و دلالات سبق أن تحدثا عنها ضمن البعد السردي، فهو كما أسلفنا :
- سرد ملون بصور النهضة في تلك المجتمعات التي شاهدها، حيث كان منبهرا و مندهشا أحيانا أو موجها للمشاهدات و المرويات توجيها قد يختلف عما هي عليه عند مجتمعاتها.
- هو سرد مشحون بشغف البحث عن الجديد و الرغبة الجارفة في الاكتشاف و المعرفة.
- سرد يتسم بفضول معرفي في طلب العلم و استلهام التجارب.
- سرد فيه بعد يكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي يتشكل عن طريق الرحلة بكل مكوناتها ...و بما يمثله من تفاعل على خلاف مع هذه المحيطات المتعددة.
- سرد معرفي تتعدد فيه الخطابات (تاريخ، جغرافيا، فصه، قرآن حديث نبوي شريف، شعر...) لتقتنع به العقول و تصدقه و تعتبر به.
- سرد فيه متعة و طرافة.
و الواقع أن هذا سرعان ما يتحول أو يستثمر في محاولة للأخذ بمعطيات التطور الحديث و اقتفاء أثر الآخر للخروج من حالة الشلل الحضاري باعتبار ذلك داخلا في سياق "الاعتبار" الذي يشكل مع مختلف هذه الحيثيات السابقة الأهداف المشروعة للرحلة و خصوصا من منظور العقيدة الإسلامية المتحكمة في خلق الرجل الرحالة، حيث ربط القران الكريم دائما بين السير في الأرض الذي يعني "الرحلة" والنظر في ملكوت الله ويعني بها ظواهر الكون لاستخلاص العواقب السابقة في الواقع الراهن كسبا للعظة أو العلم أو الرزق، يقول سبحانه وتعالى "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"....
وقد غلفت النزعة العجائبية مختلف مكونات هذه الرحلة، سواء من حيث الفضاءات مثل (مدينة النحاس) أو من حيث الأشخاص (كالشخصيات العملاقة) أو من حيث الحيوانات البرية منها والبحرية أو النباتات (عنب البحر) أو المواد كالأحجار...أو غيرها بما في ذلك من خصائص بيولوجية أو كميائية قد تبدو غربية في ذاتها لا سيما إذا غلفتها ذهنيات الشعوب بالسرد المغناطيسي في جذبه للحديد، و حجر الماس الذي يعجز عن كسره الحديد و يكسره الرصاص، و يثقب الياقوت و الفولاذ، و لا يقدر على ثقب الرصاص، و كذلك خرزة الباه و خرزة الفتح.
فكل هذه الأمور مهما كانت عجائبيتها ينظر إليها السرد الغرناطي وفق منظوره العقادي السالف الذكر باعتبار "قد أودع الله عز و جل (فيه) خواصا تدل على حكمة الله تعالى"1 ، ثم يتوجه إلى القارئ يشاركه هذا التصور نفسه قائلا : "فلا تكن مكذبا بما لا تعلم وجه حكمته، فإن الله عز و جل قال "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلم و لما ياتيهم تأويله"، فهذا ما "أردنا تقديمه خشية أن يسارع الإنسان إلى تكذيب ما لم يشهد، فيلحقه الندم لعدم الفهم، و الله الموفق للصواب.
1 تحفة الألباب ص : 34
مقتطف من اطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة
السرد العجائبي في رحلة الغرناطي