أربعون عاماً على رحيل محمد مندور شيخ النقاد العرب

بعد مرور أربعين عاماً على وفاته يكتسب شيخ النقاد الدكتور محمد مندور احترام أجيال جديدة من الباحثين العرب الذين يرون في إنجازه الفكري قيمة متجددة تضاف إلى أهميتها التاريخية التي عاصرها جيل من كبار النقاد قبل أكثر من نصف قرن.
واعتبر نقاد وباحثون عرب في ندوة أقامها المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة إنجاز مندور في مجالي الفكر والنقد درساً في الإخلاص لقيمة الإبداع لكل ناقد أو مهتم بالشأن العام كي يكون عمله قادراً على تحدي الزمن ومخاطبة جيل لم يولد بعد.وقال جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة إن كثيراً من النقاد العرب يثيرون في حياتهم ضجيجاً ولكنهم يختفون من الحياة العامة بمجرد موتهم ولا يتركون أثراً ولكن مندور مر على الحياة الثقافية العربية كالعاصفة ومضى بعد أن ترك كتباً وأفكاراً وتلاميذ.
وأضاف في افتتاح ندوة صادف انعقادها يوم عيد ميلاد مندور الذي ولد في الخامس من يوليو 1907 أن مندور أول من أدخل الدراسات النقدية من منطقة الانطباع إلى التحليل المنهجي مستفيداً بسنوات دراسته في العاصمة الفرنسية باريس التي ذهب إليها عام 1930 وظل بها تسع سنوات دون أن يحصل على الدكتوراه وهو ما أغضب أستاذه عميد الأدب العربي طه حسين.
وشارك أكثر من 40 باحثاً عربياً في هذه الندوة التي جاء عنوانها «مندور بعد أربعين عاماً على رحيله» احتفاء بالدور الثقافي الذي لعبه مندور «1907 ـ 1965» الملقب بشيخ النقاد.ولمندور كتب منها «النقد المنهجي عند العرب، في الأدب والنقد، الأدب ومذاهبه، قضايا جديدة في أدبنا الحديث، نماذج بشرية، الفن التمثيلي، الأدب وفنونه، في المسرح المصري المعاصر، في المسرح العالمي».
إضافة إلى كتب عن شعراء منهم المصريون أحمد شوقي وعزيز أباظة وإبراهيم عبد القادر المازني واللبناني خليل مطران.ورأس مندور تحرير عدد من الصحف المصرية في الأربعينات وله كتب في الثقافة العامة والسياسة منها «الديمقراطية السياسية» و«جولة في العالم الاشتراكي».وقال طارق مندور في افتتاح الندوة إن لوالده أعمالاً لا تزال مجهولة إضافة إلى مقالات سياسية واجتماعية ونقدية تنتظر التصنيف تمهيداً لنشرها.
وأشار الناقد التونسي عبد السلام المسدي إلى أن شخصية مندور نضالية بامتياز وتتأبى على التصنيف. نضالية كأعتى ما يكون النضال مشيراً إلى دوره في النقد الثقافي الذي يتجاوز حدود النص الأدبي وصولاً إلى تحليل بنيته وعلاقته بالمجتمع.وقال الناقد المصري صلاح فضل إن مندور هو الذي أعطى صفة النقد الأدبي تسميتها حيث كان الأدباء والكتاب قبله يتناولون قضايا النقد ولكن أياً منهم لم يتفرد بصفة الناقد في العصر الحديث.
وتفرد مندور عن زملائه وأساتذته الذين كانوا ربما يفوقونه علماً وإحاطة ودقة ولكنهم ينحنون أمام شيء مختلف فيه.. أصبح علامة على النقد وأصبح شيخاً جليلاً وهو لم يتعد الخمسين. وأشار إلى أنه في حين كان الروائي المصري الحائز على نوبل في الآداب نجيب محفوظ يكتب ثلاثيته الشهيرة كان مندور يشيد عالمه النقدي القائم على ثلاث دعائم هي الوعي الإنساني العميق بقوانين التطور الحضاري والمعرفة العلمية بنظم الآداب والفنون فضلاً عن «ضمير القاضي، الناقد، الذي يحمل الميزان ولا يميل مع الهوى حتى لا يفسد رأيه».
وأضاف ان هذه الثلاثية النقدية لا تزال هي «التأسيس المتوازن لكل نقد جاد.. كان النقد لديه رسالة حياة وليس مهنة العاجزين عن الإبداع».والناقد الراحل استطاع أن يصل إلى عضوية البرلمان المصري في أواخر الأربعينات ممثلاً لجناح اليسار في حزب الوفد (الطليعة الوفدية) واعتقله البوليس السياسي في عام 1964 ورأس تحرير عدد من الصحف استخدمها كمنابر للتعبير عن آرائه السياسية والنقدية بعد أن استقال من الجامعة بينها صحف «الوفد المصري» و«المصري» و«صوت الأمة».
يقول الناقد الكبير رجاء النقاش عن شيخ النقاد د. محمد مندور إنه "كلما حل شهر مايو/آيار ومعه آخر أنسام الربيع وأوائل لهيب الصيف، تذكرت الناقد العربي الكبير محمد مندور الذي مات في مثل هذا الشهر من عام 1965 عن ثمانية وخمسين عامًا، حيث إنه من مواليد 1907، والحقيقة أن مندور يمثل في تاريخنا الثقافي شخصية لا يمكن لمن عرفها معرفة شخصية أو عرفها عن طريق القراءة أن ينساها، أو ينسى ما كـان في هذه الشخصـية من سحر هادئ عجيب. فقد كان مندور رجلاً شديد الذكاء، ولكنه لم يكن يتعالى بذكائه على الآخرين، لأنه كان شديد التواضع، وكان واسع الثقافة، ولكن ذهنه كان شديد الوضوح قادرًا على تبسيط أي فكرة معقدة، بحيث يستطيع أي إنسان أن يفهم هذه الفكرة مهما كانت عميقة أو صعبة".