من خلال قراءتنا لمشروع الجابري النقدي للعقل العربي ،الذي استهله بنقد العقل العربي ومراحل تكوينه انطلاقا من منهج مادي وهو المنهج البنيوي التكويني، حيث اعتمد في دراسته على تجزئ المنهج حيث اعتمد في البداية على المنهج البنيوي الذي يبعد المحيط الخارجي ويدرس العقل في درجة الصفر كما جاء عند رولان بارث، وقد اهتم الجابري في المؤلف الأول على دراسة الآليات و الميكانيزمات التي يشتغل بها العقل العربي.
و في المؤلف الثاني اشتغل على دراسة العقل العربي في صيرورته التاريخية اعتمادا على المنهج التكويني ، وحتى نفهم جيدا المنهج الذي اعتمده الجابري فمرة يتكلم عن العقل العربي كأذاه دارسة بعيدة عن كل المؤثرات والمحيط الخارجي وهذا هو اشتغال البنيوي، ومرة يشتغل على العقل كمعطى خاضع للدراسة وهذا هو شغل المنهج المادي الذي يسمى بالبنيوية التكوينية و أحيانا يسقط الكاتب في التقريرية واعتماد الأسلوب التقليدي في السرد التاريخي.
إن الدكتور الجابري في المؤلف الثالث وهو" العقل السياسي العربي" قد اعتمد في هذه الدراسة على معرفة مراحل العقل العربي في اشتغاله بالعمل السياسي ، إن العقل السياسي العربي بدأ مع بداية الدعوة الإسلامية التي يسميها الجابري الدعوة المحمدية وهذا التعبير مع الأسف اعتمده الجابري عن قصد أو عن غير قصد تعبير استشراقي يهدف من خلاله المستشرقون نفي صفة الإلوهية عن الإسلام وأن الإسلام دعوة محمد و القرآن هو كذلك فكر محمد صلى الله عليه وسلم .لقد اعتبر الجابري أن العقل العربي السياسي في مرحلة الإسلام لم يتحرر من الميتولوجي بمعنى أن هذا العقل مرتبط بالدين لا أعرف صراحة علاقة الإسلام بالميتولوجيا فالإسلام أنزله الله تعالى لمحاربة الميتولوجيا أي محاربته للفكر الأسطوري الخرافي إن الإسلام شرعه الله تعالى لتخليصه من هذا الفكر العاجز عن الإجابة عن كثير من الأسئلة الوجودية الأزلية من خلقنا مصيرنا أرزاقنا تنظيم العلاقات البشرية كل هذه الأسئلة كان الإنسان قديما وخاصة الفكر اليوناني يحيلها إلى الأسطورة و الخرافة.
إن العقل العربي في نظر الجابري لم يكن مستقلا بذاته ولم يتحرر من قيده إنه كان خاضعا لسلطة الدين،إنه عقل مسلوب يستمد قوته من الله تعالى فلا يتوفر على أدوات وما عنده من أدوات فهي ثابتة غير متحركة، لقد رأى أن الإسلام يسير في اتجاهات متعددة في العقائد وفي العبادات.......ففي هذه المجالات كان متطورا ومتجددا لكنه كان متعثرا وأحينا جامدا في السياسة
.
إن العقل السياسي مر عبر مراحل متنوعة :
1:مرحلة الدعوة وهي المرحلة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ركز فيها على نشر الإسلام في مكة و المدينة وفي أماكن أخرى من العالم الإسلامي وهي مرحلة كان القرار النهائي يصدر من الرسول الذي كان يستمد قراراته من الله تعالى عن طريق الوحي، وفي هذه المرحلة كان العقل العربي يعيش مرحلة الوعي الذاتي و تعليم الذات القراءة و الكتابة : اقرأ بسم ربك الذي خلق.
2: أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الوعي الموضوعي و ذلك بتأسيس الدولة وقيام المجتمع الإسلامي و الدولة الإسلامية ففي هذه المرحلة اهتم الرسول عليه السلام بتكوين الإنسان المسلمين وتعلمه كيفية التفكير وذلك بتشريع قانون الاجتهاد وقصة معاذ بن جبل عندما عينه الرسول عليه السلام واليا على اليمن حيث أقر وصادق على مشروعية الاجتهاد في الإسلام وهذا النوع من الممارسة تشجع استعمال العقل وممارية السياسة .
3:وفي المرحلة الثالثة وهي التي سماها الجابري مرحلة الوعي المطلق وخاصة في عصر بني أمية وما بعد حيث أصبح الحكم مطلقا ينتقل عبر الوراثة ،وظهرت مصطلحات سياسية غريبة عن الإسلام الحاكم بأمر الله، و أصبح نظام الحكم جبريا قهريا ،أدى إلى ظهور بعض الثورات هنا وهناك كثورة الزنوج و ثورة القرامطة بالإضافة إلى بعض الأفكار الفلسفية و الفقهية أحمد بن حنبل و الأوزاعي.
إن العقل السياسي العربي في اعتقادي ظهر جليا في عهد الرسول عليه السلام عندما كان يجلس ويحاور صحابته وكان يأخذ برأيهم في اتخاذ القرارات وفي كثير من الأحيان كان الرسول عليه السلام يأخذ برأي أصحابه : أنتم أدرى بشؤون دنياكم.
إن الرسول عليه السلام رسخ عند المسلمين مبدأ الشورى في الإسلام أمرهم شورى بينهم ، إن العقل السياسي العربي في هذه المرحلة مرحلة الرسول ومرحلة الخلفاء الراشدين تعتبر من أزهى العصور التي استخدم فيها العرب عقولهم ومارسوا فيها السياسة بالمفهوم الصحيح .
و الملاحظ في كتاب العقل السياسي العربي أنه يمشي في هذا الاتجاه أي تنويهه بمرحلة الوعي الذاتي التي كان الرسول عليه السلام يخط للعرب أسلوبا جديدا في السياسة بعيدا عن العصبية القبلية إنه كان لا يفرق بين الناس و أعطى لكل جنس أو عرق حق المساواة في الإسلام فمقياس التفاضل بين الناس هو التقوى ، وهذا الأسلوب هو الذي تربى عليه الصحابة فكانوا يحكمون بالعقل ويستمعون للمشتكي ويعطون الحق لصاحبه ، أصابت امرأة وأخطأ عمر هل هناك ديمقراطية في العالم أحسن من هذه الديمقراطية.
إن هذا الجزء في اعتقادي يعتبر من أحسن كتب الجابري مقاربة للعقل العقل العربي و أكثرها إنصافا وإن طغت عليه بعض التقريرية ، وسيطرة الأسلوب التاريخي على الأسلوب التحليلي، وأحيانا يبتعد عن المحايدة في التحليل ويسقط في إبداء الرأي وبذلك يظهر موقفه من الثقافة الإسلامية .كما يغلب على الكتاب تراكم المعلومات وتكدسها لدرجة فقدان الترابط المنطقي بين الأفكار.
محمد يوب
17/01/05