أحضان الرومانتيكية
يتطرق الكتاب في ذكر أن القصة التاريخية نشأت في أحضان «الرومانتيكية» ويعتبر «والترسكوت» من أشهر كتابها، والكاتب في المجال يستلهم أحداث التاريخ وخيالاته من الوقائع التاريخية، ولكنه يكون ملتزمًا بها بعد ذلك.
وهنا يتعرض لما يسميه «البذور الأولى للقصة التاريخية الإسلامية.
ويختلف الكاتب في هذه البداية، حيث يبدأ بسلسلة بدأها سليم البستاني ويتناول بالدراسة روايتي «بدور» و«الهيام في فتوح الشام» ويختتم النقد لهما بقوله «مهما كانت المآخذ التي أخذت على «البستاني» فإن ما يشفع له هو أنه أول رواد هذا الفن وقائده.
كانت لـ «جميل نخلة» وتعرض في الدراسة لرواية «حضارة الإسلام في دار السلام «حيث تخيل رحالة فارسية يزور البصرة وبغداد في صدر الخلافة العباسية» وقد استعرق في تأليفها عشر سنوات، وهو يعتبرها من البذور الأولى للقصة، هذا بالرغم من اعترافه بأن «جميل نخلة» لم يستوعب الجوانب الفنية للقصة، واختلف بهذا الرأي مع د. محمد يوسف نجم الذي اعتبرها مجرد كتاب من كتب الرحلات، وحجة في ذلك أن الرحلة في الكتاب خيالية، وعنصر الخيال يحتويها من بدايتها إلي نهايتها.
ويتوقف الكاتب عند «جورجي زيدان» وتأثره بمحاولات سير «والترسكوت» في الرواية التاريخية، ويسجل الخلاف الرئيسي بينهما ومفاده أن «سكوت» جعل التاريخ خادمًا للفن، بينما «زيدان» جعل الفن خادمًا للتاريخ، وذلك في رواياته الثلاث وعشرون، والتي استوحى التاريخ الإسلامي في عشر روايات منها.
ويقول الكاتب إن زيدان كان يختار الموضوعات من الفقرات التاريخية التي تتسم بالاضطراب والانقسام، وهي فترات حساسة، يدور فيها صراع بين مذهبين ديني أو سياسين، وكان يتجنب اختيار موضوعاته من الفترات التاريخية المشرقة، وهذا الاختيار جعله موضوع اهتمام من البعض الذين رأوا أنه نظر للإسلام من المنظور الغربي.
ويتعرض الباب الثاني للرواية وعنوانه « نمو القصة التاريخية الإسلامية » إلى مرحلة جديدة في تطور القصة، وحسب قول الكاتب فحسب قوله:
« لم تعد القصة تعتمد على مجرد السرد العادي والأسلوب السهل اليسير مثل روايات زيدان، وإنما امتازت بالتأنق في الصورة، والعناية بالأسلوب، إلي جانب ما جد فيها من تطور فني في عناصرها، ومن هذه المرحلة اختار إبراهيم رمزي، على الجارم، محمد سعيد العريان.
ويرى الدارس أن إبراهيم رمزي تطرق لهذا الميدان بتوجيه من الإمام « محمد عبده » لكنه لم يذكر ان كانت أعمال إبراهيم رمزي الروائية تعد نوعا من المعارضة القصصية لأعمال جورجي زيدان أم لا ؟
ثم إنه يعترف الكاتب بأن « رمزي » تأثر فنيا « بزيدان » ومفهومه للقصة التاريخية، ولم يقدم لنا مبررا لاعتماده لإبراهيم رمزي باعتباره ممثلا لمرحلة قصصية أكثر تطورا من جورجي زيدان، اللهم إلا إذا كان تاريخ نشر القصص هو معياره، فآخر كتاب صدر لجورجي زيدان وهو ( شجرة الدر ) صدر عام 1914، بينما أول أعمال إبراهيم رمزي صدر عام 1915.
ويتعرض بعد ذلك الكاتب للروايات الثماني التي ألفها علي الجارم، حيث يرى أن الجارم مر خلال تطوره الفني بمراحل ثلاث : المرحلة الأولى ونقصت فيها رواياته نقصا فنيا تمثل في ضحالة الشخصيات وعدم تمكن الكاتب من سبر أغوارها، والمرحلة الثانية وفيها تطور فن الكاتب وتوسع في تحليل حياة الشخصيات لكنه لم يبلغ تمام النضج الفني إلا في المرحلة الثالثة، والتي تمثلها روايته « غادة رشيد».
والتي كانت نموذجا لاكتمال خصائص «الجارم الفنية»، ويرى المؤلف أن الجارم أرسى دعائم مدرسة في كتابة القصة التاريخية، ويعتبر أن « محمد سعيد العريان » من أبرز رجالها.
وقد أسهم بأعماله في تطويرها، ففي مرحلته الأولى كان امتدادا للجارم وخاصة في روايتيه « قطر الندي» و«شجرة الدر» ثم تطور حسب رأي الباحث « فقد اتسعت عنده الصورة الفنية طولاً وعرضاً، وأجاد ابتكار الشخصيات والحوادث، واهتم بدراسة حياة الشخصيات، وإبراز ميولها الإنسانية » وتمثل هذه المرحلة روايته « على باب زويلة » و« بنت قسطنطين».
ويرى الكتاب أن القصة التاريخية الإسلامية في مصر اتجهت في مرحلة الازدهار من القومية إلى الإنسانية فكان الاعتناء بتحليل صور النفس وحوادث التاريخ تحليلا يقوم على ضوء علم النفس الحديث وعلوم الاجتماع والسياسة.
وتطورت الحلقة الأولى في سلسلة الازدهار في أعمال « محمد فريد أبو حديد بالعمل الفني خلال عمله الأول «ابنة المملوك» ثم يتعرض لمسرحيته «مقتل عثمان» قبل أن يعالج في فصلين مستقلين الأعمال المسرحية لأحمد شوقي وعزيز أباظة، وفي الفصل المخصص «لعلي أحمد باكثير» تناول أيضا بعض مسرحياته.
وقد برر الكاتب هذا الخلط بين القصة والمسرحية بقوله : «إن المسرحية هي قصة تتألف من جملة أحداث يرتبط بعضها ببعض، غير أنها تعتمد أساسا على الحوار وهذا المبرر غير مقنع ولا مقبول، فالفروق بين الأجناس الأدبية واضحة ولا تسمح بمثل هذا اللبس، والذي استمر أيضا في الباب الرابع المخصص للموازنات، ففي الفصل الأول وازن بين « العباسة» في رواية جورجي زيدان، و«العباسة »في مسرحية عزيز أباظة، وفي الفصل الثاني وازن بين مسرحيتي «ابراهيم رمزي»، و«علي أحمد باكثير» عن «الحاكم بأمر الله ».
والفصل الثالث وازن فيه بين شخصية «المعتمد بن عباد » في رواية «علي الجارم» وفي مسرحيتي « أحمد شوقي » و «ابراهيم رمزي » وانتهت الموازنات إلى استجلاء الاختلافات في النظر إلى الشخصيات موضع الأعمال باختلاف منظور كل كاتب، ولم تستطع التوصل إلى رصد سمات فنية للمعالجات، والسبب في ذلك الخلطُ بين مفهومي القصة والمسرحية.
د. أبو شامة المغربي