مشروع ارتياد الآفاق عن أدب الرحلات
توفيق طه:

ارتياد الأفاق مشروع طموح أسس له الشاعر الإماراتي محمد السويدي من خلال منصبه في المجمّع الثقافي في أبو ظبي بهدفٍ نبيل هو إحياء أدب الرحلة عند العرب وهو أدب يزداد أهمية يوما بعد آخر لتقديم صورة أخرى للعرب والمسلمين في العالم كأبناء حضارة تواقة إلى معرفة الآخر والتواصل معه، بدأ المشروع في عام 2000 وحصيلته حتى الآن ثلاثون رحلة عربية من بين عشرات الرحلات التي يعمل فريق المشروع على تحقيقها قبل دفعها إلى القارئ العربي، هنا إطلالة على المشروع الذي يديره الشاعر السوري نوري الجراح.

زياد بركات:

ارتياد الأفاق عنوان خلاب لمشروع طموح ولافت يتقصى أدب الرحلة العربي من ابن بطوطة وابن جبير إلى آخر رحالة عربي دوّن رحلته في كتاب، ينطلق المشروع الذي أسسه الشاعر الإماراتي محمد السويدي من فكرة جوهرية في الحضارة العربية الإسلامية وهي الحوار مع الآخر ومعرفته، فإذا كان الرحالة الغربيون قد سعوا بقصد أو بغيره إلى تنميط الشرق وإنتاج صورة تصوغ أحكام القبضة عليه فإن هاجس الرحلة العربية كان المعرفة والبحث عن الجديد والأخذ بمعطيات التطور والحداثة. ارتياد الأفاق نهض على هذا الأساس المعرفي بعيدا عن التنميط الذي حبس أُمما وشعوبا عريقة في إطار رغبات الآخر الاستحواذية والأيروسية على وجه الخصوص.

نوري الجراح:

مدير مشروع ارتياد الآفاق: تأسس المشروع الجغرافي العربي ارتياد الآفاق في نهاية سنة 2000 وهو مشروع ينهض على البحث والاستقصاء في مكتبات العالم العربي والعالم المتعلقة بالأدب الجغرافي ونصوص أدب الرحلة العربي أدب السفر في جغرافيات العالم القديم والحديث وهذا المشروع الذي بدأ بصفته بحثا في نظرة العربي إلى الآخر استقصاء لهذه النظرة ومحاولة لمعرفة طبيعة تطور هذه النظرة إلى الآخر جاء هذا في وقت خصوصا بعد الحادي عشر من سبتمبر ليؤكد الحاجة الماسة إلى نصوص ووثائق ومعلومات من خلال تلك المخطوطات تبرهن بدرجة وأخرى على عناية العربي بالآخر ومحاولته بناء جسر مع الآخر.

زياد بركات:

صدر عن مشروع ارتياد الآفاق نحو ثلاثين رحلة عربية قام بتحقيقها باحثون وأكاديميون من عدة دول عربية، بعض هذه الكتب يُعتبر كشفا في كل المعاني مثل كتاب الذهب والعاصفة لإلياس الموصلي وفيه يدون رحلته في القرن السابع عشر إلى أميركا إضافة إلى رحلة البطريرك مكاريوس الحلبي إلى بلاد الروس في القرن الثامن عشر ورحلات أخرى بعضها حديث نسبيا إلى إنجلترا والهند وسواهما.

نوري الجراح:

هناك نصوص باهرة تستطيع أن تنقل طبيعة التداعيات والانطباعات والأفكار التي حملها العرب عن الآخر وهي كلها يمكن بدرجات أو أخرى وعلى مستوى أو آخر يمكن أن تعكس طبيعة تفكر العربي بذاته وتفكره بالآخر ومدى انفتاح نظرته أو انغلاقها، مدى استعداد شخصيته للاعتراف للآخر بشخصيته وباختلافه، مدى استعداده لبناء حوار إنساني على مستويات مختلفة مع هذا الآخر.

زياد بركات:

وإضافة إلى رحلات بعضها يضيء جانبا غير معروف من نشاط كبار المفكرين العرب كرحلة ابن خلدون، يسعى المشروع الذي انطلق بمبادرة فردية وبتمويل شخصي وليس حكوميا يسعى إلى تحقيق مائة رحلة عربية في أصقاع العالم القديم والجديد وهذه الكتب المائة في حال إصدارها لن تكون سوى الجزء الظاهري من جبل الجليد، إذ أنّ لدى المشروع مخطوطات يقارب عددها الثمانمائة لرحلات مازال أغلبها مجهولا لدى القارئ العربي وإضافة إلى ذلك يسعى المشروع إلى رفض المكتبة العربية لموسوعتين هامتين الأولى تتضمن رحلات الحج إلى مكة المكرمة والثانية موسوعة ورقية وإلكترونية تتضمن رحلات الحجاج من مختلف مدن العالم وثقافاته إلى بيت المقدس.

نوري الجراح:

وهذه الموسوعة نتطلع من خلالها إلى تركيز صورة أقرب ما تكون إلى الدقة عبر التاريخ للمكان المقدس لدى الثقافات الإسلامية والمسيحية وغيرها وبالتالي نحن ننشئ موسوعة ورقية وإلكترونية بدأنا بها منذ عام ونصف العام تقوم على اللغات العربية تحقيق المخطوطات العربية للرحالة العرب والمسلمين الذين زاروا بيت المقدس، اللغة الفارسية وبالتالي رحلات المسلمين الإيرانيين إلى بيت المقدس، الرحلات المكتوبة باللغة بالحرف العثماني التركية، الأوردو ومن ثمّ اللغات الأوروبية الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية وغيرها للحجاج والمسافرين إلى بيت المقدس عبر التاريخ.

زياد بركات:

ولم يكتفِ مشروع ارتياد الآفاق بتحقيق وإصدار كتب الرحلة الشهيرة مثل رحلة ابن جبير وغيرها من عيون الرحلات العربية بل تجاوز ذك إلى نشر وتشجيع الكتاب على الكتابة في أدب الرحلة وخاصة الكتاب الشبان ممن انطلقوا في هذا العالم الفسيح مستكشفين ومغامرين على صعيدي اللغة والشكل في هذا الفن كما قام المشروع بعقد ندوات متخصصة في هذا المجال وأطلق القائمون عليه مؤخرا جائزة تحمل اسم شيخ الرحالة العرب ابن بطوطة تمنح للباحثين والمحققين في أدب الرحلة.

نوري الجراح:

هذه الجائزة أعطيناها اسم جائزة ابن بطوطة فاز بها العام الماضي أربعة.. ثلاثة محققين من المغرب، وهذا ليس مصادفة يعني لأن حركة البحث في المغرب حقيقة هي حركة نستطيع وصفها بأنها متقدمة بأدوات متقدمة أيضا في البحث ورحالة من عمان حديث فاز بجائزة هو الشاعر محمد الحارثي الذي أيضا كان رحالة من طراز من تلامذة ابن بطوطة.

زياد بركات:

ارتياد الآفاق مشروع لا يضيء توقنا إلى معرفة الآخر وحسب بل يضيء الذات في زمن كانت فيه منفتحة على الآخر وعلى نفسها في الوقت نفسه، لا هاجس لها آنذاك سوى المعرفة بعيدا عن أسر التنميطات والآراء المسبقة في الآخر أيا كان.
***********************************

من قراءات

(السندباد)