( أخبار الزمان بين القدس وعمان )جميع الحقوق محفوظة بأمر الله
رواية
الحلقة الأولى
كانت بداية الخبر يا أصدقاء في غياهب ذلك الزمن السحيق، الغارق في القدم ..
عندما شاء ربُّ العزّة والجلال أن يخلق أوّل إنسان في الوجود ! .. { آدم أبا البشر كلّهم } .
فأمر واحداً من الملائكة الكبار أن ينزل الى الأرض ويأخذ من أطرافها الأربعة ، قبضاتمن تُرابهاالأحمروالأصفروالأسودوالبنّي، ثم يصعد بها عائداً الى السماء ، ففعل المَلَكذلك بخضوع تامّ .
عندئذ قال الله لملائكته المُقرّبين :
ـــ يا ملائكتي ، إني جاعل في الأرض خليفة لي ... يعمرها بالعبادة والعمل ...
فإذا سوّيته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين .
فسجدوا جميعاً " تحيّة وسلاماً " .. إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه ........ وصاح مستكبراً :
ـــ كيف أسجد لمن هو دوني !؟ ، خلقتني من نار وخلقته من طين لذا فإني أقسم بعزّتك وجلالك أن أمنعه من عبادتك والعمل في سبيلك ! فغضب الله عليه غضباً شديداً ، وكان أن طرده من رحمته الى يوم يُبعثون .
وأما الملائكة المُقرّبين فقد بقي شيء من الغرابة في أنفسهم النورانيّة ،فقالوا مُستفهمين مُتعجبين :
ـــ سبحانك ربنا .... أتجعل فيها هذا الإنسان الذي يُفسد فيها ويسفكالدماء ويقتل بعضه بعضاً ، ونحن نُسبّح بحمدك ونُقدّس لك ؟! .
قال : إني أعلمُ يا ملائكتي ما لا تعلمون .
وعلّم آدم أسماء الأشياء كلّها ، ثم خلق له من ضلعه زوجته حوّاء لتكون أُنــسـاً له ورحمة ... فكوّنا معاً أوّل عائلة بشريّة في ملكوت الكون الهائل ...
وعندما هبط آدم وحوّاء من الجنة الى الأرض ، هبط معهما إبليس الشيطان ،وكان بعضهم لبعض عدوّا .
ومرّت سنين الدهشة والتعلّم والإكتشاف ، في دنيا الشقاء والتعب الجديدة ،كبر خلالها إبنيّ آدم وحوّاء ( قابيل وهابيل )، وصارا رجلين يتنافسان فيكلّ شيء وعلى كلّ شيء ..... وكان الشيطان قبل ذلك قد وسوس بالشرّوالبغضاء في نفس قابيل ، فملأ قلبه بالحقد والحسد على أخيه ، فراح الأحمق، يتوعّده بالويل ويترصّده بالهلاك ... وهابيل غافل عن كلّ ذلك ! .
وذات يوم أراد الأخوان أن يُقرّبا لله قرباناً طاعة له سبحانه وتقرّباً من جلالقدسه المُبارك ، فجمع هابيل أفضل ما لديه من محصوله الزراعي ، بالإضافةالى كبش سمين أقرن من أكباش النَعْم ، وقدّمهما صدقة وزكاة لله ، ثم وقف يُصلّي طالباً المغفرة والقبول .
أما قابيل فقد قدّم أسوأ وأخبث ما عنده من المحصول والغنم ، ووقف يُصليظاهريّاً وهو يقول في نفسه :
ـــ هذا يكفي ... بل هو كثير ......!
وفجاءة إنفتح باب في السماء ، واندفع منه لسان عظيم من اللهب ، فأقبلعلى قربان هابيل فأخذه ، وترك قربان قابيل لم يمسّه... فصاح هذا في وجه أخيه ساخطاً :
ـــ لماذ تقبّل الله منك ولم يتقبّل مني ؟.
أجاب هابيل بلطف :
ـــ إنما يتقبّل الله من المُتّقين يا أخي .
ـــ ماذا تقصد يا ثور الأرض ؟ ...... قسماً لأقتلنّك.
قال هابيل بإشفاق :
ـــ لإن مددتَ إليّ يدك لتقتلني ما أنا بمادّ إليك يدي لأقتلك ، إني أخاف اللهربُّ العالمين وأُريد أن تحمل ذنبي وذنبك أمامه وتكون من أهل النار .وما لبث قابيل أن قتل أخاه هابيل ، وترك جُـثّـته مكشوفة فوق الأرض التيإنتفضت وتزلزلت من هول الجريمة الكبرى التي حدثت لأوّل مرّة في تاريخبني الإنسان ..... وطال الوقت على جُثة أوّل قتيل بشريّ ، وحار قابيل ، ولميدري كيف يُواري سوأة أخيه أي جُثته ، ويُخفيها عن الأنظار ، وظلّ كذلكحتى بعث الله غرابان يقتتلان ، فقتل أحدهما الآخر ، وراح يبحث في الأرضينبشها ، حتى صنع حُفرة ، فدفن فيها الغراب القتيل ، ثم طار عائداً من حيثجـــــاء ! .
دُهــش قابيل وصاح قائلا :
ـــيا ويلتي !، أعجزتُ أن أكون مثل هذا الغراب ، فأواري سوأة أخي ، وأدفنهتحت التراب ؟! .
فأصبح على ذلك من النادمين ... ندم لأنه لم يُفكر سابقاً ويفعل في الحال مثلمافعل الغراب ! .وكان الله تعالى في سابق علمه ، قد كتب حُكمه الأزليّ ، فقال في كتاب نوره الأقدس { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أوفسادٍ في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً} صدق الله العظيم ( 23 ) المائدة
بنوا إسرائيل ...... وقالوا: نحنُ أبناءُ الله وأحبّاؤه ... وقالوا: شعب الله المُختار ...
كبُرت كلمة تخرج من أفواههم يكذبون بها على الله ، ويُزوّرون الحقيقة ، فمنذُ البدء!! ... كانوا قوماً مُجرمين ..... !
{ تابعوا الحلقة القادمة يرحمكم الله }
بقلم : إيهاب هديب
الطبعة الأولى : 2005