رد : أدب الرحـــــــلة ...
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro1.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
أنثروبولوجيا المكان والرحلة ورؤية الآخر: الرحّالة العربي بين لحظتي ابن فضلان والطهطاوي.
محمد جمال باروت
كاتب سوري.
الحياة
http://www.daralhayat.com/culture/08...jpg_200_-1.jpg
لا تزال الرحلة العربية تجذب اهتمام مؤرخي الأدب أكثر مما تجذب مؤرخي الأنثروبولوجيا، ويعود ذلك إلى ضعف الدرس الأنثروبولوجي العربي, بحكم أن الأنثروبولوجيا لم تتشكل كاختصاصٍ علميٍ محكومٍ بمعايير المرْكزة الأوروبية إلا في سياق فتح إرادة المعرفة والقوة الغربية للعالم ومحاولة وصفه ومعرفته واستبنائه في شكلٍ يتكيف معها ويخضع إلى غاياتها، وفي ذلك تتداخل الأنثروبولوجيا تداخلاً وثيقاً مع الاستشراق.
وبكلامٍ أدق تداخل الرؤية التنميطية للآخر غير الأوروبي مع الرؤية الاستشراقية الكلاسيكية. غير أن تاريخ الأنثروبولوجيا عرف بحكم الميراث النقدي للغرب نفسه قطيعةً مع ميراثه التوظيفي الاستعماري. وما يهم هنا في مجال العلاقة ما بين الأنثروبولوجيا والرحلات هو مجال رؤية الآخر. ومن هنا فإن تاريخ الأنثروبولوجيا يضع الرحلات في إطار البواكير الأنثروبولوجية أو أنثروبولوجيا ما قبل علم الأنثروبولوجيا.
الجوهري هنا أن الرحلات تمثل الجانب النياسي أو الأثنولوجي Ethnologie من الأنثروبولوجيا العامة, بما هي الاثنولوجيا النظرة التي تلقيها الأنا على الآخر البعيد, والذي قد يكون مختلفاً عنها كل الاختلاف.
إن الأثنولوجيا قد ولدت من تنوع الثقافات واختلافها, ولكن شاب تاريخها كثير من الصور النميطة التي تفضي إلى وضعها في إطار مباحث رؤية العالم.
في الرحلة العربية بما هي رحلة نياسية لدينا لحظتان, هما لحظة ابن فضلان في رحلته إلى بلاد الخزر بتكليفٍ من الخليفة العباسي ليعلم ملك تلك البلاد وأهلها شعائر الإسلام في القرن العاشر الميلادي حيث كان التألق الحضاري العربي - الإسلامي في أوجه, ولحظة رحلة رفاعة رافع الطهطاوي إلى باريس وعودته منها في ثلاثينات القرن التاسع عشر, حيث كان إماماًَ للبعثة المصرية التي أوفدها يومئذ محمد علي باشا والي مصر إلى فرنسا. إن كلاً من ابن فضلان والطهطاوي إمام, لكن هذين الإمامين عادا برؤيةٍ مختلفة للآخر غير الإسلامي. الأول من موقع القوة الحضارية التي جعلته يرى الآخر في رؤيةٍ أقرب إلى ما يسمى بالمفاهيم الأنثروبولوجية أو النياسية الكلاسيكية بالبدائي المتوحش والمتأخر بينما يرى الثاني باريس من موقع التأخر الحضاري.
في تينك الرؤيتين مثّل كل من ابن فضلان والطهطاوي نوعاً من اثنولوجيٍ أو نياسيٍ مبكّر، فنجد في نص كلٍ منهما الوصف المونوغرافي المفصل والمتناهي لعادات وتقاليد ومؤسسات الآخر والناتجة عن حقل المعايشة والملاحظة وتسجيل التفاصيل وهي المعايشة التي يمكن اعتبارها سلف التجربة الحقلية للنياسي الحديث.
ومفاد الإشكالية هنا أن هذا الوصف المونوغرافي محكوم برؤيةٍ للآخر من موقع الذات في رؤيتها لمن تراه مختلفاً عنها. فالوصف المونوغرافي مادة غنية بالمعلومات عن الآخر كيف يعيش ويفكر ويحتفل ويحزن ويأكل ويشرب وينظر إلى الأشياء غير أنه مغلف بنظرة تقويمية تبخيسية أو تعظيمية.
هذه الحدية في الرؤية نتاج الوضعية الحضارية التاريخية للذات المعاينة للآخر. وتفسيرها واضح, كانت الذات الحضارية لابن فضلان حين رحل إلى بلاد الخزر قويةً ومعتدةً بنفسها بينما كانت مترهلةً ومفوّتةً حين رحل الطهطاوي إلى باريس.
الآخر هنا مرآة للذات، وهذا لا يختلف عما يقوله الدرس الآثنولوجي (النياسي) عن تاريخه، ولكنه يكشف عن جديدٍ يتمثل في أن ما تجده الذات المعاينة الرحلية في الآخر ليس شيئاً مكتشفاً بل شيئاً يكتشف من جديد برؤية الأدنى أو الأعلى في العلاقة ما بين الحضارات والثقافات.
ولقد يمكن اعتبار النسغ الإنسانوي للإسلام في مرحلة تألقه الحضاري حين ذهب ابن فضلان إلى الخزر على أنه جذر رؤية ابن فضلان غير العنصرية للآخر, فالعنصرية بمصفوفة مفاهيمها وسلوكاتها نتاج غربي حديث, وما كان لهذه المصفوفة أن تنشأ منظومياً في ثقافة يقوم أساسها على شرعنة التنوع الاثني والثقافي واللغوي الذي تحكم العلاقة ما بين مكوناته رسالة الإسلام في "التعارف" الحضاري.
كان الآخر يومئذ بعداً من أبعاد ذاتٍ قادرةٍ على التعرف عليه, وحتى استيعابه في اختلافه عنها. لكن في زمن رحلة الطهطاوي كانت الذات مرطومة ومصدومة بتفوق ذات الآخر التي تفرض معياريتها على الآخر, وتحول الاختلاف إلى تفاوتٍ معياريٍ من نوعٍ معرفيٍ يثوي في الجينات المعرفية المزعومة للآخر غير الأوروبي.
لقد تمسكت ذات الطهطاوي الأزهري بأشعريتها وكأنها تفرز آلياتٍ دفاعيةً عن تماسكها في وجه ما يقوّضها من تفوق وتباين وتفاوت في التطور.
فالذات الحضارية الإسلامية التي ينتمي إليها الطهطاوي ظلت تشكل رؤيته للآخر على رغم كل ترهلها واكتهالها, وانطوت هذه الرؤية بالتالي على درجةٍ من التركز حول الذات، غير أنه تركز المصدوم والمرطوم الذي يحاول استيعاب الآخر في منظومته وإعادة إنتاجه فيها في شكلٍ يطور الذات نفسها في عالمٍ جديدٍ.
وفي سياق هذا الاستيعاب شكلت رحلة الطهطاوي أثمن سفرٍ من نوعه عن ثقافة الآخر في تلك اللحظة. قبل الطهطاوي نجد رحلاتٍ عثمانيةً جذابة إلى الغرب لكننا لا نجد تلك الرؤية الاثنولوجية (النياسية) المبكرة التي تتعلق بإلقاء نظرة على الآخر المختلف من ناحية اشتمالها على الوصف المونوغرافي والاثنوغرافي واللذين يتكامل فيهما وصف الاخر بما هو ينتمي إلى ثقافة بالمعنى الذي نعطيه اليوم أنثروبولوجياً للثقافة أو الحضارة، فالرحالة العربي تعامل مع مفهوم الثقافة بهذا المعنى من دون أن ينطلق من تعريف علمي مضبوط الحدود لها، وهذه آلية في الفكر العربي.
إن ثقافتنا بحاجةٍ إلى تحرير الرحلات من سيطرة منهجيات مؤرخي الأدب, وتزود مؤرخ الأدب بمعارف منهجية منتجة وخلاقة تتيح له قراءة الرحلة خارج التعرف البسيط, و"الطرافات" ليضعها في إطار مقاربةٍ أشمل هي المقاربة النياسية التي ستفضي حكماً إلى اكتشافٍ جديدٍ لذلك التراث.
ومؤرخ الأدب الذي لم يختبر جيداً تقنيات النقد النصي اللغوي لا بد من أن يجد نفسه أمام تعاملٍ مع لغة الوصف المعاينة للآخر بصفتها لغةً ديناميكيةً تكشف طبقات رؤية الآخر.
يمكن لمؤرخ الأدب أن يدرس أدب الرحلات لكن عليه أن يدرسه في جانبه الأدبي وأن يتواضع في ذلك في حين أن تحرير رؤية النصوص الرحلية من أدبيتها المسيطرة ستفتح الباب أمام اعتبار الرحلة المدونة بصفتها نصاً نياسياً يكشف عن رؤية الذات للآخر وثقافته.
وإذا كان هناك من معنى لأدب الرحلة فإنه سيكون في إطار هذا المنظور بمعنى الأدب النياسي المبكر الذي تشكل في إطار معاينة الآخر في عالمٍ متنوع الثقافات، ويمثل كل من ابن فضلان والطهطاوي لحظتين متألقتين ومفصليتين في إعادة النظر تلك.
المصدر
رد : أدب الرحـــــــلة ...
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro1.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
http://www.daralhayat.com/culture/08...jpg_200_-1.jpg
عجائب بلاد الترك والروس والصقالبة
تركي علي الربيعو
كاتب سوري
الحياة
يبدو لي أن أدب الرحلات عموماً، يظل مضمراً بما هو ميثولوجي وذلك في سعيه الى تأطير ما نسميه بالغرائبي والعجائبي في سلوك الآخرين، خصوصاً أن أدب الرحلة يقيم فروقاً بين الأنا والآخر، لنقل بين الأنا المتحضرة كحالة ابن فضلان القادم من دار السلام وعاصمة الخلافة، حيث الغنى والثروة والجاه والمنعة والقوة وبراعة التمثيل، وبين الآخر الغريب الذي يُشبّه ابن فضلان سلوكه بسلوك الدوابّ الضالة ولغتهُ بلغة الزرازير.
الأهم من ذلك، أن ابن فضلان الذي يدفعنا الى اقتفاء أثره في بلاد العجائب، لا يمل من عرض عجائبه، فرسالته التي يصف فيها الأقوام الأخرى من الأتراك والصقالبة والروس والخزر، مفتوحة على كلِّ ما هو عجائبي وغرائبي، بل هي مُوَشّاةٌ متناً وهامشاً بالعجائبي والغرائبي، في وصفه للحيوانات الأسطورية التي رآها في بلاد البلغار (الصقالبة) أو للرجال العماليق في بلاد الروس، حيث يدفعُهُ الاستهوال الى اعتبارهم من بقايا يأجوج ومأجوج؟
من جميع النواحي، يمكن وصف "رسالة ابن فضلان" بأنها "وثيقة انثروبولوجية وميثولوجية بآن" في وصفها الانثروبولوجي السياسي لممالك وطقوس سياسية منسية من التاريخ الرسمي، ومن هنا، هذا الثناء من جانب المستشرقين على وصف ابن فضلان لتلك الممالك وتحالفاتها وطرق التحالف، كذلك وصفها الانثروبولوجي/الديني للكثير من العبادات الدينية عند الشعوب كما هو الحال عند الأتراك (الباشغرد) الذين يسجدون لصنمٍ من خشب، ويعبدون أرباباً كثراً كما يقول ابن فضلان، فهناك رب الشتاء ورب الصيف، ورب النهار... إلى آخره، والذين يحتكمون في النهاية الى رب كبير، أضف إلى ذلك وصفه الدقيق لطقوس الدفن العجائبية عند البلغار والروس، والتي تحظى باهتمامٍ كبير من ابن فضلان، وبمقارنة ماثلة في ذهنه بين طقوس دفن المسلمين وطقوس دفن الروس التي تحاط بهالة ميثولوجية كبيرة يتابعها ابن فضلان بفضول معرفي دقيق وبإعجابٍ ظلَّ باستمرار مصدراً للعجائبي والغرائبي في رسالته.
من عجائب البشر الى عجائب المخلوقات، يتحرك ابن فضلان بفضولٍ معرفي لا ينالُ منه الكلل والملل من رائد قرر أن ينقل رسالة أمير المؤمنين الى بلاد العجائب، لنقل، الى أمير البلغار، الذي بعث برسالة يستنجد فيها بأمير المؤمنين المقتدر بالله الذي تولى الخلافة سنة 295 هجرية.
وفي وصفه لعجائب البشر (عاداتهم وهيئتهم وتقاليد زواجهم... كذلك طقوس الجنس الجماعي) يسعى ابن فضلان كما أسلفتُ، الى نحت فارق بين الأنا والآخر، من دون أن يبخس الآخر حقه، وعلى سبيل المثال، فهو يصف الروس، كذلك البلغار والأتراك انطلاقاً من مرجعيته الدينية والحضارية، فالروس كالدواب الضالة لا يستنجون من غائط ولا بول، ولا يغتسلون من جنابة، ولا يغسلون أيديهم من الطعام، ويمارسون الجنس جهاراً أمام بعضهم بعضاً، ولكنه لا ينسى أن يصفهم بالجمال، فهم كالنخل شُقرٌ حُمْر.
كذلك الحال مع الأتراك المذمومين من وجهة نظره لهيئتهم: "فالترك كلهم ينتفون لحاهم إلاّ أسبلتهم"، وهذا على عكس الحال مع المسلمين، ولكنه يمتدح فروسيتهم وشجاعتهم وبراعتهم، فقد رأى ابن فضلان يوماً، أن أحد الفرسان الأتراك وقد سايرهم على فرسه، رأى وزةً طائرة "فأوتر قوسه، وحرك دابته تحتها، ثم رماها، فإذا هو قد أنزلها".
أعود للقول، ان رسالة ابن فضلان وثيقة انثروبولوجية في وصفها للديانات الطوطمية عند الأتراك والبلغار في مطلع القرن العاشر الميلادي، في تعبدهم للسمك والحيّات وآخرين لطائر الكركي كما هو حال الأتراك، أو التبرك بعواء الكلب عند الصقالبة البلغار، الذين يعتبرونه شاهداً على سنة يكثر فيها الخير، وهذا ما يذكرنا بعمل الانثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستروس في "الفكر البري" الذي وصف لنا طقوس التضحية بالكلب الأبيض عند الهنود الحمر.
تستغرق رحلة ابن فضلان أحد عشر شهراً، يلاقي منها ما يلاقي كعادة الرحالة، ولكن ذلك لا يثنيه عن هدفه، حتى لو "اصفرَّ بالنيب بعد الخُضرة الشيحُ" كما قال ذلك الشاعر الفارس للقائد العربي قتيبة بن مسلم الذي وصل الى حدود "ترمذ"، لا بل إنه - أي ابن فضلان - يفصح لنا عن هدفٍ آخر في زيارته لبلاد الروس، هدف ظلَّ يدغدغ معظم من سبقوه من مغامرين ورحّالة.
ففي روايات "ألف ليلة وليلة" أن الخليفة عبدالملك بن مروان بعث بمجموعةٍ من الرحالة الذين يثق بهم الى بلاد واق الواق ليتأكد من وجود يأجوج ومأجوج. كذلك فعل الخليفة الواثق بالله (227هـ - 232هـ) ببعثة برية الى سد يأجوج ومأجوج حفظ منها ياقوت الحموي ما جاء على لسان "سلام الترجمان"، وها هو ابن فضلان الذي وصل الى نهاية العالم آنذاك، يرفض إلا أن يعود بشهابٍ من هناك، ينير فيه الطريق الى عالم يأجوج ومأجوج العجائبي، فما إن يسمع من ملك البلغار بأسطورة الرجل الذي يقف عند "نهر إِتل" والذي طوله اثنا عشر ذراعاً ورأسه كأكبر ما يكون من القدور، وأنف أكثر من شبر، وعينان عظيمتان... الخ. حتى يتحرك ابن فضلان الى هناك، الى تفحص عظامه ورأسه، فيتأكد من ذلك وينتابه العجب وهو المولع بكل ما هو عجيب، من العماليق الى يأجوج ومأجوج.
في معظم الميثولوجيات القديمة، كذلك أدب الرحلات، كثيراً ما يعود البطل بنبتةٍ تُكسبُ قومَهُ الخلودَ أو جزة ذهبية تكون فاتحةً لعهد جديد، أو رسالة وتعليمات لحياة جديدة، وهذا ما يفعله ابن فضلان الذي يخط لنا رحلته وقدرته على ارتياد آفاق لا يزال فكرنا المعاصر عاجزاً عن ارتياد تخومها.
من هنا أهمية هذه الرسالة/ الوثيقة وحاجة المثقفين العرب المعاصرين الى الاقتداء بها؟
(أحمد بن فضلان، رسالة ابن فضلان: في وصف الرحلة إلى بلاد الترك، والصقالبة، والخزر، والروس، حقّقها: سامي الدهان - دمشق، المجمع العلمي العربي، 1409هـ - 1988م).
المصدر
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
د. أبو شامة المغربي
http://aklaam.net/aqlam/images/e_mail.gif
kalimates@maktoob.com
رد : أدب الرحـــــــلة ...
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro1.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
بين "يحرسها الله" و"باعدها الله" ابن جبير يرسل أدعية للمدن الموصوفة
نادر سراج
كاتب لبناني
الحياة
يعرف أدب الرحلات باعتباره مجموعة الآثار الأدبية التي تتناول انطباعات المؤلف عن رحلاته في بلاد مختلفة يقصدها لغايات شتى، ويصف ما يراه من عادات البشر وسلوكهم وأخلاقهم، كما يعتني بذكر الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، ويعتبر أدب الرحلات مصدراً مهماً للدراسات التاريخية المقارنة، وخصوصاً بالنسبة الى العصور الوسطى.
وفي وعينا الثقافي باتت صورة ابن بطوطة رمزاً مؤشراً لأدب الرحلات الذي أسس لانطلاقة الفرد العربي لارتياد أقطار جديدة واكتشاف أحوال الأمم والتعرف الى الآخر المختلف.
لعب ابن بطوطة (1304 - 1377)، الرحالة العربي الكبير دوراً ملحوظاً في تاريخ البشرية، إذ تجاوزت المسافات التي قطعها خلال رحلاته الخمس، والتي استغرقت ثلاثين عاماً، 120 ألف كيلومتر، أي ما يعادل ثلاث مرات محيط كوكب الأرض.
ولكنه لم يكن نسيج وحده بين علماء الأرض، فإلى جانب الرحالة الأبرز في التاريخ العربي الإسلامي، ثمة أسماء مبرزة لعلماء مثل الشريف الإدريسي (1100 - 1165) الذي أدخل الى أوروبا علم الجغرافيا ووضع كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، وابن ماجد (... - 1498) أو "أسد البحر"، البحار لعربي الرائد الذي اعتبر أمهر الملاحين العرب قاطبة ممن ألفوا في علوم البحار.
ومن عشرات الأسماء نذكر أبا حامد الغرناطي وابن حوقل وابن ماسويه والاصطخري والبيروني والمسعودي والمقدسي وياقوت الحموي وغيرهم.
يبرز ابن جبير كرحالة رائد سبق ابن بطوطة في ارتياد أقطار ووصف مجتمعات ووضع مؤلفات، فلثمانية قرون خلت، ركب هذا الرحالة الأندلسي البحر وطاف يجول أمصار العالم المعروف، يصور ملامح المدن، ويرسم أحوال البشر ويدون مشاهداته ويتركها للسلف معطيات موثقة تنبئ بحراك المجتمع البشري في تنوعه وخصبه على حدٍ سواء.
ولد محمد بن أحمد بن جبير (540 - 614هـ/ 1145 - 1217م) في بلنسية (الأندلس)، وتوفي في الإسكندرية. جغرافي وأديب ورحالة درس الفقه والحديث في شاطبة، زار في رحلاته كلاً من الاسكندرية والقاهرة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والكوفة والموصل وحلب ودمشق وعكا وصقلية، رحلته الأولى قصد فيها الديار الحجازية، ويقال إنه شرب الخمرة صدفة فحج تكفيراً.
العالم الأندلسي المبحر لم يدع تفصيلاً بسيطاً يغيب عنه، ولم يغفل ما يستملح أو يستغرب، فمنذ رحلته الأولى، وهي الأهم، حرص ابن جبير، الذي كان قد بلغ الأربعين من العمر، على تسجيل يومياته بدءاً من اليوم الأول لركوبه متن البحر، من مدينة سبتة، على ظهر سفينة رومية كانت في طريقها الى مدينة الاسكندرية. ويذكر بعض الدارسين أنه اهتم بتسجيل خط سير الرحلة وأحداثها البرية والبحرية ومشاهداته الجغرافية وما يصل اليه من معلومات تاريخية عن المدن والجزر والطرق البرية والبحرية والموانئ التي ينزل بها أو يبحر منها مما وسم رحلته، التي استغرقت عامين، بالدقة والعلمية.
وانسحب هذا الأمر وجهة وزمناً على رحلته الثانية (585هـ/ 1189م) حين بلغه نبأ فتح صلاح الدين لبيت المقدس، ثم قام برحلة ثالثة وأخيرة الى المشرق بدأها عام 601هـ/ 1204م. وقد أمضى فيها أكثر من عشرة أعوام صرفها في التدريس والأدب ومراجعة ما كتبه من أخبار رحلته الأولى.
وصف في مجمل رحلاته كل ما مر به من مدن وما شاهد من عجائب البلدان وغرائب المشاهد وبدائع المصانع والصنائع، والأحوال السياسية والاجتماعية والأخلاقية، وصور ما قابله من ألوان العدل والظلم.
وقد عَنَى عناية خاصة بوصف النواحي الدينية والمساجد والشواهد وقبور الصحابة ومناسك الحج ومجالس الوعظ والمستشفيات ووصف كذلك الكنائس والمعابد والقلاع.
انتقد نظام الجمارك في الاسكندرية، ولم يفته التشهير والسخرية من النزعة الاحتفالية عند علماء المشرق والعجب الذين يظهرونه في أثوابهم وفي ألقاب العظمة الطنانة التي ينتحلونها (الحضارة العربية في الأندلس 2/1260). كما ذكر الحروب التي كانت دائرة بين المقاتلين في سبيل الله: الصليبيين والمسلمين في الشام. وقد حظي السلطان صلاح الدين الأيوبي بتبجيل عظيم من مدوناته باعتباره أنموذجاً للبطولة.
واللافت ان مدوناته عن المدن حفلت بالأدعية الدينية مثل: يحرسها الله، وعمرها الله، وحماها الله، أو: باعدها الله إذا كانت من المدن التي خرجت من يد المسلمين الى يد الفرنجة، ومنها ما يدعو عليها: يدمرها الله إذا كانت تحت سلطان الفرنجة.
اهتم المستشرقون في الغرب بترجمة وطباعة "رحلة ابن جبير" لأنها شكلت مرجعاً موثوقاً لا غنى عنه للمؤرخين الجغرافيين ولكل من يريد الاطلاع على أحوال الحياة الاجتماعية في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي.
طبع الكتاب لأول مرة في مدينة ليدن سنة 1852م مع مقدمة للمستشرق رايت الأستاذ بجامعة كمبردج، وأعيد طبعه مرة أخرى بليدن في 1907م وصدّر بترجمة لحياة ابن جبير، وراجع هذه الطبعة المستشرق دي خويه وقام بترجمتها الى الانكليزية، كما تُرجم القسم المختص من هذه الرحلة عن صقلية الى الفرنسية وطبع سنة 1846م، كما صدرت طبعة محققة عن دار التراث عام 1968م، وأخرى مصورة من دون تاريخ عن دار صادر في بيروت.
يعتبر كتاب رحلة ابن جبير "تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار" من أهم كتب الرحلات الإسلامية، ويلي في الأهمية كتاب رحلة ابن بطوطة الذي كُتبَ بعده واستند اليه في بعض المعلومات في الجغرافيا البشرية.
ويعتبر بعض الدارسين ان لا مثيل في أدب الرحلات الإسلامية لأسلوب ابن جبير في رحلته، إذ أنه اعتمد أسلوباً مرناً أثبت فيه تمكنه من آليات الرصد والتوصيف.
فقد أوجز في وصف المدن والآثار، واكتفى بإعطاء اللمحات العامة عن الأقاليم، في حين أنه أسهب في وصف السكان في البلاد التي أقام بها.
ليس مستغرباً أن تبادر منظمة اليونيسكو الى تكريس سنة 2004 سنة دولية للاحتفاء بالرحالة العربي ابن بطولة، فهذه البادرة هي اعتراف بأهمية أدب الرحلات في الثقافة العربية.
وهذا التكريم يشمل في الحقيقة كل علماء الأرض المسلمين، كما اصطلح على تسميتهم، الذين لم يغيبوا عن سجل الأحداث والوقائع التاريخية التي خلدتهم عبر رحلاتهم الاستكشافية ومؤلفاتهم الجغرافية.
المصدر
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
د. أبو شامة المغربي
http://aklaam.net/aqlam/images/e_mail.gif
kalimates@maktoob.com
رد : أدب الرحـــــــلة ...
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro1.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
أسفار البر والبحر... نحو اكتشاف العالم
شمس الدين الكيلاني
كاتب سوري
الحياة
احتل الرحالة العرب, في مجال التعرف إلى العالم, موقعاً مركزياً داخل أروقة الثقافة العربية, وحفلت مدوناتهم بالصور الحية عن الشعوب التي زاروها في أوروبا, وشرق آسيا, وفي عمق أفريقيا السوداء, عكسوا فيها طريقة نظر الثقافة العربية تجاه الآخر, ودرجة اعترافها به كشريك في عمارة العالم, وفي عروج طريق (التقوى), حيث مزجوا بين ما شاهدوه واختبروه في ترحالهم وبين معاييرهم الثقافية في الحكم على الآخر. لقد حفزهم الإسلام على الترحال, لعمارة الدنيا (جعل لكم الأرض ذلولاً), وللتأمل في خلق الله, وفي آثار الأمم الباقية, (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف عاقبة المكذبين), وحفزتهم أيضاً الرغبة في المعرفة, والثراء التجاري, إلا أن العامل الحاسم, هو تحول العرب المسلمين الى حضارة كونية في قلب العالم القديم, تمسك بمعظم الخطوط التجارية الدولية, ومداخل بحاره, والى دولة شاسعة تمتد من قلب أوروبا الى قلب الهند وبحارها, فغدت معرفة الآخر المجاور والبعيد من ضرورات السيادة, قبل أن تغدو شغفاً معرفياً, وبحثاً عن التجارة, فوقفت الدولة وراء الكثير من الرحلات فضلاً عن السفارات وهيأت لها الرباطات ذات الوظائف العسكرية لخدمة الرحالة, والمسافرين. فتحولت رحلات (عبادة بن الصامت) في عهد أبو بكر, وعمارة بن حمزة, في عهد المنصور, ونصر بن الأزهر في عهد المتوكل الى حوار كثيف بين حضارتين, عندما امتد لقاء هؤلاء (بملك الروم) وحوارهم معه.
وانضم مع توطد البحث العلمي, رجال جدد جمعوا بين علمهم الجغرافي وبين كونهم رحالة جوابي آفاق, استخدموا مشاهداتهم في تصانيفهم العلمية الجغرافية, مثل المسعودي, والمقدسي, واليعقوبي, وابن حوقل, والإدريسي, والغرناطي, وابن سعيد المغربي.
دخل الرحالة العرب مغامرة اكتشاف العالم القديم, وتأثرت مقاصدهم, وموضوعاتهم الأثيرة, بطبيعة علاقاتهم بالحضارات التي زاروها, لهذا طغى على مدوناتهم عن أوروبا مزيج من العداء والتنافس, وأحياناً الإعجاب والاهتمام بالجوانب العسكرية والسياسية والدينية, لا سيما بيزنطة المنافس الخطير لهم, بعدها تأتي دراستهم لحياة الأوروبيين الثقافية, ولسلوكهم, ولعاداتهم, ولتجاراتهم, وتنقلب أولويات أبحاثهم عند دراستهم حضارات الشرق الأقصى, الهند والصين, جزر المحيط الهندي, والشعوب السود الأفريقية حيث الغلبة هنا للعلاقات السلمية, فأينما ذهب الرحالة في مدن أفريقيا جنوب الصحراء, وفي مدن الهند والصين, وجد أمامه جالية مسلمة, تحتضنه وتأويه.
قدّم لنا عن أوروبا, الأسيران (مسلم الجرمي), وبعده بخمسين سنة يحيى بن هارون في القرن الثالث الهجري, صورة أخاذة عن بيزنطة, فوصفا أبهة الملك وعظمته, وتراتبية وظائفه, وبنية الحاشية والجيش والتنظيم الإداري الامبراطوري, إضافة الى اهتمامهما بالكنيسة وتراتبية سلكها, ووصفا العاصمة القسطنطينية: أبنيتها, حصونها, مرفأها, تماثيلها, وثروتها, وطبقا الطريقة ذاتها على وصفهما لروما وأهلها. وتأتي رحلة ابن فضلان في القرن نفسه, ليتقدم بدراسة اثنوغرافية عن حياة بلغار الفولغا, من كل جوانبها, وشعوب الروسية والاسكندنافية قبل أن تدخلها المسيحية وعن شعب الخزر عندما كان على اليهودية, مقدمة معلومات نادرة عنهم في مرحلة غامضة من تاريخهم, ديانتهم وطقوسهم وأساليب حكمهم, الجيش والحرب, مالية الدولة, عادات الزواج والطعام وزراعتهم وتجارتهم وطرائق الدفن, ومحاكماتهم ومدونتهم القانونية. كما ترك أبو دلف أثراً فريداً عن رحلته الى أرمينيا, والشيء نفسه فعله الغرناطي في القرن الثاني عشر عند وصفه لوقائع رحلته الى بلاد المجر/ الهنغار.
وكانت أبرز الرحلات الأندلسية, تلك التي قام بها الغزال يحيى بن الحكم (ت 864) الى بلاد النورمانديين في جتلاند, عندما كانوا على الوثنية, وزيارة يعقوب الطرطوشي الى المانيا ومقابلته الامبراطور أوتو الأكبر رسولاً لأمير قرطبة, ووصفه لمقطع من الحياة الثقافية لبوهيميا والمانيا, والفرنجة (فرنسا), وانطباعات ابن جبير عن التعايش المسيحي والإسلامي في صقلية تحت حكم النورمانديين, ومدونة ابن بطوطة عن زيارته للقسطنطينية, والبلقان في القرن الرابع عشر. ولم تكن مغامرات سندباد (في ألف ليلة وليلة) سوى حكاية خيالية للرحلات الواقعية الكثيفة التي جال بها الرحالة العرب في الصين والهند, وجزر المحيط الهندي, حيث خلت الصورة هنا من احتدام المجابهة, لمصلحة الشغف المعرفي والتجاري والمغامر. وتأتي في مقدمة تلك الرحلات رحلة سليمان التاجر في القرن التاسع الى الهند والصين وبحارها, والتي دوّنها السيرافي, ورحلة بزرك بن شهريار في جزر المحيط الهادي, ثم رحلة المسعودي الى بلاد الهند, وأبو دلف الى الصين, وكذلك رحلات ابن حوقل والاصطخري والمقدسي واليعقوبي, وأيضاً البيروني الذي دوّن خبرته المعرفية في موسوعته عن أديان الهند ومذاهبها. وأيضاً رحلة أبو عبدالله اسحاق الى جزيرة خمير (كمبوديا), وتبلغ الرحلات الآسيوية ذروتها مع ابن بطوطة, أعظم الرحالة في كل العصور, تاركاً وراءه تقريراً اثنوغرافياً عن الهند وسيلان وجزر الماليبار, وأندونيسيا والصين, هذا إضافة الى آثار الرحالة والمعجمي ياقوت الحموي.
وتعرّف رحالتنا أيضاً إلى الشعوب السود, فدوّن لنا السيرافي, وبزرك بن شهريار, مشاهداتهما عن شرق أفريقيا حول ساحل زنجبار وموزمبيق, وحفظ المقريزي وقائع رحلة الأسواني (ت 963) الى بلاد النوبة واليمن والحبشة. كما حفظ البكري وقائع رحلة الوراق (ت 973م) الى غانا وبلاد السنغال, والصحراء الكبرى. وترك اليعقوبي في كتابيه: التاريخي والبلداني معلومات جغرافية واثنوغرافية عن شعوب الصحراء الكبرى وجنوبها, وشذرات عن مالي والشعوب المجاورة لها.
ووصف ابن حوقل بطريقة نفاذة حال قبائل البرزخ الصحراوي, ومدنه الصحراوية التجارية سجلماسه وأدغشت, وأدوارهما التجارية مع الشعوب السود, وتجارة الذهب مع غانا, إضافة الى ما قدمه عن بلاد الحبشة واليمن وأريتيريا والخطوط التجارية المارة بها. فمع ابن حوقل خرجت بلاد السودان من الظل. وتحدث الاصطخري عن منابع النيل, رافضاً الخرافات القائلة إنها تنبع من الجنة. وتصور الإدريسي, متأثراً ببطليموس, أن الحدود الجنوبية للقارة السوداء تمتد شرقاً لتحاذي سواحل الهند والصين. ولعل المسعودي أبرز الرحالة الجغرافيين الذين دونوا مشاهداتهم, وما كسبه من خبرة ثقافية, عن ساحل أفريقيا الشرقية, ومدنها الساحلية.
وحفظ لنا ابن سعيد المغربي, وقائع رحلة ابن فاطمة, في القرن الحادي عشر الى الساحل الغربي لأفريقيا حتى مصب نهر السنغال, وفي الشرق حتى سفالة الزنج, فعرف جزيرة مدغشقر (جزيرة القمر) وأكمل ابن سعيد الصورة فتحدث عن ممالك السودان الغربية والشرقية, وقد اشترك مع البيروني, ومن قبل المسعودي في الافتراض بأن المحيطين الأطلسي والهندي متصلان في جنوب القارة السوداء, سابقين بذلك بارتلمي دياز بقرون.
ثم تأتي سيرة الرحالة العظام في القرنين الرابع عشر والخامس عشر, وأولهما ابن بطوطة الذي زار سلطنة مالي عبر الطريق التجاري الصحراوي, فوصف حياة الشعوب السود, في غرب أفريقيا. كما زار شرق أفريقيا وترك وصفاً أخاذاً لحياة الناس في مقديشو ومدن ساحلية أخرى.
وثانيهما حسن الوزان "ليون الأفريقي", الذي دوّن مشاهداته في "وصف أفريقيا" الذي غدا حتى نهاية القرن التاسع عشر أفضل المصادر عن أفريقيا, في أوروبا.
كثافة الرحلات العربية في كل اتجاه, دفعت كراتشكوفسكي الى ملاحظة: "الاتساع الهائل في معلومات العرب عن العالم بالمقارنة مع ما عرفته أوروبا, فقد عرفوا أوروبا بأجمعها باستثناء أقصى الشمال, وعرفوا النصف الجنوبي من آسيا, كما عرفوا أفريقيا الى خط العرض عشرة, وساحل أفريقيا الشرقي", كانت الرحلة هي الحافز الرئيسي في هذه المعرفة, وقوتها الدافعة, التي اخترقت الصورة النمطية الضيقة عن العالم التي اقتبسها الجغرافيون الفلكيون العرب وعلى رأسهم الخوارزمي وسهراب ويعقوب الكندي والبتاني, عن نظرية بطليموس في تقسيمها للعالم المعمور الى أقاليم سبعة حول خط الاستواء وعن نظرية الكيوف الطبيعية لجالينوس, التي أرجعت خصائص الأقاليم الى تأثير البروج والأفلاك, وتحولت تلك الصور الى سلطة ثقافية راسخة, والى عائق معرفي أمام تقدم الخبرة العربية, الى أن اخترقتها الرحلة.
فقد لعبت الرحلة, والرحالة الجغرافيون, وأصحاب التأليف "البلداني" و"المسالك والممالك" دورهم الكبير في النيل من هذه السلطة الثقافية لبطليموس وجالينوس, بالرجوع الى "الخبرة" والمشاهدة, حيث قادت مؤلفات "البلدانيين" و"فضائل المدن" الباحثة عن خصائص المدن والأقاليم: فضائلها ومثاليتها, وإدراك التنوع داخل وحدة "الإسلام" الى تطبيق هذه المنهجية ذاتها على دراسة الرحالة, والرحالة الجغرافيين لخصائص الأمم والحضارات الأخرى المحيطة بهم, أو الأبعدين عنهم. بإدراك خصائصها: فضائلها ومثالبها داخل دائرة الوحدة البشرية. مطبقين القاعدة الذهب التي توصل اليها المفكرون العرب, والتي عبر عنها التوحيدي بقوله: "ان الخيرات والفضائل, والشرور والنقائض مفاضلة على جميع الخلق, مفضوضة بين كلهم". وطبق الرحالة هذه المنهجية في سردهم لخبراتهم, وبنقلهم لمشاهداتهم, فأبرزوا صورة أثنوغرافية للشعوب التي عرفوها, وتعايشوا مع أهلها, فقاربت نصوصهم في بعض جوانبها من انشغالات النص الانثروبرلوجي, بما احتوته من كشف لطباع تلك الشعوب, في أفريقيا, وآسيا وأوروبا, في تنوعها الثقافي, وذلك في دراستهم لطرائق معيشتهم, وعاداتهم في الزواج والأعراس, والمطبخ وتنوع الطعام والشراب والتربية وبناء المنزل وترتيب المدن وطقوس الدفن, وأساليب حصولهم على معاشهم في الزراعة والتجارة والصيد, وفي اعتقادهم الديني والطقوس المصاحبة له, وأشكال بناء السلطة والملك, ومدونتهم القانونية, ولم ينسوا المدهش والعجيب على صعيد السلوك.
هذا ما فعله ابن فضلان في مدونته عن شعوب بلغار الفولغا, والروس والخزر, والفايكنغ, ونجده أيضاً في وصف الطرطوشي, كما نقله البكري, عن مدن أوروبا الألمانية والبولونية والافرنجية, ونصادفه مع ابن بطوطة في تدوينه لحياة الشعوب السود, وأوروبا الشرقــية, ولـــشعوب الشرق الأقصى, ومع سليمان التاجر, والمسعودي وابن حوقل, وغيرهم كثير.
يكفي أن نذكر الرحالة ياقوت الحموي, في معجمه, الذي يستحق العديد من رسائل الدكتوراه, لكشف جوانب رؤيته للعالم, ولطريقة تناوله للثقافات المختلفة, فقد حرص في تطرقه لمئات المدن, في العالم القديم, على أن يعرفنا إلى الجوانب المختلفة لحياتها الثقافية والبيئية.
المصدر
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
د. أبو شامة المغربي
http://aklaam.net/aqlam/images/e_mail.gif
kalimates@maktoob.com
رد : أدب الرحـــــــلة ...
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro1.gif
http://img176.imageshack.us/img176/4...noos9ktsx4.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
الرحلة العربية وأدبياتها
رضوان السيد
الحياة
بدأ تأمّل العرب للعالم من حولهم في أسفارهم التجارية، وفي رحلات الشتاء والصيف، التي ذكرها القرآن الكريم، ونعرف من القرآن أيضاً رؤية استراتيجية تبدّت في المفاضلة بين فارس والروم.
ثم شكّلت الفتوحات نقلة واسعة لا يزال المؤرخون مختلفين حولها، وهل كانت نتاج خطة أو توجهات عامة على الأقل، أم انها حدثت بطريقة التداعي والاطّراد، أي كلما فُتح اقليم قاد ذلك الى التدخل في الناحية المجاورة، بيد ان البارز في هذا السياق، المعرفة الجيدة التي أظهرها العرب الأوائل بالمسالك والممالك من المدينة وحتى الصين - وبالقوى السياسية والدينية في تلك الأصقاع الشاسعة.
وعندما اكتمل قيام الدولة، بدأت الكتابات في "رؤية العالم" وموقع العرب والمسلمين ودولتهم أو خلافتهم فيه، بدأوا بترجمة كتب "الأقاليم السبعة" عن الفرس، والمجسطي أو الجغرافية عن بطليموس.
وقد كان الاهتام بالحسابات الفلكية على الأهمية بالنسبةاليهم، بحيث كثر النقل عن الايرانيين والفرس والهنود، وعسُر أو تعذّر للفاحص المتأمل حتى القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، تبيان معالم (ولو رئيسة) لرؤية أخرى للعالم، غير رؤى الامبراطوريات القديمة.
كل ما في الأمر انهم شأنهم في ذلك شأن الفرس وضعوا أنفسهم في اقليم العالم الاوسط: الاقليم الرابع، وانصرفوا لتدقيق الحسابات الفلكية لهذا الموقع أو ذاك، ولهذه المدينة أو تلك تبياناً لأحوال الطقس تارة، وللسعود والنحوس تارة أخرى.
لكن عصر الفلكيين لم يطل، فبعد كتب الأقاليم جاءت كتب المسالك والممالك، ثم جاءت كتب المسالك والبلدان، التي صارت الأقاليم السبعة مقدمات لها وحسب - فإلى كتب الرحلات والرحّالة، والتي لا علاقة لها بصورة الأرض أو تقسيمات الاقاليم.
ولدينا من هاتين المرحلتين مرحلة صور الأرض أو الاقاليم، ومرحلة المسالك والممالك نحو الخمسين كتاباً، منها المترجم وشبه المترجم، ومنها المصنّف والمؤلّف.
كما ان هناك دارسين كبيرين ومهتمين عن المرحلتين أيضاً، الأولى تاريخية وفيلولوجية للمستشرق الروسي الكبير إغناتيوس كراتشكوفسكي بعنوان: تاريخ الأدب الجغرافي العربي, والثانية بعنوان: جغرافية دار الإسلام البشرية للدارس الفرنسي آندريه ميكيل, وهي إناسية وأدبية ورؤيوية، وقد تُرجم الكتابان كلاهما، على رغم عسرهما وطولهما الى العربية، وقد أفدنا ونفيد منهما منذ عشرات السنين.
أما كتب المرحلات فقد قام بتدوينها علماء وهواة ومبعوثون، وهي تنقسم ايضاً الى قسمين: الرحلات العلمية او الديبلوماسية، والاخرى الثقافية المغامرة او المستكشفة، وتتخذ الرحلات العلمية اسم "الرحلة في طلب العلم"، وهمّ أصحابها تتبع شيوخ العلم الحديث والفقه في الدرجة الأولى) في أنحاء العالم الإسلامي، والرواية عنهم، والتعلّم على ايديهم، وذكر المدارس والاحوال العلمية الاخرى في البلد المعني.
ومع ان هذه الكتب (كتب الرحلة في طلب العلم، وذكر شيوخ المؤلف)، ليست من كتب الرحلة او أدبياتها بالمعنى المتعارف عليه حديثاً، فهي مقيدة جداً لجهة الملاحظات العارضة التي يذكرها المترهّل في الجغرافيا والانثروبولوجيا والإثنولوجيا وأحوال العمران والسياسة في البلد المعني.
النوع الثاني من نوعي الرحلة هو الذي تهمنا نصوصه التراثية هنا.
ونملك عبر العصور، منذ القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، وحتى رحلات أحمد فارس الشدياق، نحو المئتي نص من هذا النوع، هي في الأغلب الأعمّ مذكّرات سجّلها يوماً بيوم أو بعد عودته من رحلته رحّالة طلعة استولى عليه فضول المعرفة او فضول الاستكشاف او حب التواصل مع الآخر المختلف، داخل دار الإسلام أو خارجها.
وقد اشتهر لدى المثقفين العرب المحدثين كتابا رحلة من هذا النوع: رحلة ابن جُبير (من القرن السادس الهجري)، ورحلة ابن بطوطة، من القرن الثامن الهجري.
وابن جبير مشغوف بملاحظة المعالم الجغرافية الطبيعية والاخرى العمرانية، في حين شغف ابن بطوطة بذكر أحوال البشر وعاداتهم ومنازعهم في الملبس والمأكل والمشرب.
ولا يظهر أكثر الرحالة بمظهر العلماء الكبار أو الذين يعنون بتتبع ظاهرة معينة باستثناء قلّة نادرة منهم وعلى رأسهم أبو الريحان البيروني من القرن الخامس الهجري، في كتابه: "تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة في العقل أو مرذولة" و"الآثار الباقية من القرون الخالية"، بيد ان اناساً كالمسعودي (من القرن الرابع)، والمقدسي (من القرن الخامس)، وياقوت الحموي (من القرن السادس) يبدون موسوعية شاسعة الأبعاد، تتجاوز الهواية أو الفضول، كما تتجاوز الالتفاتة السريعة، وأكثر الذين وصلتنا رحلاتهم يقتصرون على دار الاسلام وجوارها، بيد ان ذلك ليس بالامر الغريب او ذي الدلالة السلبية، إذ كانت دار الاسلام وإشعاعاتها، شاملة لكل العالم المعمور خارج الصين وأوروبا الغربية.
وحتى في الصين وجد ابن بطوطة مجتمعات إسلامية مزدهرة، كما وجد آخرون في صقلية ونواحٍ أخرى من أوروبا عماراً إسلامياً، بعد انحسار السيطرة الاسلامية عن تلك الاصقاع بعد قرون.
ويتصل بذلك أمران اثنان: الأول مستوى "الحقيقة" فيي تلك الرحلات، والثاني ما تنم عنه مضامين الرحلات ونصوصها عن رؤية للآخر والعالم، في الأمر الاول نعرف منذ عقود ان القراءات النقدية لرحلة ماركو بولو الى الشرق والصين، أثبتت ان ما يزيد على ثلث الرحلة حافل بالأخطاء والاوهام والخيال الجامح، وقد قيل بعض ذلك عن المسعودي وابن حوقل والمقدسي وابن جبير وابن بطوطة.
ونعرف الآن ان ابن بطوطة وابن خلدون كتبا رحلتيهما بعد مضيّ مدة من خلودهم الى الاستقرار والراحة. ولذلك لا يستبعد وقوع الخطأ والنسيان والوهم، بيد ان هناك أدباً جغرافياً وهمياً ورحلات جغرافية وسياحية وهمية.
ويتضح ذلك من تسمياتها من مثل عجائب البحار، او عجائب الجزائر، أو جزائر واق العراق، ولا ندري سبب كتابتها، لكنها خيال في خيال، والقراء معجبون بها أحياناً لهذا الامر بالذات، ومع ذلك فان رحلات السندباد، الشديدة الطرافة هي من كتابة بحار بالغ المعرفة والخبرة بأحوال البحر، لكنها حافلة أيضاً بالخيال.
وقد تبين للباحثين والدارسين ان كتابات الرحالة لا تعتمد على مشاهداتهم وحدها، فهم جميعاً ينقلون كل ما اطّلعوا عليه لدى كتاب المسالك والممالك، كما انهم احياناً ينقلون عن الرحالة السابقين ويغفلون ذكر ذلك، باستثناء رواد البحار، لأن رحلة البحر كانت قد صارت حرفة مثل سائر الحرف وللأصناف لها شيوخها ومعلموها وربابنتها وتقاليدها ومدارسها، حيث يعتزّ التلميذ بذكر تعاليم استاذه أو شيخه أو حرفته.
والرحالة المسلم شديد الاحساس بالاختلاف، بل إن "جغرافية الوهم" شأنها التركيز على ما تعتبره غير طبيعي او غير عادي أو غير انساني بالمعنى المتعارف عليه لذلك، وهناك فروق في مفاهيم الاختلاف بين دار الاسلام، ومن هم خارج دار الاسلام، فالاختلاف الديني أحد أبرز ما يجري التركيز عليه، والانتباه اليه لدى من هم خارج دار الاسلام.
ثم إن الاختلاف الديني المستغرب لا يشمل المسيحيين واليهود، بل يتناول أتباع الديانات والمذاهب العقدية الاخرى، والاهتمام بالاختلاف لا يعني دائماً الاستنكار أو التهوين من شأن هؤلاء الآخرين، فبعكس ما يرى الدكتور أومليل في رؤية البيروني للهنود، هناك احترام عميق باعتبار ان هذا التنظيم الديني /الفلسفي الدقيق يحتضن رؤية بعيدة الغور للعالم والوجود.
ويأتي بعد الاختلاف الديني في الاعتبار الخصائص الجغرافية للمكان، والتي تثير العجب او الاعجاب، وأكثر ما يثير الرحالة المسلم غزارة الموارد المائية او قلتها، والبساتين والاشجار، والتضاريس الجبلية او المنبسطة.
والرحالة المسلم ممتلئ بالاحساس بالكمال (وليس بالتفوق) الديني والاخلاقي، ويعني ذلك أنه راضٍ عن نفسه ولا يشعر بتحد كبير نتيجة "الاختلاف" مع من هم خارج دار الإسلام أو بداخلها. ويأتي اختلاف اللون والعنصر رابعاً في اعتباره بعد الدين والبيئة الطبيعية والعادات والاخلاق.
والرحالة - شأنهم في ذلك شأن الجغرافيين - منقسمون في علّة ذلك، أي اختلاف الالوان، فمنهم من يعود فيه الى الرؤية التوراتية لأولاد نوح: سام وحام ويافت، ومنهم من ينسبه الى البيئة الطبيعية، وتغير الطقس او استمراره في المكان والزمان.
والمكان لدى الرحالة والجغرافي هو ثورة الاهتمام" في حين ينتبه الفلكي أو نصير الجغرافية الرياضية للزمان وتقسيماته البطلمية والأرسطية والفارسية والهندية.
وقد كان هناك جدل في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بين برنارد لويس من جهة، وغرنوت روثر وطلال أسد وبرايان تيرنر وآخرين من جهة ثانية حول اللون والجنس في الثقافة العربية، وما كان معروفاً وقتها عن الكتابات التراثية حول هذه المسائل غير تأملات الجاحظ وابن حسّول، ومواريث التوراة. ومسألة اللون عند العرب شديدة الإشكال، ولا علاقة لها بالأصل الاثني، فالبياض على رسمات السادة، لكنه يوحي ايضاً بأن الأم ليست عربية.
والسيد العربي الخالص هو "الأخضر" أي الذي يلمع من شدة سواده! والسواد هو المنطقة التي تؤدي الى شط العرب، وسماها العرب كذلك لشدة خضرتها.
ولا يعتبر الرحالة العربي ان له فضيلة على المختلف معه لوناً وعنصراً، بل يرى الفضيلة في الدين والخلق والتعامل بين الناس، وتأتي المرتبة الثانية بين الفضائل في عادات وأعراف النكاح والطعام ولباس النساء والرجال.
المصدر
http://www.palintefada.com/upload/pic/beesssss.gif
http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/bo...orders-150.gif
د. أبو شامة المغربي
http://aklaam.net/aqlam/images/e_mail.gif
kalimates@maktoob.com