النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال..

  1. #1 السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    17
    السرد القصصي في الخطاب القرآني
    بين الحقيقة والخيال

    الأستاذ عبد الرزاق المساوي

    أ* أما قبل:
    إن أول ما سيلفت انتباه المتلقي للخطاب القرآني العظيم ويثير فضوله العلمي والمعرفي هو أنه يحتوي على نصوص سردية قصصية متفرقة على طول خريطته من عتبته الأولى "الفاتحة" إلى عتبته الأخيرة "الناس".. وأنها ليست قصصاً كاملة مستمرة استمرارا " سنكرونيا " في بنائها، فهي ليست خاضعة لتوالٍ زمني مألوف في كل فعل سردي يتوخى التواصل الهادف أي أن هذا الفعل السردي يهدف إلى جعل المتلقي يعمل تلقائيا على استقبال وفهم رسالته وفي الوقت نفسه على جعله ينفعل لأثره ويستسلم لتأثيره، ويتم التجاوب الفعال بين الملقي/الباث/المرسل والمتلقي/المبثوث إليه/المرسل إليه والرسالة..
    إن حال السرد القصصي في القرآن الكريم جاءت على غير المألوف في جميع الثقافات، وعلى خلاف ما لحظناه في السرديات السابقة عليه في الانتشار سواء ذات الأصول السماوية أو ذات الأصول الوضعية.. فهو نسيج وحده، غير متأثر بغيره.. ومع ذلك فإنه حقق كل ما يمكن أن يتوخاه أي فعل سردي من تواصل هادف وأكثر.. بل لقد استطاع بمزجه للأحداث والوقائع والشخصيات والحوارات والصراعات مع الموضوعات الأساس التي يتغياها الخطاب القرآني العظيم من خلال أسلوبي الترغيب والترهيب.. لقد استطاع على الرغم من أن السرد القصصي فيه لا يخضع للتراتبية السردية المعهودة.. أن يهئ الأسباب النفسية والأجواء الفكرية والأسس العقلية لكي ينفعل المتلقي بالأحداث ويتفاعل معها ويراها أمامه مصورة كأنها عبارة عن شريط بصري على الرغم من تفرقها، ويعيشها مشاهد حية ناطقة وإن كانت متفرقة على مستوى الكتابة.. فقد اجتمعت على مستوى الذهن وتفاعلت على مستوى الوعي.. كما قد ينصهر المتلقي في بوتقتها كأن له بها صلات معينة، وتستولي على كيانه كأنها منه، وتجذبه إليها جذبا يدخله أحيانا في تماه من نوع خاص ينسيه نفسه..
    هذه الظاهرة تعتبر من خصوصيات الخطاب القرآني ككل، وليست خاصة بالسرد القصصي، لأننا نلحظ أنه خطاب لا يجمع آياته في شكل مواد معينة أو موضوعات محددة، ولا يرتبها حسب مواضيعها ومضامينها.. ولا يطرحها في إطار حقول موضوعاتية حسب تسلسل الأهمية أو المركزية الموضوعية.. خاصة وأن المواضيع التي يطرقها كثيرة وكثيرة جدا من الإسلام ومرتكزاته ومن الإيمان وشعبه ومن العبادات وأركانها ومن السلوكيات وتفاصيلها ومن التاريخ وأحداثه ومن النبوءات وتوقعاتها.. إلا أن هذه الموضوعات المتعددة والمتشعبة والمرتبطة كلها مبثوثة في ثنايا الكتاب الكريم ككل بطريقة غير مألوفة في الكتابة أو الرواية..
    وتتجلى هذه الظاهرة - ظاهرة الكتابة بالشكل غير المألوف - بكل وضوح في السرد القصصي منه على الخصوص، بل إنه لينفرد بكثير من خصائصها تحلية أسلوبية ورؤية جمالية ونظرة وظيفية وأفقا استشرافيا.. وقد تمثل هذه الظاهرة - في نظرنا على مستوى الأدبية- إعجازا بنائيا لهذا المكون من مكونات الخطاب القرآني الفريد..

    إنها قصص متفرقة بشكل هندسي متفرد، وبإيقاع منسجم مع مكونات نصوص السور التي وردت فيها أو توزعت في ثنايا آياتها..
    فالقصة القرآنية تمتزج بموضوع السورة امتزاجا عضويا لا مجال فيه للفصل بينها وبين غيرها من مجموع موضوعات السورة.. تلك السلسلة من الحلقات المختلفة شكلا، المتحدة هدفا، والمتناغمة مضمونا، والمتناسقة بناء، والمتكاملة إيقاعا.. بحيث لو حذفنا القصة -أو قل مشهدا من مشاهدها- من موقعها الوارد في السورة لحصل عدم توازن موضوعاتي ولاختل المعنى وتفاقم المعنى، لأن القصة تسهم في بيان مضمون النص وإيضاح معاني الخطاب وتعميق فكرته لدى المتلقي.. في جمال أسلوبي ورونق تعبيري وروعة لغوية ووحدة عضوية، وبكلمة واحدة: في إعجاز متكامل...
    لقد جاءت كل قصص القرآن متفرقة حلقاتها موزعة أحداثها متناثرة مكوناتها لا تجتمع عناصرها المكونة لها في سور بعينها، أو في أماكن منها بذاتها على الرغم من كون مجموعة من السور كانت عناوينها هي أسماء بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام(1)، اللهم إلا ما كان من قصة يوسف عليه السلام، وإن كانت هي الأخرى – وهنا تتجلى الفرادة كما قلنا في تقديم القرآن الكريم للسرد القصصي - قد حضيت بالعناية الربانية نفسها التي طالت القصص القرآني جميعه بحيث سرد حلقة من حلقاتها المتميزة في سورة أخرى غير تلك التي تحمل اسمه عليه السلام وهي سورة غافر الآية(34) من قوله تعالى على لسان رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه: ﴿}ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ({وهذه الإشارة غير واردة في سورة يوسف على الإطلاق لأن المكان الذي يجب أن تكون فيه والمناسب لها دلالة وموضوعا هو سورة غافر..
    إن هذه التفرقة على مستوى السرد القصصي، وعدم تجميعه في حيز محدد من خريطة الخطاب القرآني، وعدم التزام مسار زمني كرونولوجي على مستوى كتابته، تفيد تحديدًا عدم تاريخية هذه القصص لكن ليس بالمفهوم الذي يروج له بعض المفكرين والمثقفين من الغرب والعرب(2)، فالقصص القرآني حقائق حدثت، ووقائع عيشت، وصور تفاعلت في الزمان والمكان حبلى بالواقعية.. وشخصياتها برزت بذواتها بشحمها ولحمها في الوجود.. وحواراتها وصراعاتها وأحداثها وكل ما صوره القرآن الكريم عنها طفحت كلها على سطح الواقع وتحققت في فترات متباينة على مر العصور وتداول الأيام..
    فهي ليست حكايات دون سند واقعي حقيقي ملموس في زمانه ومكانه.. ولكنها في البناء القرآني لا تمثل التاريخ بمفهومه الجامد، ولا يعنيها أن تكون تاريخًا بمعنى الزمن الماضي المتوقف الذي لا علاقة له بالحاضر إلا من حيث أنه أحداث وقعت ومضت، ولا يؤسس للمستقبل أو لا يشجع على النظرة الاستشرافية.. فالله تعالى يقول: ﴿} تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون{ هذه الآية الكريمة تتكرر مرتين، في الآية (134) والآية (141) من سورة البقرة، وهذا توكيد لا يدع مجالاً للشك بأن القرآن ليس مجالاً للبحث التاريخي بالمفهوم الرائج عند بعض المثقفين والمفكرين أو عند بعض ذوي الاختصاص، ولا يهدف إلى إيراد التاريخ بالمعنى المتداول في بعض الكتابات المعاصرة.. فكل أمة مسؤولة عما تعمل وانتهى أمرها بانتهاء عصرها أو اندثار مكونات زمانها، ولن تُسأل أمة عما فعلت أمة قبلها أو حتى إذا تزامنت معها.. ولكنها سوف تسأل عما قامت به هي نفسها بدءاً مما استفادته من أعمال الأمم قبلها، وانطلاقا مما أخذته من عبر وتفكر في الأحداث والوقائع.. وارتكازا على ما استخلصته من دروس وحكم.. فالآية لم تجمع بين "أمة قد خلت لها ما كسبت" و "لكم ما كسبتم" بشكل اعتباطي.. أبدا!.. إنه لم يتوقف عند "أمة قد خلت لها ما كسبت" وكفى.. وإنما ألحق بها ما أتى بعدها في سياق دال، وجرس دلالي محكم تنسج خيوطه لفظة "لها" في الزمن الغابر ولفظة "لكم" في الزمن الحاضر، والفعل "كسبت" في الماضي والفعل "كسبتم" في الحاضر والمستقبل.. ليربط بين بداية ونهاية مكونات الزمان التي تختتم في شكل دائري لا يعيد نفسه ولا يكرر ذاته كما شاع بين الناس، وإنما تأتي على قاعدة ﴿} وتلك الأيام نداولها بين الناس{(آل عمران:140) ولا يستحم في النهر مرتين..
    إذن هناك قصدية معينة لا تخفى على كل متلق لبيب للسرد القصصي في الخطاب القرآني..فالقصة في القرآن لا تساق دون قصدية بل لغايات معينة وأهداف محددة ومرام مقصودة، ولذلك نلحظ أن القرآن الكريم يذكر من عناصر ومكونات القصة ما يخدم تلك الغاية ويحقق ذلك الغرض ويبرز تلك المقاصد..
    كما أن القصص القرآني ليس ضرب أمثال بالمفهوم الذي يعطى للمثل على أساس أنه هو الذي (" نعجب به وننفعل له فهو صادق بالنسبة إلينا أما صدقه في نفسه فلا يكون موضوع سؤال مادام يثير فينا ذلك الانفعال المعبر عن الإعجاب والتصديق")..(3).. ولكن المنطق القرآني يجعل القصة والمثل احيانا يجتمعان في بعض الخصائص منها الواقعية الحقيقية في سردها، كما يرسم أهدافا من وراء هذا السرد يطول الحديث عنها، ونحن نهدف إلى تخصيص هذه القراءة للوقوف على إشكالية طالما أثيرت في عصرنا الحديث وظننا لفترة من الزمن أنها دفنت بفعل عدم ثباتها أمام الحقائق العلمية والاكتشافات الأثرية وردود العلماء الشرعية.. إلا أنها أحييت من جديد من طرف بعض من ينصبون على رأس هرم الثقافة والفكر العربي والإسلامي في عصرنا الحاضر..
    هذه الإشكالية هي تلك المقولة التي أبتدعها المسيحيون وروج لها المستشرقون ورفع لواءها المستغربون وانساق وراءها المضللون.. تقوم – كما يقول الدكتور محمد عابد الجابري وهو من دعاتها - على("اعتبار القص القرآني نوعا من ضرب المثل، الهدف منه استخلاص العبرة، وبالتالي فلا معنى لطرح قضية الحقيقة التاريخية")(4) ثم يبين ويؤكد ما أجمله هنا في موضع آخر فيقول:(" فكما أننا لا نسأل عن صحة القصة التي وراء الأمثال التي تضرب لموقف أو حال الخ، لأن المقصود ليس أشخاصه بل مغزاه، فكذلك القصص القرآني في نظرنا. والصدق في هذا المجال لا يلتمس في مطابقة أو عدم مطابقة شخصيات القصة والمثل للواقع التاريخي، بل الصدق فيه مرجعه مخيال المستمع ومعهوده") (5)

    ..++**// يتبع //**++..

    هوامش ومراجع:
    1* كالسور الآتية أسماؤها: يونس وهود ويوسف وإبراهيم (ومريم) و(لقمان) ومحمد ونوح عليهم الصلاة والسلام..
    2* انظر محمد عابد الجابري سلسلة مواقف إضاءات وشهادات العدد:47 الطبعة الأولى يناير 2006 الصفحة: 30
    3* المرجع السابق نفسه الصفحة:27.
    4* القصص في القرآن(2) من ملفات الذاكرة الثقافية مواقف محمد عابد الجابري العدد 48 الصفحة:33
    5* القصص في القرآن(1) من ملفات الذاكرة الثقافية مواقف محمد عابد الجابري العدد 47 الصفحة:27
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال.. 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    سلام الله عليك
    أتابع بشغف..........
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة
    سلام الله عليك
    أتابع بشغف..........
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    أخي الفاضل طارق شفيق حقي

    نفعك الله تعالى بما تتابع وبالعلم الكثير

    وهذه مني لك أيها المتابع بشغف هدية فتقبل مني

    الجزء الثاني

    دمت بألف خير

    المساوي
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    17
    السرد القصصي في الخطاب القرآني

    بين الحقيقة والخيال..

    عبدالرزاق المساوي

    ب* طبيعة القصة القرآنية:
    لكل شيء في الوجود طبيعته الخاصة التي يتحلى بها وتميزه عمن سواه.. تبرزه في هيأته وتظهره في شكله: إما في شكله الذي هو عليه بطبعه وفطرته التي وجد عليها أول مرة.. وإما في شكله الذي تعارف به عليه متلقوه والمتعاملون معه الذين ألفوه وخبروه..
    وللقصة بشكل عام طبيعتها التي تميزها عن غيرها من الأجناس التعبيرية والأنواع السردية والأشكال التواصلية الأخرى.. وهي طبيعة لها خصوصيات ذاتية تتمتع بها القصة ذاتها، صنعتها لنفسها بنفسها كنوع من الرسائل التي تعتمد المكونات السردية في بنائها.. ذلك أن السرد في وظيفته (" يركب ويعيد تركيب، ويبدع ويعيد تأسيس سلسلة متكاملة ومتداخلة من الوقائع والأحداث والشخصيات والخلفيات الزمانية والمكانية، لتجعل منها المادة الحكائية..") (6)، ذات المقومات المكتسبة نتيجة التفاعل الداخلي لمكوناتها الشخصية، وبفعل التلاقح المستمر مع كل مكونات الفعل المعرفي والمشهد الثقافي والهندسة العلمية والخريطة الأدبية..الخ.
    وللقصة أيضا خصوصيات مكتسبة تساهم في بناء تلك الطبيعة، يفرغها عليها أو يكسبها إياها المرسل:القاص أو الراوي أو السارد، على اعتبار أنه كائن حي يملك قدرات ومهارات وكفايات نفسية واجتماعية وفكرية وثقافية وعلمية وإبداعية تنتج وتؤثر في إنتاجها بل إنه يعتبر أول متلق نظرا لما يمارسه من قراءة داخلية خاصة به بفعل التدقيق والتنقيح والتنميق..
    كما أن من خصوصيات القصة ما يضفيه عليها متلقوها من خلال قراءاتهم المتعددة والمتتالية والمتجددة.. على اعتبار أن المتلقي هو الآخر مشارك فعال في التأسيس والبناء لكونه حاضرا حتى قبل إنتاج الرسالة كمستهدف يتمثله المرسل في ذهنه قبل وبعد الكتابة.. ثم بعد ذلك لقراءاته المتعددة والمختلفة والمتباينة أحيانا، التي يملأ بها الفراغ الذي يحيط بالنص من جميع الزوايا ويسود بها البياض اللامتناهي الذي يغشى السطور والتعابير والكلمات.. ويضيف ما بقيت تحتاجه الرسالة في مستويات تركيبتها الأخيرة فهما وتفسيرا وتأويلا وحتى ليّاً لعنقها أحيانا..
    وقد تجتمع كل هذه الخصوصيات – في أعلى مستوياتها – أو يتحقق بعضها - قل أو كثر - لتصاغ في الأخير تلك الطبيعة الخاصة بالقصة ولو في أدنى مكوناتها كطبيعة رسالية..
    والقصة القرآنية لها خصوصياتها التي تتشكل منها طبيعتها الداخلية – من جهة - بحكم البناء الذاتي المتنامي دائما بشكل تلقائي، وعند تفاعلها مع باقي مكونات الخطاب الذي تنتمي إليه والذي هو الخطاب القرآني.. وطبيعتها الخارجية – من جهة أخرى- بحكم أنها:
    1: ملفوظ سامي صدر عن ذات عالية متعالية علوا كبيرا يمكن اعتبارها السارد الأعلى ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى..
    2: متلقاة ومشتغل عليها عبر سيرورة زمانية وصيرورة مكانية من طرف ما لا نهاية من المتلقين المنفعلين والمتفاعلين وحتى المغرضين..
    3: معرضة لكثير من القراءات المختلفة المناحي والمتعددة المشارب والتي تراكمت عبر التاريخ حاملة عصارة أفكار أصحابها/المتلقين..
    هذه الخصوصيات ضمن مجموعة من الخصوصيات الأخرى تقوم عليها القصة القرآنية وتؤطرها، وتنفرد بها عن غيرها وتكسبها مميزات ترقى بها عما سواها، وتحدد طبيعتها..
    1 * القصة حق وحقيقة:
    إن القصة القرآنية تنبني في هيكلها ولبها، في قلبها وقالبها، على الحق وتتأسس في روايتها للأحداث والوقائع، وتشخيصها للأفعال والوظائف، ورسمها للنماذج الحية والشخصيات، وحكيها للتدافع والتفاعل، وتصويرها لكل ذلك في الزمان والمكان والأجواء، تتأسس في سردها لجميع هذه المكونات والمقومات على الحق المبين والحقيقة الجلية.. وتجعل ركائزها التي تعتمدها في حكيها ما جرى على أرض الواقع فعلا وليس تخيلا، وهذا يعني أنها بعيدة كل البعد عما يسمى الخيال في شكله الذي ألفته، عبر التاريخ الأدبي وحتى البشري، أشكال وأنواع من القص، حتى تلك التي تنعت بالواقعية أو ما شاكل ذلك بناء على فلسفات حديثة معينة..
    إن القصة القرآنية تصور وأقولها بصوت مرتفع وأكتبها بخط عريض تصور الأحداث والوقائع والممارسات والسلوكايات وحتى الأفكار والهواجس وخوالج الأنفس وما تخفيه الصدور وتضمره القلوب.. تقوم بها شخصيات مختلفة وهويات متعددة ورموز متباينة في أزمنة معينة تتراوح بين بدايته وما وصلت إليه، وأماكن محددة تتنقل بين مشارق الأرض ومغاربها، وبين السماء والأرض وما لا حدود له.. وفي حالات نفسية متباينة من أعلى مستويات التدين والإيمان إلى أدنى مستويات الجحود والكفران، وفي ظروف اجتماعية مختلفة تتأرجح بين العدالة والطغيان، وتراكمات تاريخية تفرض ذاتها على لا وعي الإنسان.. كل ذلك مأخوذ من واقع الحياة، موجود بالفعل والقوة، تحكمه قاعدة p وتلك الأيام نداولها بين الناس i
    وهذا لا يعني أبدا أن السرد القصصي في الخطاب القرآني إنما صيغ من أجل الإخبار في معناه الضيق عند بعضهم، أو أنه سرد يدل على مفهوم الخبر كما يروج له في بعض الكتابات على أنه ينقل المعلومة بكل حياد ولا يقصد منه التأثير على المتلقي.. وذلك لأن السرد القصصي في الخطاب القرآني يستمد مكوناته فعلا من الحقيقة التي عرضت في حياة الناس خلال معيشهم، والواقع الذي عاشه الإنسان عبر تداول الأزمان إلا أنه يضفي عليها مقومات التأثير وخصائص التفاعل بتصويره لكل تلك القصص وربطها بواقع حال المتلقي تحت فاعلية التآثر التي تنسج خيوطه بين الرسالة الواقعية والمتلقي الحي.. ومن ثمة لا يصدق قول بعض المغرضين الذين يتبجحون في قيلهم إن ما جاء في القرآن الكريم من قصص الأنبياء لا يدل على مفهوم القصة بقدر ما يدل على مفهوم الخبر.. على اعتبار "أن الفرق بين الخبر والقصة أن الخبر مستمد من الحقيقة وأن القصة من نسيج الخيال ولكن هذا غير صحيح" فـ"الفرق بين الخبر الذي يقتصر على تزويدنا بالمعلومات والخبر الذي يصور حدثا هو الفرق بين مجرد الخبر وبين القصة " كما يقول الدكتور رشاد رشدي في كتابه فن القصة القصيرة (7)..
    لذلك نعتبر القصة القرآنية من خصوصياتها الرئيسة أنها تنبثق عن الواقع الحي، وتحكي لنا الحق المبين، ولا تخرج عن الحقيقة التاريخية قيد أنملة، وتصور ذلك تصويرا رائعا يساير مقومات الخطاب القرآني ذي البعد اللغوي المتين والبعد الموضوعاتي الهادف..
    ولتفادي كل لبس فقد صرح القرآن نفسه بهذه الخصوصية، وأكد عليها كحقيقة ثابتة لا يمكن أن يطالها الشك أو الريب.. بشتى أنواع التوكيد حين يقول جل وعلا: ﴿ إن هذا لهو القصص الحق.. (آل عمران: 61).. حيث نجد في أسلوب الآية الكريمة نوعي التأكيد أو التوكيد: اللفظي والمعنوي، من مثل "إنّ" الحرف المضعف المعروف بحرف أو أداة التوكيد، ولام الابتداء الدالة على التأكيد وقد فصل بينهما باسم إشارة ليزيد في تأكيد هذه الحقيقة وتوكيد هذه الخصوصية، إنها طبيعة ذاتية وبنية داخلية يحملها هذا التوكيد اللفظي﴿ إن هذا لهو القصص الحق .. وهكذ يتأكد معنى الآية من كون القصص القرآني حق..وفي آية أخرى ينسب سبحانه وهو الحق جل وعلا عملية القص في القرآن الكريم بصريح العبارة لذاته كمرسل وسارد وفاعل أول عز وجل، وبنون العظمة والجلال، ليزيدها وضوحا أكثر على مستوى التوكيد المعنوي، ويعطيها مصداقية تامة لواقعيتها بشكل أمتن.. لقد أفرغ سبحانه على عملية القص من جلال اسمه هبته، ومن عظيم سلطانه قدرته، ومن اسمه الحق طبيعته.. وقال عز من قائل سبحانه وهو الحق وقوله حق في معرض الحديث عن أصحاب الكهف القصة ذات الطابع الأسطوري التي خلخلت مستويات التفكير المنطقي، وزعزعت ذوي القلوب المترددة والعقول المتقلبة.. فكيف إذا كانت هذه حقا وحقيقة وهي تسرد حدثا خارقا، لم يتمكن بعضهم من استساغته لما في قلبه..، ألا يكون ما سواها من القصص واقعا حقا:﴿ نحن نقص عليك نبأهم بالحق. إنهم فتية أمنوا بربهم وزدناهم هدى (الكهف:13)..
    وتأتي آيات أخر لتؤكد القضية نفسها، وتثبت الأمر ذاته، وذلك أن الحق هو السمة البارزة لهذا القصص القرآني العظيم فيقول سبحانه:﴿وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ﴾ (هود:119) " حق وموعظة وذكرى " مكونات تتطلب متلق من نوع خاص، متمكن من أدواته التي تسعفه على رؤية وقراءة الحق والموعظة والذكرى من خلال الطبيعة التي تتمتع بها القصة في السرد القرآني..
    هذا المتلقي هو "المؤمنون" الذين يقرأون ويتلون وينفعلون ويتفاعلون ويفعّلون تلك القراءة التي لا تحيد عن الطبيعة القصصية في القرآن الكريم على خلاف أولئك الذين يحاولون إفراغها من الحق والحقيقة والواقعية ويدخلونها في إطار المتشابه من القرآن.. ثم ينقلونها إلى عالم الأمثال التي تضرب لا لكونها حقيقة ولكن لكونها تحمل فكرة فقط ومن ثمة يسار إلى مفهوم الأسطورية التي نعت بها كفار قريش قصص الأولين في القرآن العظيم واقتدى بهم بعض كفار هذا العصر..(8)
    إنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا من فوقه ولا من تحته ولا من أي جهة قد تخطر بالبال، لأنه بكل بساطة هو قص في ذاته حق ويحمل الحق وإن كان أغلب الناس لا يعلمون، ومن طبيعته توخي الحقيقة واتباعها.. ولأنه يحمل مكونات منطقية داخلية وخارجية تدفع متلقيه إلى الإيمان بصدقيته، فهو أولا وقبل كل شيء صدر عن الحق سبحانه: ﴿ والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾ (الرعد: 1).. وهو جزء من الكتاب الذي أوحى به الله: ﴿ والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه﴾ (فاطر: 31).. وليس كذبا أو افتراء ﴿ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ﴾ (يونس: 111).. وأخيرا نقول إنه الحق الذي صدر عن الحق سبحانه، ونزله روح القدس الأمين جبريل عليه السلام بالحق: ﴿ قل نزله روح القدس من ربك بالحق﴾ (النحل:102).. وأوحى به إلى رسول الحق صلى الله عليه وسلم والذي بلغه لكل الذين يحبون أن يتبعوا الحق ﴿ قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ﴾ (يونس: 108)..
    وهكذا يمكن أن تتسع شبكة العلاقات التي تربط بين حلقات الحق والحقيقة من المرسل الأول الذي هو الله عز وجل إلى المتلقي من الدرجة الثالثة في سلم العلاقات التواصلية والذي يعبر عن جملة المؤمنين كما سنبين في الترسيمة الإرسالية التالية التي تسيطر فيها معالم الحق المبين والحقائق التاريخية الواضحة..


    المرسل (1) ــــ> الرسالة ــــ> المتلقي (1)/المرسل (2) ــــ> المتلقي (2) /المرسل (3) ــــ> الرسالة ـــــ> المتلقي (3)

    l l l l l l

    الله جل جلاله ـــــ> الوحي ـــــــ> جبريل (ع) ـــــــــــ> الرسول عليه السلام ـــــ> القصص الحق/الوحي ـــــ>المؤمنون


    ..++**// وللبحث بقية إن شاء الله تعالى //**++..
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال.. 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    2,180
    معدل تقييم المستوى
    20
    نتابع معكَ بشغف

    دررك وقطوفكَ الدانية

    أستاذنا الفاضل

    عبد الرزاق المساوي


    ويسعدنا وجودكَ معنا في رحاب وجنة المربد العربي الأصيل
    أمينة أحمد خشفة
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد: السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الشهباء مشاهدة المشاركة
    نتابع معكَ بشغف


    دررك وقطوفكَ الدانية

    أستاذنا الفاضل

    عبد الرزاق المساوي



    ويسعدنا وجودكَ معنا في رحاب وجنة المربد العربي الأصيل
    أحسن الله لك أختي الفاضلة حسن اهتمامك

    وشكر لك شعورك

    ووفقك سبحانه لكل خير

    بله أنا السعيد بكم وبتواجدي بين إخوة كرام وأخوات فاضلات أمثالكم..
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: السرد القصصي في الخطاب القرآني بين الحقيقة والخيال.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    17
    2 * القصة والشهود الإلهي:
    ثم إن هذه الحقيقة التي أرسيت عليها دعائم القصة القرآنية وهذا الصدق الذي قامت عليه خصائصها وهذا الحق الذي بنيت عليه أركانها هو نفسه الذي بنيت عليه آيات الله كلها، فهذه مستمدة من تلك.. يقول تعالى: ﴿ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين (البقرة:252).. فهو ليس الحق المرفوع بالسماع.. أو الحقيقة المعتمدة على روايات من الثقاة في إطار الثقافة الشفهية.. أو على حكايات العارفين من بطون الأسفار والكتب العريقة.. أو أن هذا الحق والحقيقة مما خلده الأثريون أو دونه المؤرخون، أو اكتشفه المستكشفون أو درسه وحلله الأنثروبولوجيون أو نشر حقائقه العلماء المتخصصون.. أو تسامر عليه الرواة والحكاؤون الخرافيون..
    بل هو الحق والصدق صدر عن الحق سبحانه ﴿ ذلك بأن الله هو الحق (الحج: 6).. وهو سبحانه الذي كان بمعية الأحداث كلها يقصها ويحكيها ويرويها انطلاقا من الحضور الجليل والشهود العظيم والوجود الكريم، وانطلاقا من العلم الواسع والإحاطة الشاملة، أي انطلاقا من وجوده سبحانه وإشرافه تعالى وعلمه المطلق بكل ما يقع وما من شأنه أن يحصل.. ونقل ذلك بكل علم وصدق وأمانة وإحاطة لأن هذه من صفاته سبحانه.. يقول تعالى:﴿ فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين (الأعراف:6).. فالغياب كعدم العلم تماما، وليسا جائزين في حقه سبحانه، وكيف يكون غائبا وهو الذي أوحى وأرسل وبعث وهيأ ظروف التلقي من الأول إلى الأخير..؟ كيف يكون غائبا وهو الذي قدر الأمور كلها حق قدرها..؟
    والقصص لم ولن يكتسب تمام وجوده الحقيقي، ولم ولن يحقق كمال ذاته الحقة، كوقائع وأحداث فعلية إلا من خلال وجوده هو سبحانه وتعالى.. ولكي تتوفر هذه المصداقية عند المتلقي وتتأكد لديه كان لابد أن يعتمد هذا القص وأن يرتكز هذا الحكي لتزكيته داخليا وخارجيا أفقيا وعموديا، على هذا الشهود الإلهي والحضور الرباني، أي على عدم الغياب كما ذكر النص القرآني..
    لأن هذا القصص القرآني بالنسبة للمتلقي يعتبر أحداثا لم يعشها ولم يشهدها، فقد يكون سمع بعضها كما وقعت، وقد لا يسمع منها إلا ما تناهى إلى سمعه عبر قصص السمر والسهر والتسلية وقد تكون محاطة للإثارة والفرجة والتسلية بالزيادة أو النقصان، وقد تكون الصورة مشوهة بشكل يفقد القصص كل شيء طبعي فيها أو مكتسب، حتى المتعة نفسها.. وقد تبقى منها مجموعة أحداث يضرب بها المثل ولا تشتهر قصصا واقعيا..
    إذن فالقصص في القرآن الكريم يعتبر من الغيب بالنسبة للواقع الذي نزل فيه ليكون بداية العلاج، والزمن الذي أتى فيه ليكون بداية التغيير.. إنه مما لم تدركه الأبصار ولم تحط به العقول سواء بالنسبة للمتلقي (1) أو المتلقي (2) أو المتلقي (3).. لذلك فكأن هذا الغيب حين يقصه شاهد عيان، وحاضر معاين، وعليم خبير ذو رؤية فوقية، لا تخفى عليه خافية، يصبح حينها ذلك القص منتميا إلى عالم الشهادة يتنامى في عالم الحق والحقيقة، ويتمدد على شبكة الواقع والواقعية.. مما ييسر لمتلقيه(2) و(3) عملية الفهم والإدراك بصدق وثقة.. ويسهل عليه عملية الانفعال والتفاعل مع المقصوص تاريخا.. والإحساس بما جاء به وتصوره واقعا.. والحياة في ظلاله والركون إلى حقائقه..
    وبيت القصيد هو أن يصدق المتلقي (3) القصة لأنها صادرة عن صادق سبحانه وموحى بها إلى صادق صلى الله عليه وسلم.. وهي كلها صدق في صدق شكلا ومضمونا، بنية وغاية، كل مكوناتها تنطق بالصدق.. ومن ثمة ينفعل معها ويستشعرها بكل فكره ووجدانه، ويعيشها بكل جوارحه وجميع حواسه، ويتمثلها في كل سلوكياته.. وإن لم يحضر أحداثها، ولم يعاشر شخصياتها، ولم يلمس وقائعها، ولم يعاين واقع وجودها، ولم يعش زمانها، ولم يتحرك في أماكنها، ولم يتعرف ملابساتها..
    إن المتلقي المستهدف ليتصورها أحداثا حية لازالت تنبض بالحياة المستمرة من يوم وقوعها، ويتخيلها وقائع تمر أمامه لترسم له من حاضره ومستقبله أفقا يهفو إليه، ويتمثلها مسلسلا مباشرا ينغمس في متتاليات حلقاته، وقد يتقمصها حينما يتأثر بها تأثرا شديدا..
    ويكفي هذا المتلقي أن يتصورها حقا، وأن يؤمن بها وحيا من الحق سبحانه، انطلاقا من أن السارد نفسه جل وعلا يريدها كذلك.. فإذا أراد صاحبها سبحانه أن يعتبرها "القصص الحق" فلماذا نأتي نحن لنجعلها "ضرب أمثال"..؟. يقول الحق سبحانه وتعالى:﴿ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون (القصص:43).. ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون(آل عمران:44) ويقول جل جلاله:﴿ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون (يوسف: 109)
    وبعد كل هذه التأكيدات على واقعية القصة القرآنية ووجود أحداثها حقيقة، ونقلها الصادق للحق والحقيقة التي عيشت، وحيي فيها خلق كثير دون ريب أو شك على خلفية أن الله سبحانه وتعالى الذي قصها هو نفسه بمثابة شاهد عيان، لم يغب عن الأحداث لحظة، ولم تخف عنه ولم تتوار ولا أقل من ذلك.. بل هو سبحانه الذي قدرها تقديرا، ويعلمها قبل وقوعها.. وكل ملابساتها في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق وتقدير الأمر، وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان لا يعرف شيئا مما قص عليه من أنباء إخوانه من الرسل والأنبياء الذين قضوا قبله.. ولا كان يعلم أنباء القرى السابقة، ولا أخبار الأمم الغابرة، ولا الأحداث السالفة.. ولم يكن يدرك من الأمر شيئا لا من عنديته قارئا متعلما أو عارفا فطنا أو مطلعا فاهما أو ذكيا متمرسا، ولا من اتصالات داخلية أسرية أو جوارية أو قومية، أو أسفار خارجية أو لقاءات غريبة بعيدة أو قريبة.. ولا من علماء وقته من أهل الكتاب و لا من شيوخ المعرفة في القبائل العربية ولا من كهانها ولا من شعرائها ولا من خطبائها ولا من حفاظ آثارها ولا من أي مصدر من المصادر الشائعة حينها.. ولنستمع إلى الحق سبحانه وهو يصف لنا حال نبيه صلى الله عليه وسلم كيف كانت قبل نزول الوحي عليه: ﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون (العنكبوت:48).. بل علم صلى الله عليه وسلم ذلك بوحي من ربه ﴿ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل (هود: 49)..
    هل يمكن أن يكون فحوى النص الأخير ﴿ ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبلهو مربط الفرس كما يقال..؟ هل يمكن أن يكون هذا هو السبب في عداء العرب لما أوحي الى الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل عام ومن القصص بشكل خاص؟.. ألأن العرب كانوا لا يعلمون شيئا من المحكي أم أنهم كانوا لا يفقهونه..؟ أم أنهم كانوا لا يلمون بحقيقة ذلك بما فيه الكفاية، ولا يفهمونها إلا على أنها للسمر والسهر والتسلية وضرب المثل ليس إلا..؟ أم لأنهم كانوا يتجاهلون الحقيقة أم أنهم يجهلونها..؟ ومن جهل شيئا عاداه؟.. أم لأنهم كانوا يعرفون هذه القصص لكن معرفتهم تؤطرها الحكايات والحدوثات والخرافات والأساطير، وبقايا روايات الأسلاف فاختلط عليهم الأمر..؟ أهذه عقيدتهم التي كانت تحول بينهم وبين الاستفادة من الخطاب القرآني كما هو حال كثير من مفكرينا المعاصرين..؟
    ألهذا كان ضلاّل العرب والمتفوهون من كبرائهم وطغاتهم يقولون: ﴿.. قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين * (الأنفال: 31).. ﴿ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (الفرقان: 5)..؟
    أيقولون هذا وهم أول من يعرف طبيعة ابن من أبناء عمومتهم محمد صلى الله عليه وسلم وجبلته ما ظهر منها وما بطن، ويدركون سجيته وتربيته﴿ وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم (التكوير: 25).. ويعلمون كيف نشأ بين ظهرانيهم أميا لا يحسن القراءة ولا الكتابة، ويتيما لا يقوى على سفر ولا ضرب في الأرض يبتغي فضلا من علم أو معرفة.. ﴿ألم يجدك يتيما فأوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى (الضحى: ).. وهم يدركون ويعرفون أنه كان يحب الخلوة ويفضل الوحدة ورضي لنفسه التحنث في غراء حراء.. وأنه كان المجتبى بين أقرانه والمرتضى حكما من بين شيوخهم فيما اختلفوا فيه، وأن ليس لديه مع من يديم الاتصال أو يكثر الجلوس أو يطيل العشرة والرفقة.. ويعرفون إلى أين ذهب وسافر في حياته وعدد ذلك.. ويعلمون كيف كانت حاله صلى الله عليه وسلم بشكل عام.. وقد لبث فيهم من عمره سنينا.. – فهو ابن بيئتهم أفلا يعقلون - قبل أن يفجع طغاتهم بكونه رسولا إليهم.. وقبل أن يصدمهم بنزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم من رب العالمين ﴿ قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (يونس: 16).. ولكن الذي يريد ستر الحقيقة وتشويهها أو تغليف الحق ونكرانه، أو على الأصح تبطيله بدعاوى باطلة.. يتذرع بكل ذريعة تحقق مأربه هذا، ويتوسل كل وسيلة تشفي غليله ذاك، إلا أنه في الحقيقة هو كمن يريد ستر الشمس بالغربال، ومن ثمة فهو ممن قال فيهم الحق سبحانه وتعالى : ﴿ ..وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب (غافر: 5)..
    وأيضا - بعد هذا التأكيد كله - لا ينبغي للمتلقي أن يرتاب أو يشك أو أن يماري ويجادل – لا ينبغي له ذلك - في صدق ما أوحي إليه من قصص أو في صدق ما تحمله من مضامين وأحداث وشخوص ووقائع وعلاقات وحوارات ومصائر ووعد ووعيد وجزاء.. يقول الله جل في علاه في معرض الحديث عن قصة خلق عيسى صلى الله عليه وسلم وهي تعتبر خارقة مثلما رأينا عن قصة أصحاب الكهف:﴿ ..الحق من ربك فلا تكن من الممترين (آل عمران:59).. وهذا الخطاب موجه بشكل مباشر للرسول صلى الله عليه وسلم متلقيا(2) ومن خلاله للمؤمنين متلقيا(3) بحكم الإيمان والتبعية والاقتداء يقول سبحانه وتعالى: ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (آل عمران:31).. بل إن الأمر موجه لكل الناس قاطبة وليس لمن اتبع النبي الأمي صلى الله عليه وسلم فحسب في مثل قوله تعالى: ﴿ قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم (يونس:108)..
    ج* ختامه مسك:
    القصص القرآني بهذا الشكل يمثل نماذج معرفية مستقاة من الحياة الواقعية نستخلص منها العبرة المستديمة، ونستشف منها الرؤية الإيمانية الدائمة، ونتحلى منها بالقدوة الحسنة المستمرة.. وليست مجرد قصة أو واقعة حدثت، على الرغم من أنها أحداث أكيدة، إنما هي حقيقة خالدة مستمرة أبد الدهر.. ونؤمن بحدوثها، ولكن ما يهمنا ليس تحديد زمانها بالتدقيق، أو وقائعها التاريخية المفصلة، ولكن ما وراءها من عبر ومواعظ وحكم ودروس.. ولماذا ذكرت بهذا الشكل؟ وكيف ذكرت بهذه الطريقة وليس بغيرها؟ ولماذا تم اختيار هذا المشهد دون سواه؟ وكيف يمكن أن نترجمها إلى وقائع جديدة ومشاهد منسجمة مع ما نصبو إليه؟... وفي الأخير كيف يمكن أن يكون السرد القصصي في الخطاب القرآني الكريم نبراسا للعودة إلى تحقيق دنيا الخلافة على منهج النبوة كما أخبر ب بذلك الصادق الأمين؟..(9)
    يقول الله تعالى ﴿فاقصص القصص لعلهم يتفكرون( الأعراف:176)..فهذه القصص دعوة للتفكر في هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة والقضايا.. أي دعوة لتحليلها بحثا عن الإجابة فيها، ودعوة للتفصيل في مكوناتها وتفكيك عناصرها وإعادة تركيبها حتى نتمكن من هندستها على أرض الواقع... ومن ثَم فهي دعوة للفعل أي الالتزام بالنموذج المعرفي الكامن خلفها، أي بالبناء والتركيب. فهي نموذج للتركيبية الفنية والجمالية والحياتية والواقعية، وهي فوق هذا كله تعتبر نوعا من أنواع العبادة التي من أجلها خلق الله الخلق وبعث الرسل وقص القصص ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.فليس أفضل من قراءة القرآن وتلاوته وتدبر معانيه ومدارسته وترجمته إلى واقع معيش عبادة..

    *القصة بيان وبرهان:
    ***جاءت طبيعة القصص القرآني تتميز بهاتين الخاصيتين السابقتين: القول حق و القص صدق والسرد حقيقة ممتعة، والشاهد على هذا كله هو الحق نفسه سبحانه.. فانبثقت عنهما خصوصية ثالثة مرتبطة بهما لكونها تنتمي إلى المنظومة نفسها منظومة الحق والحقيقة، وهذه الخاصية الثالثة هي البيان والتبيين والإيضاح والتوضيح، وإبراز وإظهار الأشياء على حقيقتها والقضايا على طبيعتها والأمور على سجيتها والمشكلات التي لها ارتباط بالقصة وأحداثها أو شخصياتها أو بعض مكوناتها..
    فهناك أحداث وأمور كثيرة في حياة الأقوام السابقة تعرضت مع مرور الأزمان وتداول الأيام للتشويه والتزوير والكذب والتغليف بالباطل، واختير لها عند تداولها بين الناس المنحى الأسطوري أو الخرافي الذي أفرغها من محتواها الحقيقي وسلخ عنها صفات الجد والصدق والحق المبين، وانزاح بها عن واقعيتها وعراها من مصداقيتها، ومن ثمة أبعدها عن واقع المتلقي بشكل عام، وغيبها عن حياته بكل أبعادها في هندسة العلاقات مع الوجود والكون والإنسان..
    لقد تعرضت بعض الحقائق للتستر المقصود أو النسيان المقنن في أحسن الأحوال، ونظرا لارتباط هذه القصص بالحق من جميع الجهات كما رأينا وذلك لطبعها في حد ذاتها، ولطبيعة القصد منها وغائيتها ووظيفتها.. أصبح لزاما أن تظهر بالمظهر الذي هي عليه في حقيقتها، وليس بالمظهر الذي روج له الذين غيروا من حقيقتها وطبعها وطبيعتها، وأبطلوا مفعولها وألغوا غاياتها وحدوا من تأثيرها في تربية وتوجيه الأنفس والمجتمعات.. وأصبح لزاما أن لا يُسكت عن الأباطيل والأساطير التي ألصقت بها على مر الأزمان..
    وتأتي قصص بني إسرائيل على رأس الروايات التي أشبعت أباطيل وأكاذيب حتى على الحق سبحانه في ذاته وصفاته وأفعاله - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا – ولقد كانت البداية كالعادة في كل الأحوال عبارة عن زيادة في القص أو نقصان أو تخيل لأحداث مثيرة يرجى منها مصلحة معينة، واستمتاع بأخرى حتى تكونت لديهم سلسلة من القصص لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وأصبح الخلف يرويها عن السلف، فأضحت هي الأصل وصدقوا ما اخترعوه من قصص وأحداث وروايات وأساطير وخرافات وسطروها في كتبهم المقدسة لديهم، ثم أمسوا يحاجون بها ويجادلون وينافحون عنها، إنهم يكذبون الكذبة ثم يصدقونها..
    فجاءت القصة في القرآن كي تصحح هذه الأوضاع المقلوبة وتضبط تلك المفاهيم المعوجة وتبين حقيقة تاريخ البشرية على العموم وتاريخ بني إسرائيل على الخصوص وتوضح كيف كانت علاقاتهم بربهم جل جلاله وبأنبيائهم عليهم السلام وفيما بينهم هم أنفسهم، ومع غيرهم ممن عاشوا معهم أو قبلهم من الأقوام الأخرى..
    وهكذا وقع لكثير من الأمم والأقوام وقعوا في المطبة نفسها التي وقعت فيها بنو إسرائيل الذين غيروا وبدلوا فنسوا الأصل الحق، وتشبثوا بأهوائهم وضلالاتهم وأكاذيبهم.. فأصبحوا كما قال تعالى﴿ قل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم (الحديد:16) .. وعميت أبصارهم وغلفت بصائرهم فضلوا وأضلوا وضلوا عن سواء السبيل..
    وكمثال فقط نضربه لتأكيد ما سبق نأخذ بعض آي القرآن الكريم – مثل ما جاء في سورة النحل - التي تتحدث بشكل عام عن قرى سبقت وأقوام اندثرت، تدخلت في أمور ليس من اختصاصها، فبدأت تحل وتحرم وتغير في شرع الله تعالى حسب هواها، ومع تداول الأيام أصبحت تؤمن بما وضعته لنفسها بديلا للشرع الإلهي، وتعتقد أنه الحق من ربها وتجادل من أجله وتنافح وهم على باطل ولكن أغلبهم لا يفقهون، فأخذهم العذاب وهم ظالمون.. وجاءت القصة تبين الخلل وتكشف عنه النقاب وتنبه إليه وتوضحه على الرغم من مضي زمان عليه، ومن وراء ذلك تصححه وتصوبه وتضربه مثلا للمتلقي كي يكون على بينة من أمره فلا يقع في مثل ما وقع فيه أصحاب هذه القصة وهذا هو بيت القصيد من ذكرها.. وأيضا ليملك المنهج الرباني في تصحيح الأخطاء التاريخية، ويكسب نفسه طريقة التعامل مع الأحداث والوقائع قديمها وحديثها.. يقول تعالى: ﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون(النحل:118)قصصنا عليك أي بينا وأوضحنا لك ما كان عليهم محرما، ولكنهم تركوا الحق واتبعوا الباطل فظلموا أنفسهم...
    وهكذا نعتبر التبيين والتوضيح من الخصوصيات التي تميز طبيعة القصة القرآنية التي هي حق وصادرة عن الحق ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تسكت على باطل وهي تعلم، أو أن لا تبين الحق وهي تعرف..
    وتبيان الحق يأتي كي ينتقد مجموعة من السلوكيات والأحوال النفسية والفكرية.. ويصحح مجموعة من الأوضاع الاجتماعية والثقافية، ويغير مجموعة من القضايا البشرية التي أصبحت بمثابة عقيدة راسخة وأخلاق متمكنة من أصحابها ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم..
    إنه تبيان يصحح الوقائع والأحداث والمفاهيم القديمة فيصوغها على الشكل الحقيقي لها بدل ما هو رائج عنها، ويغير القضايا التي بنيت على الأساطير إلى ما كانت عليه من الحق المبين فتتضح الرؤية وتستبين الفكرة، وهكذا تكون القصة قد صححت خبرها القديم وعالجت الشطط الذي وقع عليها وصححت الوضع الحالي لتصوغ في الأخير بتبيان واضح رؤية جديدة مبنية على الحق المبين والحقيقة الجلية..



    هوامش ومراجع:
    * من بحث طويل تحت عنوان " قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني "
    1* كالسور الآتية أسماؤها: يونس وهود ويوسف وإبراهيم (ومريم) و(لقمان) ومحمد ونوح عليهم الصلاة والسلام..
    2* انظر محمد عابد الجابري سلسلة مواقف إضاءات وشهادات العدد:47 الطبعة الأولى يناير 2006 الصفحة: 30
    3* المرجع السابق نفسه الصفحة:27.
    4* القصص في القرآن(2) من ملفات الذاكرة الثقافية مواقف محمد عابد الجابري العدد 48 الصفحة:33
    5* القصص في القرآن(1) من ملفات الذاكرة الثقافية مواقف محمد عابد الجابري العدد 47 الصفحة:27
    6* التمثيل السردي في رواية الكوني عبد الله إبراهيم – علامات: ج:32 – م: 8/1999 الصفحة:326
    7* دار العودة – بيروت الطبعة الثالثة 1984 الصفحتان 20 و 21
    8* انظر: الفصل الثامن "المادة التاريخية في القرآن" والفصل التاسع "الأسطورة في القرآن" من الكتاب الالكتروني " دوافع للإيمان الإنجيلي.. صراع أدى إلى الاهتداء " لكاتبه أمير ريشاوي وذلك على الرابط: www.light-of-life.com/arb/aquestion
    9* انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي الطبعة الثالثة/1983 المجلد الأول الصفحة: 8 ونقارن بكتاب أحاديث سيد المرسلين عن حوادث القرن العشرين للشيخ عبدالعزبز عزالدين السيروان منشورات دار الأفاق الجديدة بيروت الطبعة الأولى/ 1982 الصفحة: 24 وانظر في شرح الحديث كتاب الرسول r لسعيد حوى دار الكتب العلمية بيروت.. الطبعة الرابعة/ 1979 الصفحة:129..
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. "دموع راشة " من السرد القصصي إلى السيناريو المسرحي
    بواسطة محمد يوب في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27/08/2010, 04:01 PM
  2. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 24/05/2008, 09:03 PM
  3. مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني
    بواسطة المساوي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18/05/2007, 12:30 PM
  4. بين الخجل والحياء...مشاكل ذاتية
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 21/11/2006, 09:00 PM
  5. من حكايات الحيوان في التراث القصصي العربي.
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05/06/2006, 08:26 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •