الشعر العربي بين سلطة المعيار ولذة الإنزياح
عنوان رسالة ماجيستر من الجامعة الحرة بهولندا
بقلم
التجاني بولعوالي
التجاني بولعوالي
شاعر وكاتب مغربي مقيم في هولندا
الأربعاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2006م
تمت مناقشة رسالة الطالب التجاني بولعوالي، لنيل شهادة الماجيستر، والموسومة بـ (الشعر العربي بين سلطة المعيار ولذة الإنزياح)، في كلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها، من لدن الأساتذة المدرجة أسماؤهم أدناه:
1- أ. د. صلاح مهدي الفرطوسي – رئيسا
2 – الدكتور جبار منشد الدراجي – عضوا
3 – الدكتوره رشا الصوفي – عضوا
4 – الدكتور الحسن الغشتول - مشرفا وعضوا
وذلك في يوم الخميس الموافق 07-12-2006، فى الساعة الرابعة مساء، في قاعة الجامعة الحرة بمدينة دينهاخ في هولندا، وكانت النتيجة بدرجة جيد، وبهذه المناسبة تتقدم الجامعة الحرة بالتهاني للطالب، والشكر للجنة المناقشة والحضور الكريم.
تقرير الرسالة
الشعر العربي بين سلطة المعيار ولذة الإنزياح
مساهمة في التنظير والتفسير
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، "ربّ اشرحْ لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني"، وبعد...
فإن هذه الدراسةَ هي بالشعر أعلق، اخترت لها أن تنكب على قضية بلاغية وأسلوبية، تعد بحق، من أبرز القضايا النقدية المعاصرة التي بدأت إرهاصات اهتمامي بها قبل أكثرَ من عَقْد زمني، عندما كنت طالبا بجامعة محمد الأول بوجدة، فكتبت مقالة بهذا العنوان نفسه، وقد حظيت بالنشر في ملحق ثقافي لجريدة مغربية. ثم بعد ذلك وسعت تلك الرؤية لتصبح عبارة عن بحث أولي لنيل شهادة الإجازة، وأنا عاقد العزمَ آنذاك على أن أتخصص في هذه القضية تخصصا دقيقا، حتى أبلغ فيها شأوا كبيرا، فتكون في المستقبل بمثابة أطروحة، أتناول من خلالها الشعر العربي تناولا شموليا، لا أوليا كما سبق في بحث الإجازة.
غير أن حدث مغادرتي للوطن حال دون استكمال ذلك المشروع النقدي، الذي كنت قد هيأت له مختلف الأسباب من تصميم متكامل ومراجعَ مختلفة وآليات إجرائية وغير ذلك، فوقعت في نوع من القطيعة مع ما كنت قد بدأته بالوطن، وأنفقت فيه سنوات من القراءة والتنقيب والتأمل... حتى بزغت إلى الوجود الجامعة الحرة، التي شدت على يدي بحرارة، وجعلتني أخرج من غيبوبتي الفكرية، فأنفض عني غبار النسيان، وأنا أتلمس في كوامني أفكار ذلك المخاض القديم، الذي كتب له أن لا يولد في الوقت المناسب، فانحجب في لا وعيي، أمام ذلك الزخم الكبير من التزامات الحياة وإكراهاتها وهمومها، وأنا ظان أنه لم يعد إلا مجرد ذكرى، وأن لا متسع لأن أنطلق من جديد فيما كنت قد بدأته، فالوضعية الجديدة تطرح أمامي قضايا مغايرة، لا تمت بصلة إلى الأدب وشجونه.
لكن، ومع ذلك، فقد تهيأت، بعد هذا الانقطاع الذي امتد حوالي عقد زمني كما أسلفت، إمكانية مواصلة ذلك المشروع القديم، فكانت هذه الدراسة المتواضعة التي تتمحور حول قضية المعيار الشعري والانزياح عنه من خلال نماذج من الشعر العربي، والتي تحمل عنوان: (الشعر العربي بين سلطة المعيار ولذة الانزياح، مساهمة في التنظير والتفسير)، والملاحظ أن العنوان الرئيس يتركب من ثلاثة عناصر هي: المعيار والانزياح فالشعر العربي. ولم يكن هذا الاختيار إلا مترتبا عن اقتناع فكري، مؤداه أنه من المستحيل أن ندرس المعيار الشعري ونستوعبه مفصولا عن الانزياح، والعكس صحيح. ثم إن هذه الدراسة ما هي إلا محاولة أسهم من خلالها في استيعاب تلك الحيثية من ذاكرتنا الشعرية، المقترنة بخروج الشعر على السائد من المعايير والقوانين والأعراف، لتصير تلك الذاكرة منفتحة دوما على الإضافة والنقص والتعديل وما إلى ذلك، فما هي إلا مجرد مساهمة، من جهة أولى، من خلال متابعة التنظير الذي اعتكف على المعيار الشعري والانزياح عنه، ومن جهة ثانية، من خلال تفسير جملة من النماذج الشعرية التي تعبر، بشكل أو بآخر، عن درجة الانزياح الشعري لدى مختلف الشعراء، بغض النظر عن فضاءاتهمُ الزمانية والمكانية والمعرفية والجمالية.
من هذا المنطلق، يتبين أن القصد من وراء هذا البحث يتجاوز ما هو وصفي، وإن كان يوظف من فينة إلى أخرى آلية الوصف، ويتخطى ما هو تاريخي، وإن كان أيضا يرتحل عبر إحداثيات التاريخ. إنه يسعى حثيثا، في الدرجة الأولى، نحو فهم الجانب المخفي من ذات الشاعر، الذي ينزع دوما إلى أن يكون مختلفا عما هو كائن، وهو لا يتساءل مطلقا عن سبب عصيانه للمألوف، وتمرده عن السائد، لأنه يدرك أن الإنسان- على العموم- مخلوق انزياحي بطبعه، فما بالك والشاعر! فلاحظت أن النقد العربي، قديمَه وحديثَه، لم يول هذا الجانب ما يستحق من الأهمية، باستثناء بعض الإشارات الخفيفة المتفرقة المودعة في بطون الكتب، التي لا يصل إليها الدارس إلا بشق الأنفس. ثم إن الدراسات الحديثةَ التي شرعت منذ تسعينيات القرن الماضي، في تناول قضية الانزياح، غالبا ما كانت تستورد التفسيرات الغربيةَ التي تسقطها على النص العربي بشكل مباشر، دون مراعاة طبيعة الموروث النقدي العربي، وخصوصية الإبداع الشعري العربي، مما ولد أزمة نقدية تتمثل في شتيت من الأفكار والرؤى والتناولات المسكونة بالانقسام والتبعية، حتى أن القارئ يحار إزاء ذلك الزخم من الآراء التي يصعب التسليم بها أو التغاضي عنها تغاضيا كليا، فلا مناص لنا بعدئذ من غربلة علمية موضوعية، بدل قبول آراء النظار والنقاد على علاتها أو التشبع بها جملة وتفصيلا. لا بد إذن من الاسترشاد بوعي مخصوص يحتم علينا الخوض في مسالك نظرية وإجرائية تستند إلى خطوات منظمة تتمثل في اعتماد متون هذه الدراسة على أساس الشمولية في التعامل مع ما ألف في باب الانزياح، بغض النظر عن الهوية التاريخية أو الجغرافية أو المعرفية لأصحابه، ولذلك جاءت دراستي مستفيدة من شتى النظريات ووجهات النظر، على أن تخدم النص لذاته، لا لأمور خارجية عليه، فاستفدت من المدارس الأسلوبية والشعرية الغربية بالدرجة نفسها التي استفدت بها من تنظيرات النقد العربي القديم، دون تمييز بين الجرجاني وجان كوهن، أو بين القرطاجني وهنريش بليث... احتذاء أو انتقادا، تبنٍ أو رد.
وقد اقتضت طبيعة الموضوع المدروس أن لا أتقيد بمنهج واحد، لأنني إزاء دراسة متنوعة القضايا والمناحي، تشمل الشعر والنقد، وتنفتح على القديم والحديث، العربي والغربي، مما يلح علي تنوعا آخر على مستوى الأدوات الإجرائية المستعملة، التي تنحدر من مختلف المناهج الأدبية المتعارف عليها، فكان المنهج النقدي حاضرا، أثناء معالجة آراء الدارسين والنقاد المتعلقة بقضيتي المعيار والانزياح، حيث حاولت بما توفر لدي من الموضوعية العلمية انتقاد مختلها، والاحتفاء بجيدها، تبيان سلبياتها ومساوئها، والكشف عن إيجابياتها ومحاسنها، وقد أملت علي كذلك طبيعة الموضوع اعتماد منهج المقارنة أو الموازنة، ولاسيما وأن مضامين دراستي، من ألفها حتى يائها، تتراوح بين ما هو تراثي وما هو حداثي، بين ما هو عربي وما هو غربي، فكان من اللازم علي أن أتبع أسلوب الموازنة بين هذا وذاك، حتى أستنبط الفروق والاختلافات الكائنة بين شتى المواقف والرؤى. ثم إن الإطار التاريخي الذي حاولت تجاوزه، كنت أشعر أحيانا بأنه لا فكاك منه، ولا مفر من ظلاله الزاحفة، ومع ذلك تفاديت في أغلب مباحث الدراسة أن أرتدي جبة المؤرخ، إلا إذا اقتضت الضرورة المنهجية ذلك، كما هو الأمر في المبحث الأول من الفصل الثالث، الخاص بالتحولات الكبرى للقصيدة العربية، حيث وظفت آلية التناول (الكرونولوجي) العمودي لأهم المنعطفات التي شهدتها القصيدة عبر التاريخ العربي، وأما فيما يتعلق بالناحية التفسيرية للنماذج الشعرية، التي خصصت لها المبحثين الأخيرين من الدراسة، فقد تحتم علي، كما أشرت في تمهيد الفصل الثالث، الموسوم بـ(ملاحظات حول منهج تناول النصوص)، اعتماد الأسلوب الانتقائي للنصوص، وقد يقول قائل بأنه مبني على انتقاء نصوص وظواهر معينة، دون غيرها، مما يسقطه في الانتقائية والإقصاء، وأنا كذلك لا أنكر هذا، وإنما أتساءل حول البديل، أو حول الإمكانية الناجعة لتناول خلو من الانتقاء والإقصاء وغيرهما، غير أن الحل يظل غائبا، لأن طبيعة بحثي تقتضي هذا النوع من التفسير، وما دمت أرمي إلى صياغة صورة عامة لانزياح الشعر العربي، ونظرا إلى ضخامة التراث الأدبي العربي، بشعرائه ونقاده وتياراته ومناهجه ومراحله، فإنه لا مناص من التريث عند جملة من الجوانب اللافتة من هذا التراث الممتد والمتشعب، التي تحيل على القضية المدروسة، فتصبح الانتقائية من مقتضيات المنهج التفسيري الذي أتبعه، والتي تنتفي أمام الصبغة الجمالية الانطباعية التي كنت، من حين لآخر، أضفيها على النصوص والمقاطع الشعرية المختارة.
وفي ظل تلك الرؤية الفكرية التي كنت أقدّر بها مسألة المعيار الشعري والانزياح عنه، وبعون من هذه الإجراءات المنهجية المختلفة، كانت تتبلور الأفكار والمقارنات والتفسيرات التي كتب لها أن تترجم إلى هذه الدراسة الفعلية، التي تتوزعها ثلاثة فصول ومقدمة وخاتمة، أول تلك الفصول عقدته للمعيار الشعري، وقد احتوى ثلاثة مباحث، قمنا فيها بتحديد مصطلح المعيار، ثم تناول بعض التفسيرات التي انكبت عليه كالفني والأيديولوجي والإنساني، وفي الأخير التطرق إلى التنوع الذي يحكم الأنماط المعيارية من استعمال ونحو وسياق وكيفية أداء. أما الفصل الثاني فقد خصصته لقضية الانزياح، وهو يتكون أيضا من ثلاثة مباحث، حددت فيها ماهية مصطلح الانزياح، ثم انتقلت لدراسته في إطار التنظير الحديث، مبرزا علاقته بقضية الأسلوب، مع التريث عند مشروع جان كوهن النقدي بوصفه يمثل أبرز أنموذج لنظرية الانزياح، دونما إغفال لما ترتب عنه من مواقف وآراء، مؤيدة أو معارضة، في التنظير العربي الحديث، ثم عرجت، نهاية، على الموروث النقدي العربي لأستجلي مدى حضور قضية الانزياح لدى النقاد القدامى، التي وإن تعددت مسمياتها، فالمفهوم ظل موحدا، في حين ارتأيت أن يكون الفصل الأخير خاصا بالجانب التفسيري للنص الشعري، الذي سوف يكشف لنا عن الكيفية التي انزاح بها الشاعر العربي عن المعيار، وقد قسمته كذلك إلى ثلاثة مباحث، تطرقت في أولها إلى التحولات الكبرى التي شهدتها القصيدة العربية على مر العصور، وقمت في الثاني والثالث، بالتطبيق المباشر على جملة من المقاطع الشعرية، متطرقا أولا إلى مستويات الانزياح الثلاثة وهي الدلالة والتركيب فالإيقاع، وثانيا إلى بعض مظاهر الانزياح مثل الاستعارة، التضاد، التقديم والتأخير والتناص.
وسعيا إلى هذا، فقد اعتمدت على أكبر قدر ممكن من المصادر والمراجع، التي تأتى لي الاحتكاك بها، سواء أكانت عبر القراءة السريعة التي تختار من الفهرس ما يمس الموضوع من قريب أو بعيد، أم القراءة العادية التي ارتبطت بالموضوعات التي حددناها في بعض المؤلفات، أم القراءة العميقة، وهي الأهم، التي انصبت على جملة من الكتب التي لها صلة وطيدة بموضوع الدراسة، والتي استأنست بها طويلا، واقتبست منها ما أنار لي السبيل، ويمكن إدراجها في ثلاث مجموعات، أولها: المصادر القديمة مثل مؤلفي عبد القاهر الجرجاني (أسرار البلاغة) و(دلائل الإعجاز)، و(منهاج البلغاء) لحازم القرطاجني، و(العمدة) لابن رشيق وغيرها، وثانيها: المؤلفات الأسلوبية المعاصرة التي يتقدمها مؤلف جان كوهن (بنية اللغة الشعرية)، الذي يعتبر مرجعا رئيسا كان له الفضل الكبير في هذه الدراسة، و (البلاغة والأسلوبية) لهنريش بليث، و(في الشعرية) لكمال أبو ديب وغير ذلك، ثم ثالثا: المجموعات والدواوين الشعرية المختلفة القديمة والحديثة التي لا يتسع المجال لإيرادها.
بعيد هذا الارتحال الممتد في عالم الشعر والنقد، بين تفسيرات المنظرين، ونصوص الشعراء، التي كانت تنشحذ بها رؤيتي النقدية، وهي تخوض مخاضا عسيرا، حتى أسفرت عن ولادة هذه الدراسة، التي كنت طوال مراحل البحث أسعى إلى أن لا أعلن عنها، إلا وقد توفرت فيها بعض أسباب الجدة والاكتمال، ولما أدركت أن جانبا من ذلك بدأ يبرز في مباحثها وعبر متونها، وقد ازدحمت بمختلف المواقف ووجهات النظر، التي تراوحت نظرتي بين أن تحتذيها أو تنقدها أو تردها أو توازن بينها أو تفسرها أو غير ذلك، وهي سالكة منحى واحدا لا انزياح عنه، يروم إنصاف النص من حيث هو تجربة إنسانية صادقة، تحدس ما يمور في نفس الشاعر وواقعه، لا من حيث هو معادلة لغوية أو عروضية أو بلاغية، بعيد ذلك، أتريث هنا، لنصوغ جملة من الخلاصات التي تمخضت عنها هذه الدراسة.
• المعيار باعتباره مكونا نصيا: إن أغلب التناولات النقدية، قديمِها أو حديثِها، عربيها أو غربيها، قامت بالموازنة المثلية بين النص والمعيار، وكأن الواحد منهما منفصل عن الآخر، إلى درجة أن الشاعر عندما يعمد إلى كتابة النص يضع بين ناظريه معيارا معينا، عادة ما يستجيب لسلطته وأوامره، والشئ نفسه ينطبق على الناقد الذي كذلك عندما يشرع في قراءة النص يستند إلى عكاز المعيار، مما خلق لدى الجميع إحساسا بأن المعيار شئ خارجي عن النص، نستمده من منظومات أخرى لنضبط به حركة النص وكينونته، غير أن ما توصلت إليه هو أن المعيار ما هو إلا مكون نصي، ينشأ من خلال تفاعل عناصر النص وتواشجها.
• كل نص معيار نفسه: على أساس التفسير السابق الذي يجعل من المعيار الشعري مكونا نصيا داخليا، أكثر مما هو شئ طارئ أو وافد على فضاء النص، يمكن كذلك أن نستنبط أن أي نص إلا ويُكسب معياره خاصيات معينة، نابعة من طريقة الشاعر في الأداء والتفكير، مما يحفزنا على التسليم بأن كل نص شعري إلا وينطوي على معيار خاص به، يختلف، اختلافا كليا أو جزئيا، عن معايير النصوص الأخرى، بغض النظر عن الثوابت اللغوية والنحوية والبلاغية التي تظل قائمة ومشتركة بين سائر النصوص.
• الدوافع الذاتية للانزياح: ثم يمكن اعتبار أن الدراسات النقدية التي اعتمدتها، خصوصا المتعلقة بقضية الانزياح، لم تعالج الدوافع الذاتية التي تجعل الشاعر يمتطي صهوة الانزياح، حيث يشير العديد من النقاد إلى أن الشاعر يسعى من خلال الانزياح إلى إثارة القارئ، وإيقاعه في المفاجأة، غير أن هذا الرأي يظل نسبيا، لأن ثمة أسبابا أخرى تقف وراء هذا التمرد الذي يمارسه الشعراء على المعيار والقاعدة والعادة، وهو ما أطلق عليه، الدوافع الذاتية التي تنشأ في نفسية المبدعين بشكل مختلف ومتفاوت، والتي تتوق باستمرار إلى ارتكاب الممنوع، واختراق المألوف، إلى درجة أن الانكسار الذي يسكن النص، إنما هو ظل للانكسار النفسي الذي يسكن ذات الشاعر.
• الانزياح في التراث العربي: كما تأتى لي استكشاف بعض الردهات الخلفية التي فشل النقد في الوصول إليها، وفي هذا الصدد استطعت أن أثبت أن قضية الانزياح عولجت من قبل نقدنا القديم، بأسلوب يضاهي أحيانا مستوى المدارس الأسلوبية والشعرية الغربية الحديثة، فهي من حيث المفهوم كانت حاضرة، إلا أنها كانت تسمى بمسميات مختلفة، كالعدول والمجاز والمبالغة والإغراق والضرورة وغير ذلك، وتجدر الإشارة إلى أن ثمة العديد من المصطلحات التي تعبر عن مفهوم الانزياح، لكن أغفلها كل من النقد العربي القديم والحديث، وقد تعرضنا إلى بعضها بالشرح والتفسير، فكان اختياري لها على أساس أنها مغيبة، فلا نلقى لها وجودا إلا في المعاجم، لذلك كان لزاما علي أن أنقلها من عالم المعجم، إلى رحاب النقد.
وأخيرا، بمساهمتي هذه، أرجو أن أكون قد شاركت بسهمي، وحققت ولو نزرا يسيرا مما يصبو إليه كل باحث طموح، ومن ثم، وفقت، بشكل ما، في صوغ دراسة متواضعة، ونسج رؤية حالمة جديرة بأن تخدم التنظير العربي المعاصر، وفي الوقت ذاته، أدرك أني وإن شاركت أو حققت أو وفقت، ما يني في هذا العمل ما قد غاب عن ذهني، وانفلت من يدي، لكن ومع ذلك، تظل هذه المبادرة مفتوحة على مصراعيها قابلة للإضافة أو النقص، للإقرار أو الدحض...
وسبحان من له الكمال وحده، فمنه السداد وبه التوفيق.
د. أبو شامة المغربي