السودان وإفريقيا في مدونات الرحالة
تأليف: مجموعة من المؤلفين
*الكتاب:
السودان وإفريقيا في مدونات رحالة من الشرق والغرب. *الناشر:
دار السويدي للنشر أبوظبي 2006
*الصفحات:
722 صفحة من القطع الكبير.
بعد أن ظل أدب الرحلة العربي بعيدا عن اهتمام الباحثين والقراء العرب زمنا طويلا جاء البحث فيه أكثر منهجية بسبب توفر الكثير من مناهج القراءة الحديثة ما أعاد الاعتبار إلى هذا الأدب من خلال التعريف به والكشف عن قيمته الأدبية والتاريخية والجغرافية والفكرية وما قدمه من فهم للآخر، وللذات وقدمه من معلومات هامة تتعلق بالبلاد التي زارها الرحالة، وتعرفوا إليها.
وفي إطار هذا المشروع صدر كتاب ضخم حديثاً يتضمن الأبحاث والدراسات التي قدمت في ندوة الرحالة العرب والمسلمين التي أقيمت في الخرطوم مؤخرا وشارك فيها أكثر من خمسين باحثا عربيا من السودان والمغرب والجزائر وسوريا وحمل الكتاب عنوان السودان وإفريقيا في مدونات رحالة الشرق.
وقد توزعت أبحاث الكتاب على سبعة محاور ومقدمة وبيبلوغرافيا مختارة للرحلة من السودان وإليه وتأتي هذه الأبحاث استكمالاً لما بدأه المركز من محاولة لرسم الطريق الذي سلكه الرحالة العرب ابتداء من المغرب والجزائر ونزولا حتى مصر والسودان ومن ثم باتجاه أرض السواد وبلاد الشام وتركيا وإيران وآسيا الوسطى والهند والصين.
حمل المحور الأول للكتاب عنوان السودان في مدونات الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين وقد تضمن هذا المحور خمسة أبحاث تناولت أخبار إقليم النوبة والبجة في مصنفات الجغرافيين العرب كاليعقوبي وابن الفقيه والمسعودي وابن حوقل خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين وفي مصنفات الرحالة المسلمين الذين عملوا على التعريف بالأمصار من خلال نموذج السودان، إضافة إلى قراءة في مدلولات العهد الذي قدمه عبد الله بن السرح أحد الصحابة الذين هاجروا مع الرسول لعظيم إقليم النوبة، ودراسة سرديات رحلة العبور التاريخية وأسلمة سلطنة الفونج في القرن السادس عشر الميلادي وتناول المحور الثاني طرق الحجاج والعلماء والمتصوفة وأخطارها من خلال دراسة بنية النص ومنطق القص في رحلة الجنكي ودراسة سرديات رحلات العبور التاريخية في القرن السادس عشر للكشف عن أثر بعض تنويعات الرحالة والتجار على التاريخ الإسلامي والتاريخ الشعبي، إضافة إلى بحث يتناول موضوع الماء بين الحقيقة والرمز في رحلات الحج المغربية وصولا إلى المراحل المتأخرة من تلك الرحلات التي قام بها الرحالة المغاربة في مرحلة الحماية الفرنسية للمغرب.
أما المحور الثالث من الكتاب فحمل عنوان السودان وإفريقيا في مدونات رحالة شمال إفريقيا وقد ركزت الأبحاث المشاركة فيه على محطات التواصل الثقافي بين المغرب والسودان من خلال علامات ونصوص الرحلات إلى حواضر السودان لاستطلاع القسم الشرقي منه انطلاقا من ميناء عيذاب على البحر الأحمر، كما تناول الباحثون تجليات رباط التثاقف والوصال بين المشرق وإفريقيا كما ظهر ذلك في الرحلات الشناقطية إضافة إلى دراسة أثر الصوفية وحركتها في تأسيس النص الرحلي عبر السودان لاسيما بينه وبين الشمال الإفريقي والمدن السودانية في كتابات الرحالة المسلمين والعرب خلال الفترة الممتدة من نهاية القرن الهجري الثالث وحتى القرن التاسع حيث اعتمدت الدراسة على التوثيق وإثبات النصوص من مصادرها ومن ثم تقديم الملاحظات التحليلية للنص أو التحليل المقارن مع غيره من النصوص وبيان مدى صلة النص بالواقع ودلالة ذلك في هذا السياق.
وضم المحور الرابع الذي حمل عنوان نهر النيل بحثين تناول الأول منهما حضور النيل الواسع في كتابات الرحالة العرب والمسلمين سواء في الكتابات القديمة أو الحديثة حيث يرد أول ذكر لنهر النيل في كتابات المؤرخ هيرودوت ، ثم جاءت كتابات اليعقوبي وابن الفقيه والمسعودي وابن حوقل والمقريزي وابن خلدون وغيرهم فقدمت وصفا لنهر النيل من منبعه وحتى مصبه وتحدث البحث الثاني عن أقدم محاولة علمية شرقية لاستكشاف منابع النيل من قبل البعثة التي أرسلها محمد علي باشا إلى أعالي النيل الأبيض.
المحور الخامس حمل عنوان السودان لدى الآخر الشرقي والآخر الغربي وتضمن خمس دراسات اتخذت الدراسة الأولى من رحلة حنون في القرن الخامس قبل الميلاد باعتبارها كانت بمثابة صلة الوصل بين قرطاجة واللوبيين هدفا للبحث عن حقيقة الرحلة عبر البحث في المصادر الإغريقية والمعطيات التاريخية التي قدمتها مع تسجيل النص الحرفي لهذه الرحلة، وتناولت الدراسة الثانية الأرمادا الصينية في سواحل إفريقيا والعلاقات الصينية الإفريقية، كما تكشف عنها الرحلات الصينية الكثيرة إلى سواحل تلك البلاد في القرنين السادس والسابع قبل الميلاد واهتمت الدراسات الأخرى بالبحث في دور الرحالة العرب والمسلمين في الكشوفات الأثرية في السودان وصورة بلاد النوبة والسودان كما وردت في سفر نامه عند الكاتب الفارسي ناصر خسرو الذي ذهب في رحلة الحج إلى الديار المقدسة ومنها إلى السودان.
ومصر حيث سجل في رحلة الحج هذه مشاهداته في تلك البلاد، والدراسة الأخيرة في هذا المحور تناولت علاقة الرحالة الألمان بالسودان كما تجلت في رحلة ألفريد إدموند بريمالدي عبر مصر باتجاه إقليم كردفان في السودان وعاد منها إلى الخرطوم عبر نهر النيل.
المحور السادس تركزت بحوثه السبعة على دراسة مجالات واسعة مما قدمته الرحلات إلى إقليم السودان في مجال دراسة الملامح الإثنوغرافية والثقافية القديمة والحديثة فتناولت الدراسة الأولى النص وخطاب الهوية من خلال ثلاثة منظورات يناقش المنظور الأول منها طبيعة التجنيس وانتماء النص الرحلي إلى حقول تعبيرية مختلفة، ويتناول المنظور الثاني تجلي الذات والآخر في هذا النص، أما المنظور الأخير فيركز على دراسة خطاب الهوية في رسالة بنى فضلان وتبحث الدراسة الثانية في بناء نص الرحلة عند ابن بطوطة الذي كان مفتونا بالحكي عن الغريب والعجيب والمدهش وشعرنة الخطاب وأسطرة الفضاء عبر توسيع دائرة الخيال مما جعل الإتحاف والإغراب أهم عناصر بناء الرحلة وتتناول الدراسة الثالثة ملامح السيرة الذاتية في رحلة "نُفاضة الجراب" للسان الدين بن الخطيب، حيث يسعى الباحث إلى دراسة أدبية النص ومدلولاته في حين تتناول الدراسة التالية كتاب "التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا".
والكشف عن المرامي من وراء هذا الكتاب عبر دراسة دلالات العنوان الرئيسي والعناوين الفرعية والمحكيات الرحلية العارية من العنونة حيث يستخدم الباحث المناهج النقدية الحديثة في دراسة موقع السارد في نص الرحلة وعلاقة المكون الخطابي للرحلة بالافتتاحية، وتحاول الدراسة الخامسة البحث في المعلومات والمشاهدات التي تضمنتها رحلة المؤرخ والسفير المغربي محمد بن عثمان المكناسي إلى إسطنبول في عهد الدولة العثمانية والتي انتقل فيها بين دمشق والحجاز مما ساعده في تقديم صورة واسعة عن أحوال الولايات العربية في تلك المرحلة.
وفي دراسة أخرى تتناول أقدم مشروع نهضوي عربي للأمير فخر الدين المعني الثاني الذي قام برحلة إلى إيطاليا وتعد أقدم نص قدم وصفا لجوانب مهمة من مدنية الغرب في مطلع القرن السابع عشر حاول الباحث في هذه الدراسة البحث في علاقة المؤلف بالنص والمسار الذي اتخذته الرحلة إلى ايطاليا ومنها إلى صقلية، أما البحث الأخير الذي قدمه حفيد الكواكبي فيتناول علاقة جده الإنسانية والاجتماعية بالطفلة السودانية حجاب النور التي كانت تعمل عند صاحب أسرة كان يضطهدها ما دفع بعبد الرحمن الكوكبي إلى تحريرها من سلطة الرجل واستقدامها إلى بيته لكي تعيش معهم. وفي محور جديد حمل عنوان علامات: نصوص وقراءات يبرز الاهتمام بأدبية النص من حيث الحوافز التي دعت الرحالة محمد بن عمر التونسي إلى كتابة رحلته التي قام بها إلى إقليم دارفور في السودان في القرن التاسع عشر، وسماها "تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان".
كما تتناول الدراسة الأولى تنوع مستويات السرد وأشكال الكتابة في هذه الرحلة والمصادر التي اعتمد عليها صاحب الرحلة في تدوينها إضافة إلى دراسة منهج الكتاب الذي يتحدث عنه المؤلف في بداية الكتاب وكذلك دور العنونة في الكشف عن رؤيته إلى العالم الذي زاره وتجليات حركة زمن السرد ومدلولات المكان والوظائف التي يقوم بها أدب الرحلة، وتبحث الدراسة التالية في نصوص اكتشاف السودان من قبل الرحالة المصريين في بداية القرن الماضي أمثال محمد حسنين هيكل ومحمد حسين مخلوف ومحمد شاهين وقبلهم رفاعة الطهطاوي الذي اختلفت رحلته إلى السودان عن رحلته إلى باريس إذ لم يكن مهتما بالسودان قدر اهتمامه بالقدر الذي أوصله إلى أرض السودان والظلم الذي لحق به جراء المؤامرة التي حيكت ضده ويرى الباحث في هذا الصدد أن السودان كانت هي الفضاء الذي يمكن للكاتب المصري فيه أن يحدد هويته ونفسه طبقا للفضاء الفرعوني، وقد حاول محمد حسنين هيكل في كتاب رحلته أن يكشف عن الكثير من الصور النمطية الشائعة عن السودان في مصر فحاول أن يكشف عن زيفها وقد عمل الباحث على تتبع الاختلافات في سير الرحلات التي قام بها المثقفون المصريون.
وتتناول دراسة أخرى البعد الأنثروبولوجي في رحلة الشيخ محمد بن علي بن زين العابدين إلى السودان ومحاولة التفريق بين النص الذي تقدمه ونص رحلة "تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد الغرب والسودان".
ثم تحاول دراسة منهج التأليف في هذا الكتاب وما قدمه من وصف كامل لكل ما شاهده في هذه الرحلة لا سيما المتعلق بوصف عمليات الخصاء والعري الموجود في إقليم دارفور ونظام العبودية القائم هناك وكذلك عادات النساء وطقوس الزواج وهذا ما جعل الالتباس في حقيقة المؤلف قائما لأن محمد بن عمر التونسي في رحلة تشحيذ الأذهان يعتمد نفس الطريقة في وصف إقليم الفور الذي يتحدث عنه هذا الكتاب أيضا، لا سيما ما يتعلق بوصف طقوس السحر وأكلة لحوم البشر، لكنه يتجاوز الكتاب السابق من حيث الحديث عن بدايات احتكاك السودان مع طلائع المستكشفين الأوروبيين وما أدخلوه من تقنية حديثة إلى تلك البلاد.
وتتناول دراسة أخرى المكان وكائناته كما يشكلهم وعي الرحالة من خلال ما كتابين كتبهما رحالتين مصريين في مطلع القرن العشرين هما محمد بك حسنين هيكل الذي زار السودان كصحافي ضمن الوفد الذي حضر افتتاح خزان سنار ومحمد حسين مخلوف الذي قام بمرافقة علي ماهر باشا في زيارته إلى السودان ففي هاتين الرحلتين يظهر التباين والاختلاف كما ظهر في الرؤية التي يقدمها كل منهما إلى المكان في علاقته بالبشر، ولعل العنوان الذي وضعه كل منهما إلى رحلته يكشف عن هذا الاختلاف إذ كان العنوان وفصول الكتاب الأخير مهتمة بالتركيز على شخصية علي ماهر رئيس وزراء مصر آنذاك أكثر من الاهتمام بوصف المكان وما يولده من مشاعر وتداعيات ولذلك يقوم الباحث بعرض موضوعات كل من الرحلتين والمقارنة فيما بينهما.
القسم الأخير من الكتاب تضمن بيبلوغرافيا مختارة لأدب الرحلة في السودان تتضمن إشارات لكل ما كتب عن السودان ونشر على شكل كتب أو كتيب أو مقالات نشرت في بعض الدوريات إضافة إلى المؤلفات التراثية العربية التي تحدثت عن السودان تاريخيا أو جغرافيا وهي تشكل مرجعا مهما للبحث في جغرافية وتاريخ السودان كما تضمن الكتاب ببليوغرافيا باللغة الانجليزية يمنها أن تمد الباحث الأجنبي والعربي بالمراجع الغربية حول أدب الرحلة الذي كتب عن السودان.
أحلام سليمان
د. أبو شامة المغربي