بيروت مكتب الرياض - جهاد فاضل:
ينتهي معرض كتاب لبناني ليبدأ آخر، فقد كان شهر مارس المنصرم هو شهر معرض الكتاب الذي تقيمه سنوياً الحركة الثقافية في مدينة انطلياس وهي على بعد سبعة كيلومترات تقريبا من العاصمة بيروت كما كان شهر ابريل الحالي هو شهر معرض الكتاب العربي الدولي الذي يقيمه النادي الثقافي العربي في بيروت وكان من المفترض أن يقام هذا المعرض في الشهر الأخير من السنة الميلادية الفائتة الا ان الظروف السياسية في لبنان والخوف من تطور الوضع الأمني نحو الأسوأ دفع بالمسؤولين عن النادي الثقافي العربي إلى تأجيله، ولكن معرضا جديدا هو في طريقه الى عرض كتبه بعد أيام دعت اليه جمعيات ثقافية شيعية مرتبطة بحزب الله سيكون مكانه هو الضاحية الجنوبية من بيروت. والملفت ان هذه المعارض الثلاثة مرتبطة بشكل أو بآخر بالوضع الطائفي اللبناني، فمعرض الحركة الثقافية في انطلياس هو معرض الموارنة، فيه تعرض مؤسسات ودور نشر لبنانية بعضها ذو طابع ديني أو مذهبي، على الرغم من أن دورا لبنانية عامة تشارك ايضا في هذا المعرض ويرعى هذا المعرض رئيس الجمهورية ومع ان معرض الكتاب العربي الدولي الذي انتهت فعالياته مؤخرا متهما بأنه معرض السنة، الا ان هذه التهمة لا تقع تماما في محلها، فاذا كان رئيس الحكومة اللبناني هو الذي يفتتح هذا المعرض سنويا، واذا كان النادي الثقافي العربي هو الذي يدعو اليه، فان دور النشر اللبنانية والعربية تشارك فيه فهو المعرض الأول الذي يتمتع بصفة مركزية عامة من بين كل المعارض اللبنانية الأخرى.
وخلال ايام قليلة تشهد الضاحية الجنوبية من بيروت ذات الكثافة السكانية والشيعية معا، معرضها للكتاب، ولا شك ان طابع معرض السنة الفائتة، وهو طابع الكتاب الشيعي على الخصوص، سيكون هو طابع معرض هذه السنة، ففي لبنان هناك أكثر من خمسين دار نشر شيعية ستؤلف العمود الفقري لهذا المعرض، ترفدها دور نشر أخرى قادمة من ايران ومن سوريا على السواء، واذا كان هذا المعرض يفتقر الى صفة "معرض الكتاب العربي العام" كالتي كانت لمعرض النادي الثقافي العربي، فانه قد يكون المعرض اللبناني الأول من حيث حضور الكتاب الإسلامي وبخاصية الشيعي فيه، وكذلك من حيث حضور الجهور بالذات، فلأن الشيعة معنيون عادة بالتاريخ الإسلامي، وعلى الخصوص بأحقية الإمام علي وأبنائه وآل البيت عموماً بالسلطة والخلافة، فانهم يثبتون عادة على القراءة لتنمية ثقافتهم حول هذه الأحقية، ولتزويد النفس بالحجج والبراهين عندما يخوضون نقاشاً او جدالا يتصل بهذه النقطة بالذات، ولهذا فإن من المتوقع أن يشهد معرض الكتاب القادم في الضاحية الجنوبية حضورا كثيفا لم يشهده لا معرض انطلياس ولا معرض بيروت. والواقع أن معرض بيروت، وهو المعرض اللبناني المركزي الأول، كان "معرضا رمزيا" أكثر مما كان اي شيء آخر، فقد ألح المسؤولون عنه على اقامته ولو "بمن حضر" كما يقال، لقد كانوا يعرفون انه لن يسجل النجاح الذي كانت تسجله معارض السنوات الماضية للأسباب السياسية والأمنية المعروفة ومنها ان مكانه يقع على بعد حوالي 500متر من مكان اعتصام انصار المعارضة، وهو اعتصام مضى عليه الآن اكثر من أربعة اشهر، ولكن المسؤولين عن هذا المعرض دعوا اليه كي لا يقال إن بيروت فقدت دورها الثقافي، وان الدولة لا تستطيع ضبط الأمن في مكان اقامته، وكان واضحا ان الحضور لن يكون كثيفا كما كان الحال في السابق، وجماعة معرض الضاحية الجنوبية يقولون ان النادي الثقافي العربي حزم امره وقرر اقامة معرضه عندما علم بان شيعة الضاحية الجنوبية مزمعون على اقامة معرضهم في شهر مايو المقبل، فقرر الدعوة الى معرضه كي لا يقال انه تخلف.
والواقع أن ظروفا كثيرة أدت إلى أن يكون معرض الكتاب العربي والدولي اللبناني الأخير معرضا رمزيا او شبه رمزي فهناك العامل السياسي وهناك العامل الأمني، اي الخوف من تطور الوضع في لبنان على نحو مفاجئ أو خطير، وكان في نية المسؤولين عن النادي الثقافي العربي دعوة عدد من كبار دور النشر العربية للمشاركة فيه، وكذلك دعوة عدد من كبار المفكرين والشعراء والكتاب العرب ايضا، الا ان الظروف كما اشرنا حالت دون التوسع في هذا المجال، ولكن هذا المعرض شهد، وبخاصية في ساعات بعد الظهر والمساء، اقبالا لا بأس به من الجمهور، ولا شك انه كان لحفلات توقيع الكتب دور بارز على هذا الصعيد، ففي كل يوم، وعلى مدى عشرة ايام، كان هناك ما لا يقل عن عشرين مناسبة لتوقيع كتب جديدة، ومناسبات التوقيع هذه تكون معدة سلفا، ويدعو اليها عادة دور النشر ومؤلفو الكتب نفسها، وهي كفيلة باحضار ما لا يحصى من المدعوين اليها ومن شأن حضور مئة شخص (على الأقل) الى المعرض لتوقيع كتاب من الكتب، ما يبث الحيوية في المعرض، فكيف اذا شهد المعرض كل يوم عشرة او عشرين مناسبة توقيع مؤلفين لكتبهم الجديدة، فهذا الامر وحده باستطاعته ان يشكل حركة تنعكس على مجمل عمليات البيع في المعرض فالمعرض اذن وان كان رمزيا او شبه رمزي في جانب، الا انه كان ايضا معرضا جيدا من جوانب أخرى.
المصدر