نقد لكتاب :


سوسيولجيا النقد العربي القديم

(دراسة العلاقة بين الناقد والمجتمع )

المؤلف :الأستاذ الدكتور داود سلوم








طارق شفيق حقي












مخطط :




1- فاتحة.
2- مستويات نقد البحث.
3- ملخص للقسم الأول من الكتاب.
4- تعريف بالكتاب و السوسيولجيا .
5- تلخيص للقسم الأول من الكتاب.
6- النقاط الرئيسية (مقاربات) .
7- تفسيرات المؤلف لمواقف السلطة.
8- مشكلات البحث.
9- مشكلات النقد السوسيولوجي .
10- خاتمة .
















1- فاتحة



بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




- يعد كتاب سوسيولجيا النقد العربي القديم للدكتور محمود سالم بحثاً بكراً- كما يقول - في مجال تفسير الظواهر النقدية والشعرية وفق دراسة التأثيرات الاجتماعية على النقاد والشعراء , وخاصة تأثير السلطة السياسية التي كانت ثقل البحث .

- في هذه الدراسة التي حاولنا فيها نقد هذه الدراسة , عمدت بادئ ذي بدء أن أطرح مستويات من النقد للكتاب , حيث توصلت إليها بعد الانتهاء من نقد مفاصل البحث ثم وضعتها في مقدمة البحث كي تشير لما قد كان, ثم سأعمد لتعريف مصطلح السوسيولجيا , وتعداد أقسام الكتاب ثم تلخيص القسم الأول منه وهو (المنهج النقدي العربي القديم بين النشوء والارتقاء.)
الذي كان أكثر أقسام البحث توازناً, وفيه قد جمع الباحث مختلف آراء النقد العربي القديم, ثم سنقف وقفة متأنية مع تفسيرات الباحث لمواقف الخلفاء, (وهي صلب البحث ), في النهاية سنقيّم جدوى هذه الدراسة و مشكلات النقد السوسيولوجي , وأقول هنا إنني حين أنهيت نقد تفسير المؤلف لمواقف الخلفاء زادني ذلك قلقاً , حيث لا أبغي نقد مفاصل الكتاب فحسب بل الوصول لما أبعد من ذلك , حتى تنتظم هذه النتائج في فلسفة تتعرض لكل جوانب هذا البحث, حيث حاولت أن أفسر تفسيراته, والأسباب التي دفعته للتوصل إليها , وحين نقارب ذهنية الباحث نفهم الدوافع التي انطلق لأجلها في شعاب هذا البحث , ثم سنكتب مشاكل هذا البحث , بل قد تكون هي ذاتها مشاكل الدراسة السوسيولجية , للاستفادة منها لبحث أخر قد يكون أكثر دقة في الوصول لنتائج علمية تزيد حظيرة النقد تنوعاً وفائدة, والله من وراء القصد.




2- مستويات نقدالبحث



تخترق أفكاري عدة مستويات لنقد الكتاب :

- حين فتشت في تفسيرات المؤلف لمواقف الخلفاء (أي السلطة )من شعر الشعراء,وجدت الكثير من الشطح .
- ولما قارنت بين تفسيرين لموضوع واحد رأيت الفروقات واضحة, كاتفاق موقف الخلفاء, و شخوص من المجتمع للشعر الفاحش,واختلاف تفسير الباحث لكلا الحالتين.
- حين عدت لكلامه في المنهج, وقارنته مع النتائج,رأيت اختلافاً كبيراً وظهر ذلك في كلامه حول المعتزلة التي سنقف عندها وقفة.
- حين فتشت في مصادر الكاتب وجدت كتب التاريخ المضطربة, وهذه الكتب المضطربة توسّع المشكلة وتزيد الشطحات بعداً ,مما دعا بي إلى التفكير ملياً في جدوى هذه الدارسة بل في جدوى هذا المنهج , ولا نزعم أنها لا تستحق التعب, لكنها بحاجة لإعادة النظر على مستوى التنظير والتطبيق والهيكلة والمصادر.
- مشكلات البحث
- يضطر الباحث السوسيولوجي في بحثه العودة لكتب تاريخ الأدب , بل وشتى أنواع كتب التاريخ لتفسير ظاهرة ما, كما سنشاهد عودة المؤلف لكتب التاريخ التي تكلمت عن الخلفاء, وقد عاد لكتاب أبي الفرج الأصفهاني الشعوبي المشرب , والسؤال ينتاب كلَّ واحد منا:ما مدى مصداقية خبر يروى في الأغاني؟, وهل على الباحث السوسيولوجي أن يفتش مصادره ويتحرى مصداقيتها, أم يرمي هذا الثقل على كاهل المصدر؟

- من ناحية أخرى ما مدى دقة البحث والنتائج لو كان الخبر ملفقاً أو محرّفاً ؟, هل هي مجرّد دراسة فنية لا تعبأ بالنتائج, و حراك نقدي يزيد البحوث بحثاً جديداً , أم علينا تدبّر الأمر جيداً قبل الخوض في غمار يشوبه الكثير من المخاطر .

الاضطرابات شابت البحث في كثير من الفقرات والتفسيرات
وأرى أن المؤلف لم يعتمد منهجاً دقيقاً يبتعد به عن الشطحات الذاتية تحت ضغط الوصول لنتائج تؤكد جدوى البحث.
-الأخطاء الفادحة التي وقع فيها المؤلف عدم غربلة المصادر وتحري مصداقيتها , بل لو كان الاضطراب فقط في أخبار التاريخ لشفعنا له , لكن لن نشفع له فيما يتعلق بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم, وهذا ما ورد في تفسير مغالاة عمر بن عبد العزيز في نقده لشعر الغزل .فأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم مؤكدة في أمهات كتب الحديث ولا مندوحة للباحث في العودة لكتب أخرى ككتاب الأغاني للأصفهاني, خاصة لو علمنا أن الرجل كان شعوبياً ,فكيف سينأى بشعوبيته عن كتابه وجهده الفكري , أعتقد ذلك كفيلاً بالتروي في هذه الأخبار, بل الأمر يعدو ذلك لآلية تفسير هذه الأخبار, وتوظيفها في انصباب مجموعة التفسيرات لتأكيد جدوى البحث وأهدافه.
- ثم لو فكرنا ونحن نفسر ظاهرة نقدية , أو شعرية ونبحث سر اضطرابها ,فحريٌّ بنا أن نذهب لأخبار المجتمع العامة لنرى سرّ هذه الظاهرة ومحركها الاجتماعي , والبحث في أخبار المجتمع الواحد من مصادره لن يحركه النزعات الشخصية والأحقاد وتدخل السلطة .
بينما لو عدنا لأخبار الأشخاص قد يشوب ذلك التحريف خاصة رجال السلطة .
- لكن هل يمكننا البحث بطريقة أخرى؟
- أقول نعم .
- للمجتمع سلطة تفرض ذاتها ,و تسيطر على الناس والخلفاء والولاة .
ولو فتشنا في هذه السلطة الاجتماعية وأسبابها لفسرنا الكثير من الظواهر النقدية والشعرية , وأعتقد أنّ أخبار المجتمع لا تتعرّض للتحريف كما يتعرض الأشخاص , اللهم إلا من قبل مجتمعات أخرى كقول الفرس عن مجتمع العرب وكمثال ذمثل كتاب فضل العجم على العرب وافتخارها لسعيد بن حميد بن النْختكان وهو في النَّيل من العرب واحتقار شأنهم, لكننا سنأخذ أخبار المجتمع من مصادره المعروفة , بل ربما نفسّر أقوالاً وأحداثاً عامة ونستدلّ منها على صفات هذا المجتمع , ومن المفيد أن نفسّر الشعر بالشعر , وهذه لعمري دراسة جديرة بالبحث لاعتمادها منهجاً علمياً يفضي إلى نتائج مؤكدة.


3- تعريف للكتاب وللسوسيولجيا.


ينقسم كتاب سوسيولجيا النقد العربي القديم:

1- المقدمة .
2- المنهج النقدي العربي القديم بين النشوء والارتقاء.
3- سوسيولجيا النقد العربي القديم وأثر السلطة في القاعدة النقدية.
4- شعر النسيب وسلطة الخلافة ( دراسة سوسيولجيا النقد العربي القديم).
5- نقد المرأة الشعر في الحجاز في القرن الأول وأثر الظاهرة الاجتماعية التي ساعدت على ظهوره.

- يقول المؤلف الدكتور داود سلوم"إن هذا موضوع لم يلتفت إليه مؤرخو النقد القديم . فهو دراسة جديدة استفدنا في إخراجها من الدراسات الحديثة
التي عالجت موضوع الأدب الإبداعي وعلاقته بالسلطة خاصة في البلدان الاشتراكية." ص 7

ثم يقول " إني أزعم أن دراستي هذه لهذا الموضوع في تاريخ النقد دراسة بكر أرجو أن يفيد منها المؤلفون وأن يتناولوا جوانب من الموضوعات تخطتها هذه البحوث وبذلك يكون" التراث" العربي قد ارتفع إلى روح العصر في تفسير علمي جديد."

- لم يعرّف لنا المؤلف مصطلح سوسيولجيا في بداية البحث , و لذلك نقوم بتعريفه:
السوسيولوجيا : ( علم الاجتماع , من اللاتينية SSOCIETAS - مجتمع
, واليونانية LOGS - - مبحث , علم ) علم يدرس قوانين عمل المجتمع وتطوره , والعلاقات الاجتماعية . السوسيولوجيا تدرس المجتمع على أنه منظومة متكاملة, وتدرس بنية المجتمع الاجتماعية,ومختلف أنماط التفاعلات وأشكال العشرة بين الأفراد , وبين الأفراد والجماعات , وبين الجماعات والمؤسسات الاجتماعية وكذلك أنساق المعايير والقيم الثقافية.
ص 255 – 256 بتصرف , المعجم الفلسفي المختصر دار التقدم موسكو 1986 ترجمة توفيق سلوم .


4- تلخيص للقسم الأول من الكتاب :





المنهج النقدي العربي القديم بين النشوء والارتقاء


1- أثر الإسلام في ظهور المنهج النقدي العربي :

يقول ص9 " إن رحلة البدوي وراء الكلام والماء والغزوات والأسواق والأشهر الحرم لا تنبع من فكر منظم يخضع لفكر اجتماعي ناضج مرتبط بصيرورة المجتمع وتنظيم مختلف جوانب الحياة فيه "
يُرجع المؤلف عدم ظهور منهج نقدي في العصر الجاهلي إلى أن طبيعة الترحّل العربي لم تسمح بتشكل مناهج نقدية , بحكم طبيعة العربي المتأثر برتابة الصحراء فهو لذلك يعيد الصور في شعره فكلمّا كان المدح وجدنا صورة مطاردة الكلاب للثور ثم يتغلب الثور, وكلمّا كان الرثاء وجدنا الكلاب هي التي تتغلب على الثور.
يؤكد المؤلف امتلاك الشاعر لأدواته الفنية كالوزن , لكن التزامه بالقافية الرتيبة كما يقول ومحدودية البحور الشعرية ربطته بشكل مباشر برتابة البيئة.
ولعل ظهور الإسلام كان الشرارة الأولى التي أطلقت القوى الكامنة العربية. نقطة الانطلاق كانت في بعث الرسول لفكرة التجريد في العقيدة والانتقال من المحسوسات للمجردات والذي حرك الذهن العربي في التساؤل ،ونضج ذلك لدى الفكر المعتزلي كما يقول المؤلف فهم ـ حسب رأيه ـ قادة الفكر الإسلامي الجدلي المتحرر.
ولعل تنظيم الإسلام لحياة الفكر في العبادات والعلاقات الاجتماعية وفي الأخلاق وفي الاقتصاد . وهنا بدأ المجتمع ـ الذي كان يستجيب غريزياً لحاجاته ومتطلبات الحياة ـ يخرج من الخضوع إلى نشاط حياتي منظم يمس كل جانب من جوانب الحياة.
فما هي مرتكزات هذا المنهج الذي نعدّه أول منهج فني في الفكر العربي الإسلامي صدر عن حاجة العرب إلى تنظيم حياتهم وما أثر الفكر الإسلامي فيه؟

المنهج الإسلامي وخصائصه:

كان القرآن الكريم بداية تشكل هذا المنهج النقدي , من سورة الشعراء وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسير الخلفاء الراشدين لنشاط الشعراء .


آ . توصيف الفن الشعري:

يحدد القرآن الكريم النشاط الشعري بأنه نشاط يصف ولا يحقق وأن الشعر نشاط الشاعر يقول ما يشاء وفي أي موضوع دون تحديد وأن النشاط قد يغري ويغوي. فالشعر في هذه الآية يعرف بأنه فن خيالي قد يكون له تأثير على مسامعه أو قارئه وقد يكون هذا التأثير لا علاقة له بالانضباط الخلقي.
قال تعالى " والشعراء............. " الشعراء 224 – 227
اعترف القران الكريم بالشعر نشاط إنساني لكنه قد ينحرف لطرق الغواية أو طرق التوجيه وبذلك اكتسب الشعر مشروعيته .



ب – الترابط بين النفس الإنسانية والإبداع الفني :

قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " لا تترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين"
فالشعر نشاط إنساني مرتبط بالنفس الإنسانية لا غنى لها عنه .

ج – المفاضلة في النتاج الأدبي :

يقول الإمام علي رضي الله عنه " كل شعرائكم محسن ولو جمعهم زمان واحد , وغاية واحدة , ومذهب واحد في القول لعلمنا أيهم أسبق إلى ذلك . وكلهم قد أصاب الذي أراد وأحسن فيه وأن يكن أحد فضلهم فالذي لم يقل رغبة ولا رهبة امرؤ القيس بن حجر فإنه كان أصحّهم بادرة وأجودهم نادرة "

د – الصدق الواقعي وسهولة الأسلوب:

والذي وضع هذا الجزء من المنهج عمر بن الخطاب في جملته المشهورة لزهير:أنه لا يعاضل بين الكلامين ولا يتتبع وحشي الكلام ولا يمدح امرأً بغير ما فيه"
وهذا بداية النكوص بالفكر النقدي الجاهلي وأخذه نحو الصدق الواقعي , واعتبار القول الشعري قولاً محتسباً وكان عقاب الخليفة مضاعفاً للشاعر أبي محجن حين قال "ولست عن الصهباء يوماً بصابر"
ويقول هنا المؤلف " ولعل محاولة عمر تضييق المنهج المفتوح كان بسبب فترة الفتوح والجهاد حيث أراد أن يوجه الأمة إلى البناء , وأن يغير في خصائصها الفنية فلم يفلح بذلك , لأن الطبيعة أقوى من القانون".

2- المنهج الاجتماعي وأثر البداوة في الصياغة النقدية:

يسمى المؤلف القيم النقدية بالقيم البدوية ولا يعتبرها قيماً فنياً.
أ – التخصص النقدي :

ضرورة التخصص النقدي ووجوب توفر الناقد الرواية لفرز المنحول من الشعر الأصل كما قرر ابن سلام الجمحي ودافع عن ضرورة قيام الناقد الأدبي المتميز للفصل بين منحول الشعر وأصيله , وعده شخصاً قد تخصص عالياً وأصبح مؤهلاً للحكم على الشعر ،يقول في طبقات فحول الشعراء:" وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات."
ب- الدراسة النقدية للنص:
أشار ابن سلام لضرورة تثبيت النص من خلال دراسة التاريخ.
ورفض كل الشعر المنقول عن الأمم البائدة فقال" من حمل هذا الشعر ؟ ومن أداه منذ آلاف السنين."
وذلك يدل أن ابن سلام أدرك اختلاف اللغات المنتسبة إلى العائلة السامية وافترض أن لغات الأقوام البائدة قبل الإسلام هي غير اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم.

3 – خصائص المنهج الاجتماعي:

اعتبر الكاتب تفضيل ابن سلام في طبقات فحول الشعراء والأصمعي في فحولة الشعراء تفضيلهم للشعراء البدو نزعة بدوية من خلال المرتكزات التي بني عليها هذا المنهج:
أ – تفضيل طبقات الشعراء البدو وعدهم النموذج الأعلى.
ب- احتساب شعراء الحواضر طبقة متدنية, والحواضر مكة والمدينة والطائف.
ج- احتساب شعراء اليهود مرتبة ثالثة في التسلسل البدوي.
د- احتساب شعر الرثاء غرضاً متدنياً , لأنه يعبر عن ضعف الرجولة وهو أليق بالنساء.
أما من حيث الجزئيات التي تتحكم في الكثرة والقلة والمثل الأخلاقية فيمكن أن نجعل منها ما يحكم هذا المنهج وعدها المؤلف كذلك جزئيات فرضت نفسها من خلال المقياس الاجتماعي البدوي:
أ?- تنوع الإنتاج: ولذلك قدّم الأعشى وقال :"إنه قال في كل عروض وركب كل قافية".
ب?- وفرة الإنتاج: واشترك الأصمعي وابن سلام في هذا المقياس.قال الأصمعي عن الحويدرة:" لو قال مثل قصيدته خمس قصائد كان فحلاً". وطالب الأصمعي أوس بن غلفاء بعشرين قصيدة ليكون فحلاً.
ت?- الأخلاق الحميدة : وقد يمنع الهجاء الشاعر من الفحولة قال عن مزرد:"أفسد شعره بما يهجو به الناس".
ث?- العقيدة الدينية والمذهبية: رغم أن الأصمعي تساهل مع شعراء الوثنية إلا أنه وقف بالمرصاد للشعراء المسلمين من الخوارج والشيعة فحجب الفحولة عن الطرماح والكميت.

يقول المؤلف إنّ ابن سلام لم يتسق في طبقاته ولم يكن ثابتاً وذلك من خلال:
1- اختلف العدد بين شعراء الطبقات وجعل كل طبقة أربعة شعراء وبين شعراء القرى حيث اختلف معهم العدد.
2- نظر إلى الشعراء على أساس " الزمان" في طبقات الجاهلين والإسلاميين ونظر على أساس " المكان" في شعراء القرى.
3- نظر للشعراء على أساس " الغرض" حيث جعل للرثاء طبقة وللرجز طبقة.
4- نظر إلى الشعراء أحياناً على أساس الدم والقبيلة كما ذكر ذلك في الطبقة السابعة والثامنة.
ومن المقاييس التي أخذها عن الأصمعي وهي مقاييس بدوية في الحكم تقوم على الشرف والمجد و النتاج , وقوله في بعض الشعراء :"أخل بهم قلة شعرهم بأيدي الرواة".
وقال عن عمرو بن شاس :" كان ذا قدر ومنزلة في قومه".

3- المنهج الجمالي وظهور المقاييس المطلقة:

ظهور الأحكام الثابتة بمنهج المعتزلة.

أ?- نقد النثر : أكد بشر بن المعتمر(210هـ) أهمية النثر كوسيلة للتعبير العلمي , وميز بين الجنسين الأدبين : الرسائل والخطب يقول:"واعلم أن الرسائل والخطب متشاكلتان في أنهما كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية , وقد يتشاكلان من جهة الألفاظ والفواصل , فألفاظ الخطباء تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة ولا فرق بينهما إلا أن الخطبة يشافه بها والرسالة يكتب بها " ص 17
ونظر إلى النص النثري على أنه شكل ومضمون , ووضع توصياته العامة حول ذلك ,حيث فصل فيها علماء البلاغة بعد ذلك بقرون . وقال بشر يوصي الكاتب :" إياك والتوعر يسلمك إلى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك ومن أراغ بمعنى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ومن حقهما أن يصونهما عما يدنسهما ويفسدهما ويهجنهما فتصير بهما إلى حد يكون فيه أسوأ حالاً منك قبل أن تلتمس منازل البلاغة " ص 18
- ومن النقاط الهامة التي تكلم عنها : مسألة الموضوع ومستوى المتلقي يقول : " ينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازي بينهما وبين أوزان المستمعين على أقدار الحالات"
- أكد بشر موسيقى الشعر ميزة واضحة تظهر للعيان وتميزه عن النثر قال: " فمن مراتبه العالية التي لا يلحقه فيها شيء من الكلام : النظم الذي به زنة الألفاظ وتمام حسنها وليس شيء من أصناف المنظومات يبلغ في قوة اللفظ منزلة الشعر وذلك لارتباط بعض أجزائه ببعض وهذه خاصة له في كل لغة وعند كل أمة وطول مدة الشيء من أشرف فضائله -الصناعتين" ص 18

وركز على غلبة الصورة الخيالية في الأسلوب الشعري وسطوة العاطفة والانفعال وبذلك يكون قد ميّز تمييزاً قوياً بين غلبة العقل على النثر وغلبة العاطفة والخيال على الأسلوب الشعري.

ب – الشكل والمضمون في نقد الشعر الجمالي:

أرسى الجاحظ قواعد نقدية ثابتة:
1- فنية الشعر : عرّف الجاحظ الشعر بأنه صورة متلاحمة من الشكل والمضمون والموسيقى , وهو يرى الإحساس والشعور والعاطفة التي تنبع من معاني الكلمات هي واحدة في صدور الناس . ويصبح الشعر صورة تتفاوت في مقدار جمالية اللفظ والموسيقى يقول " إنما الشأن في إقامة الوزن وتخير الألفاظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وصحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير - الحيوان 2/130 " ص 19

- والشعر لديه صورة رهيفة تؤدي معناها من خلال موسيقى تؤثر في الأسلوب وسياق الجملة لذلك لا يمكن ترجمة الشعر"والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل ومتى حول تقطع نظمه وبطل وزنه, وذهب حسنه, وسقط موضوع التعجب لا كالكلام المنثور . والكلام المنثور ( المبتدأ) على ذلك أحسن وأوقع من المنثور الذي تحول عن (موزون) الشعر – الحيوان" ص 20

والخصيصة الثانية للصورة الشعرية هي موسيقية الأسلوب , ولذلك فإن حمل الذاكرة له أدوم من حمل الذاكرة للأسلوب النثري ويوضح ذلك بقوله: " حفظ الشعر أهون على النفس , وإذا حفظ كان أعلق وأثبت وكان شاهداً, وإن احُتيج إلى ضرب المثل كان مثلاً - الحيوان"ص 20




2- خلود الإبداع :

ينقض الجاحظ على أهل عصبية الزمن , وتفضيل القدماء ,يقول في شعر أبي نواس :" وإذا تأملت شعره فضلته إلا أن تعترض عليك فيه العصبية , أو ترى أن أهل البدو أشعر وأن المولدين لا يقاربونهم في شيء , فإذا اعترض هذا الباب عليك فإنك لا تبصر الحق من الباطل ما دمت مغلوباً" ص 20

3- جدية المعنى :

الشعر لدى الجاحظ جهد فني عميق ومؤثر يعلّم المتلقي قدرة الكشف عن رؤية ذاتية جديدة للحياة كان الشعر فيها سبباً في رفع الحجاب عن عينيه وعن مدركاته العقلية من الصورة إلى المعنى الذي يرفع التكوين النفسي ولا يهزأ بقدرات المتلقي على الفهم فيقدم له نماذج تهين كرامة العقل وتبشر بخنوع الروح وتقلل من نمو الإنسانية في هذا المدى الزمني المحدد لها على هذا الكوكب.

4- واقعية التجربة:

يرى الجاحظ أن : الإيغال" والإغراق والمبالغة طاهرة صاحبت ظهور الأدب المحدث في محاولة للمحدث لتجاوز الشاعر القديم , وفي نظريته الجمالية تتكلم على نوعين من الواقعية أولهما: تلغي الإيغال والمبالغة وثانيهما : واقعية مرتبطة بالتعامل مع الحياة المحسوسة ومن الخروج إلى التعامل فنياً مع الخرافة والأسطورة.
وقد رفض تجربة الشاعر المرتبطة بنظم أسطورة شعبية عن السعلاة والغيلان وعالم الجن التي لا وجود لها.
فالأدب عنده تجربة متميزة تصور الحياة التي يحياها الإنسان ويراها بعينه ويسمعها بأذنيه عن صادق خبير ولكنه لم يرفض أن يجمع للخرافات نماذج ويعد لها حقلاً خارج الشعر وواقعية الموضوع الشعري.


5- النموذج والموضوع في التجربة:

" مناسبة المقام لمقتضى الحال" مقولة في الفكر البلاغي للجاحظ , فرض الجاحظ على الشاعر المواكبة والمطابقة بين النموذج والموضوع الشعري , ودعا إلى فردية التجربة بألا تعود للصيغ التقليدية.

6- الصورة الفنية بديلاً للمعادل الموضوعي :

ونقصد بالمعادل الموضوعي هنا متطلب الغرض التعليمي أو الأخلاقي أو التربوي من الشعر( ركن مهم من نظرية الجاحظ الجمالية)
إن تجربة الشاعر تجربة حرة ولكنها يجب أن تكون جيدة , ولا علاقة للموضوع بها من جودتها وشعريتها وليست في أخلاقياتها فالفن خارج نطاق الحدود والقوانين السلوكية ولا يخضع إلا لقوانينه الخاصة.
والنظرية الجمالية التي بسطها الجاحظ مازالت نظرية فاعلة نطبق كثيراً من مرتكزاتها ونظنها من إبداع عصرنا وأن الأقدمين لم يكونوا على علم بها.
وبذلك يكون الجاحظ في منهجه قد وصل بالنقد إلى مصاف النقد في الآداب القديمة والحديثة.

4 – بين الأخلاق والأدب :

يقول المؤلف نحن نتكلم على العلاقة بين النقد والأخلاق ولا نتكلم من خلال منطلق الناقد الأخلاقي ولكن نتكلم من خلال المنطق الجمالي الفني الذي يميز بين إبداع وإبداع من خلال جمال الصياغة والصورة والأسلوب والموسيقى.

آ العلاقة بين الأخلاق والنص الأدبي :

ميز أبو الفرج الأصفهاني بين السلوك الفردي والحكم الغني ورد ضمناً على الرتبة التي وضعها ابن سلام للأحوص في المرتبة السادسة يقول وفيه وهو أسمح طبعا وأسهل كلاماً وأصح معنى من الذين قدمهم ابن سلام وذلك لأن الأحوص دنيء الخلق .ب - علاقة بين الدين والأدب: يقول المؤلف أن نقاد الجمال العرب ونقاد الإبداع الفني قد فصلوا بين التزام الشاعر دينياً وإبداع الشاعر فنياً.وعدوا كل نشاط فردي مع الدين أو ضده منفصلاً عن النشاط الفني يتفق ابن الأنباري في نزعته الأخلاقية مع أفلاطون في الأدب في نقاط منها:

1- يجب حماية أفراد المجتمع من الشباب من الأدب الذي يصدر بعيداً عن حظيرة الدين.
2- إن الأدب الذي يصدر عن شاعر ضعيف العقيدة يؤدي بالتالي إلى التأثير المباشر من خلال إبداعه على إضعاف تلك العقيدة.
3- إن الشعر الديني يقوّي الالتزام الأخلاقي والتمسك بالأوامر والنواهي الدينية.

لكن ابن المعتز خالف ابن الأنباري واعتمد مقياس الجمال لعلاقة الشعر بسلوك الشاعر فيما يلي:

1- إن تفضيل الشعراء لا علاقة له بالأخلاق أو الدين. فقد فضّلوا امرَأَ القيس والنابغة الذبياني على أمية بن أبي الصلت وكلاهما شاعر داعر.
2- إن الرواة رووا ذلك في مجالس تعليمهم في المساجد والمدارس.
3- لا حكم للدين على المبدع , فإن أغلب من يُروى لهم هم الجاهليون وهم شعراء وثنية.
4- إن الموقف الفكري للإسلام يفصل بين المبدع وسلوكه وبين إبداعه وعقيدته.
يقول هنا المؤلف إنّّ النقاد الجماليّين أرسَوْا قاعدة جديدة للتمييز بين السلوك و السيرة وانعكاسها في النص أحياناً , بأن الحكم الأدبي على النص لا علاقة له بالسلوك فالدين يحكم فيه بمعزل عن الشعر والحكم عليه, وأبو الحسن الجرجاني القاضي يضع قاعدة فنية بمعزل عن الدين فالإبداع هو جمال الصياغة والصورة.

ج – العلاقة بين نص الأدب المكشوف والنقد:

من الأسئلة الهامة : هل يكتب المبدع لتقويم المجتمع أو لغرض التربية ؟ أو لغرض جمال الأسلوب والصورة وجدة التجربة ؟ هل يكتب المبدع لجمهور من البالغين والمدركين المسؤولين , أو يكتب لجمهور من
الأطفال أو القاصرين لغرض تعليمهم الأخلاق والسلوك الحسن؟


النقاد الجماليون يعطون الحكم على الصورة الفنية لا على المضمون,
ومنهم قدامة بن جعفر ويؤكدأن فحش المعنى لا يزيل جودة الشعر كما لا يعيب النجار في الخشب مثلاً ورداءته في ذاته.



5- حداثة الفكر النقدي العربي القديم ومقابلته بالنقد الأوربي:

إنجازات العرب في النقد العربي مقارنة مع نقاد من أوربا:

أ?- ترجمة الشعر: لغة الشعرتمثل الحد الأقصىمن قوة التعبير ولذا فإن الشعر غير قابل للترجمة لأنه إنما كان شعراً في لغته لا تسمح بنقلها إلى لغة أخرى نقلاً مساوياً" هذا ما قاله ناقد معاصر اسمه استوفر , ولنسمع ما قاله الفكر العربي قبل ألف سنة، يقول الجاحظ" والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا جوز عليه النقل , ومتى حول تقطع نظمه , وبطل وزنه , وذهب حسنه, وسقط موضع التعجب لا كالكلام المنثور".
ب – التجربة وصفية وليست اعتقادية :

يقول إليوت" إن عقل الكاتب ليس إلا وسيطاً تمتزج فيه المشاعر والتجارب امتزاجاً خاصاً وبطرق لا يمكن التكهن بها..."
ويقول قدامة بن جعفر " إن الشاعر المبدع هو الذي يقتدر أن ينقل المشاعر من الإحساس بها شخصياً إلى نفس القارئ أو السامع حتى يصدق أنها تجربته الخاصة به.

ج- الفن بين الإمتاع والتعليم:

يقول درايدن الناقد الإنجليزي " إن أخلاقية الفن تنحصر في الجمال ذاته , وليست هناك للفن موضوعات جميلة وأخرى قبيحة مادام الأسلوب وحده طريقة مطلقة في رؤية الأشياء" ويشرح الفكرة جون برتليمي معلقاً " وبتعبير آخر تجد أن الجمال يمتص الخير ويصبح علم الأخلاق تابعاً لعلم الجمال وهذا ما وافق كلام قدامة في الفن بأن إمتاع الفن هو جماله , وأن الجميل والقبيح هما موضوع الفن الراقي.

د – الفن بين الأخلاق والموضوع الشعري:

يقول إسبندر إن الشعر هو الذي يمتد سلطانه فيشمل الحياة بأسرها بل وما بعد الحياة وذلك النهر الهائل الذي يروي الحياة كلها , لا يحتقر الضئيل الغض, ويؤكد قدامة على ذات المعنى أن المعاني كلها معرضة للشاعر فالمعاني بمنزلة المادة والصورة بمثابة الصناعة.
ويرى بلوتاك أن جمال القبيح في الفن لا يعني أن الموضوع القبيح قد أصبح جميلاً وإنما الفضل في جمال الفن هو محاكاة القبيح فإعجابنا هنا بالمحاكاة له وليس بالقبيح نفسه ولا لكونه أصبح جميلاً في الفن.

هـ - بين الأدب والدين والأخلاق:

يعبر عن هذه الفكرة كلام الناقد تين بين الأدب ومشاكل الأخلاق قال " المشاكل الأخلاقية النوعية كما أسماها ألن تين موضوع الأدب لكن هدف النقد ليس أن يستخلص موعظة أخلاقية"
وهذا متوافق مع ما جاء به الأصفهاني والجرجاني وابن المعتز.
و – الموقف بين القديم والحديث:

اهتم الكلاسيكيون بالشكل واهتم الرومنتيكيون بالموضوع وكان الجاحظ وابن قتيبة درسوا الأدب المحدث على أنه مساوٍ للقديم وانتقدوا الشعر السخيف لتقدم قائله.
ز – البيئة والأدب :

لا حظ النقاد الفرنسيون أن للبيئة أثراً في الأدب وذلك من خلال سفرهم مثل مدام دي ستايل وفلوتير وقد تناول العرب هذا الموضوع من خلال تأثير المكان والإقليم وأثر المستوى الاجتماعي في أدب شاعر ما.



****









6- النقاط الرئيسية (مقاربات)





لخص المؤلف فكرته في أن السلطة ممثلة بالخلفاء ومؤسسة البلاط , أثرت سلبياً في توجه النقاد واستعرض مواقف أكثر من خليفة تجاه موضوع الغزل مثلاً والتشبيب بالنساء والنسيب , ومهد لرأيه من خلال التمهيد التشريعي حين ذكر موقف الرسول من الغزل وأكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستمع للغزل , ثم وقع في تناقضات من خلال ذكره أن الإسلام أسس لظهور منهج نقدي, وطرح مواقف الخلفاء وسوّغ مواقف الخليفة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- من بعض الشعراء نتيجة المجتمع . ثم انتقاله لموقف أخر بعد ذلك, حين ذكر أنه شيخ كبير, وكأنه يقول إن له مشكلة مع النساء.
ولنا وقفة عند مفهوم المؤلف للنقد الجمالي
وموقفه حول المعتزلة ثم تناقضه في بحثه مع منطلقه التنظيري.
وسنلاحظ جلياً اختلافاً بين موقف المؤلف من نقد النساء لشعر الغزل رغم تطابقه لرأي الخلافة.

- ولن أندفع للدفاع عن موقف الخلفاء والسلطة , ولن أكلف نفسي عناء ذلك

إيماناً مني وتفريقاً بين التراث الحضاري والموقف السلطوي ,رغم أن الخليفة والحاكم يمثل رمز البلاد وهذه المكانة تفرض على الشخصيات الحاكمة مقاييس ومعايير اجتماعية لا يستطيعون تجاوزها , لكن سنحاول أن نُعّمل في البحث أدوات النقد الموضوعية ,ونقارن بين الفكرة وبين النتيجة , وسنحلل تحليلات المؤلف ونرى مدى دقتها كتحليله لموقف عمر بن عبد العزيز الذي لم يستقبل الشعراء في بلاطه.
- هذه الدراسة تعد بكراً كما يقول المؤلف , و لربما يستطيع أي باحث أن يعتمد على السوسيولجيا لتفسير الكثير من الظواهر الأدبية , قديما وحديثاً
على أن لا ينجر لدارسة أثر المجتمع بعيداً عن النص الأدبي الذي هو عماد بحثنا الأدبيّ.
الأخطار التي من الممكن أن يقع فيها أي باحث سوسيولوجي هي: الانطلاق من مفاهيم وثوابت اجتماعية حالية , وتفسير ظواهر أدبية لعصر أخر.
السؤال هل يستطيع المؤلف أن يفسّر نصوصاً أدبية لعصر قديم بثوابت علم حديث.
أعتقد أنّ الجواب الحرّ يقول وما الضير في ذلك طالما سيسد هذا العلم ثغرات تحليلية لم يستطع علم آخر أن يفسّره.
- لكن السلطة التي ينتقدها الباحث تختلف تماماً عن السلطة في البلدان الاشتراكية حالياً, ولا مجال للمقارنة بين أقوى دولة في العالم, وبين دول مركزية السلطة متفرقة تعاني من شتى الويلات كالفقر والحروب والجهل والتبعية والاختراق الثقافي والاجتماعي, شتان بين الطرفين.
وإذا أردنا تقريب الفكرة لنقارن بين سلطة الدول الاشتراكية والدول المتقدمة كأوربا مثلاً أو أمريكا , هذه الدول لا تستطيع الدول فرض أفكارها على شعوبها فرضاً كما شاهدنا رفض الشعب الفرنسي لفكرة الدستور المشترك لأوربا, رغم ثقل فرنسا في الإتحاد الأوربي , كما واستطاع المجتمع الأمريكي تغير قانون التجسس على المواطنين في أمريكا , والأمثلة طبعاً كثيرة كما هي تخص مجتمعاتهم فقط. فكيف لنا بالدولة العربية الإسلامية الذي يمتد بساطها شرقاً حتى الصين وغرباً حتى جبال فرنسا , لعمري أن المقارنة خاطئة .

- نقف هنا لنطرح موقف المؤلف من تدخل السلطة في توجيه العمل الأدبي قديماً:

ينتقد المؤلف ما أسماه بالنقد التشريعي المتمثل في الأحكام التي يضعها المشرّع النقاد والفلاسفة دون النظر للطبيعة البشرية, أو البيئة أو الزمن , مثل ذلك أفلاطون في جمهوريته , "ومثل أفلاطون في أدبنا العربي يمكن أن نسمي الأصمعي وابن سلام اللذين وضعا بعض الآراء النقدية التي تنبع في الأساس من الدين, أو القوانين الاجتماعية والتقاليد البدوية ويلحق بهم ابن قتيبة في بعض تقسيماته للشعر" ص 53

- لكن الكاتب هو ذاته قال في القسم الأول من الكتاب :" أعتقد أن ظهور الإسلام كان الشرارة الأولى التي أطلقت القوى الكامنة في العقلية العربية. نقطة الانطلاق الأولى كانت في بعث الرسول الكريم لفكرة التجريد في العقيدة والدعوة إلى الانتقال من عبادة الخالق سبحانه وتعالى في محاولة لاكتشاف قانون القناعة والإيمان بالشيء المجرّد الذي لا يرى وترك الإنسان الاستنامة إلى ما يعبد من حجر يراه ويلمسه" ص 10

- ثم يتابع ويقول " وكان على الذهن العربي الجديد أن يبذل جهداً في هذه القفزة الجيدة التي حركت عنده رغبة التساؤل, بكيف وأين وساعدته على الانطلاق إلى عوالم لا تحدّ ,في مثل هذا البحث الذي ظهر ناضجاً في فكر المعتزلة قاده الفكر الإسلامي الجدلي المتحرر" ص10
يظهر لنا أن كل منهج نقدي لا بد له من نقاط انطلاق, بحاجة لفكر يصوغ أهدافه وينتج قواعد فكرية يستند عليها الناقد في الفصل في المسائل النقدية .


ما النقد البديل للباحث : هو النقد الاستقرائي أو ما يسميه بالنقد الجمالي
ودراسة الشعر من ناحية جمال الصور والشكل كما يقول , ونحن لا نعلم أيّ نقد جمالي يقصده المؤلف (الذي سنأتي عليه).
لنرَ هذه المواقف النقدية التي وصفها المؤلف بالمواقف التعسفية

مواقف للباحث :
يوظف المؤلف الآيات القرآنية والحديث الشريف كما يهوى ويريد , بغير ما جاءت وعرفت , وأعتقد أنه من السذاجة بمكان أن يتصور جهل القارئ لهذه الشواهد التي أتى بها ومنها :
أنه يزعم ويفسر الآية الكريمة " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين"
يوظف هذين الشاهدين في أن القران الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتدخلا في إبداع الشاعر , واصفاً ترك ذلك بفهم حقيقة الإبداع وسرّه الفني , ثم يؤكد أكثر من مرّة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استمع لشعر الغزل , وحين نرى مقارنته لفعل الرسول بمواقف السلطة بعدها نرى أن الشعر الذي حاربه الخلفاء هو شعر الغزل الفاحش , فهل يعني أن الرسول كان يستمع لشعر الغزل الفاحش ولا ينهى عنه وأن الخلفاء حاربوه في موقف تعسفي لا دخل للدين وسنة النبي في ذلك , ولم يعرف قط أن سمعنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم, قد استمع لمثل هذا الشعر الفاحش بل إن كان النبي صلى الله عليه وسلم في آدابه حض على الحياء والحشمة فنهى مثلاً عن قول أحدهم :وضعت يدي تحت إبطي وقال: قل وضعتها تحت يدي , وحين أتاه رجل قال له لقد خبثت نفسي, قال له: بل قل لقد لقست نفسي, والقصيدة التي استمع إليها لكعب بن زهير لم تحتوِ قطّ غزلاً فاحشاً , وترى المؤلف يوظفها ليدافع عن فكرة مشروعية الغزل الفاحش وتعسف مواقف الخلفاء ضدها ,ويستشهد ويقول إن الرسول كان يستمع لشعر الغزل.
أما عن قول القران الكريم " وأنهم يقولون ما لا يفعلون" فاستشهد بها الكاتب أكثر من مرة لتمريق تصريح الشعراء لفحشهم , وذلك لأنهم يقولون ما لا يفعلون ,وكان ذلك استناداً منها على تخلص الفرزدق في حضرة الخليفة سليمان بن عبد الملك حيث أنشده :
" خرجن إلى لم يطمثن قبلي ..... فهن أصح من بيض النعام
فبتن بجانبي مصرعات ...... وبت أفض أغلاق الختام
فقال سليمان ما أظنك يا أبا فراس إلا قد أحللت نفسك أقررت عندي بالزنا, وأنا إمام ولا بد من إقامة الحد عليك .
فقال : يا أمير المؤمنين ما أحللت نفسي إن كنت تأخذ بقول الله وتعمل به. قال سليمان : فبقول الله نأخذ عليك الحد.
قال الفرزدق : فإن الله يقول ( والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) وأنا يا أمير المؤمنين قلت ما لم أفعل فتبسم سليمان وقال : تلافيتها يا أبا فراس . ودرأت عن نفسك , وخلع عليه وأمر له بجائزة." ص 85

هذا التخلص قد بات قاعدة تشرع الغزل الفاحش لدى الباحث , وملجأ يعود إليها ,ولنر تفسر الآية الكريمة في أمهات كتب التفسير:
في الطبري " وقوله وأنهم يقولون ما لا يفعلون يقول وأن أكثر قيلهم باطل وكذب كما حدثني علي قال ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس وأنهم يقولون ما لا يفعلون يقول أكثر قولهم يكذبون وعني بذلك شعراء المشركين , كما حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال عبد الرحمن بن زيد قال رجل لأبي يا أبا أسامة أرأيت قول الله جل ثناؤه والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون فقال له أبي إنما هذا لشعراء المشركين وليس شعراء المؤمنين ألا ترى انه يقول إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الخ " الطبري ص 128 ج 19

كذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً " يقصد الشعر الفاحش "تفسير القرطبي ص 150 ج 13
وروى غضيف عن النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه " ص 152 ج 13 تفسير القرطبي
بل الأخبار أكثر من ذلك بكثير عن تعنيف الرسول صلى الله عليه وسلم لكل متكسب بالشعر , متعرض لأعراض الناس , وحيث عاد الباحث وفسر وفق هواه قول القرآن وقول الرسول صلى الله عليه وسلم , كان علينا تبيان صحة تفسر ذلك وقد كان.





8- تفسيرات المؤلف لمواقف السلطة :


يؤكد المؤلف أن تدخل الخلفاء كان تدخلاً تعسفياً في حرية الشاعر, ولا دخل له بالتشريع الإسلامي ولا بالسنة النبوية.


1- تفسيره لمواقف الخليفة عمر بن الخطاب:

رغم أنه يقول في بداية البحث إن عمر بن الخطاب هو من أسس للصدق الواقعي وفسر سبب تضييق عمر بن الخطاب على الشعراء " ولعل في محاولة عمر تضييق المنهج المفتوح كان بسبب فترة الفتوح والجهاد حيث أراد أن يوجه الأمة إلى البناء , وأن يغير في خصائصها الفنية فلم يفلح بذلك , لأن الطبيعة أقوى من القانون" ص 13

كلمة المنهج المفتوح كلمة ذاتية يسقطها المؤلف عن المنهج الإسلامي حول الشعراء , حيث جاءت الآية الكريمة تنتقد أغلب الشعراء لأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا قسماً منهم آمن بالله واليوم الآخر وهذا القسم هو القسم الذي دافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الدعوى وكان أدبه موظفاً في خدمة الرسالة والمجتمع , ولم يكن الغاية منه الغواية وهو يعبر عما لا يملكه ،يقول الله تعالى:
َالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ 224 أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ 225 وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ 226 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ 227الشعراء

يفسر الآية الكريمة ويعتبرها تشريعاً ومنهجاً مفتوحاً , وتفسير الآية واضح وصريح كما بينّّّّّّّا.

ثم لو عدنا لانتقاده لعمر بن الخطاب ومحاولة التفسير الذاتية أنها فترة الفتوح , وهي تنتقد ضمناً موقف عمر بن الخطاب وتقول إن موقفه غير صحيح وإنه أراد أن يصرف الناس عن الشعر إلى القرآن الكريم
ربما كلنا يعرف أن لعمر بن الخطاب ديوانَ شعر , ومواقف كثيرة مع الشعراء.
ثم معاقبته للحطيئة لم تكن موقفاً ذاتياً إنما حق شخصي للزبرقان فهذه الدولة لها قوانينها لا تدع القول هكذا كي تشرع الاحترام وتحفظ حقوق الناس.
سوء التعليل نجده في انتقاد المؤلف لمنع عمر بن الخطاب الشعراء من التشبيب بالنساء , يقول"توجه إلى شعر ( الغزل) وحاول منعه وكمّ أفواه الشعراء وتحريم الشعر الذي يعبر فيه الشاعر عن الحب يقول أبو الفرج: تقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشعراء ألا يشبب أحد بامرأة إلا جلده......." ص 78
وهذا لعمري ليس بمنع للحب أو لشعر الغزل ولكن صوناً لأعراض الناس وحقوقهم .
- يفسر موقف عمر بن الخطاب ويقول :" ولا بد أن نضع هنا تعليلاً مرضياً لموقف عمر وهو موقف خاص لا ينبع من القرآن أو السنة. ويمكن أن نقدم سببين اثنين دفعاه إلى هذا الموقف المتزمت أحدهما سياسي والآخر شخصي " ص 79
ويذهب في السبب الأول كون البلاد كانت في حالة فتوح, وقد ألغى عمر شعر الغزل لمنع الإغراء , فقد أهدر دم شاعر يهودي تغزل بامرأة مسلمة كان زوجها في الفتوح.
ولما كان بحثنا اجتماعياً فعلينا أن نفسر تصرف السلطة هنا تفسيراً اجتماعياً , ونكرر هنا أولاً أن منع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشعراء من التشبيب بالنساء لم يكن منعاً لشعر الغزل كما يقول المؤلف , بل صوناً لحقوق المرأة وعرضها, وثانياً للنهي عن القول الفاحش من الشعر, حيث أن الشعر خاصة الغزل غير محدد بالفحش وسفيه المعنى , ولنعدْ لكلام الكاتب ذاته الذي يصرّ على أن عمر بن الخطاب تزمت من شعر الغزل ومنعه لنراه يقول عن الشعر البدوي
"ولما كان الشعر الجاهلي في أغلبه بدوياً فإن أهل البداوة لم يعرفوا السلوك المريب في أشعارهم . وقد سئل أعرابي من الجزيرة في الإسلام قيل له " أتعرف الزنا؟ قال وكيف لا ؟ قيل: فما هو ؟ قال : مص الريقة , ولثم العشيقة , والأخذ من الحديث بنصيب" . ولهذا فإذا كان الشاعر مرآة عصره فهو لم يكتب في الغزل إلا ما يحبه جمهوره وما يريدون الاستماع إليه" ص 71

ثم يقول " ولذلك يمكن أن نقول باطمئنان كبير إن الشاعر الجاهلي لم يكن قد تعدى الحدود المرسومة له في الغزل فلم يثر موقفاً يقتضي التدخل من الهيئة الاجتماعية ...." ص 71
إذا كان الشاعر قد أثبت عدم قيام منهج نقدي في بداية بحثه للعصر الجاهلي , فكيف لهذه الهيئة الاجتماعية أن تنتقد الشاعر لو شذ ,هنا نقول كل منهج نقدي ينشأ من مجموعة من القوانين التي تنظّم المجتمع , وتقنن ما يصدر عن هذا المجتمع من فعل وقول , وقد نزل الدين الإسلامي بتشريع متكامل غير منقوص , وقد حد الحدود
يقول الله تعالى "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 4 النور
في هذا المجتمع الجديد أصبح المرء فيه يحاسب على الكلام , والشعر كلام, بل ويفعل في المجتمع أقوى من الكلام المنثور , لذلك لم تكن مواقف عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مواقف شخصية سلطوية كما يدّعي المؤلف ويفسّر وفق هواه.

- والسبب الثاني الشخصي الذي يذهب إليه المؤلف كون عمر بن الخطاب
قد كبر سنه و أصبح في الستين من عمره, وقد تعددت زوجاته ثم يذكر لنا بعض زيجاته وأنه كان مقتراً على زوجاتها يقول " إن عمر وقد بلغ هذا المبلغ من السن العالية وقد فارقته فتوة الجسد كان يتوجس خيفة من شعر الغزل ويخاف على المرأة من الاستماع إليه, وكان عمر يريد أن يجعل دولة الإسلام على قياس واحد في الدين والتبتل, وكأنه لم يدرك أن الناس في دولته أجيال كل جيل له سن وكل جيل له متنفس في الشعر أو العبادة " ص 80
هنا وكأن المؤلف يرمي أن عمر بن الخطاب لكبر أصابه فهو يعاني من مشكلة شخصية كونه يتزوج من هن أصغر منه , فقد أصيب بالشك كون زوجاته قد يؤثر بهن شعر الغزل, وهو الذي منع زوجاته من الخروج وقد أقل لباسهن اعتقاداً منه أن اللباس مدعاة للخروج , وبذلك يكون عمر بن الخطاب من خلال هذه المشكلة الشخصية ضرب بيد من حديد شعر الغزل فقاده خوفه على بيته لتعميم هذا الأمر دون حق.
ويؤكد هذا التفسير قول المؤلف بعدها " إذن من خلال هذه النصوص يمكن أن نقول إن عمر قد أدرك أثر الأدب في المرأة والرجل وحاول إلغاء شعر الغزل لكي ينفي عن المجتمع الجديد الذي بدأ يأخذ بأسباب الحضارة كل ميل إلى التحلل والضعف . ولكن الذي يبدو أن عمر لم ينظر إلى مسألة التكافؤ في الزواج لا في السن أو القدوة الاقتصادية وهما شرطان ولا في الثروة, وأراد من تحريمه الشعر عامة والنسيب خاصة أن يخلق مجتمعاً من الملائكة . وإن طموح عمر إلى الزواج يمكن أن يفسر بما للسلطة من أثر نفسي في صاحبها في إغفال السن للزواج السعيد ولا يمكن بأمر من أوامر الخليفة في موضوع لا يخضع للتشريع أن يخضع عواطف الناس ويصبها في قالب واحد في نظم الشعر ولا في الاستماع إليه" ص 81
كيف استطاع المؤلف هنا الجمع بين عدم أخذ عمر بالتكافؤ في الزواج ومنعه لشعر الغزل , حاولت أن أجد رابطاً مقبولاً فلم أجد. غير اللهم أن عمر حين تعلق الأمر بذاته كسر الحواجز وخالف القوانين , وهذا كان دافعاً له لمنع شعر الغزل لمعرفته بتأثيره على النساء, وكان ذلك نتيجة تأثير السلطة عليه وهذا لعمري تفسير بعيد القبول مضطرب كاضطراب التعبير عنه أعلاه.


2- تفسيره لمواقف الخلفاء في العصر الأموي :

- مروان بن الحكم كان ناقماً على الفرزدق لأنه مدح سعيد بن العاص ,فنفاه من المدينة حين ولي ,ويذكر المؤلف أن مروان كان في حياته الخاصة بذيئاً, رغم أنه لا علاقة للقصة المذكورة بالغزل .
ثم ينتقد عبد الملك بن مروان فيقول " يبدو لي أن موقف عبد الملك من شعر الغزل رغم ثقافته ورقة إحساسه وشعوره الجم بالصورة الشعرية المثلى في أغراض الشعر إلا أنه إنسان له عيوب الإنسان فهو كبير السن وكان يكنى أبا ذبان لأن في أسنانه تسوس وكان كثيراً ما يسقط منها الدم وكان الذباب يألف شفتيه."
يعزو موقف عبد الملك من شعر الغزل للعيب وللغيرة ,ويؤكد على كبره يذكرنا ذلك بتفسيره لمواقف عمر بن الخطاب
ثم يذكر الوليد وأنه كان بعيداً عن الثقافة .
أما سليمان فقد سلك مسلكاً غريباً كما يقول المؤلف تجاه شعراء الغزل رغم ثقافته وحبه للشعر لكنه كان غيوراً, وعزى المؤلف موقفه من شعر الغزل أن عبداً له غنى أبياتاً فتأثرت بهذا الغناء جاريتها الذلفاء التي يحب فبكت من تأثرها فاستيقظ سليمان وعرف بقصة العبد فخصاه , ويذكر هنا المؤلف أن سليمان كان بالغ النهم وكان لا يصبر حتى يبرد الطعام , وحين بيعت ثيابه أيام عمر بن عبد العزيز كان أغلبها عليه أثر الدسم الذي مسحه بثيابه.

وحين يصل للخليفة عمر بن عبد العزيز يفسر موقفه من الغزل تفسيراً عجيباً يقول " ورغم أن عمر في شبابه وفي فترة معيشته في الحجاز كان شاباً مترفاً ينسب له أبو الفرج الأصفهاني تسعة أصوات مغناة من صناعته اسمها الزينبات لأنها كلها تذكر اسم زينب . إلا أن انقلاباً نفسياً عجيباً ينحو نحو الزهد حل في نفس عمر ما بين هذه المرحلة وما بعدها حتى خلافته وبلغ الزهد مداه في فترة الخلافة ,بحيث انعكس ذلك على الشعر انعكاساً سيئاً ,فرفض عمر شعر النسيب وشعراءه على الرغم من أنه كان يحفظ شعرهم ويستمد منه النماذج التي يرفضها ويعترض عليها ومعنى ذلك أنه يحفظ القصيدة التي أخذ عنها هذا النموذج"ص 89
ثم يقول "وتجاوز عمر هذا من شعر الغزل إلى محاكمة الشعراء واستصدار الأمر بالنفي أو أخذ التوبة من الشاعر وكان السلطة هنا تدخلت فعلاً طرفاً مخاصماً للشاعر تخاصمه على قوله في الشعر وكان موقف عمر جذراً لمحاكم التفتيش في المسيحية."ص 92

أصبح أعدل خلفاء بني أمية عند المؤلف جذراً لمحاكم التفتيش , لماذا لأنه نفى الشاعر حين قال:

الله بيني وبين قيمها .... يهرب مني بها وأتبع

كان يجب على عمر الخليفة أن يتفرج على هذا الرجل الذي يهرب بجاريته, و الأحوص يلاحقه يريد جاريته ,ولم يجد هذا الرجل من يرد له حقه , حتى جاء عمر بن عبد العزيز ونفى الأحوص لفعله لا لقوله فقط بل لفعله الشنيع وتبجحه به في المجتمع.
أما الفرزدق فلم يستقبله واستشهد بشعره الماجن ,ذلك أنه أرسل له جارية تغسل رأسه فهم بها فهربت ,وقد سمع أنه زانٍ والآن تأكد من خلال هذه الحادثة ما سمع عنه ,بلو ما تفوه به الفرزدق في شعره.
أما نفيه لعمر بن أبي ربيعة لولا أن تاب , ذلك أن عمر نال من المقدسات علناً فهو يرجو النساء في الحج ويقص قصصه أيام الحج , وهنا اجتمع فحش واستهزاء بمقدسات المجتمع وباسم الفن يمارس الشاعر كل مجون ويسقط كل الحدود. يقول عمر بن أبي ربيعة:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر ......... ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
وكم مالئ عينيه من شيء غيره.. إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
- لكن الجدير بالذكر هنا تفسير المؤلف لموقف عمر يقول "
وعلينا بعد هذا النص أن نجد تبريراً سلوكياً يدفع عمر بن عبد العزيز إلى مثل هذا السلوك المتطرف لأن هذه الدراسة الاجتماعية تقتضي ذلك. يبدو أن انقلاباً نفسياً هائلاً قد حدث في نفس عمر في فترة زمنية ما قبل توليه الخلافة كان يصحبه خوف هائل من العقاب والحساب وقد كان مثال الرجل الصالح العفيف الأمين الذي يرأف بالضعفاء فما الذي كان يخشاه عمر فقلب عليه حياته حتى بلغ هذا الشيء إلى تحريمه الشعر ومحاكمة الشعراء؟ ..........إننا نشبه عمر بما نشبه به المسيح عليه السلام في التراث المسيحي بأنه صلب ليرفع عن الإنسان الخطيئة الأولى فأية خطيئة كان يريد عمر أن يرفعها؟ وعن من ..؟"ص 94
ثم نتابع مع هذا التحليل الفظيع لنجد أن عمر بن عبد العزيز كان يعيش عقدة خطيئة جده الحكم الذي كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لعنه الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن لم نعرف قط أن الرسول سب أو شتم أو لعن أحدا في كل سيرته النبوية المحمدية , وينسب حديث الرسول لكتاب خطب العرب , وبحثنا في كتب الأحاديث الصحيحة فلم نجد صدق هذا الحديث الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مأخذ كبير على باحث , الذي ذهب بعيداً جداً رغم ذلك في تفسيره لشدة عمر على الشعراء الماجنين وهذا تطرف بعيد في الفكرة نتج من خلال عزم المؤلف على تحصيل مسوغات لبحثه و تأكيدا لغايته أن السلطة أثرت على النقد والشعراء.
وهنا نعود لمشكلة السلطة في ذهن الكاتب فهو يقارن السلطة الحالية بسلطة الخلافة ولا تستقيم المقارنة حتماً , فالسلطة كانت لأقوى دولة في العالم على مدى عقود , وقد طرحنا الأمثلة لذلك .
ثم نشير هنا إلى استخدام المؤلف أسلوباً في بحثه فتراه كلما أراد أن يفسر موقف الخليفة من الشعراء ذكر لنا حادثة تنقص من شأن الخليفة ,وإن لم يكن لها دور في التفسير , لكنها تعطي توظيفاً يدل على نقص في الخلفاء كسلوك بشري.
فمثلاً نراه يذكر سليمان على أنه نهم لا يصبر على الطعام حتى يبرد , وحين بيعت ثيابه ظهر عليها آثار الدسم حين كان يسمح بثيابه.
وأما عبد الملك فكان شيخاً كبير السن يكنى أبا ذبان لأن في أسنانه تسوساً وكان كثيراًُ ما يسقط منها الدم وكان الذباب يألف شفتيه،
أما مروان فكان بذيء اللسان.
أما عمر بن عبد العزيز فكان يحفظ الشعر الذي ينتقده ويستشهد به ,ثم أصبح موقفه جذر محاكم التفتيش.
أما عمر بن الخطاب فإنه شيخ نادته ابنة علي حين خطبها , ولمس ثوبها أيها الشيخ الخرف.
كل هذه التوظيفات من الأخبار التي لا دخل لها بتفسيرات المؤلف , إنما لعب عليها كمعنى ثانوي يؤثر على رسوخ تفسيره لدى القارئ .










- تفسيره لموقف الخلفاء في العصر العباسي:

نشأت المعتزلة في العصر العباسي لذلك لمن المفيد أن نأتي على ذكرها قبل ذكر نقد المؤلف لمواقف الخلفاء العباسيين .

إشارة وربط مع المعتزلة :

تناول المؤلف المعتزلة في القسم الأول للكتاب حيث تناول المنهج , وتكلم عنهم في أكثر من مكان يقول :" وكان على الذهن العربي الجديد أن يبذل جهداً في هذه القفزة الجيدة التي حركت عنده رغبة التساؤل بكيف وأين وساعدته على الانطلاق إلى عوالم لا تحد في مثل هذا البحث الذي ظهر ناضجاً في فكر المعتزلة قادة الفكر الإسلامي الجدلي المتحرر" ص 10

ثم يشير لهم كذلك حين تكلم عن المنهج الجمالي وظهور المقاييس المطلقة فيقول :" وهو المنهج الذي بلغ فيه النقد العربي طور النضوج وقد أحكاماً يمكن أن توصف بالثبات والديمومة وقد بدأ هذا المنهج بالمعتزلة وتناول النثر والشعر" ص 16

- نلمح هنا بشكل واضح ميل المؤلف للمعتزلة ,ونعتهم بقادة الفكر الإسلامي , ثم بأصحاب المنهج الجمالي ,رغم أني لم أتلمس أبعاد هذا المنهج الجمالي الذي تناوله المؤلف, وكان يشير إليه مقابل النقد التشريعي أحياناً , لمستها حين وصف منهج الجاحظ بأنه منهج واقعي جمالي حيث رفض الخيال المبالغ به والخرافة والأسطورة والإيغال والإغراق والمبالغة , ويعتبر أن المعادل الموضوعي أهم ما يكون لدى نظرية الجاحظ الجمالية.
وهذه النظرية تتجلى لدى المؤلف بقوله " إن تجربة الشاعر تجربة حرة ولكنها يجب أن تكون تجربة جيدة, وإذا كانت كذلك فلا علاقة للموضوع بها فجودتها في " شعريتها" وليست في " أخلاقياتها" أو مطابقتها للأعراف أو الدين أو العادات أو السلوك فالفن خارج نطاق الحدود والقوانين السلوكية ولا يخضع إلا لقوانينه الخاصة فشعر السيد الحميري في نموذج خاص يعده " أجمع للفن" على رغم ما في ذلك النموذج مما قد يغري الناقد باستبعاده ولكنه لا يفعل وإن كان ليس " في ذكره شرف ولكنه أجمع للفن" ص 24

وهذا هو المنهج الجمالي الذي أقر به المؤلف واستند إليه .
ولعمري أن النقد الجمالي الذي يستند إليه المؤلف هو النقد الجمالي الشكلي, ويقابله النقد الجمالي المعنوي , لأن الجمال متجسد مع الخير والجميل هو الخيّر , ولعل الخير هو المبدأ الأول الذي يصدر عنه الجمال والوسيلة الوحيدة لإدراكه هي الروح , التي تخترق الأشكال لتصل للجمال الحقيقي , أما الحواس أي المادة فلا تدرك سوى انعكاسات وظلال الجمال
يقول الدكتور عز الدين إسماعيل " والفنان يتمتع بروح شفافة مهذبة تستطيع أن تدرك الجمال في أعلى درجاته , أو بعبارة أخرى أن تدرك الجمال المطلق , ذلك الجمال الذي يفوق جمال الأشياء بمراحل متباينة البعد ولكنه يفوقها جميعاً على كل حال" ص 36 الأسس الجمالية في النقد العربي القديم
ويوحد أفلاطون بين الجمال والخير " وإذا كان أفلاطون قد وحد بين الجمال والخير فقد تأثربه أفلوطين , فعنده كذلك أن الجميل هو الخير , والخير في هذا الرأي وهو مصدره ومبدؤه كما هو مصدر كل شيء ومبدؤه فالواحد المطلق خير قبل كل شيء وهو جميل لأنه خير. فالخير هو المبدأ الأول الذي يصدر عنه الجمال . وإذا كان للجمال هذه الطبيعة , فإن الوسيلة إلى إدراكها هي الروح . أما الحواس فإنها لا تدرك سوى انعكاسات هي ظلال للجمال وسوى إيحاءات للحقيقة . وهذه الأداة يجب أن تهذب . فيجب أن تصقل بالتفكير الراقي وبحياة الألم . وأخيراً سترى أنه رغم أن الخير والجمال شيء واحد فإن الجمال مع ذلك يقع في مجال أدنى من الخير , وهو في الحقيقة ليس سوى محاكاة" ص 35 – الأسس الجمالية في النقد العربي القديم
وهنا أحببنا أن نعرض مفهوم النقد الجمالي , لنصحح حقيقة النقد الجمالي , والكلام يطول جداً حول النقد الجمالي لكننا سنكتفي بهذا القدر .

- نعود للمعتزلة في معرض انتقاده لخلفاء العصر العباسي:
يقول "أثار بشار عاصفة في البصرة بسبب شعره الغزلي في فترة نشطت فيه حركة الزهد التي يمثلها سوار بن عبد الله الأكبر, ومالك بن دينار وغيرهما وكانا يدعيان أنه " ما شيء أدعى لأهل المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى ومازالا يعظانه " وشاركهما الرأي واصل بن عطاء المعتزلي فقال " إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لكلمات هذا الأعمى الملحد" ص 95
رغم أننا لمحنا تمجيد المؤلف للمعتزلة أكثر من مرة , ووصفه لهم بأنهم قادة الفكر الإسلامي , وأصحاب المنهج الجمالي , لكنه يضع هنا موقف واصل بن عطاء المعتزلي ويصفه بموقف الأخلاقيين مقابل رواة الشعر الجميل .
انتقد المؤلف هنا ضمناً موقف المعتزلة لأنه وافق رأي الخليفة , وتشتتنا نحن بين وصفه لهم بأصحاب المنهج الجمالي , ثم وصفه لهم بالأخلاقيين مقابل رواة الشعر الجميل.
هل يكون منهجهم جميلاً حين يوافق رأي المؤلف ولا يكون كذلك حين يخالف، لا ندري.
وأثار شعر بشار جدلاً حتى طلبه الخليفة المهدي , إذن جاء موقف المهدي المتشدد من بشار بعد الجدل الواسع بينه وبين الأخلاقيين والمعتزلة .
وقد قال المهدي لبشار بعد أن حاول بشار الهروب والاعتذار بشكل شعري من الخليفة بقوله :
والله رب مـحمــــد ......... ما إن غدرت ولا نويته
أن الخليفة قد أبـــى ..... وإذا أبى الخليفة شيئاً أبيته
ويشوقني بيت الحبيب(م) .. إذا ذكرت . وأين بيته؟
قام الخليفة دونـــــــه.........فصبرت عنه وما قليته
ونهاني الملك الهمام ...... عن النسيب وما عصيته

فطلب منه الخليفة أن ينشد قصيده الذي جادله عليه الناس فأنشد:
قاس الهموم تنل به نجحا ....... والليل إن وراءه صبحا
لا يؤيسنك من مخبأة ........... قول تغلظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة... والصعب يمكن بعدما جمحا
فشتمه الخليفة وكان غيوراً وقال له :
" أتحض الناس على الفجور ؟ وتقذف المحصنات والمخبآت ؟ والله لئن قلت بعد هذا بيتاً واحداً في نسيب لآتين على روحك..." ص 97
فخرج بشار مطروداً ثم هجا الخليفة وقال إنه زان للمحارم:
خليفة يزني بعماته ... يلعب بالدبوق والصولجان
وقد راق هذا التفسير للباحث يقول " فهل كان المهدي الذي يظهر الغيرة يمثل الذين يرون أن تقتصر متع الحياة وحرامها وحلالها عليهم, وما دامت الدنيا ملك اليمين فلا يحق لآخر بلذة محرمة أو محللة؟ هل كان المهدي يظهر الغيرة الشديدة تغطية لما شاع عنه وعرفه الخدم في قصوره وعرفته العامة عنه" ص 98

- فسر المؤلف موقف الخليفة المهدي من بشار وتحريمه لشعر النسيب أنه يغطي مرضه النفسي وهو حب الاغتصاب ,والحادثة التي ذكرها المؤلف وهي أن المهدي يدخل لحمامات النساء ويغتصب النساء تدعو الإنسان إلى الشك بالمجتمع العباسي ذاته , هذا المجتمع الذي يرفض المجون والفحش في شعر بشار, ثم يقبل بدخول الخليفة على النساء في الحمامات ويغتصبهن ,المنطق يقول عكس ما فسره المؤلف وهو أن يداري الخليفة الماجن نفسه مع بوق إعلامي شهير كبشار ولا يستفزه لهجائه , منطق الأمور يؤكد ذلك, فالنفس ضعيفة لمنع الناس عما تفعله وتقترفه , فكيف مع شاعر فذ كبشار.

مشكلات البحث

أعتقد هنا أن المؤلف انتقل في دراسته للكيل للخلفاء, ونحن هنا لا نضع أنفسنا موقف المدافعين , لكن هذه الدراسة بدأت في البحث عن الأسباب الاجتماعية التي أثرت في النقد والشعر وانتهت في بؤرة الانتقاص من مواقف الخلفاء على أنها مواقف مرضية تعود لمشاكل شخصية كالتي ذكرنا, وضعف هذه التفسيرات كان من عرض المؤلف مواقف المجتمع من هذا الشعر ,فكان موقف الزهاد والمعتزلة الذين مجدهم المؤلف , وموقف النساء صاحبات العرض في القضية فكان موقفهم منتقداً لهذا الشعر الفاحش , يقول المؤلف بعد أن ذكر قصة زوجة الحجاج " فهؤلاء النسوة وناقدات الحجاز أقدر على إدراك الصورة الجميلة العفيفة في شعر الغزل التي تعتمد على الخيال والإبداع وقدرة الفنان الذي حاول الخلفاء أن يسكتوه وهل تترك الإبل الحنين" ص 88
لكننا نرى المؤلف يرحب بمواقفهن ويعدهن أولى بالموقف من الخلفاء , إذن لم تصبح القضية تفسير الظاهرة الاجتماعية التي أثرت في الشعر ,بل في انتقاد وانتقاص مواقف الخلفاء ورغم أن الرشيد رحب بالغزل لكنه كذلك قد شاخ وأصبح ذا مزاج متقلب عند المؤلف وانتهى أخيراً لقوله " وبعد أن انتهينا من مواقف الخلفاء من شعر الغزل فإننا نريد أن نقول بأن شعر الغزل قد بقي في الأدب العربي لأنه تعبير عن عاطفة أزلية لا تزول بالأمر والنهي وأن مواقف الخلفاء مواقف شخصية لا علاقة لها بالدين أو السنة أو التقاليد الاجتماعية . وأن بقاءها دائم ما بقي الإنسان وما بقي القرآن يقول " وأنهم يقولون مالا يفعلون " وما بقي حديث الرسول يروى " لا تترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين" ص101
- قد تعرضنا لتفسير شواهد المؤلف من القرآن والسنة , وسنفتش في مصادره , وقد أكثر من الاستقاء من الأغاني لأبي فرج الأصفهاني,لكن من هو أبو فرج الأصفهاني :
" جاء في ميزان الاعتدال في نقد الرجال أن الأصفهاني في كتابه الأغاني كان يأتي بالأعاجيب بحدّثنا وأخبرنا . وقال الخطيب : حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد طباطبا العلوي , سمعت أبا محمد بن الحسين بن النوبختي كان يقول : كان أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس, , كان يشتري شيئاً من الصحف ثم تكون رواياته كلها منها, ثم قال العلوي : وكان أبو الحسن البتي يقول : لم يكن أحد أوثق من أبي الفرج الأصفهاني ,فمن هو أبو الحسن البتي ؟ من البتي هذا الذي شهد هذه الشهادة للأصفهاني ؟ إذا رجعنا إلى ترجمته في الأعلام مثلاً نجده ماجناً خليعاً , فماجن خليع ترفض شهادته بحق ماجن خليع مثله !
وجاء في معجم الأدباء , أن أبا الفرج الأصفهاني : علي بن الحسن بن محمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو الفرج الأصفهاني . مات في رابع عشر ذي الحجة سنة 356 هـ في خلافة المطيع لله , من كتبه : أخبار القيان , كتاب المماليك الشعراء , كتاب أخبار الطفيليين , كتاب الخمارين و الخمارات , كتاب الغلمان والمغنين , كتاب مناجيب الخصيان.
وكان وسخاً قذراً لم يغسل ثوباً منذ فصله إلى أن قطعه , كان وسخاً في نفسه , ثم في ثوبه ونعله , وحتى إنه لم يكن ينزع دراعة إلا بعد إبلائها وتقطيعها , ولا يعرف لشيء من ثيابه غسلاً ولا يطلب منه في مدة بقائه عوضاً. وجاء في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ) , كان وسخاً قذراً لم يغسل ثوباً منذ فصله إلى أن قطعه... ثم ذكر ياقوت الحموي في معجم الأدباء وأضاف في الصفحات 160/161/162 غرامياته ومجونه . " ص 210 من كتاب هارون الرشيد أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا لشوقي أبو خليل – دار الفكر1991 م






مشكلات النقد السوسيولوجي :

المشكلة الأهم فيما أرى هي المفاهيم المتغيرة للعصور حول ثوابت اجتماعية .

ينطلق المؤلف من موقف من السلطة ويقارب بين السلطة الحالية وسلطة الخلافة
يقول المؤلف الدكتور داود سلوم"إن هذا موضوع لم يلتفت إليه مؤرخو النقد القديم . فهو دراسة جديدة استفدنا في إخراجها من الدراسات الحديثة
التي عالجت موضوع الأدب الإبداعي وعلاقته بالسلطة خاصة في البلدان الاشتراكية."ص 7
ولنضع خطاً تحت عبارة البلدان الاشتراكية ,
ولنعرّف السلطة في البلدان الاشتراكية بشكل عام , حيث عرفت أنها سلطة شمولية مركزية , الأدب فيها موجه ليخدم قضايا المجتمع, وظهر في الروايات والقصص البطل الإيجابي, ونعرف أن الكثير من الروايات كان يرفض نشرها في الاتحاد السوفيتي , لعدم احتوائها على فكرة الصراع الطبقي والبطل الإيجابي , وبذلك خمدت جذوة الإبداع ,وصار الأدب مؤطراً ضمن قوالب تنسخ ذهنياً في عقول المؤلفين وتنشر لتوجيه المجتمع. وقد كتب روبير أسكاربيت في كتابه سوسيولجيا " إن الأديب عندما يكتب يستحضر بالضرورة جمهور الأدب . " ص 45
وهذا الجمهور حين يكون من مكوناته السلطة والرقابة , فإن حرية الكاتب تخف بل اندفاعه الإبداعي يضمر وهذا ما نراه في البلدان الاشتراكية أو في بعضها التي صادرت الحريات , وفرضت نسقاً واحداً لا يجوز الخروج عنه وهنا قد يكون هذا الضغط محرضاً للمبدع الحقيقي لاختراع أساليب جديدة فنية تلبي طموحه فارتقى الأدب فوق حاجز السلطة , ونذكر هنا كليلة ودمنة التي ما كانت إلا إسقاطات سياسية على الواقع آنذاك لكن بقالب فني يحاكي مجتمع الحيوانات , لكن يبقى دور السلطة في توجيه الأنظار نحو الأدب الذي يروق لها , فنرى أسماء تكرر بينما تقبع روائع الأعمال الأدبية في الظلام لأنها لم تجد مكاناً لها في هذا المجتمع المسير من قبل السلطة , ومن حق كل باحث سوسيولوجي أن ينقد هذه الظاهرة انطلاقاً من النص الأدبي , حين يرى القصدية والمباشرة والتوجيه في العمل الأدبي.
مما دعا الناقد تيري إيجلتون يقول " إن الأديب ليس ثابتاً على الإطلاق..." ص 45
وعلم النقد هنا في " تحليل النص الأدبي وتشكيلاته اللغوية والاجتماعية وغيرها وصولاً إلى القيم الاجتماعية الكامنة فيها والمجسدة لمصالح قوى وفئات اجتماعية معينة" ص 46

لكن هذه المنطلقات التي سننطلق منها , حري بنا أن نطبقها في وسطها وكل تطبيق مخالف للشروط سيخلق اختلالاً في النتائج , وسنسعى لتسويغ النتائج غير الموافقة تماماً بتحليلات بعيدة ترهق الفكرة بل وتقصم ظهرها وقد تظهر ارتباك هذه المنهج وعدم استقراره ,و بالتالي عدم اطمئنان المؤلف لنتائجه وعدم الأخذ بها في مشغله حول النص الأدبي.


أعتقد أننا تعرضنا لبعض مشكلات المنهج السوسيولوجي , عبر مشكلات في البحث الذي درسناه , ولعمري أن دراسة بحوث أخرى ستفضي بنا نحو المزيد من المشكلات قد تتقاطع وقد تختلف عما وجدنا, كذلك قد تكون أدق في دراستها مما يفيدنا في تأطيرها والأخذ بمنهجها .

خاتمة

يعد كتاب سوسيولجيا النقد العربي القديم للمؤلف :الأستاذ الدكتور داود سلوم بحثاً بكراً - كما يقول الدكتور- وقد يغفر له ذلك كل ما تعرضنا إليه , وقد أثار العديد من الأفكار والتساؤلات, ليس فقط حول بحثه بل تجاوزه للمنهج السوسيولوجي , فهذا المنهج يدرس الأدب في المجتمع , ولعنا سنفكر في دراسة المجتمع في الأدب , ونفيد من الفكر ة التي تولدت في مخاض هذا البحث ألا وهي تفسير الشعر بالشعر, أي تفسير الظواهر الاجتماعية في الأدب بالمقارنة والموازنة , وبهذا نكون قد وفينا الدراسة حقها بهذه الأفكارالبكر , أو لنقل أننا حاولنا ويكفينا جهد المحاولة.


والله من وراء القصد



طارق شفيق حقي