بنية السرد العجائبي في "ألف ليلة وليلة"
ملحق ثقافي
الثلاثاء 13/2/2006
المصطفى موفـن
يتأسس السرد في نص "ألف ليلة وليلة" في صور متراصة متماسكة تدور حول حدث عجائبي جهدا لتبيان المشاهد العجائبية في ترابطها، وذلك بهدف خلق علاقة بين القصة والخطاب، محكومة ومبنية على العجيب، لكونها تتمثل النموذج التخييلي الاسلامي أو الفارسي والهندي، فوقائع وأحداث حكايات «ألف ليلة وليلة» تشكل أساس بنية العمل برمته، وإن كان السرد يقوم على خدمة الحدث وذريعة له.
وهي بنية عجائبية من خلال تعرضها لعالم فوق طبيعي داخل عالم مألوف، وعبر شخوص يتعرضون للتحول والتبدل وفي أحيان أخرى للمسخ؛ فنص «ألف ليلة وليلة» نص قائم على خرق الواقعي لعالم تختلط فيه مخلوقات مختلفة: الجن والإنس، المألوف والخارق؛ الشيء الذي يولد حيرة وترددا عند المتلقي:
والفانتاستيك ما هو إلا هدب من أهداب المخيلة وهو قريب من المتخيل وجزء منه، وأحد تبدياته؛ إذ هو قريب من المتعالي حيث تبدع الصور التي لايمكن إيجاد نظير لها، من حيث البنية والتشكيل والعناصر المؤلفة لها، إضافة إلى أنه قريب من الواقعي، لكونه ينطلق منه نحو المتخيل، وقريبة من الأسطورة التي تضرب بجذورها في الماضي السحيق المقترن بالمتعالي. يعرف تودوروف الفانطيستيك بكونه: "تردد كائن لا يعرف سوى القوانين الطبيعية أمام حادث له صبغة فوق طبيعية".
كما تكمن أهمية الفانتاستيك في الكشف عن "المناطق المظلمة في اللاوعي الجمعي".
من هنا تتأسس علاقة المتلقي/القارىء مع النص، على:
-التصديق بالمافوق طبيعي، انطلاقاً من كونهم يرومون الابتعاد عن التردد.
- ابتداع شروط جديدة للوقوف على طبيعة الأحداث، عبر الآليات العقلية.
- التعامل مع الحدث - المافوق طبيعي "في حياد دون مساس بمنطق الفانطستيك، على أساس افتراض إقحام العنصر الفوق طبيعي لعالم خاضع للعقل.
وهذا ما يضفي على عنصر التردد أهمية شديدة التماسك يقتسمها مجمل الإبداع الفانتاستيكي، في حين نجد روجي كايوا يعرف الفانطستيك "فوضى وتمزيق ناجم عن اقتحام لما هو مخالف للمألوف في العالم الحقيقي المألوف، إنه قطيعة للتماسك الكوني"، كما يؤكد على ضرورة توظيف الفوق طبيعي لتثمين الحبكة وإعطائها بعداً فانتاسيكياً، لأن غياب عنصر الفوق طبيعي "يعني غياب الشيء المولد للحيرة والدهشة، بينما يستلزم حضوره منطقاً ما..
فهذه الفوضى هي خلق أدبي ثم ترتيبه على تلك الشاكلة" فتعريف كايوا ينطلق من كون المألوف والعادي هو الثابت في حين أن الفانتاستيك هو المتحرك المحمل بالفوضى والذي يبثها في المألوف.
وعليه، يكون الفانتاستيك أساسياً في أي نص لكونه يبين لنا آليات اشتغال العالم من حولنا، وانطلاقاً من عنصر الخوف يتمفصل الفانتاستيك، عند تودوروف، في ثلاثة عناصر:
- بإحداثه لأثر ما في القارىء، لم يكن بمقدور الآثار الأخرى إحداثه.
- بإسهامه في إغناء فعل الحكي لكونه ينظم الحبكة.
- بالسماح لوصف عالم فانتاستيكي.
إن تمظهرات الفانتاستيكي في نص «ألف ليلة وليلة» خرجت من رحم التصورات الأسطورية ومن الفلكلور ومن المحكيات الشعبية الشفهية، وبكل ما هو مقترن بالذاكرة الجمعية، في ارتباط مع المتخيل، ودور المخيلة داخل أي تجمع اجتماعي، وخلقها لمواقف تأخذ موقفاً وتتموقع في جانب ما من سلوكات وأنماط المجتمع، وذلك إما عبر الإدانة والرفض، وهو ما يكون في الغالب، أو عبر التزكية والقبول.
من عمل نص«ألف ليلة وليلة» على استثمار الذاتي والموضوعي والعمودي والأفقي في ارتباطهما، وذلك بغية توهيم الصورة المرجو تبليغها عن واقع مجتمعي معين؛ إنه الواقع العربي في فترة زمنية محددة.
من هنا نلاحظ ذلك التداخل والتمازج في النص لأشكال تعبيرية مستعارة من التاريخ والقصص الشعبي والصوفي وللماجن ولعوالم الجن والحيوان وللخارق والمألوف والمبتذل.. بهدف هتك حجب الزمني والآني.
المصدر