النتائج 1 إلى 12 من 1155

الموضوع: أدب الرحـــــــلة ...

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    برنهارد فون برايدن باخ

    رحلة حج إلى الشرق


    يرجع الفضل في شهرة تقرير رحلة حج برنهارد فون برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش نشأ فى العصور الوسطى المتأخرة نوع من السياحة الدينية المسيحية، واتجه المتدينون والمجازفون نحو الشرق لزيارة المواقع المقدسة والأماكن الغريبة. وكان برنهارد فون برايدن باخ هو أحد هؤلاء، وقد سجل مشاهد رحلاته، التي تعطينا انطباعا عن رؤيته للشرق فى ذلك الوقت.
    فى الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان عام 1483 انطلق برنهارد فون برايدن باخ من مدينة أوبن هايم الواقعة على نهر الراين فى رحلة حج إلى الأرض المقدسة، واصطحب معه أحد النبلاء المسمى يوحنا فون سولمز، والفارس فيليب فون بيكن، والفنان إرهارد رويفيش من أوترشت، والطباخ يوحنا والمترجم يوحنا كنوص، حتى وصلوا إلى مدينة البندقية بإيطاليا بعد خمسة عشر يوما "بتكاليف غير قليلة وبطرق طويلة ملتوية".
    حج نخبوي

    كان من الطبيعي أن يستأجر الحاج مكانا على متن سفينة حج متجهة من البندقية إلى فلسطين. وكانت الرحلة البحرية مكلفة جدا وغير مريحة، وكان الحجيج من مختلف البلاد يحتشدون في مكان ضيق، وكان الطعام في أغلب الأحيان سيئا، حتى أصيب الكثير بالمرض أثناء الرحلة بسبب الظروف الصحية التي يرثى لها. ومن أتيحت له الفرصة تسلق فوق المسافرين وقضى حاجته فوق سطح السفينة، أضف إلى ذلك الخوف من تحطم السفينة أو من هجمات القراصنة.

    ورغم كل هذا كانت رحلة فلسطين رحلة نخبوية، لأن الحجيج الأغنياء كانوا فقط الذين يقدرون على التكاليف الباهظة للرحلة، ومن ثم كانت الرحلة فرصة لرفع مكانة الحجيج. وكان عدد الحجيج الأوروبيين إلى فلسطين في العصور الوسطى المتأخرة يتراوح ما بين ثلاث مائة وخمس مائة شخصا كل عام.

    وبعد أقل من شهرين بالسفينة لاحت الأرض المقدسة لبرنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه، إلا أن النظرة الأولى تبعتها خيبة أمل، لأن الحجيج كان عليهم أولا أن يحصلوا على تصريح من المماليك يسمح لهم بدخول فلسطين. ولهذا اضطر برنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه للبقاء ستة أيام على السفية حتى يذهب رجال البلاط إلى يافا لإستصدار تصريح لهم بدخول البلد.
    عدم الثقة المتبادلة

    وهنا تم تسجيل أسماء الحجيج وتحصيل الرسوم منهم، ففي الأرض المقدسة لم يكن هناك شيء مجاني. وأثناء هذه الإجراءات كان المماليك "يحجزون" الحجيج في كهف رطب على الشاطئ حيث يظلون محبوسين ليال طويلة،لأن الحجيج القادمين من بلاد الحروب الصليبية كان لا يسمح لهم بدخول البلد إلا برقابة.
    وفي نفس الوقت كان الرهبان الفرانسيسكان يستقبلون الحجيج كما لو كانوا المعقل الأخير للمؤمنين في البلد المقدس، وكانوا يقومون على شؤون الحجيج حتى يتمكنوا من التعبد وتصفية الروح (والحصول على كثير من صكوك الغفران) أثناء زيارتهم لمدينة القدس.

    وكان الرهبان الفرانسيسكان يرافقون الحجيج – مثل المرشدين السياحيين المعاصرين – ويلقنونهم دروسا بعدة لغات عن العادات الشرقية ويتولون تنظيم الإقامة في مدينة القدس، حيث يقومون معهم برحلات يومية للأماكن المقدسة ويوفرون لهم المبيت في بعض الأوقات.
    ويركز تقرير برايدن باخ على وصف الأماكن المقدسة، ولا يصف المكان الأخير الذي تناول فيه المسيح آخر وجبة للعشاء أو قصة آلامه فحسب، بل أيضا الاصطبل الذي تربى فيه الحمل الذي كان وجبة المسيح في عيد الباساخ.
    وفي الواقع كان كل مكان قصة مثيرة في حد ذاته، وكان ينطوي على جزء من قصة الخلاص. وكانت الذروة في زيارة كنيسة القيامة، حيث كان لا يسمح للحجيج بالمبيت فيها إلا بمقابل دفع رشوة. أما عن القدس كمدينة شرقية فلم يذكر التقرير عنها شيئا.
    إنعدام التسامح الديني

    يتعرض برنهارد فون برايدن باخ في تقريره إلى سكان مدينة القدس، ويكرر ذكر العامل الديني في المقام الأول، حيث يوضح رجل الدين أخطاء الجماعات الدينية الأخرى المقيمة في القدس.
    وبحماسه التبشيري الموجه إلى الداخل نجد برايدن باخ يدعم في المقام الأول المسيحية الأوروبية في عقيدتها، حين يبين لهم صورة الإسلام السيئة.
    والصورة التي تكونت عن الإسلام ومؤسسه محمد ماهي إلا حقائق وتزوير وأشياء مختلقة حسب الهوى، وأقوال برايدن باخ عن الإسلام وعلى وجه الخصوص إهاناته لا تكاد تكون نتاج ما رآه هناك، بل مأخوذة من مراجع أخرى معاصرة.
    كما أن المسيحيين الشرقيين لم يحظوا بالتقدير في كتابه، فنجده يصف المارونيين والنسطوريين بالإلحاد لانفصالهم عن الكنيسة الكاثوليكية. ومن الواضح هنا أنه يدافع عن السلطة المطلقة للكنيسة الكاثوليكية، كما أن الفرق بين المألوف والغريب يحدد ب "ما كان مسيحيا" ويفصل بين الحسن والسيئ.
    ويرجع الفضل في شهرة تقرير رحلة حج برنهارد فون برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش، حيث تلقي صوره الضوء على الجماعات الدينية المختلفة من زوايا أخرى تماما.
    فنرى مجموعة من الرجال العرب تقف هناك بلباسهم الفاخر وأسلحتهم، وبجانبهم نساء ممشوقات القوام – وتلبس إحداهن الخمار - يحاولن التصنت على الرجال. كما طبع الأبجدية العربية أيضا وإن كانت بها أخطاء.
    وتظهر تلك الصور اهتماما إيجابيا مقبولا عن السكان الشرقيين، إلا أنه بعيد عن موضوع الديانة.
    مقابلات مع مسلمين

    وبعد انتهاء الجولات المختلفة في فلسطين اتجه كثير من الحجيج إلى أوطانهم ورجعوا بسفن الحج إلى مدينة البندقية، إلا أن برايدن باخ ومرافقيه عزموا على السفر إلى صحراء سيناء ومصر.
    والقارئ يشعر أن برايدن باخ اضطر لترك مرشده السياحي الراهب الفرانسيسكاني في القدس. فتعليقات برايدن باخ على الطبيعة الغريبة وعلى الناس الأجانب تأخذ طابعا شخصيا، كما ابتعدت عن مغزى الرحلة الديني.

    أما المقابلات مع المسلمين الذين يصفهم في الغالب بالسارزين
    Sarazenen
    فكان يغلب عليها الاستياء من ناحية بسبب الرسوم الجمركية غير المتوقعة وعمليات الغش، وإيجابية من ناحية أخرى.
    فنجده يروي أن الناس أعطوه ومن معه من المرافقين ماءا للشرب في الصحراء "لوجه الله" على الرغم من أنهم يجدون "مشقة" في الحصول عليه، ويري أيضا أنهم انضموا إلى قافلة تجارية كان أعضاؤها "لطفاء".
    كما يبدو أنه أجرى حوارات مع الأهالي بمساعدة أحد المترجمين، وكان يتبين له كل مرة أن الحجيج المسلمين يقدسون نفس الآثار التي يقدسها المسيحيون. ومع ذلك فلم تصحح تلك المقابلات صورة الإسلام التي أعطاها سابقا، لأن نظرة رجل الدين تظل ثابتة لا تتغير.
    الشرق كمنطقة غريبة

    ولم يذكر برايدن باخ عجائب الشرق وجماله إلا عند وصفه لمدينة القاهرة، فنجده يقول:
    "إن قصر السلطان كبير للغاية لدرجة أنه يسع جميع سكان مدينة أولم
    Ulm أو نصف سكان مدينة نورنمبرغ Nürnberg، كما توجد مساجد جميلة ذات مآذن عالية لدرجة أني أعتقد أنه لا توجد في روما كنائس بمثل كثرة المساجد هنا".
    وهنا أصبح الشرق منطقة غريبة مليئة بالطرائف والعجائب، فيصف باستغراب الأكلات السريعة في العصور الوسطى، وهي مطابخ موجودة في جميع شوارع القاهرة، ويقول:
    "رأينا أيضا الكثير من العرب المسلمين يطبخون في الشوارع والأزقة (...). وكثير منهم يحملون القدور فوق رؤوسهم في شوارع المدينة، وما هي إلا نار موقدة وقدور تغلي وأسياخ شواء".
    كما يلمح رجل الدين على الأحداث في أسواق العبيد، وأن الناس اعتبروهم – من قبيل الخطأ – عبيدا، وعرض أحد التجار على المرشد السياحي عشرة دوكات على كل شخص.
    وأخيرا – وكما هو الحال في الرحلات المعاصرة إلى الشرق – فلا بد من دخول الحّمام: "فدخل الكثير منا إلى حمام البخار إذ أن العرب المسلمين لديهم حمامات جميلة من الرخام، كما أنهم يؤدون خدمات جيدة في الحمامات. ويقومون هناك بتدليك أعضاء زوار الحمام بطريقة غريبة."
    وبعد أن انتهى الحجيج من برنامج القاهرة السياحي عادوا إلى مدينة البندقية بالسفينة عن طريق الإسكندرية.
    اهتمام حقيقي بالشرق

    وعندما يقرأ المرء تقرير رحلة برنهارد فون برايدن باخ يظل برهة متحيرا، ويتساءل:كيف يمكن لقُمص بأسقفية أن يكتب كلمات سيئة تحرض ضد الإسلام من جهة، وفي نفس الوقت يظهر إعجابه بالمساجد الإسلامية؟ وكيف يمكنه أن يوجه للمسلمين اتهامات عامة، ومن ناحية أخرى يمتدح خدماتهم؟
    ثمة أشياء كثيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بفهم الأدب في العصور الوسطى المتأخرة، فكان الكاتب يتحرك في حدود ضيقة بين ما يتوقعه القارئ من تقارير الرحلات وبين ما كان موجودا بالفعل في هذه الفترة حتى لا يثار شك في أقواله الشخصية. ولم يتوقع المرء من الأديب أن يأتي بشيء جديد، بل كان ينبغي عليه أن يعيد صياغة ما كان معروفا من قبل وما يتعلق به من ثوابت في قالب جديد.
    ولا ينبغي أن ننسى أن برايدن باخ كان قُمص لأسقفية ماينز
    Mainz وذو منصب كنائسي كبير، وأن تقاريره عن الحج كانت تقرأ ضمن النصوص المسيحية في العصر الوسيط المتأخر، ولعل التعبير الإيجابي عن الرحلات أو التسامح تجاه "الكفار" كان في غير موضعه حسب معايير العصور الوسطى.
    ومع ذلك فإننا نجد في تقارير برايدن باخ جوانب "توضيحية"، ويكفي أنه طبع الأبجدية العربية في فهرس عربي – ألماني أو أمره بطباعة صور ومشاهد لشعوب الشرق، مما يدل دلالة واضحة على أنه كان يريد أن يعطي صورة صادقة عن الشرق الغريب الذي كان يهتم به.



    بقلم ساندرا شميس

    ترجمة
    عبد اللطيف شعيب

    حقوق الطبع قنطرة 2005
    *******************************************

    من قراءات
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    رحلات هانس كريستيان أندرسن في بلاد المشرق
    "ثروة بإمكانها أن تزيّن أي بيت أنيق في أوروبا"





    قصص الكاتب الدانماركي أندرسن مترجمة إلى أكثر لغات العالم.
    الشاعر الدانماركي الذي ترجمت أعماله إلى أكثر لغات العالم هانس كريستيان أندرسن، والذي يُحتفل في هذه السنة بمرور 200 سنة على ميلاده كان معروفا بولعه المفرط بالأسفار. وقد قاده حنينه إلى المغرب أيضا. كريستيان هاوك يقدم لمحة عن انطباعات الشاعر الرحالة.

    كان السفر بالنسبة لأندرسن(1805-1875) يمثل وسيلة للهروب من الوحدة. قام أندرسن برحلات واسعة الامتداد عبر العديد من البلدان الأوروبية.

    وقد وضع مجمل الانطباعات التي حصلت لديه من سفراته العديدة في كتب الرحلة التي ألفها.

    غير أن هذه الانطباعات لم تجد لها بالمقابل سوى حضور صعيف داخل حكاياته. وفي حالات متفرقة فقط جعل من الأماكن التي زارها مسرحا لتلك الحكايات، مثل ألمانيا وإسبانيا وسويسرا.
    الحنين إلى "ألف ليلة وليلة"
    لم تكن رحلة أندرسن إلى إسطنبول سنة 1840 بدافع البحث عن مصدر إيحاء لحكاياته. بل إنه من خلالها قد قام بسفر داخل طفولته الخاصة؛ ذلك أن أباه كان قد قرأ عليه في سنوات صباه حكايات "ألف ليلة وليلة". وبالنسبة لأندرسن كانت القسطنطينية تمثل "مدينة الحكايات والأساطير".
    ومباشرة بعد عودته من هذه الرحلة برزت إلى الوجود حكايات "البطة الصغيرة القبيحة" و"ملكة الثلج" و"راعي الخنازير". ولقد استندت الحكاية الأخيرة منها، كما هو متداول في طريقة الكتابة لدى أندرسن، على نموذج حكائي تقليدي، بينما جاءت الحكايتان الجديدتان الأخريان ذات طابع مستقل. لكن إلى أي مدى كانتا تحملان بعضا من تأثيرات الرحلة المشرقية، فذلك ما يظل غير معروف.
    من إسبانيا إلى المغرب
    بعد ما يقارب العشرين سنة من رحلة إسطنبول سيتجه أندرسن إلى ركن آخر من العالم الإسلامي. ففي الثاني من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1862 يمدد الرحالة سفرته داخل إسبانيا مستقلا الباخرة من جبل طارق باتجاه شمال إفريقيا. وقد قضى بعدها أسبوعا كاملا في طنجة.
    كان أندرسن يقضي كامل أيامه متنقلا بفضول بين قوافل الإبل وبساتين البرتقال وحيوانات الضربان ("لقد عثرت في طريق عودتي على واحدة من أشواكه الطويلة، وهي نفسها التي أستعملها الآن غلافا لقلم الحبر").

    وقد أقام أندرسن في الأثناء لدى القنصل الدنماركي، وبالنهاية قام بزيارة لباشا المدينة في حي القصبة.

    ومن بين ما جلب انتباه الكاتب الذي غدا شهيرا بحكاياته في العالم كله هذه المعاينة:".. جمع من الموريسكيين يجلسون منصتين في حلقة حول قصاص لا يكف عن الضرب على دف بينما كان يروي حكاياته..."
    مفخرة أب يهودي
    إلى جانب السكان المسلمين تتميز مدينة طنجة بحضور مجموعة سكانية لا بأس بها من التجار اليهود، في يوم جمعة بينما كان المسلمون يؤدون صلاة الجمعة وأبواب المدينة مقفلة بسبب ذلك، والشوارع تبدو خالية، خاطبه رجل يهودي في الشارع وراح يحاول أن ينتحي به إلى زقاق جانبي، هل ينبغي أن يتبعه؟


    قاده ذلك الشخص إلى زقاق مسدود وكان في الواقع يريد أن يريه بيته: "رحت أفكر هل يمكنني أن أثق في هذا الرجل، وكنت أحمل معي مبلغا صغيرا من الذهب. لكنه بدا لي مع فقره أمينا وصادقا، بينما كل شيء من حولنا كان يوحي بشيء شبيه بأجواء مغامرة."

    كان أندرسن مولعا بالسفر.
    وبالنهاية عرف أندرسن أن الرجل كان يود فقط أن يعرفه على ابنه من باب الاعتزاز والفخر فقط.-"وكان عليّ إذن أن أقدم هبة لذلك الطفل."

    الشاعر والقنصل يحتفلان داخل دائرة ضيّقة من الناس: "كان ذلك يوم الأحد. وبما أن سكّان طنجة من المسلمين واليهود، فإن الأفراد القلائل من المسيحيين الكاثوليكيين والبروتستانت لم تكن لهم بطبيعة الحال كنيسة ولا مُصلّى. وبالتالي فإن قدّاس الأحد كان يقام في المنازل الخاصة أو في قلوب الأفراد كل على حده.
    داخل غرفة في حديقة المنزل بُسط سجاد على مائدة وفوقه وضع الإنجيل وكتاب المزامير. قرأ علينا دروموند هاي بعض المزامير وبعدها بعض مقاطع من الإنجيل. وقد كان الجوّ داخل هذا القدّاس المجرد من كل فخامة ملائما للخشوع والتأمل."
    وداع المغرب
    بتأثر عميق وبحزن كان أندرسن يعيش لحظات الرحيل على متن باخرة حربية فرنسية باتجاه إسبانيا. "بعد بضعة ساعات سيكون عليّ أن أغادر هذا الموطن الذي وجدته، أنا الغريب، في هذا الجزء الآخر من العالم. كان علي أن أودع أناسا ظلوا طوال المدة الزمنية القصيرة التي قضيتها بينهم حريصين كل الحرص على توفير أسباب الفرح لي.
    لم يكن معلوما لنا إن كنا سنرى بعضنا بعدها مرة أخرى في هذه الحياة؛ وفي أغلب الظن قد لا يكتب لي أن أضع قدمي فوق أرض هذا الساحل الإفريقي بعدها.(...) لقد كانت إقامتي على الساحل المغربي بحق الحلقة الأكثر فائدة من كل ما عشته في هذه الرحلة كلها."


    بقلم كريستيان هاوك
    ترجمة علي مصباح

    *****************************

    من قراءات
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    آراء أوروبية لمثقف مناوش

    الاستطلاعات الأدبية لأحمد فارس الشدياق


    الشدياق، شخصية لم تنل حقها من الاهتمام حتى الآن في العالم العربي.
    أحمد فارس الشدياق (1804-1887) من ألمع الرحالة العرب الذين سافروا إلى أوروبا خلال القرن التاسع عشر. كان الكاتب والصحفي واللغوي والمترجم الذي أصدر أول صحيفة عربية مستقلة بعنوان الجوائب مثقفا لامعا وعقلا صداميا مناوشا أيضاً. تقرير باربرا فنكلر.

    كانت لهذا الرجل الذي عاصر فيكتور هوغو وغوستاف فلوبير وإدغر ألن بو وشارل ديكنس اتصالات بمستشرقين ومثقفين أوروبيين وكذلك بمفكرين إصلاحيين عرب. وكمتمكن بارع في اللغة العربية، متمرس بفن البلاغة وبدقائق القاموس اللغوي، فقد كان في الوقت ذاته أحد أهم مجدديها.
    ساهم مساهمة فعّالة في تطوير لغة صحفية حديثة منقّاة من البلاغة الزائدة. وصقل العديد من المصطلحات الحديثة مثل عبارة الإشتراكية التي أضافها إلى اللغة العربية. لقد عاش الشدياق حياة مليئة بالحركة على نحو خارق للعادة التي سنورد هنا بعضاً من جوانبهاعلى سبيل الذكر لا الحصر.
    حياته

    ولد فارس الشدياق في بلدة عشقوت في لبنان، من الديانة المارونية وتحول إلى البروتستانتية، الأمر الذي كان يعد في ذلك الزمن عملا لا يخلو من المخاطر، وقد مات أخوه مسجوناً لدى المارونيين بسبب ذلك.
    وجد الشدياق نفسه إذاً مجبرا على الرحيل إلى القاهرة سنة 1825. وعمل ابتداء من سنة 1834 مدرسا لدى البعثة الكهنوتية (البريسبيتريانية) الأميركية ومصححا صحفيا في مالطة لمدة 14 سنة. وفي سنة 1848 تلقى دعوة من الجمعية اللندنية لنشر الإنجيل للقدوم إلى لندن من أجل المشاركة في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، فانتقل ليقيم في أماكن مختلفة ببريطانيا وكذلك بباريس.
    طلق زوجته المصرية ليتزوج بامرأة بريطانية، الأمر الذي مكنه من الحصول على حماية القنصلية البريطانية. وفي سنة 1857 انتقل للإقامة في تونس واعتنق الديانة الإسلامية، قد يكون ذلك بدافع تسهيل الحصول على وظيفة في إدارة السلطنة العثمانية . وبالفعل فقد دعي من طرف السلطان إلى إسطنبول سنة 1860.

    إلى أي حد يستعصي تصنيف الشدياق، يتضح من الظروف التي حفت بدفنه. فبعد وفاته حصل خلاف بين الطوائف الدينية التي كانت تتنازع على أحقية تولي شؤون جنازته. وبالنهاية تم التوصل إلى اتفاق على دفنه بعد صلاة متعددة الديانات في موقع يتوسط المنطقتين المسيحية والدرزية من جبل لبنان.
    رحلاته وأعماله
    تتميز التجارب والانطباعات الأوروبية لفارس الشدياق بامتداد وعمق يتجاوزان إلى حد بعيد ما كان لغيره من الرحالة الآخرين. تنقل الشدياق، ضمن مختلف المهام التي كلف بها- أو في بحثه عن وظيفة ما- بين بلدان عديدة وفي ظروف مادية ومعنوية عسيرة في أغلب الأحيان.
    وكانت تنقلاته تختلف كليا مثلا عن رحلة رفاعة رافع الطهطاوي الشيخ الأزهري والموظف الحكومي لاحقا، الذي جاءت إقامته في باريس ضمن إطار بعثة دراسية رسمية.
    وخلافا للتقرير ذي الصبغة التوثيقية العملية لهذا الأخير جاء كتاب الشدياق الصادر سنة 1885 تحت عنوان "الساق على الساق في معرفة الفارياق " ذا طابع أدبي، وبالتالي فهو لا يعتبر وثائقياً صرفا. فقد جاء هذا العمل المهول الذي يقع في حوالي 700صفحة مقسماً إلى أربعة أجزاء قد ركز آخرها بصفة خاصة على فترة الإقامة في أوروبا، في هيئة نص يتنقل بين مختلف الأصناف الأدبية: لا هو بالرحلة في مفهومها التقليدي، ولا هو بالسيرة الذاتية الحقيقية ولا هو بالدراسة القاموسية الصرف، بل كل هذا معا.
    يعرض هذا النص الذي يصور حياة بطله المسمى "الفارياق"( وهم إسم خيالي مصاغ من توليفة لشطري إسم الكاتب ولقبه كما يمكن للمرء أن يتبين ذلك بسهولة) في الوقت نفسه مناقشات فلسفية واجتماعية ووصف للأماكن التي مر بها إلى جانب تداعيات التعليقات اللغوية والأدبية.
    وقد وردت الموضوعات المتنوعة لهذا العمل مصاغة غالبا في شكل نقاشات سجالية بين الفارياق والفارياقة، زوجته الذكية المثقفة والواعية. وقد جاء هذا التصوير النقدي الذي يتناول المنجزات الجديدة وكذلك الجوانب السلبية للحضارة الأوروبية الحديثة ومن ضمنها الأوضاع الاجتماعية في أوروبا أيام الثورة الصناعية، ينضح سخرية، من الآخر ومن الذات على حد سواء.
    فرنسا وإنكلترا في أعماله
    والجدير بالذكر هنا هو أن الشدياق لم يتناول أوروبا ككتلة متجانسة، بل كان يفرق بين بلد وآخر، وطبقة اجتماعية وأخرى. مقارنة بفرنسا تبدو بريطانيا في كتاباته أفضل منزلة: ولئن كان الشدياق لا يتردد في انتقاد المعاملات التي يراها ذات غايات ربحية، والافتقار إلى آداب معيشية وإلى التعبير التلقائي عن المشاعر وانعدام قيم الكرم والضيافة، فإن انطباعه العام يظل مع ذلك إيجابيا.
    كانت إنكلترا بلده المضيف الأول، وقد حظي هناك بموقع جيد، بل ولعله قد تبنى أيضا بعض الأحكام المسبقة التي يغذيها الإنكليز ضد الفرنسيين. ينوه الشدياق بصدق الإنكليز ومصداقيتهم ووفائهم وكذلك المعاملات المتحررة بين الجنسين.
    وقد حظيت النساء بتنويه خاص من طرفه: فهن في إنكلترا، حسب قوله، متواضعات وفيات ونقيات. أما فرنسا فوصف نساءها بالافتقار إلى الطهارة – وكذلك الحالة البائسة للشوارع وتدهور النظافة والقيم الأخلاقية. فالفرنسيات في نظره يحبذن استعراض مفاتنهن ومستبدات تجاه الرجال كما أنهن يطلبن نمط عيش مكلف جدا.
    يفيض الكاتب في التنويه بتنظيم مجالات الحياة العامة في إنكلترا؛ الجميع يتمتعون بنفس الحقوق، ولا وجود لأي نوع من التعسف من طرف الحكام. وفي كتاب آخر صدر سنة 1867 بعنوان "كشف المخبّأ في فنون أوروبا" ، وهو كتاب رحلة من النوع التقليدي، قدم الشدياق صورة إيجابية عن فرنسا كأمة ذات حضارة تتمتع بنمط عيش متحضر.
    لقد كان الشدياق دون شك مثقفا محباً للمواجهة لا يبتعد عن أي نوع من المحرمات: انتقادات إنجيلية، تصويرات شهوانية مثيرة، الدفاع عن حقوق المرأة وعن الفصل بين الدين والدولة، بالإضافة إلى انتقادات لاذعة للإكليروس اللبناني ولكبار الملاّك والطائفية؛ كل ذلك كان مستفزاً للغاية في ذلك الزمن - وما يزال جزئياً إلى يومنا هذا.
    ولعل بقاء الشدياق مغمورا لا يحظى بما يستحق من التقدير، يعود إلى هذا الطابع الصدامي الاستفزازي، وحتى الآن ما يزال هذا العمل الجامع الذي خلفه لا يحظى بما يليق به من التكريم.

    بربارا فينكلر
    ترجمة
    علي مصباح
    ********************************************
    من قراءات
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    غرترودة بيل والشرق:

    هروبا من الحضارة التافهة نحو الشرق الفاتن



    يعُد اسم غروترودة بيل، من أهم الأسماء الغربية التي لعبت دورا خفيا وخطيرا في تاريخ السياسة العراقية الحديثة، منذ نشوء دولة العراق في بداية العشرينات من القرن الماضي. لكن ما الذي جاء بها إليه؟ تقرير أندرياس بفليتش
    كانت البريطانية غرترودة بيل مفتونة "بأصالة وعنفوان العرب في الصحراء". ولكنها رأت على عكس ذلك في المدن الحديثة، حيث انتشار التأثير المفسد للغرب، والإنحطاط غير الصحي والمتضارب مع الطبيعة. وأخيراً وليس آخراً كانت الحداثة الأوروبية والإحساس بثقل تأثيراتها الجانبية قد دفعا بغرترودة بيل للقيام بأسفارها.
    ولدت بيل عام 1868 في كنف عائلة إنكليزية، صناعية، ميسورة الحال. إذ جمع جدها ثروة طائلة من إمتلاكه لمناجم فحم ومصانع للحديد الصلب. يعود الفضل لوالد بيل لإنفتاحه ولتوفيره التحصيل العلمي لها، الذي لم يكن عاديا لفتاة في ذلك الزمن. فأنهت دراسة التاريخ في جامعة أكسفورد بدرجة إمتياز عام 1888.
    شدت غرترودة بيل الرحال عام 1892 لأولى رحلاتها إلى الشرق. وبينما كان رحالة القرن الثامن عشر يستكشفون البلاد الأجنبية معرضين أنفسهم وحيواتهم لمخاطر جمة، وتحت وطأة جهود جسدية هائلة وأعباء مالية باهظة، سهلت خطوط الملاحة البحرية، الدورية، بين أوروبا وشرق المتوسط، وأولى خطوط السكك الحديدية، السفر في أواخر القرن التاسع عشر.
    كان توماس كوك
    Thomas Cook أول من افتتح مكتباً للسفر في إنكلترا عام 1845 وأسس كارل بيدكرز Karl Baedekers عام 1827 في كوبلينتس Koblenz أول دار نشر تُعنى بدليل الرحلات، فتزود المسافرون منها بالمعلومات اللازمة.
    الهروب من التقاليد المحافظة
    لم تكن رحلة بيل التي قادتها بدايةً عبر باريس وميونيخ وفيينا، ومنها إلى القسطنطينية، ومن ثم إلى بلاد فارس عبر جورجيا هرباً من التشدد الإجتماعي السائد في إنكلترا الفيكتوريانية وحسب. "آه! ليت هذه التقاليد غير موجودة" كما دونت في دفتر ترحالها الذي نشر عام 1894 في لندن، "كم مرة سيجلس المرء بجانب إنسان من لحم ودم، بدلاً من الجلوس بجانب بدلة سهرة رسمية!"
    كانت بيل تصبو لرؤية أناس من لحم ودم في الشرق، لم يُزجوا في مشد الحداثة الضيق بعد. لكنها لم تسعى يوماً كي تعيش بنفسها تلك الحياة الشرقية البسيطة، المزعومة، التي كانت تتشوق لها، فقد سافرت مع مرافقة ضخمة ضمت فيما ضمته ثلاثة طباخين وعشرين خادماً وقافلة كاملة من البغال.
    وفي ذات الوقت استهزأت بيل بتجاهل المسافرين الآخرين. "بعض الناس" تقول بيل محتجة على بدايات ازدهار السياحة "يجوبون العالم بحثاً عن أفضل الفنادق ويذكُرون أمامك بإعجاب كيف أنهم قبل فترة وجيزة سافروا في روسيا.
    أما عندما تسألهم، فسوف تتأكد من أنهم لن يستطعوا إخبارك أكثر من أن الراحة كانت متوفرة في موسكو فعلياً، تماماً كما في أوطانهم، لا بل أنها أكثر زخراً، إذ كان على المائدة في الفندق ثلاثة أصناف من اللحوم البرية".
    سر الشرق الغامض
    كان الشرق بالنسبة لبيل عالما خياليا مليئا بالأسرار، على غرار ما خبرته منذ نعومة أظفارها من قصص ألف ليلة وليلة. تقول سابحة بخيالها "المشرق المليء بالأسرار" و "المفاجآت الأخاذة".
    ويتعين على الشرق أن لا يفقد غرائبيته. ثيوفيل غاوتير Gautier Théophile
    عبر عن تخوفاته من إمكانية "أن حضارتنا التافهة سوف تُفني صورة البربرية الفاتنة". حين قابلت بيل أميراً هندياً في فارس بدت مشدوهة لعدم إكتنافه الأسرار، وخاب ظنها بشدة بسبب إنكليزيته السلسة: "هذا يشوه، بشكل ما، الطابع المحلي للمشهد".
    بالرغم من إنتفاء السحر جزئياً لم تبق هذه الرحلة، رحلتها الأولى والأخيرة للشرق. إذ سافرت بعد فترة وجيزة إلى فلسطين ولبنان وسوريا. "لا يستطع المرء أن يبقى بعيداً عن الشرق بعد أن يكون قد ولجه إلى الأعماق" كما كتبت لوالدها.
    تعرفت بيل على عالم آثار في باريس، أيقظ فيها حب البحث العلمي، فنشرت عدداً من الكتب والمقالات في علم الآثار جلبت لها إعتراف العاملين في هذا المضمار. عملت أثناء الحرب العالمية الأولى لصالح الإستخبارات البريطانية، بداية في القاهرة ومن ثم في بغداد والبصرة.
    دعمت فيصل الهاشمي في العراق لتحقيق طموحاته بالعرش وبعد أن تتوج ملكاً في عام 1921 أضحت بيل مستشارته. في ذات الوقت بنت المتحف الوطني في بغداد. ربما كان طول وقت عملها وتعدد اهتماماتها وعدم ركونها للراحة هي أوجه متنوعة لدواعي هربها. توفت غرترودة بيل في بغداد في تموز/يوليو 1926 عن عمر يقارب 58 عاماً بسبب جرعة زائدة من مادة منومة.

    أندرياس بفيلتش
    ترجمة
    يوسف حجازي
    حقوق الطبع قنطرة 2005


    ************************************************** ********

    من قراءات
    (السندباد)

    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    بسم الله الرحمن الرحيم

    سلام الله عليك أخي السندباد ورحمته تعالى وبركاته
    وبعد ..
    هل من جديد يستحق الذكر؟
    أخوك أبو شامة المغربي

    د. أبو شامة المغربي

    رد مع اقتباس  
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •