أثرُ الأصْوَاتِ
فِي دَلالَةِ الألفَاظِ القرآنِيَّةِ
الصّوت هو نسغ الألفاظ ولحاء معانيها , وسواء أكان الصّوت قادراً على إفادة المعنى بمفرده أم بتضافره مع الأصوات الأخرى في اللفظة أو الجملة, فإنّ له مكانة هامّة ومنزلة رفيعة تستدعي التمحيص والتدقيق.
وقد نظرنا في هذا البحث إلى الصّوت مفرداً وفي السّياق , ووقفنا عند علاقته بالدّلالة,فتناولناه على أربعة مستويات رتّبت في البحث من الجزئيّ إلى الكليّ, وقد بدأنا بالمستوى الصّوتيّ؛ إذ درسنا الصّوت ذاته , وماله من ظلّ يلقي به على الّدلالة فتخرج في أبهى حللها .
ثمّ ثنّينا بالمستوى الصّرفيّ الّذي تناول الألفاظ المركِّّبة جملَ المستوى الأوّل , فبحثنا عن دور الأصوات في إكساب الألفاظ دلالتها الجديدة , الّتي تحوّلت عن دلالة مادّتها الموجودة في المعاجم .وبعده تناولنا المستوى التّركيبيّ ,فدرسنا الصّوت في الجمل القرآنيّة ومدى تفاعل الأصوات وتأثّرها ببعضها, وبحثنا عن أثر ذلك في النّظم والإيقاع القرآنيّ. وكان الختام بالمستوى الدّلاليّ أو المعجميّ وهو الأصل الّذي انبثقت عنه المستويات السّابقة,إلاّ أنّنا وضعناه آخراً لضرورة منهجيّة, وفيه تمّ البحث عن القيمة التّعبيريّة للصّوت ومقاربته للمعنى أوالدّلالة عبر رصد العلاقات القائمة بين الدّالّ ومدلوله والمرجع الحقيقيّ. وقد توصّلنا في هذا البحث للنتائج الآتية:
إنّ الصّوت المفرد هو الوحدة الأوّليّة الّتي تتشكّل منها الألفاظ القرآنيّة , ولمّا كان كذلك, كان له الدّور الأكبر في بلورة دلالتها , الأمر الّذي دعا بعض الباحثين إلى القول بالقيمة التعبيريّة للحرف الواحد أو الصّوت الواحد , والبحث عن العلاقة بين اللّفظ والمعنى أو الصّوت والدّلالة في الواقع , وظهور نظريّة الأونوماتوبيا : وهي تجسيد الصّورة بالصّوت .
لا يقتصر دور الأصوات في الدّلالة على الصّوت المفرد فقط , إنّمايجب أن تؤخذ الأصوات المجاورة في السّياق بالنّظر, فالأصوات في القرآن تولّد إيقاعاً ينسجم مع المعنى ويزيد دلالته وضوحاً .
يأخذ القرآن الكريم من الأصوات ما كان مناسباً للمقام,دالاًّعلى المعنى,مطرباً للأذن والنّفس, سهلاً في النّطق, لا وعورة فيه إلاّ ما جاء منه لغرض بلاغيّ , فيطابق اللّفظ مقتضى الحال – الأمر الّذي نراه في القرآن بعدوله عن بعض الصّيغ والإتيان بما يراد منها , فيقوّم الوزن ويكمل الدّلالة دون أن ينقص من إعجازه شيء .
باختصار تمثّل الأصوات اللّغويّة في الأبنية القرآنيّة معادلاً موضوعيّاً للمعاني المطروحة فيها,يراعي تفاوت الحالات الإنسانيّة, ويناسب مستويات المتلقّين.
هذا ولا يعني وصولنا لهذه النّتائج أنّ الألفاظ القرآنيّة وأصواتها حكراً عليها , إنّما قد ذكرنا ما استبان لنا منها وما خفي علينا أكثر,فهذا ما وصلنا إليه بعونه تعالى , فمن اجتهد فأخطأ فله أجر ومن اجتهد فأصاب فله أجران والله من وراء القصد .
صَدَّام نَصَّار نَصَّار