رد : أدب الرحـــــــلة ...
الرحلات المتبادلة بين الغرب الإسلامي والمشرق
يتضمن هذا الكتاب مجموعة من الدراسات الخاصة لنماذج من الرحلات بين الغرب الإسلامي والمشرق، كتبت في مناسبات مختلفة بعضها نشر في مجلات عربية، أو في محاضر الندوات التي ألقيت فيها هذه الأبحاث، وبعضها الآخر لم ينشر، ويظهر هنا لأول مرة.
وبالنظر إلى أهمية الرحلة التي تمثل مظهراً من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية، وغلى دورها في الربط بين ثقافة المشرق والمغرب، جاءت الفكرة لجمع هذه الأبحاث، ونشرها ضمن كتاب واحد.
وكمثال لتنوع أهداف الرحلة في العالم الإسلامي عبر العصور، جاء تنوع هذه الأبحاث، التي تشير إلى مختلف الأسباب الرئيسية التي دفعت العلماء إلى الرحلة، كأداء فريضة الحج مثلاً، وزيارة الأماكن الشهيرة في المشرق، التي تشد المسلم شداً لكونها مهد الحضارة، ومهبط الوحي، وهذه هي الرحلات الحجازية.
أما الرحلات الخاصة بطلب العلم والاستزادة من÷، فهي الرحلات الدراسية التي يهدف أصحابها إلى لقاء المشايخ الكبار والأخذ عنهم، والرجوع بالإجازات التي تخولهم رواية الحديث النبوي الشريف، ومختلف فروع العلوم العربية والإسلامية.
وإلى جانب هذه الرحلات يمكن الإشارة إلى الرحلات السياحية التي تكون غايتها الوقوف على الأماكن، ووجوب الآفاق، والتعرف إلى أخلاق الشعوب وعوائدها.
وهناك نوع آخر من الرحلات، يمكن أن يشمل أهدافاً متعددة، وهي الرحلات العامة التي جمعت أغراضاً كثيرة، مثل الحج، والسياحة، والتعليم، والتجارة، وخير مثال عليها، رحلة ابن بطوطة.
وتغلب الصفة العلمية والدينية على بعض الرحلات التي تمت معالجتها في هذا الكتاب، ولاسيما في البحثين الخاصين بالصلات العلمية بين القدس والأندلس، والصفحات المشرقة من التواصل الثقافي بين القدس والغرب الإسلامي، ففي هذين البحثين يتجلى بوضوح مدى التبادل الثقافي بين الجانبين.
وأجريت دراسة التأثير العلمي لهذه الرحلات بشكل أكثر تفصيلاً، ليكون أنموذجاً لهذه الرحلات، في بحثين آخرين، الأول، تناول صوراً من هذا التأثير بين الموصل والأندلس، والثاني جاء بعنوان: الرحلة ودورها في توثيق الصلات العليمة بين المشرق والأندلس. وكانت مدينة الموصل أيضاً الأنموذج الذي تم اختياره لهذه الدراسة.
وليس معنى هذا أن الموصل كانت الوحيدة في هذا الشأن، بل يتساوى معها الكثير من المدن الكبيرة الأخرى في المشرق، وربما يزيد عليها.
وتأكيداً لقولنا أعلاه، على أن هذه الرحلات لم تكن مقتصرة على مدينة واحدة، بل شائعة بين الأندلس، ومختلف العالم الإسلامي، جاء البحث الخامس، الذي تطرق إلى الرحلات العلمية والتواصل بين الأندلس وبلاد إيران وما وراء النهر.
وبالنظر إلى ما تتمتع به رحلة ابن جبير من مكانة عالية بين الرحلات المغربية، فقد توجه إليها الاهتمام لدراسة أكثر من موقع في المشرق الإسلامي، ولا سيما أن هذه الرحلة تعد رواية شاهد عيان للأحداث التي جاءت فيها، وشهادة العيان هي قمة ما يصبو إليه المؤرخ لتسجيل الروايات التاريخية.
والواقع أن رحلة ابن جبير، تعد من المصادر الأساسية لتاريخ أي بلد مرّ به هذا الرحالة، لأنه كان دقيق الملاحظة، صائب النظر، يهتم بتسجيل كل ما يراه بأسلوب سهل صادق يبعث على الثقة. ومن هنا جاءت أهمية البحث السادس: الرحلات الأندلسية مصدراً لتاريخ بلاد الشام/دراسة تحليلية مقارنة لنص ابن جبير، فضلاً عن فائدة هذه الرحلة في تقوية الصلات بين الجانبين، أي الغرب الإسلامي وبلاد الشام، فقد كانت لملاحظاته، ومشاهداته، أهمية كبيرة في تاريخ هذه البلاد.
وينطبق الأمر نفسه على البحث السابع: بغداد من خلال رحلة ابن جبير، التي تمت في سنة 580هـ/1184م، فقد تناولت روايته مختلف جوانب الحياة فيها، ولا سيما خطط المدينة، ومحلاتها، ومساجدها، ومجالسها العلمية، وتم التركيز في البحث على إبراز أهم الملامح الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية من خلال مشاهدات ابن جبير.
أما البحث الثامن: تكريت من خلال رحلات المغاربة والأندلسيين، فقد تمت معالجتها من خلال دراسة أكثر من رحلة واحدة، وذلك لصغر هذه المدينة التي تقع بين بغداد والموصل.
وفي البحث التاسع، تم تناول رواية الرحالة المغربي المعروف ابن بطوطة، عن اليمن، وهي رواية على درجة كبيرة من الأهمية، لأن هذا الرحالة عرف بشدة اهتمامه بكل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة العامة للبلاد التي يزورها.
(من قراءات السندباد)
رد : أدب الرحـــــــلة ...
تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار
يقول أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة رحمه الله تعالى:
(كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة، معتمدا حج بيت الله الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم، فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والدي بقيد الحياة، فتحملت لبعدهما وصبا، ولقيت، كما لقيا، من الفراق نصبا، وسني يومئذ اثنتان وعشرون سنة...)
(من قراءات السندباد)
رد : أدب الرحـــــــلة ...
تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار
يقول ابن بطوطة:
(... ثم سرنا إلى مدينة حلب، المدينة الكبرى والقاعدة العظمى، قال أبو الحسين ابن جبير في وصفها: قدرها خطير، وذكرها في كل زمان يطير، خطابها من الملوك كثير، ومحلها من النفوس أثير، فكم هاجت من كفاح، وسل عليها من بيض الصفاح، لها قلعة شهيرة الإمتناع، بائنة الإرتفاع، تنزهت حصانة من أن ترام أو تستطاع، منحوتة الأجزاء، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء، قد طاولت الأيام والأعوام، ووسعت الخواص والعوام...
وقلعة حلب تسمى الشهباء، وبداخلها جبلان ينبع منهما الماء، فلا تخاف الظمأ، ويطيف بها سوران، وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء، وسورها متداني الأبراج، وقد انتظمت بها العلالي العجيبة المفتحة الطيقان، وكل برج منها مسكون، والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد، وبها مشهد يقصده بعض الناس، يقال: إن الخليل عليه السلام كان يتعبد به، وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك بن طوق، التي على الفرات بين الشام والعراق، ولما قصد قازان طاغية التتر مدينة حلب، حاصر هذه القلعة أياما، ونكص عنها خائبا...)
(من قراءات السندباد)
رد : أدب الرحـــــــلة ...
http://www.kapl.org.sa/publications_...img/book12.jpg ياباني في مكة
تأليف: محمد صالح (سوزوكي تاكيشي)
ترجمة: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، سارة تاكاهاش
الرياض 1419هـ
310ص
يكشف الكتاب النقاب عن جوانب مجهولة من أدب الرحلات اليابانية، كما يشكف النقاب عن نمط أدبي فريد، فمؤلفه ياباني مسلم يجيد التعبير عن أحاسيسه بدقة، ناقد يحلل ما يرى وما يسمع، كتب المؤلف عن الإسلام ومبادئه، ثم عن الرحلة ذاتها، والظروف التي دفعته إلى القيام بها، وركّز على الأمور الجغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية.
وقد تحدث المؤلف في الكتاب عن سفره إلى مكة المكرمة بالباخرة من كوبة في اليابان إلى مصر مروراً بقناة السويس على باخرة مصرية، ثم وصوله إلى المملكة العربية السعودية وأدائه لمناسك الحج والإحرام...
*****
د. أبو شامة المغربي
رد : أدب الرحـــــــلة ...
أدب الرحلــــة
*****
الرِّحلات، أدب. أدب الرحلات ذلك الأدب الذي يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور في أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان. وتُعد كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية، لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية، والتصوير المباشر، مما يجعل قراءتها ممتعة مسلية.
عرف العرب أدب الرحلات منذ القدم، وكانت عنايتهم به عظيمة في سائر العصور، ولعل من أقدم نماذجه الذاتية، رحلة التاجر سليمان السيرافي بحرًا إلى المحيط الهندي في القرن الثالث الهجري، ورحلة سلام الترجمان إلى حصون جبال القوقاز عام 227هـ، بتكليف من الخليفة العباسي الواثق، للبحث عن سدّ يأجوج ومأجوج، وقد روى الجغرافي ابن خُرْدَاذْبـُهْ (المتوفى سنة 272هـ) أخبار هذه الرحلة.
ثم تأتي رحلات كل من المسعودي (المتوفى سنة 346هـ) مؤلف مروج الذهب، والمقدسي صاحب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، والإدريسي الأندلسي في نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، هذا إلى رحلة الرحالة المؤرخ عبد اللطيف البغدادي (المتوفى سنة 629هـ).
وتأتي رحلة البيروني (المتوفى سنة 440هـ)، المسماة تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، نموذجًا فذًّا مخالفًا لكل ما سلف، إذ تُعد وثيقة تاريخية هامة تجاوزت الدراسة الجغرافية والتاريخية إلى دراسة ثقافات مجتمعات الهند قديمًا، ممثلة في لغاتها وعقائدها، وعاداتها، مع عناية خاصة باللغة السنسكريتية، وهي لغة الهند القديمة، إذ يتناولها البيروني بالتحليل، ويقارن بينها وبين اللغة العربية على نحو جديد.
وقد أعانه على ذلك إتقانه اللغة السنسكريتية، وثقافته الواسعة، وميله إلى التحقيق والدقة، فضلاً عن إقامته الطويلة بالهند، حيث قاربت الأربعين عامًا، وكان البيروني قد دخلها برفقة السلطان محمد الغزنوي عند فتحه الهند، ثم انطلق سائحًا متأمِّلا.
ويعد القرن السادس الميلادي وما يليه من أكثر القرون إنتاجًا لأدب الرحلات، وهنا يطالعنا ضمن النماذج العديدة نموذجان هما: رحلة ابن جبير الأندلسي (المتوفى سنة 614هـ).
أنظر: الجبير، وهي في الواقع ثلاث رحلات، أولاها إلى مكة للحج، وثانيتها للمشرق وقد استغرقت عامين (585 - 587هـ، 1189 - 1191م)، والثالثة للمشرق أيضًا، قام بها وهو، آنذاك، شيخ كبير أراد أن يتعزَّى عن فقد زوجته عام 601هـ، ولم يعد، بعدها، للأندلس بلده، بل مكث قرابة عشر سنوات متنقلاً بين مكة وبيت المقدس والقاهرة مشتغلاً بالتدريس إلى حين وفاته بالإسكندرية، وسجل لنا مقاومة المسلمين للغزو الصليبي بزعامة نور الدين وصلاح الدين، كما وصف مظاهر الحياة في صقلية وبلاط النورمان، في لغة أدبية وتصوير شائق، هذا فضلاً عن وصفه مظاهر الرغد والحياة المزدهرة في مكة المكرمة.
والنموذج الثاني في أدب الرحلات يمثله ابن بطوطة (ت779هـ).
وهو أعظم رحالة المسلمين، وقد بدأت رحلته عام 725هـ من طنجة بالمغرب إلى مكة المكرمة، وظل زهاء تسع وعشرين سنة يرحل من بلد إلى بلد، ثم عاد في النهاية ليملي مشاهداته وذكرياته على أديب كاتب يدعى: محمد بن جُزَيّ الكلبي بتكليف من سلطان المغرب وسمَّى ابن بطوطة رحلته تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.
وروى ابن بطوطة مشاهداته لبلدان إفريقية، وكان هو أول مكتشف لها، كما صور الكثير من العادات في مجتمعات الهند بعد ثلاثة قرون من الفتح الإسلامي لها.
والرحلة، في عمومها، صورة شاملة دقيقة للعالم الإسلامي خلال القرن الثامن الهجري، وإبرازٌ لجوانب مشرقة للحضارة الإسلامية والإخاء الإسلامي بين شعوبه، بما لا نجده في المصادر التاريخية التقليدية.
وهناك في أدب الرحلات، في القرن الثامن الهجري، كتاب خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف لأديب غرناطة الشهير: لسان الدين بن الخطيب (776هـ).
ولابن خلدون، في أدب الرحلات، نفاضة الجراب في علالة الاغتراب وصف فيه مشاهداته في بلاد المغرب، خلال نفيه إليها، وهو في ثلاثة أجزاء. هذا بالإضافة إلى كتاب ابن خلدون (807هـ) التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا، وهو مزيج من السيرة الذاتية وأدب الرحلات مكتوب بلغة سلسة، مع وصف دقيق لرحلته إلى كل من بلاد الأندلس حين أقام فيها منفيًّا، وبلاد الفرنجة حين أوفده أحد أمراء بني الأحمر إليها، ثم مصر التي أقام فيها قرابة ربع قرن متقلِّبا بين مناصب التدريس والقضاء.
وفي العصر الحديث، أصبح أدب الرحلات شكلاً فنيًا داخلاً في الأدب، وليس دراسة تاريخية وجغرافية حيّة كما كان من قبل، ومن نماذجه في القرن التاسع عشر: تخليص الإبريز في تلخيص باريز لرفاعة رافع الطهطاوي (المتوفى سنة 1873م)، الذي رافق البعثة التي أرسلها محمد علي للدراسة في فرنسا، ليكون واعظًا وإمامًا. وتصور رحلة الطهطاوي انبهاره بمظاهر النهضة الأوروبية، مع نقد لبعض عوائدهم في أسلوب أدبي.
كما يلقانا أحمد فارس الشدياق (المتوفى سنة 1887م) بكتابه: الواسطة في أحوال مالطة، وقد وصف صنوفًا من العادات والتقاليد، وبخاصة النساء المالطيات.
وبقدر ما يُعد كتاب حديث عيسى بن هشام إرهاصًا بظهور أدب الرواية العربية الحديثة، فإنه معدود أيضًا من كتب الرحلات الخيالية، إذ يقص رحلة قام بها البطل عيسى بن هشام برفقة أحد باشوات مصر، بعد أن خرج هذا الباشا من قبره، وكان قد مات منذ زمن بعيد، ثم خرج يتجوَّل في شوارع مصر ودوائرها الحكومية، ومنها المحاكم، ويصف لنا، بأسلوب أدبي ساخر، مظاهر التحول السلبي التي أصابت الحياة.
كما تلقانا رحلة أمين الريحاني التي أسماها الريحانيات، وقد سجل مشاهداته في بلدان عربية ووصف عادات أهلها، كما زار بعض ملوك العرب ومن بينهم المغفور له الملك عبد العزيز رحمه الله، وسجل لنا بعض أحاديثه وآرائه، هذا إلى رحلات الأديب المصري حسين فوزي التي سمّاها السندباد العصري، ورحلة توفيق الحكيم المسماة زهرة العمر وفيها يتناول بحس مسرحي قصصي جوانب من الحياة في باريس.
وكما شاع ـ من أدب الرحلات في تراثنا ـ أدب الرحلات الحجازية، فكذلك عرف الأدب الحديث نماذج منها: الرحلة الحجازية للبتانوني، ورحلة شكيب أرسلان: الارتسامات اللِّطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، وهي تمضي، بشكل عفوي، على طريقة القدماء، وفيها قابل الملك عبد العزيز، يرحمه الله،، وسجل لنا صورة إعجاب بشخصيته، كما اعتبر موسم الحج فرصة لاجتماع الصف الإسلامي وتحقيق الوحدة الإسلامية.
وتعد رحلات حمد الجاسر لونًا جديدا في أدب الرحلات إذ سجل لنا رحلاته إلى مكتبات أوروبا بحثا عن المخطوطات المتصلة بالجزيرة العربية، وسرد أسماء العديد من المخطوطات ومحتوياتها وآراءه عنها، مع سرد لبعض النوادر والمواقف، التي تدخل بهذه الرحلات مجال الأدب الشائق الطريف.