رد : أدب الرحـــــــلة ...
سفير عربي في الصين .. يوميات ومشاهدات
تأليف: حسين راشد الصباغ
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
تاريخ النشر: 01/10/2004
الناشر:
"سندباد الجديد" سلسلة تحتفي بأدب الرحلةوتتطلع، أسلفنا في سلسلة "ارتياد الآفاق"، إلى بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة فيثقافتنا العربية، وذلك بتقديم نماذج معاصرة من أدب الرحلة العربي، وهي سلسلة موازيةللسلسلة التراثية "مائة رحلة عربية إلى العالم" التي شرعنا في إصدارها بدءاً منالعام 2001، في إطار مشروع "ارتياد الآفاق".
تهدف هذه السلسلة إلى احتضان النصوص الحديثة في أدب الرحلة العربي، وكذلك نصوصالكتاب العرب عن المكان، والنصوص الأدبية المستلهمة من الأسفار ومدونات التراثالجغرافي العربي والإسلامي في مسعى قصده تشجيع المؤلفين على مقاربة هذا اللون منالأدب القائم على الخبرات الشخصية في العلاقة مع المكان، والحركة عبره، والإطلالعلى الطبيعة والناس والعمران وما تذخر به الحياة الحديثة في الجغرافيات المختلفة مناختلاف في أحوال الإنسان، معاشه ونشاطه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وميولهوتقاليده وحياته الروحية.
معروف أن يوميات المسافرين ومدوناتهم الشخصية تشكل في الثقافات الأخرى مكتبةقائمة في ذاتها وتعتبر كتب أدب الرحلة من أمتع المؤلفات وأكثرها رواجاً على اختلافقيمتها الأدبية، وتنوع الموضوعات التي طرقها كتابها.
في هذا الإطار تأتي نص الرحلة التي بين أيدينا والتي هي عبارة عن يوميات أدبيةمفعمة بالغنى لكاتب ودبلوماسي عربي من البحرين، أمضى سنوات في الصين ودون خلاصةتجربته الحية في تلك البلاد البعيدة. رحلة حافلة بالتأمل والاستكشاف والحوار فيعالم لا عهد للقارئ العربي به. ببصر حاد وبصيرة مرهفة يستطلع الكاتب المكان ويستنطقالتاريخ ويتفاعل مع الحياة في الصينوالمعاصرة.
المؤلف:
هذا الكتاب هو أول الغيثفي الكتابة حول عملي الدبلوماسي في الفترة الممتدة من بداية عام 1977 إلى نهاية 2001 في كل من بيروت وطهران ونيويورك وبكين وأخيراً تونس.
ربع قرن من العمر مضىوانقضى على وجه التقريب قضيته خارج الوطن، وأنا أرقب سير الأرزاق وجنابها وتعاقبالأقدار وصروفها وما تفعله بالبشر، تسوقهم سوقاً إلى حيث تشاء وراء أستار الغيبالمجهول ودون العواقب. وهذا أنذا أستهلها بالكتابة عن عملي في الصين والذي استغرقثماني سنوات كاملة وأعطيتها الأولوية على الكتابات الأخرى، نظراً لأهميتها فيالتناول.
هل أسميها مذكرات أو ذكريات أو تدوين سيرة ذاتية؟ إن شأني شأن كثير منالدبلوماسيين، أزعم أنني خرجت بتجربة غنية وثرية امتزج فيها العام والخاص والأحلاموالرؤى والواقع الصارم والمتجهم في معظم الأحيان.
وقصدي من إصدار كتابي هذا هو مشاركة الآخرين هذه التجربة الإنسانية بقضهاوقضيضها وحلوها ومرها وزخمها ورؤاها. لقد عاصرت خلال إقامتي الطويلة في الصينأحداثاً هامة سياسية وتحولات اقتصادية مشهودة تعد معجزات في تاريخ الصين المعاصر.
حقاًً، إنها بلاد تصنع التاريخ، وإن ثورتها الشيوعية تعد من الثورات الكبرى التيتركت أثرها في عالمنا هذا، لقد عايشت تلك الأحداث عن كثب، وتفاعلت مع أجوائها بلوتوغلت في أغوارها بكل أحاسيسي ومشاعري وما اعتمل في نفسي ووجداني وكياني من شفافيةورهافة حس ومضاء عزيمة وقوة شكيمة وإرادة وذهن متفتح متقد، ورغبة أكيدة في تسجيلوتدوين كل ذلك وإخراجه إلى حيز الوجود.
*************************
رد : أدب الرحـــــــلة ...
سلام الله عليك أخي السندباد ورحمة الله تعالى وبركاته
وبعد .. أحييك بداية، وأهمس لك بالترحيب بك بين أهل المربد الزاهر، فأهلا وسهلا بك عزيزي...
ثم إني أشكرك جزيل الشكر على ما قرأته لنا من مقالات في موضوع أدب الرحلة، وإنه لأدب جميل جدا..تبحر بنا حروفه ونبحر بها في سائر بلاد الدنيا.. برا، وبحرا، وجوا.. واقعا وخيالا.. ليلا ونهارا...
فبين أهلك حللت، وسهلا مباركا نزلت
أخوك أبو شامة المغربي
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
رد : أدب الرحـــــــلة ...
الله الله جميل جداً
أخي السندباد
حتى معرفك جميل وودي جداً
وتراك تعرف السندباد وقصصه وما أثرت فينا
خيال وروعة
شكرا لك
رد : أدب الرحـــــــلة ...
رحالة صيني مسلم يبحر في التاريخ
رحالة صيني مسلم يبحر في التاريخ فيكتشف أمريكا قبل كرستوفر كولومبوس.
اجتاز الإسلام منذ دق باب الصين في منتصف القرن السابع مراحل تاريخية متعددة بزغ خلالها العديد من المسلمين الصينيين بين علماء وأطباء ورحالة، ممن ساهموا في نقل حضارة بلادهم للعالم أجمع.. في هذا العدد نقدم لكم رحالة مسلم ساهم في انتشار الإسلام في مناطق متفرقة من العالم واكتشف دولاً لم تعرف من قبل..
من هو ؟
"زهنج هي" هو رحالة صيني مسلم ولد في العام (1371م) من عائلة صينية مسلمة تعيش في جنوب الصين.. كان والده يعمل في التجارة فيسافر كثيراً ويجوب بلدان عديدة مما جعله يتعلق بالسفر والترحال منذ نعومة أظفاره..
وعندما بلغ (11 عاماً) اصطحبه والده في أول رحلة إلى مكة المكرمة.. فتعلم اللغة العربية وتحدثها بطلاقة، وتعرف على مدن الشرق وجغرافيتها وعادات شعوبها.
رحلات استكشافية
برز " زهنج هي" واشتهر برحلاته المتعددة وعلا صيته بين الرحالة والبحارة فوصل إلى جنوب أفريقيا والخليج العربي والمحيط الهندي، وفي كل رحلة ينقل معه الذهب والفضة والحرير الصيني والحديد والمنسوجات القطنية يرافقه الرسامون والفنانون والعلماء والبحارة والجيولوجيون.
وفي عام 1405م قام بأكبر رحلة استكشافية في ذلك الوقت بـ 7 أساطيل بحرية زار فيها 37 دولة امتدت من جنوب شرق آسيا إلى أفريقيا وصولاً إلى العالم العربي حيث كانت الصين تمتلك أقوى الأساطيل البحرية التي كانت تنافس بها الأساطيل الأوروبية في ذلك الوقت.
أما في العام 1413م شد "زهنج هي" رحاله إلى العالم العربي لأول مرة مصطحباً 30000 رجل عبر أسطول ضخم وصل به إلى مضيق هرمز، مسقط وعُمان ثم الهند، ودار حول بحر العرب وصولاً إلى عدن ثم إلى البحر الأحمر..
وفي هذه الرحلة الطويلة توقف " زهنج هي" في كل ميناء عربي يصل إليه ليلقي الترحيب وكرم الضيافة العربي، حيث بعثت أكثر من 19 دولة عربية بمندوبين وممثلين عنها يحملون الهدايا إلى امبراطور الصين في ذلك الوقت " يونغ لي" لتوثيق العلاقات الودية بين الصينيين والعرب.
نقل الحضارة
ساهم الرحالة الصيني المسلم " زهنج هي" في نقل حضارة شعب الصين إلى الدول العربية فضلاً عن نقل البضائع الصينية المميزة كالحرير الصيني واللؤلؤ المصطنع والمطرزات الحريرية والقطنية والذهب والفضة، كما ساهم في التعرف على عادات الشعب الصيني وانتشار الإسلام بشكل موسع.
الأسطول البحري
أما عن أسطوله البحري فكان يتكون من عدد كبير من السفن الكبيرة والصغيرة تتصدرها سفينته التي كانت تعرف بـ" سفينة الكنز" والتي يبلغ طولها (400قدم) حيث اعتبرت أطول سفينة في ذلك الوقت مقارنة بسفينة (كرستوفر كولومبوس) والتي كانت بطول (85) قدماً فقط.
ثم يأتي بعدها تباعاً السفن المحملة بالبراميل العملاقة التي كانت تستخدم لتخزين المياه والخيول الخاصة بالتنقل براً ثم السفن الصغيرة المحملة بالحرير الطبيعي والبورسلان والعديد من المنتوجات الصينية.
أما طاقم الملاحة فكان يحتوي على 27000 بحار وجندي موزعين على السفن كل حسب مهامه المنوطة به.
رحلته الأخيرة
أنهى الرحالة المسلم "زهنج هي" حياته بين موجات البحر أثناء رحلة عودته من الهند في العام 1433م عن عمر يناهز 60عاماً، وقد قام بـ 7رحلات على مدى (28عاماً) قطع فيها أكثر من (50000كم)، وزار أكثر من 37 دولة.
مفاجأة قوبلت بالتشكيك، وهي: أن كريستوفر كولومبوس لم يكن أول من اكتشف أمريكا والمكتشف الحقيقي للقارة الأمريكية كان من الصين وهو "زهنج هي"، وقد نزل على السواحل الأمريكية قبل سبعين عاماً من وصول المستكشف الأوروبي الشهير في العام 1492م. هذا هو الاكتشاف المدهش الذي خلص له الباحث البحري " جيفن منزيس" الذي أمضى 15 عاماً في تتبع آثار أسطور صيني ضخم طوى ذكراه النسيان.
وقد نشر منزيس نتائج بحوثه في كتاب بعنوان: "1421: العام الذي اكتشفت فيه الصين أمريكا".
ولكن كيف تمكن إيطالي من معرفة شيء عن الجزر الكاريبية قبل حتى أن يولد المستكشف كولومبوس؟ هذا هو السؤال الذي دار في خلد منزيس والذي وصل أخيراً إلى قناعة بأن أسطولاً صينياً ضخماً مؤلفاً من ثمانمئة سفينة أبحر من الصين في 8 مارس 1421م ودار حول العالم وأسس مستعمرات في شمال وجنوب أميركا واستراليا ونيوزلندا وفي المحيط الهادئ والمحيط الهندي.
بحث منزيس في السجلات الصينية التي وجد بها إثباتات لرحلات (زهنج هي).
وعثر كذلك على سجلات في أسبانيا والبرتغال تثبت أن أوائل المستكشفين الأوروبيين في العالم الجديد التقوا بمستكشفين صينيين وجلبوا معهم أحجار اليشم إضافة إلى قطع فنية أخرى صينية.
إذن كيف نسي العالم (زهنج هي) وسفنه الثمانمئة؟ لسوء الحظ أنه أثناء خروج الأسطول الصيني في رحلات استكشافية ضربت عواصف مصحوبة بالبرق العاصمة الصينية ودمرت مبانيها.
وفي رحلة سفره الأخيرة إلى مكة وفي طريقه وجدت خريطته البحرية المفصلة للعالم طريقها إلى أوروبا مما منح المستكشفين البرتغال فكرة جيدة عما سيكتشفونه في أفريقيا وأميركا قبل شروعهم في ذلك.
ويعترف منزيس بأن اكتشافه هذا قوبل بتشكيك من المؤرخين المعاصرين، لكنه يقول إن الجميع متفق على أمر واحد على الأقل وهو أن الصينيين استوطنوا سواحل المحيطين الهادي والأطلسي في الجزء الشمالي والجنوبي من أميركا قبل زمن طويل من إبحار كولومبوس إليها.
العدد (82) سبتمبر 2005 ـ ص: 38
رد : أدب الرحـــــــلة ...
أدب الرحلة فن معروف في الآداب العالمية، له سماته وخصائصه المتميزة، وقد حفل التاريخ بأسماء الكثير من أعلام هذا الأدب ورواده، الذين قاموا برحلات متعددة، خارج ديارهم أوداخلها، وطافوا بأنحاء شتى من العالم، من أمثال الرحاليْن العربييْن: ابن بطوطة وابن جبير الأندلسي، ومن الغرب: كريستوفر كولمبس وماركو بولو، وغيرهم.
وللعلامة الإدريسي كتاب مشهور، يحمل عنوان: (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وهو من أهم وأمتع كتب الرحلات، وفي عصرنا الحديث، نجد الأديب السعودي الكبير عبدالسلام هاشم حافظ، يقوم بعمل استفتاء في نهاية كتابه الذي يحمل عنوان (العذراء السجينة)(1) عن الوسائل التي يراها صفوة من رجال الفكر والأدب في المملكة، للنهوض بأدب بلاده، وتعريفه للعالم.
ويستهل الأستاذ الكبيرعبد الله بلخير الإجابة في هذا الاستفتاء، بقوله: ".. وهناك الرحلات والاحتكاك بالحضارات الشرقية والغربية، سواء منها الأدبية أو الفنية أو العلمية"
ولسنا في صدد الحديث بإفاضة عن أدب الرحلة اليوم، ولذا نقتصر على ذكر إسهام بعض كبار أدبائنا المعاصرين، بمؤلفات ضافية لهم في هذا الموضوع.. فللدكتور محمد حسين هيكل كتاباه: (ولدي)،
و(في منزل الوحي) وللمازني (رحلة الحجاز) وللدكتور زكي مبارك: (ذكريات بغداد) و(ذكريات باريس) وللدكتور حسين فوزي: (السندباد البحري)،وللدكتور عزام: (رحلات عبد الوهاب عزام).
هذا، وينفرد الأستاذ العقاد، برأيمخالف في (أدب الرحلة)، حيث يقول: «أعتقد أن ملكة الرحلة غالبة على الرحّالين، وغيرالرحالين، ولكنها تظهر في صور كثيرة، غير صورة الرحلة الخارجية، ومنها الرحلة إلى داخل النفس، أو في عالم الخيال.. والظاهر ــ لا.. بل المحقق ـ أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال.. ومع هذا، يحلو لي أن أقول: إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه، لأنني رأيت من هذا المكان، مالا يراه الرحالة المتنقلون"
ولعل العقاد، في قوله هذا، يحاول أن يبرز إيثاره للعزلة والانفراد، مع أقلامه وأوراقه.. على القيام برحلات إلى العالم الخارجي، تكبّده مشقات ونفقات، هو في غنى عنها.. إلا أن من قرأ فحسب، ليسكمن قرأ ورأى وسمع، وانفعل.. ومزج كل شيء حوله، في شتى الأصقاع، بمشاعره، وتأملاته، وخواطره.. ومن هذا المنطلق، نحاول أن نلج إلى عالم الفريق يحيى بن عبدالله المعلمي رحمه الله، كتحية ووفاء له، وهو في أكرم جوار، وقد اخترنا كتابه: «رحلة علمية: ورحلات أخرى»(2)، الذي كان يعتز به كثيراً.
وبادىء ذي بدء، يلفتنا حرصه، في الصفحة الأولى من كتابه هذا، على إثبات أبيات الشاعر المشهورة، التي يقول فيها:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر، ففي الأسفارخمس فوائد:
تفرّج همّ واكتساب معيشة
وعلم وآداب، وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار همّ وكربة
وتشتيت شمل وارتكاب شدائد
فموت الفتى خير له من حياته
بدار هوان، بين واش وحاسد
ثميقول في مقدمة كتابه، ما يدلنا على مناسبة تأليفه له: «هذه مجموعة من المقالات، كنتقد نشرتها في جريدة (البلاد) السعودية
(3)، وكانت تتحدث عن رحلة علمية، قمت بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عندما ابتعثت للتخصص في إدارة الأمن العام، وحصلت على شهادة الماجستير». وواكب ذلك، لحسن حظ المعلمي، تفضل خادم الحرمين الشريفين (الملك فهد بن عبدالعزيز) ـ وكان يعمل وزيراً للداخلية في ذلك الحين ـ بالموافقة على الابتعاث إلى أمريكا، للتخصص في علوم الشرطة، لنهاية الشوط.. وآثر المعلمي أن يدخل الولايات المتحدة من غربها، فبدأ رحلته بالاتجاه إلى بيروت، ومنها إلى إيران، ثم باكستان، فالهند.
وتم له مشاهدة إحدى عجائب العالم السبع في الهند: (تاج محل)، الذي أنشأه الملك شاه جيهان، ليكون ضريحاً لزوجته، وقد وصفه وصفاً تفصيلياً لما شاهده، باعتبار أنه إعجاز معماري، يقوم شاهداً على عظمة الحضارة الإسلامية، وأدهشه في (تاج محل) جمال النقوش، وروعة الخط العربي ويستمر المعلمي في تقديم تصوير بديع، بلغة سلسة فكهة، عن: (الحلاقة في بانكوك) وعن مشاهداته في (تايبيه) (التي بدأوا رحلتهم منها في يوم السبت) وأخبرهم الطيّار أنهم سيصلون إلى (هونولولو) في يوم الجمعة.
وتفسير ذلك، أن قائد الطائرة أخبرهم أنه قد عبر بهم خط التاريخ الدولي، وأنهم عادوا مرة أخرى إلى يوم الجمعة، لأن الشمس لم تغب عن أمريكا، ومن ثم اخترقوا الزمن، عائدين إلى الخلف، وأنهم قد كسبوا 24 ساعة من حياتهم.
وحينما وصلوا إلى (لوس أنجلوس) ـ وهي من أكبر الموانىء في المحيط الهادىء، بل وفي العالم بأسره ـ بدأت رحلته إلى أمريكا.
ثم يصحبنا إلى «ديزني لاند» ومدينة السينما العالمية (هوليود) ولولا خشية الإطالة، لأثبتنا الوصف التفصيلي الممتع، الذي قدّمه لمشاهداته، وخاصةفي الفصل الذي حرّره عن (سان فرانسيسكو) إلى أن نصل معه، بخيالنا وتصورنا، إلى محطة الوصول الأولى لتحصيله العلمي في (شيكاغو).. وفي حديثه عن الغرفة التي استأجرها بها، ويغلب عليه المرح وخفة الظل، بما يذكّرنا بمصطفى أمين، في كتابه الرائع ( أمريكا الضاحكة)..
ثم يصطحبنا معه، إلى جولة على شاطىء بحيرة (متشجان)، حيث نشاهد معه، بعين الخيال، أسراباً من الحسان حولها، يستمتعن بدفء الشمس، على رمال الشاطىء، أو يتلاعبن على أمواج البحر، على حد تعبير المعلمي.
وأخيراً، انتظم في سلك الطلاب، وحقق نجاحاً باهراً، بعد إتقان اللغة الإنجليزية، وحصل على (الماجستير) التي أتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من أجلها.. ولهذا حديث شيّق يتعين إثباته، لفائدة من يمرون بمثل تجربته هذه، إذ يقول: «ومع أني أدعو إلى أن يتذرع الطالب بالهدوء، عند أداء الامتحان، وأن ينبذ شعور القلق، فإني لا أكتم القراء سراً، إذ أخبرهم بأنني قد شعرت بالقلق، وأنا أمثل بين يدي ثلاثة من كبار الخبراء فيعلوم الشرطة في العالم، لكي يناقشوا رسالتي للماجستير، التي كانت عن «تطور أجهزة الأمن»، ولكنني ـ بعد دقائق من بدء المناقشة ـ هدأ جأشي، وسكنت نفسي، وشعرت بالطمأنينة والسكينة، لأنني كنت، ولله الحمد، متمكناً من الموضوع الذي تحدثت عنه في الرسالة، ملماً بكل وقائعه وتفاصيله، حاضر الذهن للإجابة عن أي سؤال، وللاشتراك في أي حوار حول الموضوع».
وهكذا حصل على درجة الماجستير بامتياز، وبدأ يفكر في الحصول، بعد ذلك، على درجة الدكتوراه، وتقدم إلى الجامعة في واشنطن، بطلب قبوله للدراسة فيمنهج (الدكتوراه)، في مادة (الإدارة الحكومية أو العامة) وكم كانت دهشته وفرحته،عندما تلقى من الجامعة الأمريكية خطاباً بقبول طلبه.. وقد زكاه أساتذته، وأوصوا بقبوله، وأشادوا به.. إلا أن (المعلمي) تردد في الأمر: هل يواصل تعليمه أم يكتفي بما حصّل من علم.. ويستجيب لدواعي الشوق والحنين إلى الوطن والأهل والأصدقاء وعوّل على التريث، حتى يصل إلى القرارالحاسم في هذا الشأن، مؤثراً أن يستمتع بإجازة، لمدة ثلاثة أشهر، يجوب خلالها الولايات المتحدة الأمريكية، طولاً وعرضاً.. فإذا جاء موعد الدراسة للدكتوراه، يحزم أمره، بالالتحاق بالجامعة، أو العودة إلى أرض الوطن.
ثم آثراختصار المدة (الثلاثة شهور) والاكتفاء بالتجول في مدن أوروبا.. وركب أول طائرة متجهة إلى (لندن)، وما أن وصل إلى مطار (هيثرو) حتى قال لنفسه: لماذا أبقى في لندن، وقد زرتها من قبل، وعشت فيها فترة من الزمن.. » ومن ثم ركب تواً أول طائرة متجهة إلى ألمانيا، وما أن وصلت الطائرة إلى (فرانكفورت)، حتى قال لنفسه: إن (جنيف) أروع من (فرانكفورت) و(سويسرا) أجمل من (ألمانيا).. فلتكن إجازته في (جنيف)، التي قال فيها الشاعر الدكتور مختار الوكيل:
الله أكبر ياجنيف
فوق الجمال دم خفيف
وما أن استقل الطائرة، التي أوصلته إلى (جنيف)، حتى عاد يقول لنفسه: « ياشيخ فلتكن الرحلة القادمة الآن، إلى (جدة) حتى أشتري منها ما كنت أعتزم شراءه من أسواق أوروبا من هدايا.. ومن ثم، استقل أول طائرة متجهة إلى جدة، وشعر براحة نفسية غامرة، كما أخبرني فيما بعد، بعد أن وصل إلى أرض الوطن في جدة، وتساءل: هل لي أن أبقى في (جدة) وليس بيني وبين (الرياض) ـ التي كان يقيم فيها إقامة دائمة ـ إلا ساعة واحدة.. أرى بعدها الأهل والأصدقاء..
فحزم أمره، وشد رِحْله إلى الرياض، وهو يردد قول الشاعر:
فألقت عصاها، واستقر بها النوى
كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
ومن ثم لم تعد به رغبة في السفر مرة أخرى، ولا في مواصلة الدراسة، بعد أن شدته أرض الوطن، ولقيا الأحباب، والاندماج في غمار العمل.
********************************************
الهوامش
أحد فصول كتابي: «الفريق يحيى بن عبد الله المعلمي: رحلة حياة وإبداع» المعد تحت الطبع.
1ــ طبع بالقاهرة سنة 1957م.
2ــ طبعة دار المعلمي للنشر بالرياض، سنة 1412هـ الموافق 1992م.
3ــ ونشر بعضها أيضاً بمجلة (أهلاً وسهلاً) التي تصدرها إدارة العلاقات العامة بالخطوط الجوية السعودية.
دراسة / أحمد مصطفى حافظ
من قراءات
(السندباد)