معتقدات الشرق القديم
وثنية أم توحيد؟
فراس السوّاح
واحد، ولا ثاني له. واحد خالق كل شيء
قائم منذ البدء، عندما لم يكن حوله شي
والموجودات خلقها بعدما أظهر نفسه إلى الوجود.
لا تشكل هذه الأسطر جزءاً من ترتيلة خاصة بإحدى الديانات التوحيدية التي نعرفها تاريخياً، التي استحوذت على صفة "التوحيدية" دون بقية الديانات الإنسانية، بل هي جزء من ترتيلة مصرية قديمة، لها متوازيات وأشباه كثيرة في الأدبيات الدينية المصرية تتراوح في قدمها من فجر السلالات إلى نهاية التاريخ الفرعوني. تتابع الترتيلة فتقول:
أبو البدايات، أزلي أبدي، دائم قائم
خفي لا يعرف له شكل، وليس له من شبيه
سرّ لا تدركه المخلوقات، خفي على الناس والآلهة
سرّ اسمه، ولا يدري الإنسان كيف يعرفه
سرّ خفي اسمه. وهو الكثير الأسماء
هو الحقيقة، يحيا في الحقيقة، إنه ملك الحقيقة
هو الحياة الأبدية به يحيا الإنسان، ينفخ في أنفه نسمة الحياة
هو الأب والأم، أبو الآباء وأم الأمهات
يلد ولم يولد. ينجب ولم ينجبه أحد
خالق ولم يخلقه أحد، صنع نفسه بنفسه
هو الوجود بذاته، لا يزيد ولا ينقص
خالق الكون، صانع ما كان والذي يكون وما سيكون
عندما يتصور في قلبه شيئاً يظهر إلى الوجود
وما ينجم عن كلمته يبقى أبد الدهور
أبو الآلهة، رحيم بعباده، يسمع دعوة الداعي
يجزي العباد الشكورين ويبسط رعايته عليهم.[1]
لقد عمد العلامة السير واليس بدج، منذ أوائل القرن العشرين، إلى دراسة مدققة لهذا النص وأمثاله خلال دراسته المتعمقة لديانة ومعتقدات قدماء المصريين، وخلص إلى القول بأن المصريين كانوا قوماً يؤمنون بإله واحد، موجود بذاته، خفيّ، أبدي وأزلي، كلِّي القدرة والمعرفة، لا تدركه الأفهام والعقول، خالق للسماء وللأرض وكل ما عليها، وخالق لكائنات روحانية كانت رسله ومساعديه في تصريف شؤون الكون وهي الآلهة. وقد استمر الإيمان بهذه الألوهة غير المشخَّصة منذ أعتاب التاريخ المصري وحتى نهاياته. ورغم ذلك لم لكن لها في العصور التاريخية معابد أو هياكل، ولم تُصوَّر في أية هيئة شخصية، وإنما بقيت في الأذهان والقلوب بمثابة قدرة كونية لا يحدُّها وصف أو قول. أما الإسم الذي أطلقوه على هذه الألوهة فهو: نِتِر – Neter. وكان يرمز إليها في ما قبل العصور التاريخية في مصر بفأس ذي رأس حجري ومقبض خشبي، وتحيط بالرأس أربطة جلدية أو قماشية لتثبيتها على المقبض. وقد صار هذا الرمز إشارة هيروغليفية للدلالة على مفهوم الألوهة في الكتابة المصرية. ويبدو أن اختيار إنسان ما قبل التاريخ لرمز الفأس كان من قبيل التوكيد على جانب القوة المتبدِّية في هذه الأداة. ويدعم هذا الرأي أن كلمة نِتِر بالذات يمكن أن تعني القوة أو الشدة. وإلى جانب كلمة نِتِر لدينا في الهيروغليفية المصرية كلمة نِتِرو، وتعني تلك الكائنات التي تشترك على نحو ما في طبيعة نِتِر، وتسمى في العادة "آلهة". ولكننا حين ندرس هذه الآلهة عن كثب، نجد أنها ليست إلا صوراً أو تجلِّيات لإله واحد. وكان أعلى هذه الكائنات هو الإله رع، إله الشمس الذي كان الوجه المشخص لتلك الألوهة الخافية المدعوة نِتِر، ورمزها الذي يتوجه إليه الناس بالعبادة. علماً بأن عدداً آخر من الكائنات الإلهية قد ارتقى إلى مرتبة سامية، على مدى التاريخ الديني المصري، أهَّلتهم لتجسيد الألوهة المطلقة مثلما فعل رع.[2]
ويرى واليس بدج من دراسته للنصوص المبكرة للأسر الحاكمة الأولى إشارات واضحة إلى هذه الألوهة التي تعلو على بقية تجلَّياتها القدسية المتعددة. من هذه الإشارات المقاطع التالية الواردة في نص وصايا كاقمنا ونص وصايا بتحاتب، من عصر الأسرة الرابعة والأسرة الخامسة: 1. إن أفعال الله (= نِتِر) خافية علينا؛ 2. عليك ألا تُفزع إنساناً لأن في ذلك معاكسة لإرادة الله؛ 3. إن الخبز الذي تأكله من عطايا الله؛ 4. إذا كنت مزارعاً فاحرث حقلك الذي أعطاه الله لك؛ 5. إذا نشدت كمال الأفعال يسِّر لابنك مرضاة الله؛ 6. إكفِ عائلتك حاجتها، فهذا واجب على من يؤثرهم الله؛ 7. إن الله يحب الطائعين ويمقت العصاة؛ 8. الولد الصالح نعمة من الله؛ إلخ.
في تعليقه على هذه الحكم والوصايا يرى واليس بدج بكل وضوح أن الكاتب لم يقصد من كلمة الله/نِتِر، الإشارة إلى واحد بعينه من الآلهة المصرية، وإلا وجب عليه (على عادة النصوص المصرية) أن يخصَّه ويذكر اسمه، وإنما كان يشير إلى الله الواحد الخفي الكلِّي القدرة والمعرفة. أما الآلهة الأخرى التي آمن بها المصريون إلى جانب هذا الإله الأعلى، فجميعها مخلوق وعرضة لعوادي الزمن وللمرض وحتى للموت. أي أن هذه الآلهة (= نِتِرو) رغم كونها مجبولة من طينة مختلفة عن الإنسان، وتفوقه قوة ومعرفة، إلا أنها تشبهه في عواطفه وأهوائه، وتخضع لقوانين هذا العالم المخلوق مثلما يخضع. ففي أحد نصوص الأهرام نجد الملك المؤلَّه أوناس في رحلة صيد إلى السماء يصطاد خلالها بعض الآلهة ويشويهم. وفي نص للملك تحوتمس الثالث (حوالى 1450 ق.م) نقرأ دعاء حاراً يتمنى فيه الملك النجاة من الفناء المقدَّر على البشر وعلى الآلهة. وفي أحد نصوص كتاب الموتى نقرأ أن الآلهة تفنى مثل بقية الكائنات الحية عندما تغادرها الروح. هذه الشواهد وأمثالها تجعل في حكم المؤكَّد أن المصريين القدماء كانوا يفرِّقون بشكل واضح بين الله/نِتِر، والآلهة/نِتِرو المخلوقين من قبله والذين يلعبون دوراً أشبه بدور الملائكة الموكلة إليهم وظائف ومهام محددة.[3]
غير أن تصور المصريين لهذه الألوهة المطلقة كان مصحوباً بنوع من التشخيص anthropomorphism الذي يجعل الألوهة حاضرة بينهم وقريبة منهم. فقد كان لكل بلدة ومدينة إلهها الخاص الذي تعزو إليه كل صفات وخصائص الإله الواحد. ولكنهم لم يروا في هذه الآلهة جميعاً إلا وجوهاً مختلفة للألوهة الشمولية القدرة والمعرفة نفسها. يدلنا على ذلك أن المتوفى عندما يحضر إلى قاعة الحساب عليه أن يتلو اعترافاته أمام اثنين وأربعين إلهاً، هم آلهة الأقاليم المصرية، قبل أن يَمْثُل أمام الإله أوزيريس قاضي العالم الأسفل (على ما تنص عليه تعاليم كتاب الموتى). وهذا يعني أن نفس الإله كان يُعبَد في كل مدينة أو إقليم تحت أسماء وتجلِّيات متنوعة، وأن الإله المحلِّي قد اتخذ مكانة الإله الأعلى لضرورات عملية. وبتعبير آخر، فإن موضع العبادة المحلية لم يكن إلا هيئة اختار الإله المطلق أن يتجلَّى بها لوقت طال أم قصر، وعلى ما تقتضيه طبيعة الأحوال. بعض هذه الآلهة، ولأسباب متنوعة، خرج من دائرته الضيقة التي نشأت فيها عبادته، واكتسب خصائص ووظائف وصلاحيات آلهة عديدة أخرى، ثم وصل أخيراً إلى المرتبة العليا حيث صار تجسيداً للألوهة المطلقة على مستوى الثقافة بأكملها. من هؤلاء تيمو إله هليوبوليس، وبتاح إله ممفيس، وآمون إله طيبة.[4] وكان رع أول من تسنَّم هذه المرتبة العليا، عندما ظهر في الأفق عند بدء الخليقة في هيئة قرص الشمس. ثم تواحد رع مع آمون إله مدينة طيبة وصار اسمه آمون–رع. وهذه إحدى التراتيل المرفوعة إليه:
هو الروح القدس الموجود منذ البدايات
هو الإله المعظَّم الذي يحيا في الحقيقة، وبه يحيا الآلهة
الواحد الذي صنع كل ما ظهر في البدايات الأولى
ميلاده سرّ، وأشكاله لا حصر لها، وأبعاده لا تقاس
كان، عندما لم يكن هنالك شيء
وفي هيئة القرص شعّ وأضاء لكل الناس
يقطع السماء بلا تعب، وعزمه في الغد كعزمه اليوم
عندما يشيخ في أواخر النهار يجدِّد شبابه في الصباح
بعد أن خلق نفسه، صنع السماء والأرض بإرادته
لقد كان المياه الأولى، وهو قرص القمر
من عينيه المباركتين صدر الرجال والنساء
ومن فمه صدرت الآلهة
كثيرة عيونه [= البصير] وكثيرة آذانه [= السميع]
إنه رب الحياة
الملك الذي يضع الملوك على عروشهم
الخفي المجهول، حاكم العالم، أخفى من كل الآلهة
والقرص وكيله وممثِّله.[5]
تقدم لنا هذه الترتيلة برهاناً ساطعاً على أن عبادة الشمس المصرية لم يكن موضوعها قرص الشمس، بل القدرة الخافية التي تكمن وراءه. هذه القدرة لا تتمثل فقط في القرص وإنما تجد تجسيداً لها في الآلهة المتفرقة التي ليست في حقيقة الأمر إلا وجوهاً للإله الواحد رع. والإله رع بدوره ليس إلا الرمز المنظور للألوهية الكلِّية المحتجبة. نقرأ في ترتيلة أخرى مرفوعة إلى رع ما يلي:
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة التي تسري في مساكن آمْنِت. هو ذا جسمك فهو تيمو
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة التي تسري في مخبأ أنوبيس. هو ذا جسمك فهو خيبيرا
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة، الذي تطول حياته أكثر من بقية الكائنات غير المنظورة. هو ذا جسمك فهو شو
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة […] هو ذا جسمك فهو تفنوت
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة التي تُنبِت الزرع في مواسمه. هو ذا جسمك فهو جِب
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة، الكائن القوي الذي يقضي […] هو ذا جسمك فهو نوت
لك التسبيح يا رع – أنت القدرة المجيدة التي تنير رأس من يقف أمامك. هو ذا جسمك فهو نفتيس
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة، رب الـ[…] هو ذا جسمك فهو إيزيس
لك التسبيح يا رع. أنت القدرة المجيدة. وأنت مصدر الأعضاء المقدسة. أنت الواحد الذي يهب الحياة للوليد. هو ذا جسمك فهو حورس
لك التسبيح يا رع. أنت ا لقدرة المجيدة، التي تسكن العمق السماوي. هو ذا جسمك فهو نو.[6]
إن الإشارة إلى رع أو آمون–رع أو أي إله آخر بصفة الواحد هو تقليد قديم جداً، لدينا شواهد عليه في نصوص الأهرامات العائدة إلى الملكة القديمة وفي العديد من النصوص العائدة إلى عصر الملكة المتوسطة. وكاتب أي نص من هذه النصوص إنما يستخدم صفة من صفات الله المعروفة لديه في مخاطبة إلهه المحلي الذي يمثِّل عنده الله العظيم. وأمثال هذه النصوص، قديمها وحديثها، حافلة بأسماء الله المتعددة، سواء كانت بتاح أم تيمو أم آمون أم رع. نقرأ في كتاب الموتى، الفصل 17، الفقرتين 9 و 10: "إن الإله تيمو في هيئة رع، قد خلق أسماء لأعضائه فصارت هذه الأسماء آلهة انضمت إلى بطانته." من هنا فإن الوحدانية التي تطلق صفة على الواحد الحق الذي خلق نفسه بنفسه وخلق السماوات والأرض وما بينها، لا يمكن تفسيرها من خلال افتراض وجود معتقد توحيدي مشوب بالتعددية لأن مؤلفي مثل هذه التراتيل والصلوات التوحيدية، يُظهِرون منذ البدايات المبكرة معتقداً توحيدياً لا لبس فيه. وهذا ما دعا العالم شامبليون إلى القول منذ عام 1839 بأن "الدين المصري يقوم على معتقد توحيدي صافٍ، يعبِّر عن نفسه خارجياً بصيغ شِرْكية تعددية". بينما قادت التعددية الظاهرية في النصوص المصرية علماء آخرين، من أمثال البروفيسور Tiele، الدارس المدقق للأديان القديمة، إلى القول بأن الديانة المصرية قد قامت في الأصل على معتقد شِرْكي تعدُّدي ثم اقتربت تدريجياً من المفاهيم التوحيدية.[7]
لم يكن قناع الألوهة المطلقة الذي يتبدَّى من خلاله في عالم الإنسان قناعاً مذكراً على الدوام. فقد لعبت الإلهة إيزيس، أعلى إلهات الثقافة المصرية، دور الإله الواحد الذي يجسِّد الألوهة المطلقة أيضاً، واعتبرها عبادها بمثابة التجلِّي الأنثوي للإله رع نفسه: "إنها رع المؤنث، إنها حورس المؤنث، إنها عين الإله رع"، على ما تردِّد الترتيلة التالية المرفوعة إلى إيزيس من عصر المملكة الحديثة:
هي ذات الأسماء الكثيرة، الواحدة القائمة منذ البدء
هي القدُّوسة الواحدة، أعظم الآلهة والإلهات
ملكة الآلهة جميعاً، ومحبوبتهم الأثيرة.
نموذج الكائنات طراً، وملكة النساء والإلهات
إنها رع المؤنث، إنها حورس المؤنث، وعين الإله رع.
إنها العين اليمنى للإله رع
التاج النجمي لرع–حورس، وملكة الكوكبات النجمية
نجم الشعرى الذي يفتتح السنة [8] وسيدة رأس السنة
صانعة الشروق، تجلس في المقدمة من مركب السماء
سيدة السماوات، قدوسة السماوات، وواهبة النور مع رع
الذهبية، سيدة الأشعة الذهبية، الإلهة الوضاءة
سيدة ريح الشمال، ربة الأرض، والأقدر بين القديرين
مالئة العالم الأسفل بالخيرات، والسيدة المهوبة هناك
بالاسم تانيت هي العظمى في العالم الأسفل مع أوزيريس
سيدة حجر الولادة، البقرة حيرو – سيما التي أنجبت كل شيء
سيدة الحياة، واهبة الحياة، خالقة كل شيء أخضر
الإلهة الخضراء. سيدة الخبز، سيدة الجعة، سيدة الخيرات
سيدة البهجة والفرح، وسيدة الحب البهية الطلعة
الجميلة في طيبة، والجليلة في هليوبوليس، والمعطاء في ممفيس
سيدة الرقى والتعاويذ، النساجة الحائكة (للأقدار)
ابنها سيد الأرض، وزوجها سيد الأعماق. زوجها فيضان النيل
الذي يجعل النيل يعلو ويرتفع فيفيض في موسمه.[9]
لقد طرح العلامة واليس بَدْج آراءه حول الديانة المصرية منذ أواخر القرن التاسع عشر في عدد من الدراسات التي نشرها حوالى عام 1898 والتي لقيت في حينها الكثير من الاستغراب والنقد. ثم عاد بَدْج فأكَّد على أفكاره تلك وطوَّرها في كتابه الكلاسيكي الذي صدر في مجلدين عام 1911 تحت عنوان Osiris and the Egyptian Resurrection، وكتابه الآخر Egyptian Religion. منذ ذلك الوقت، ورغم الدراسات الواسعة التي جرت حول أديان وميثولوجيات الشرق القديم الأخرى بعد اكتشاف وقراءة نصوص الثقافة الرافدية وبقية ثقافات الهلال الخصيب، لم ينتبه أي من الدارسين إلى أن هذه الأديان تظهِر شبهاً كبيراً بالديانة المصرية، من حيث شفوف معتقداتها عن نوع واضح من التوحيد لا يخفى على العين المدقِّقة، وإلى أن التعدِّدية فيها ليست إلا الشكل الظاهري الذي يعبِّر به معتقد التوحيد عن ذاته.
تُظهِر الأدبيات الدينية الرافدية، بشكل خاص، هذا التوجُّه التوحيدي، وخصوصاً ما تعلق منها بالصلوات والتراتيل. فهنا يتم التوجُّه إلى إله كل عبادة محلِّية على أنه الإله الحق وكبير الآلهة وأعظمهم. ولنبدأ أولاً بهذه الترتيلة السومرية للإله إنليل التي كانت تُنشَد في معبده الرئيسي المدعو إيكور في مدينة نيبور (نِفَّر). ونظراً لطول الترتيلة الذي يبلغ حوالى المئة والسبعين سطراً فإني أكتفي فيما يلي بترجمة منتخبات منها تفي بالغرض:
1. إنليل ذو الكلمة المقدسة والأوامر النافذة
2. يقدر المصائر للمستقبل البعيد، وأحكامه لا مبدِّل لها
3. أعينه الشاخصة تمسح الأمصار
4. وأشعَّته تفحص قلب البلاد
5. عندما يعتلي الأب إنليل منصَّته السامية
6. عندما يقوم نونامنير بواجبات السيادة على أكمل وجه
7. ينحني أمامه آلهة الأرض طوعاً
8. يتَّضع أمامه الأنوناكي، آلهة الأرض
9. ويقفون في استعداد وترقب لتنفيذ الأوامر
10. الربّ المبجَّل في السماء والأرض، العليم الذي يفهم الأحكام
92. إنليل راعي الجموع المؤلَّفة
93. راعي جميع الكائنات الحيَّة وحاكمها
95. عندما يعتلي منصته فوق ضباب الجبال
96. يزرع السماء غدواً ورواحاً، كقوس قزح
97. يجعلها تميد كغيمة سابحة
98. وحده أمير السماء، وحده عظيم الأرض
99. ووحده ربُّ الأنوناكي المبجَّل
100. عندما، بكل روع، يقرر المصائر
101. لا يجرؤ أحد من الآلهة على رفع البصر إليه
109. لولا إنليل، الجبل العظيم، لم تُبْنَ المدن ولا القرى
117. ولم يَفِضْ البحر بكنوزه الوفيرة
118. ولم يضع السمك بيوضه بين أجمات القصب
119. ولم تصنع طيور الجو أعشاشها في طول البلاد وعرضها
120. لولاه لم تفتح الغيوم الماطرة أفواهها في السماء
121. ولم تمتلئ الحقول والمروج بخيرات الحبوب
122. ولم تطلع الحشائش والأعشاب، بهيَّة، في البوادي
123. ولم تحمل الأشجار الضخمة في البساتين ثمارها
124. لولا إنليل، الجبل العظيم
125. لم يكن للإلهة ننتو أن تجلب الموت، لم يكن لها أن تقتل[10]
126. ولم يكن لبقرة أن تضع عجلها في الإسطبل
127. ولم يكن لنعجة أن تضع حملها في الحظيرة
130. ولم يكن لذوات الأربع نسل ولم يقفز ذكرها على أنثى
131. إن أعمالك البارعة تثير الروع
132. ومراميها عصيَّة كخيط متشابك لا يمكن فكُّه
139. فمن يقدر على فهم أفعالك
140. أنت قاضي الكون وصاحب الأمر فيه
141. عندما تنطق، يلوذ الأنوناكي بالصمت
143. عندما تصعد كلمتك نحو السماء تغدو عموداً وعندما تهبط نحو الأرض تصير قاعدة وأساساً
150. كلمتك زرع، كلمتك قمح وحبوب
151. كلمتك ماء الفيض الذي به تحيا البلاد
170. أي إنليل، أيها الجبل العظيم، لك التسبيح والحمد.[11]
في ما قدمته أعلاه من هذه الترتيلة الطويلة نجد إنليل يمسك بيديه صلاحيات جميع الآلهة الرئيسية المعروفة في البانثيون السومري. فهو ربّ السماء، وربّ الأرض، وربّ الشمس، وربّ الخصب والزرع، وربّ الماء وواهب الحياة، وربّ الموت. وباختصار، إنه "الله" الذي لا شريك له في السلطان. أما بقية الأنوناكي من آلهة المجمع السماوي فليسوا أكثر من مجمع ملائكة وقديسين، يقفون في حضرة القدرة الإلهية ولا يستطيعون رفع أبصارهم إلى مركز النور الأسمى (انظر الأسطر 7 و 8 و 101)، خميرة الكون الفاعلة، ومصدر وجوده وصيرورته.
غير أن إنليل لم يكن وحده من ارتدى قناع الإله الواحد الذي يجسِّد الألوهة المطلقة في المعتقد السومري. فها هم كهنة إنانا يرفعون إلهتهم إلى مقام إنليل نفسه، ويقولون لنا في هذه الترتيلة المرفوعة إلى إنانا إنها تعبد في كل معابد المدن السومرية الرئيسية المخصصة أصلاً للآلهة المحلية. وهذا يعني أنهم لا يرون في آلهة المدن إلا صوراً وتجلِّيات للألوهة المؤنثة الكونية، المتمثِّلة في الأم الكبرى القديمة للثقافة الرافدية. وهذه ترجمتي الكاملة للنص:
أعطاني أبي السماء، وأعطاني الأرض
إني ملكة السماء، وملكة السماء أنا
وما من إله قادر على منازعتي
أعطاني إنليل السماء وأعطاني الأرض
إني ملكة السماء، وملكة السماء أنا
أعطاني إنليل الربّوبية
أعطاني الملك
أعطاني القتال والمعركة
أعطاني الطوفان وأعطاني العاصفة
أعطاني السماء تاجاً
وربط الأرض إلى قدميَّ نعلاً
خلع علي طيلسان النواميس الإلهية
وثبت في يدي الصولجان المقدس
الآلهة […] إني أنا الملكة
حولي يتراكض الآلهة، وأنا البقرة البرِّية واهبة الحياة
أنا البقرة البرِّية التي تتصدَّر الجميع.
عندما أدخل الإيكور، بيت إنليل
لا يجرؤ الحراس على منعي
ولا يقول لي وزيرُه انتظري
لي السماء ولي الأرض، أنا سيدة المعارك
في مدينة أوروك، معبد الإيانا، لي
في مدينة زابالوم، معبد الجيوجونا، لي
في مدينة أور، معبد إشدام، لي
في مدينة آداب، معبد العيشارا، لي
في مدينة كيش، معبد خورساخ كالاما، لي
في مدينة دير، معبد أماش لوجا، لي
في مدينة أشاك، معبد آن زاكار، لي
في مدينة أوما، معبد إيجال، لي
في مدينة أكاد، معبد أدلماش لي
فهل هنالك من إله قادر على منازعتي.[12]
ولدينا صلاة مرفوعة إلى الإلهة إنانا من الكاهنة إنحيدوانا إبنة الملك صارغون الأول ملك أكاد. والصلاة مكتوبة باللغة السومرية (التي بقيت بمثابة لغة مقدسة لفترة طويلة بعد صعود العناصر الساميَّة إلى سدة السلطان)، وفيها توكيد على جوانب القوة والجبروت في شخصية الإلهة. يتألف النص من حوالى 150 سطراً أقدم فيما يلي منتخبات منه:
1. سيدة النواميس المقدسة، أيها النور المشعّ
5. من تمسك بيدها النواميس السبعة
8. من تجمع النواميس المقدسة إلى صدرها
9. من تنفث السم في الأرض كالتنين
10. تذوي الزروع عندما تهدرين مثل إشكور [= إله الرعود والمطر]
11. تأتين بالطوفان من الجبال العالية
12. تُمطِرين على البلاد لهباً وناراً
26. وفي معمعان القتال تقضين على كل ما أمامك
27. أي مليكتي، أنت المبيدة في قوتك
28. تهجمين كالإعصار الداهم
30. وترعدين بصوت أعلى من العاصفة الزاعقة
31. وتعولين بصوت أعلى من الرياح الشيطانية
34. أي مليكتي، إن الأنوناكي
35. يهربون أمامك كالخفافيش المرتعشة
36. لا يصمدون أمام وجهك الغضوب
37. لا يستطيعون اقتراباً من جبينك المهيب
38. وما من أحد قادر على تهدئة قلبك المشبوب
40. أي مليكتي، أنت فرحة مبتهجة الفؤاد
41. ولكن [غضب] قلبك لا يمكن تهدئته يا ابنة سِنْ
42. أي مليكتي المعظمة في البلاد، من يفي طاعتك حقها؟
43. في الأقطار التي لم تعلن لك الولاء يذوي الزرع
55. ولا تحدِّث المرأة زوجها حديث الحب
56. وفي ظلمة الليل لا تهمس له كلمات الحنان
57. ولا تظهر له مكنون الفؤاد
59. أي مليكتي، أنت أعظم من [كبير الآلهة] آن، من يفي طاعتك حقها؟
60. وفق النواميس الواهبة للحياة، أنت ملكة الملكات
61. أنت أعظم من الأم التي ولدتك، منذ خروجك من الرحم
62. أنت العليَّة الحكيمة، مليكة كل البلاد
63. يا من تكثِّرين النسل للإنسان وكل الأحياء، أغني بذكرك
112. أي ربّة الأفق وذروة السماء
113. إن الأنوناكي يخرُّون أمامك ساجدين
116. إن الآلهة يقبِّلون الأرض أمامك
123. أنت يا من تتسعين سعة السماء
124. أنت يا من تطولين طول الأرض
153. أي مليكتي، إنانا، المتَّشحة بالفتنة لك الحمد والتسبيح.[13]
تكمل صلاة الكاهنة إنحيدوانا هذه الصورة التي رسمتها الترتيلة السابقة لإنانا باعتبارها الإلهة العليا الوحيدة. فبعد أن رأيناها تُعبَد في كل المعابد الرئيسية المخصصة لآلهة المدن المحلِّية، نراها هنا تمسك بيدها النواميس السبعة (السطر رقم 5) وهي نواميس آلهة سومر الرئيسية: آن وإنليل وإنكي وننخرساج وسِنْ وأوتو وإنانا نفسها. وهذه النواميس هي التي تمكِّن الآلهة من الحكم وممارسة السلطان. كما أن صلاة إنحيدوانا تنص صراحة على أن مكانة إنانا هي فوق مكانة كبير الآلهة آن (السطر رقم 59). وهذا يعني أنها الأولى في مجمع الآلهة، حيث "يخر الأنوناكي أمامها ساجدين" (السطر رقم 113)، و"يقبِّلون الأرض أمامها" (السطر 116)، و"يهربون أمامها كالخفافيش المرتعشة" (السطر رقم 35).
ولدينا نص بابلي يتابع رسم صورة الإلهة إنانا (التي صار اسمها عشتار) كسيدة للآلهة، ويصفها بصفات القوة والجبروت نفسها تقريباً. والنص عبارة عن صلاة طويلة أقدم فيما يلي ترجمة لنصفها الأول:
إليك أرفع صلاتي يا ربّة الربّات ويا إلهة الإلهات
أي عشتار، يا ربّة البشر أجمعين ومسدِّدة خطاهم
أي إرنيني المبجَّلة دوماً، عظيمة الإيجيجي آلهة السماء
أيتها الجبّارة بين الأميرات، عظيم هو اسمك
أنت حقاً نور السماوات والأرض، أيتها الجبّارة يا ابنة سِنْ
أنت من يقف وراء الأسلحة الماضية، ويقرر المعارك
أي سيدتي، يا من تحوز كل القوى الإلهية وتضع تاج السلطان
أي سيدتي يا من تبسط مجدها وسلطانها فوق الآلهة
يا نجمة العويل والنواح التي تلقي سيفاً بين الإخوة المتحابين
ومَن، في الوقت نفسه، ترعى الصداقة والمودَّة
أيتها الجبّارة، يا سيدة المعارك، يا من تفوق الجبال جلالاً
أي جوشيا، التي تتّشح بالخوف، التي تلبس الرعب
أنت من يصدر الأحكام الكاملة، ويصنع مقادير السماء
أي مكان لا يعلو فيه اسمك؟ أي مكان لا تظهر فيه قدرتك
لذكر اسمك ترتجف السماء وتهتز الأرض
لذكر اسمك يرتعد الأنوناكي ويقفون في رَوْع ورهبة
أهل هذه البلاد، وحشود البشر أجمعين، يعطونك الولاء
أنت من يقضي بالحق والعدل بين الناس
وأنت من يعيد حقوق المضطهَدين والمظلومين
أيتها المشعة بالنور، لبؤة الآلهة، ومخضِعة الغضبى منهم
أيتها المتألِّقة، يا مشعل السماء والأرض، ونور الناس
يا ربَّة الرجال والنساء، لا يدرك أحد خططك وأفعالك
عندما تنظرين إلى الميت يحيا، وإلى المريض يشفى
ويهتدي بوجهك من يضلُّ به الطريق.[14]
وفي ترتيلة بابلية أخرى إلى عشتار، نجد الوجه الآخر الصبوح للإلهة في مقابل الوجه الغضوب الذي طالعتنا به التراتيل والصلوات السابقة. فهنا يقدم لنا كاتب الترتيلة عشتار ربَّة للحب والشهوات ويطنب في وصف سحرها وجمالها، مع الحفاظ على مكانتها كسيدة للآلهة. وهذا النص أقصر من سابقه بكثير، أقدم فيما يلي ترجمة لمعظم سطوره:
لك التسبيح أيتها الإلهة الأكثر روعاً بين الإلهات
لك التبجيل يا ربَّة البشر وأعظم آلهة السماء
هي المتَّشحة بالحب والمتع والرغبات
هي الطافحة حياة وسحراً وشهوات
في شفتيها حلاوة، وفي فمها الحياة
بظهورها تكتمل البهجة والسعادة
هي المجيدة ورأسها يغطيه النقاب
هيئتها الجمال وفي عينيها الألق
بيدها تمسك مقادير الأمور جميعاً
حينما تنظر تخلق فرحاً وسعادة
هي الروح الحافظ، القوة والعظمة
تسكن في الحنان والألفة وترعاهما
تحمي الأمهات، والفتيات الوحيدات، والمستعبَدات
وبين النساء اسم واحد ينادى به، هو اسمها
رائعة أحكامها، سامية وقوية
عشتار ما لها في العظمة من مثيل
رائعة أحكامها، سامية وقوية
مكانتها عالية سامية، وكل الآلهة يقصدونها
كلمتها محترمة نافذة بينهم
هي الملكة عليهم ينفذون أوامرها على الدوام
وينحنون بخضوع أمامها، رجالاً ونساءً يوقرونها
وفي مجمعهم كلمتها هي المسيطرة، هي العليا.[15]
لقد وُصِفت إنانا في صلاة الكاهنة إنحيدوانا بأنها أعظم من الإله آن، إله السماء وكبير الآلهة ورئيس مجمعهم. ولكن الترتيلة التي سنقدمها بعد قليل تطلق على الإله نانا/سِنْ، إله القمر، اسم آن/آنو بالذات، الأمر الذي يدلّ باعتقادنا على أن لقب آن أو آنو ليس إلا فكرة عن الألوهة السامية، ومنصباً يمكن أن يرتقي إليه أي إله رئيسي من آلهة المجمع. نقرأ في هذا النص المكتوب بالسومرية والأكادية على لوح واحد ما يلي:
أيها الربّ، بطل الآلهة، من مثلك معظَّم في السماء والأرض
أيها الربّ نانا، الربّ أنشار، بطل الآلهة
أيها الأب نانا، الربّ الكبير آنو، بطل الآلهة
أيها الربّ نانا، الربّ سن، بطل الآلهة
أيها الأب نانا، ربّ مدينة آور، بطل الآلهة
أيها الأب نانا، رب التاج الساطع، بطل الآلهة
أيها الأب نانا، صاحب الملك الكامل، بطل الآلهة
أنت المولود الذي أنجب نفسه بنفسه، تاماً كامل الهيئة
أنت الرحم الذي أنجب كل شيء
الذي يقيم بين البشر في مسكنه المقدس
الوالد الرحيم في قضائه، من يمسك بيديه حياة البلاد
أيها الربّ، يا من تملأ قداسته البحر الواسع روعاً، وأعماق السماء
أيها الأب الذي أنجب البشر والآلهة
الذي أوجد المقامات والهياكل، وأسس للقرابين والتقدمات
أنت ربّ الملك، واهب السلطان
أنت مقرِّر المصائر إلى نهاية الأزمان
أيها الأمير القدير الذي لا يستطيع إلهٌ سبر قلبه
شعاعك ينطلق من قاعدة السماء إلى ذروة السمت
وتفتح أبواب السماء لتهب النور لكل البشر
أيها الأب الوالد، الذي ينظر بعين العطف إلى كل الأحياء
أيها الربّ الذي يقدِّر مصائر السماء والأرض
صاحب الكلمة التي لا يقدر أحد على تغييرها
أنت المتحكِّم بالماء وبالنار، وليس لك بين الآلهة شبيه
من المبجَّل في السماء؟ أنت، أنت وحدك المبجَّل
من المبجَّل في الأرض؟ أنت، أنت وحدك المبجَّل
عندما تُسمَع في السماء كلماتك، يخر الإيجيجي صاغرين
وعندما تُسمَع في الأرض كلماتك، يُقبِّل الأنوناكي الأرض أمامك
عندما تنطلق كلماتك في السماء كالريح، تفيض خيرات الطعام والشراب
وعندما تستقر كلماتك في الأرض، يطلع كل زرع ونبات
كلماتك تملأ الحظائر والإصطبلات، وتُغني أحوال البشر
كلماتك العالية في السماء والخبيئة في الأرض، خافية عن العيون
كلماتك لا يقدر أحد على فهمها وما لها من مثيل
أيها الربّ، في السماء سلطانك وفي الأرض بسالتك
ليس لك بين الآلهة من ندّ ولا من مزاحم.[16]
لا تترك هذه الترتيلة السومري–الأكادية أي مكان لإله آخر إلى جانب إله القمر نانا. فهو الإله الواحد الذي يجمع بين يديه كل صلاحيات الآلهة الأخرى التي لا تبدو أمامه إلا ظلالاً وأشباحاً لا هوية لها. فهو الرحم البدئي الذي ولد الكون، وهو الذي أنجب الآلهة وأنجب البشر، وهو واهب النور، وهو سيِّد البحر، وهو سيِّد السماء والأرض، المتحكِّم بالماء والنار، وهو إله الخصب الذي يعطي الزرع والنبات، إلخ. ونلاحظ بشكل خاص أن تعبير: "الذي أنجب نفسه بنفسه" (وهو يشبه ما تستعمله التراتيل المصرية) يناقض التصورات الميثولوجية الرسمية التي تجعل من إله القمر نانا ابناً للإله إنليل. فالإله الواحد هنا مولود من العدم وبقواه الذاتية، ومنه صدرت كل الموجودات. إنه يلِد ولم يولَد، ينجب ولم ينجبه أحد، على حد تعبير الترتيلة المصرية التي أوردناها في مطلع هذا البحث (انظر السطر 12 من الترتيلة).أئأأ
ولدينا صلاة آشورية مرفوعة إلى شمش، إله الشمس، يقول لنا كاتبها إن الآلهة الرئيسية آنو وإنليل وإيا تستمد قوتها وقدرتها على أداء مهامها من إله الشمس. وهذا يعني أنها ليست إلا ظلالاً للقدرة الإلهية الواحدة التي يجسِّدها قرص الشمس. النص قصير، وهذه ترجمة لبعض سطوره:
أنت نور الآلهة العظمى، نور الأرض الذي يضيء العالم
تعطي الوحي والإلهام، وفي كل يوم تصنع قرارات السماء والأرض
شروقك نار باهرة تكسف كل النجوم
وأنت المتألِّق الذي لا يضاهيه أحد من الآلهة
آنو وإنليل لا يصدِران قراراً دون موافقتك
وإيا صاحب أقدار الأعماق ينظر وجهك ويعتمد عليك
أنظار الآلهة جميعاً شاخصة في انتظار شروقك.[17]
قبل أن أختم شواهدي النصِّية أعود إلى النصوص المصرية، لأنتخب منها درَّة من دُرَر التراتيل التوحيدية، وهي ترتيلة مرفوعة للإله آمون، من حوالى عام 1300ق.م.
هو الذي ظهر إلى الوجود في الأزمان البدئية
آمون، الذي جاء إلى الوجود في الأزمان البدئية
طبيعته خفية، وغامضة لا يُسبر غورها
لم يأتِ إلى الوجود إله قبله، ولم يكن معه أحد
لم يكن معه، في ذلك الوقت، إله ليخبرنا عن شكله
بلا أم ينتسب إليها، بلا أب يقول: هذا أنا
صنع البيضة التي خرج منها بنفسه
روح غامضة في ميلادها، صنع جماله بنفسه، وصنع الآلهة
مكتنَف بالأسرار، متألِّق في الظهور، وأشكاله لا حصر لها
يتفاخر الآلهة بانتمائهم إليه، ويَظهرون من خلال جماله
هو آتوم العظيم المقيم في هيليوبوليس، ورع متواحد بجسمه
يدعى تانتين، ويدعى آمون الذي ولد من نون [= المياه الأولى]
هو أجدود الذي أنجب الآلهة البدئية التي ولدت رع
بداءة الوجود
روحه في السماء، وهو في العالم الأسفل، ويحكم المشرق
روحه في السماء، وجسمه في الغرب، وتمثاله في هيرموتيس يبشِّر بظهوره
واحد هو آمون، وخافٍ عليهم جميعاً
محجوب عن الآلهة ولا يعرفون لونه
إنه بعيد عن السماء، ولا يُرى في العالم الأسفل
لا يعرف أحد من الآلهة شكله الحقيقي
صورته لا ترسمها الكتابة، وما له من شهود
من تلفَّظ باسمه، سهواً أم عمداً، يموت من ساعته
ولا يعرف إله كيف يتوجَّه إليه باسمه
جَمْعُ الآلهة ثلاثة: آمون ورع وبتاح
ولا ثاني لهم
هو الخفيّ باسمه آمون
وهو الظاهر باسمه رع
وهو المتجسِّد باسمه بتاح.[18]
لا أعتقد بأن الفكر التوحيدي اللاحق لهذه الترتيلة قد أضاف جديداً إلى ما ورد فيها من تصوُّرات سامية. ولعل أهم ما يميِّزها عن بقية التراتيل المصرية هو تجاوزها للمفهوم التوحيدي التقليدي إلى مفهوم صوفي يذكِّرنا بالمفاهيم الصوفية المتأخِّرة حول علاقة الذات الخافية بأسمائها وصفاتها، وعلاقة الكون المخلوق بالذات الخافية من خلال تجلِّياتها بالأسماء والصفات. كما تلفت نظرنا بشكل خاص فكرة الإله الواحد المثلَّث التي وردت في نهاية الترتيلة، حيث ورد القول بأن "جمع الآلهة ثلاثة ولا ثاني لهم"، ولم يرد "جمع الآلهة ثلاثة ولا رابع لهم". وهذا يعني أن الإله الواحد مؤلَّف من: الخفي والظاهر والمتجسد. ثلاثة في واحد.
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة التي لا يتيح المجال هنا لأكثر منها، لأخلص إلى القول بأن إنسان الشرق القديم لم يكن يأخذ مسألة تعدُّد الآلهة على محمل الجد، ولم تكن الآلهة المتعدِّدة بالنسبة إليه إلا وجوهاً متكثِّرة للقدرة الإلهية الواحدة. لقد آمن بألوهة منزَّهة يتوسَّل إليها من خلال إله مشخَّص هو إله المدينة أو الإقليم، الذي رأى فيه التعبير الأسمى عن فكرة الألوهة المزروعة في ضمير الإنسان، والسابقة لأي تصوَّر يشخِّص هذه الألوهة ويحدِّدها في كائنات روحانية متفوقة.
يقودنا هذا الاستنتاج إلى القول بأن مفهوم مجمع الآلهة ليس مفهوماً دينياً بقدر ما هو مفهوم سياسي. فلقد ظهر مجمع الآلهة عقب ترسيخ السلطة المدنية في دويلات المدن وتوسُّع بعض هذه الدويلات عن طريق ضمِّها لأقاليم ريفية مجاورة لم تكن خاضعة من قبل لأية سلطة سياسية مركزية، ثم محاولتها أيضاً ضمّ وإلحاق دويلات–مدن أصغر منها وأضعف. وهذا ما قاد في النهاية إلى قيام الإمبراطورية. ورغم أن مفهوم مجمع الآلهة pantheon قد ساعد على توحيد الجماعات القروية والمدنية التي دخلت تحت لواء حكم مركزي سياسي، والتي يؤمن كل منها بإله خاص يجسِّد عنده مفهوم الألوهة، إلا أنه بقي بمثابة بنية توفيقية تحاول من خلاله كل عبادة محلِّية توكيد سلطة وعلوِّ إلهها الخاص، وترى فيه الإله الأعلى المسيطر على بقية أعضاء المجمع.
إن استعراض الخصائص والصفات التي عزَتْها الصلوات والتراتيل، كلّ منها إلى إلهها المعني يُظهِر مدى تشابه التعابير والمصطلحات والأوصاف التي استخدمتها في مخاطبة ذلك الإله فهو:
- ملك الآلهة جميعاً وربّ السماوات والأرض
- صاحب الكلمة النافذة، ولا مبدِّل لكلماته إلى أبد الدهور
- يسجد له آلهة الأرض وآلهة السماء ويقبِّلون الأرض أمامه
- بيده النواميس الإلهية وألواح الأقدار، وإليه تتوجه قلوب البشر
- ربّ الناس وجميع الكائنات الحية ومصدر حياتهم
- ربّ الخصب المسؤول عن تأمين معاشر البشر وبقية الأحياء
- أفعاله خافية عن أفهام البشر والآلهة
- منه يستمدّ بقية الآلهة مقدرتهم على أداء مهامهم
- يُعبَد في جميع المعابد المكرَّسة لآلهة المدن المحلية
- إلخ…
ولما كان من المستحيل على كل الآلهة الرئيسية أن تمتلك معاً هذه الخصائص والصفات، فإن فكرة مجمع الآلهة تنحلّ في الواقع إلى مفهوم عام وفضفاض، لا يملك تأثيراً فعلياً في الحياة الدينية على المستوى العام والشامل. إذ ماذا يبقى من فكرة المجمع إذا كان كل عضو فيه هو الأعلى مكانة، وإذا كان أعضاؤه يقبِّلون الأرض أمام هذا الإله تارة وأمام ذاك تارة أخرى؟ وما الذي يبقى أيضاً من مفهوم رئيس المجمع، الذي هو آن عند السومريين وآنو عند الأكاديين، إذا كانت كل صلاة تخاطب الإله المعني باسم آن أو آنو؟ لقد خاطبت الصلاة المرفوعة إلى سِنْ، الإله بقولها: "أنت آنو السماء. ومشيئتك الخافية لا يعرفها أحد." وخاطبت الصلاة المرفوعة إلى إنانا، إلهتها بقولها: "أنت أعظم من كبير الآلهة آن." (سطر 59) وخاطبت الصلاة المرفوعة إلى نانا، إلهها قائلة: "أيها الأب نانا، الربّ الكبير آنو، بطل الآلهة." (سطر 3) وهذا يعني أن فكرة رئيس مجمع الآلهة لم تؤخذ على محمل الجد، مثلما لم تؤخذ فكرة تعدُّد الآلهة على محمل الجد أيضاً، وأن أهل كل عبادة كانوا يرون في إلههم رئيساً لذلك المجمع. وبذلك يتم تفريغ ما يدعى بـ"الوثنية" من مضامينها التي خلقتها أفكارنا اللاحقة عنها.
إن ما يبدو لنا بوضوح، ونحن نلقي هذه النظرة العلمية الحيادية على معتقدات الشرق القديم، ومن موقع غير متأثِّر بأفكار وبمواقف مسبقة، هو أن هذه المعتقدات قد طوَّرت منذ فجر التاريخ مفهوماً مجرَّداً عن الألوهة المطلقة المنزَّهة التي لا يحدُّها إطار ولا تتجسَّد في شكل أو هيئة. وبما أنه لابدّ للإنسان في تعامله مع فكرة الألوهة من وسيط يلخِّصها في عقله ويُمَوْضِع تجربته الداخلية معها في الخارج، فقد ابتكر مفهوم الإله الأعلى الذي خلق نفسه بنفسه وخلق السماوات والأرض وكل نفس حيّة وخلق بقية الآلهة وأوكل إليهم مهمَّات ومجالات فعل ونشاط. لقد ارتبطت فكرة الألوهة بالسماء نظراً لما توحيه القبّة الزرقاء من إحساس بالاتّساع واللانهاية وتجاوز الحدود والأطُر. ثم تجسَّدت في إله أعلى هو إله السماء ورئيس لمجمع الأرباب. إلا أنها بقيت في ضمير الإنسان بمثابة البعد غير المرئي للوجود والقاع الكلي الذي يقوم عليه عالم المظاهر المرئية ويستمد منه كيانه وصيرورته.
إن الإله آنو أو إيل أو رع، هو فكرة مجردة تحوَّلت إلى إله على هذه الدرجة من التشخيص أو تلك. وكان كل إله من آلهة العبادات المختلفة يعتبر بمثابة آنو العظيم ويُعبَد على أنه الألوهة المطلقة وقد تجسَّدت في شخصية إلهية، من شأنها جعل المطلق قريباً وحاضراً بين الناس، بؤرة يلتقي عندها المتناهي باللامتناهي، وعالم اللاهوت بعالم الناسوت. وبما أن ثقافات الشرق القديم قد بقيت حتى فتراتها المتأخرة تعبِّر عن حكمتها من خلال الميثولوجيا، لا من خلال المفاهيم العقلية والمصطلحات الفلسفية القائمة على التأمُّل المنهجي، فإن معتقداتها الدينية بقيت مغلَّفة بغلالات كثيفة من التصورات الميثولوجية التي تحجب جوهرها وحقيقتها. وهذا ما يفرض على دارسها مزيداً من الانفتاح وسعة الأفق، والتخلي عن الأفكار المسبقة والمغلوطة عن "الوثنية" باعتبارها جاهلية التاريخ الديني للإنسان.
ولعل متابعة ما ندعوه بـ"الفكر الوثني" في ثقافات أخرى امتد بها العمر، وعاشت في تواصل مع نفسها وجدليَّاتها الداخلية حتى العصور الحديثة، تكشف لنا حقيقة ما لمسناه في "وثنية" المشرق القديم من مفاهيم صلبة تقبع تحت الشكل الأدبي للخيال الأسطوري. من هنا، فإن الجزء الأخير من هذه الدراسة سوف يأخذنا في نزهة قصيرة إلى الشرق الأقصى نستكشف من خلالها، وفي حدود أغراض هذا البحث، أديان ومعتقدات بعيدة عنا كل البعد زمنياً وجغرافياً، لكنها قريبة بالقدر الذي تشفّ عنه وحدة التجربة الروحية للإنسان. لقد طوَّرت تلك الأديان والمعتقدات نظماً من "المفاهيم الذهنية" التجريدية التي ألقت الضوء على المضامين الفلسفية لميثولوجيّتها. وهذا ما يجعلها أقرب تناولاً بالنسبة للعقل الحديث، ويعطي مشروعية لعملية إجراء المقارنة بين المضامين الفلسفية لميثولوجيّتها ومضامين ميثولوجيّات الشرق القديم التي لم تجرِ صياغتها ضمن نظم من المفاهيم الذهنية التجريدية.
في الثقافة الصينية، لم يأخذ الصينيون عبر تاريخهم مسألة الألوهة المشخَّصة بشكل جدي، ولم يظهروا ميلاً لاعتبار الكون مخلوقاً من قبل شخصية إلهية تتحكَّم بالكون كما يتحكَّم الملك الأرضي بدولته ورعاياه، بل لقد رأوا في الكون ما يشبه الجسد الحي الذي يقوم على تنظيم نفسه بنفسه، وفق آلية ضبط ذاتي.[19] ومع ذلك فقد حفلت الديانة الصينية التقليدية بالآلهة من شتى المراتب والدرجات والاختصاصات. غير أن ما يلفت النظر في أمر هذه الآلهة الصينية هو أنها لا تبدو لنا كشخصيات إلهية ذات وظائف محدَّدة ودائمة، وإنما ككائنات شبحية غير محدَّدة الملامح، تكتسب قوتها من قوة المنصب الإلهي الذي تشغله. فالوظيفة الإلهية هنا هي الثابتة، أما شاغلوها فمتغيِّرون ومتنقِّلون. ففي كل إقليم من الأقاليم الصينية الكثيرة يتم توزيع الوظائف والاختصاصات (كتصريف الرياح وإنزال المطر وقدح البرق وما إليها) بشكل مختلف عن الإقليم الآخر. فإله الرياح في هذا المكان قد يكون إلهاً للأنهار والينابيع في مكان آخر، وإله الرياح هناك قد يكون إلهاً للمطر هنا. وأكثر من ذلك، فإن وضع كل إله في الإقليم نفسه غير ثابت، وعرضة للتغيُّر والتبدُّل. فقد يتم أحياناً ترفيع إله ما إلى مقام أعلى، أو تخفيض مرتبته، أو حتى صرفه من الخدمة نهائياً.[20]
أما المصدر الحقيقي لقدرة الآلهة الصينية، فهو مفهوم مجرَّد عن ألوهة غير مشخَّصة تتمثَّل في قوة السماء التي يدعونها تي–ين، والتي عُبِدت في الصين منذ أقدم الأزمنة (قارن مع مفهوم نِتِر المصري). وقد تصوَّر الصينيون هذه الألوهة باعتبارها قوة شاملة غير متجسِّدة في إله، تشغل الجهة العليا من قبة السماء، وهي أبعد ما تكون عن التصورات الميثولوجية للإله الأعلى الذي يسيِّر الكون ويديره، لأنها غير مشخصة ولا تتصل بالناس عن طريق كهَّان أو رسل يشرحون إرادتها ويوصلون إليهم شرائعها. فإذا ما أراد الناس فهم مشيئة قوة السماء، كان عليهم أن يلجأوا إلى التواصل معها عن طريق تقنيات الاستخارة والتنبُّؤ والتنجيم. لقد تصوَّر الصينيون قوة السماء بمثابة القوة العظمى التي تعتلي هرم القوى المتجزئة والمنبثَّة في العالم. وهذه القوى المتجزئة يمكن أن تحلّ في شخصيات إلهية معينة، على عكس القوى العظمى الخافية التي تُمِدُّها بالقدرة على الفعل.[21] وعندما يتم تصوُّر قوة السماء بشكل مجرَّد تماماً، وبمعزل عن القبة الزرقاء التي اعتُبِرت أحياناً مظهرها المرئي، فإن مفهوم الـ تي–ين يلتقي مع مفهوم آخر للقوة الإلهية المجردة هو: التاو Tao.
لعب مفهوم التاو الدور الأهم في الفكر الديني والفلسفي الصيني منذ البدايات المبكرة لتاريخ الصين. ونستطيع متابعة التعبيرات الأولى عن هذا المفهوم وتطوراتها اللاحقة من خلال أشهر كتب الحكمة الصينية المعروف بـ كتاب التغيرات (بالصينية: إي تشنغ، ويكتبه الغربيون I Ching) الذي ساهم عدد من العقول المتميِّزة عبر تاريخ الصين بالتعليق والشرح على متنه، ومنهم كونفوشيوس. يُرمَز لمفهوم التاو في الفكر الصيني بدائرة فارغة هي المبدأ الأول القائم قبل ظهور الموجودات، كما يُرمَز إليه بدائرة تتناوب في داخلها مساحتان متداخلتان، واحدة بيضاء والأخرى سوداء، هي المبدأ الأول بعد ظهور الموجودات عنه (انظر الشكل أدناه). ففي داخل دائرة التاو الفارغة ظهرت قوتان متناوبتان في الحركة، هما قوة الـ يانغ الموجبة وقوة الـ ين السالبة. وعن دوران القوتين بعضهما على بعض ظهرت الموجودات.
[
إن الخط الفاصل بين المساحتين في الدائرة، يعبِّر عن ظهور المتناقضات والمتعارضات إلى حيِّز الوجود. فهذا الخط الذي ميَّز القوتين الواحدة منهما عن الأخرى أحدث شرخاً في الفراغ الأزلي المتماثل، وقسمه إلى أعلى وأسفل، ويمين ويسار، وأمام وخلف. لقد ظهر المكان من رحم الهيولى، وانحلت الوحدة السابقة إلى مظاهر ذات قوى متعارضة ومتجاذبة في الوقت نفسه.[22] إن كل ما في الكون هو مزيج من طاقة موجبة وطاقة سالبة. فإذا غلب الـ يانغ كان الشيء ذا طبيعة موجبة، وإذا غلب الـ ين كان الشيء ذا طبيعة سالبة. لهذا جرى تصوير القسم الظليل من دائرة التاو وفيه نقطة منيرة، وتصوير القسم المنير وفيه نقطة ظليلة. فلا الـ يانغ يتجلَّى في حالته الصرفة ولا الـ ين كذلك، لأنه في كل إيجاب شيء من السلب وفي كل سلب شيء من الإيجاب. كما اتخذ القسمان الظليل والمنير وضعاً حركياً دورانياً يدل على التناوب الأبدي بينهما.[23]
إن ما قدَّمته لنا نصوص الشرق القديم من خلال الصور والأفكار الميثولوجية لا يبتعد في مضامينه الفلسفية عن هذه المضامين التي عبَّر عنها الفكر الشرق أقصوي بلغة المفاهيم concepts. فلقد آمن إنسان الشرق القديم بألوهة خافية شاملة لا تتجسَّد في شخصية إلهية، ثم رأى في قبة السماء التي توحي بالاتساع واللانهاية المظهر المرئي لتلك الألوهة، ثم جسَّد هذا المظهر المرئي في إله مشخَّص هو إله السماء الذي صار رئيس مجمع الآلهة: ايل أو آنو أو رع. ولكن هذا الإله بقي مجرَّد شاغل منصب، وفكرة مجسَّدة في شخصية إلهية. من هنا كان باستطاعة أي إله محلِّي قوي أن يُرفَع إلى هذه المرتبة العليا وينظر إليه على أنه الإله الأعلى وسيِّد مجمع الآلهة. وتبقى مسألة التعدُّدية في جدليَّتها مع الواحدية، أو الواحدية في جدليَّتها مع الألوهة المطلقة الخافية، مجرد ترميز لتجربة الإنسان الروحية، وينبغي ألا تؤخذ بحرفيَّتها وتعبيراتها الميثولوجية الظاهرية.
وتقدم لنا الديانة الهندوسية مثالاً أكثر وضوحاً على جدليَّة معتقد الشِرْك بمعتقد التوحيد، وعن كونهما وجهان لمعتقد واحد باطنه التوحيد وظاهره التعدُّد. لقد تمتعت الهندوسية بتاريخ طويل غير منقطع، وتطورت عبر عشرات القرون منذ الألف الثاني قبل الميلاد إلى يومنا هذا، محافظة على روحها وزخمها. فبينما تلقت ديانات غرب آسيا من فارس إلى مصر ضربة قاصمة من الفكر الهيليني منذ فتوح الإسكندر (التي تعتبر بمثابة نهاية لما يدعى بتاريخ الشرق القديم)، تبعتها ضربتان أكثر إيلاماً جاءتا من المسيحية ثم الإسلام، فإن الديانة الهندوسية قد تمتعت بكل الوقت اللازم من أجل تطوير نفسها، والتعبير عن معتقداتها بصيغ تجاوزت أساليب التعبير الميثولوجي البحت، واكتسبت طابعاً حِكْموياً من غير أن تتحول إلى فلسفة عقلية صارمة على الطريقة الإغريقية. ورغم أن الميثولوجيا قد بقيت بمثابة القالب الرئيسي الذي حافظ على المعتقدات الهندوسية وانتقل بها من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، إلا أن الحكماء الهندوس استطاعوا على مرّ القرون تطوير نظام متماسك من المفاهيم الذهنية، عمل يداً بيد إلى جانب الميثولوجيا. ومنذ مطلع القرون الميلادية ظهرت مدارس فكرية متعدِّدة عملت على شرح وتوضيح المضامين الخافية خلف الأردية الفضفاضة للميثولوجيا الهندوسية. وهذا ما لم يتيسَّر لحكماء ثقافات غرب آسيا من بابليين وسوريين ومصريين.
تُعتبَر الفترة الممتدة بين القرن السادس والقرن الأول قبل الميلاد بمثابة العصر الكلاسي للفكر الفلسفي والديني الهندي. فخلال هذه الفترة تم إرساء القواعد الأساسية للاتجاهين الرئيسيين في الفكر الديني الهندي وهما: اتجاه مستقيمي الرأي (الأورثوذكس) واتجاه الهراطقة. ومن حيث المبدأ، فإن الخلاف الرئيسي بين الاتجاهين يدور حول سلطة أسفار الـ فيدا Veda وقداستها. فبينما يعلي الاتجاه الأول المستقيم من شأن الـ فيدا ويعتبرها بمثابة الوحي المنزَل. فإن الاتجاه الثاني لا يحفل بها ولا يقيم لها وزناً يذكَر. وأسفار الـ فيدا، بشكلها الحالي الذي وصل إلينا، تعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد. وهي تحتوي على خلاصة المعتقدات والطقوس الدينية للجماعات الآرية (= الهندوربية) التي استوطنت شمال الهند منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وفرضت سيطرتها تدريجياً على شبه القارة الهندية قبل أن تذوب تماماً في خضمِّها السكاني. لقد ابتدأ الاتجاه الهرطقي برفض الآلهة المتعدِّدة الموروثة عن الآريين، ثم انتهى به الأمر إلى رفض فكرة الإله بحد ذاتها، مطوراً مفهوماً لاإلهياً في الدين (= atheistic). وقد نشأ عن هذا المفهوم بعد ذلك كل من الديانتين الجاينية والبوذية، اللتين لا تحفلان بالآلهة ولا تريان فيها سوى كائنات خاضعة لشروط هذا العالم الفاني، رغم كونها أكثر قوة وقدرة من جنس البشر، ناهيك عن عدم إيمانهما بوجود إله خالق أعلى. ويبدو أن جذور هذا الاتجاه الرافض للتعدُّدية موجودة في سياق الأفكار الدينية التقليدية لأسفار الـ فيدا. ففي هذه الأناشيد القديمة نتعرف إلى مجموعة من الآلهة التي يتحكَّم كل منها بظاهرة معينة من ظواهر الطبيعة، ولكن كل واحد منها يلعب دور الإله الأعلى عندما تتوجَّه إليه الصلوات بالشكر والثناء والتسبيح.[24] ورغم أن الإله إندرا نال الحظ الأوفر من صلوات الـ فيدا باعتباره سيد الآلهة ورئيس مجمعهم، إلا أننا نجد في بعض الصلوات مقاطع تستهين بقوته وتلقي ظلالاً من الشك حتى على وجوده. كما نلاحظ في بعض أسفار الـ فيدا، وعلى وجه الخصوص في الأقسام الأخيرة من الـ رج فيدا Rig-veda، إشارات إلى إله غير معلوم يحيط بالكون والكائنات جميعاً. وهو الذي ظهر بقواه الخاصة قبل أن يوجد شيء وتنفس بغير هواء. كما نجد أيضاً إشارات متفرقة إلى نظام خفي للكون يخضع له الكل، بما فيهم الآلهة أنفسهم.[25]
ورغم أن الهندوسية الكلاسية قد تطورت عن الاتجاه المستقيم، إلا أنها تبدي تحرراً واضحاً من أية دوغمائية تتعلق بطبيعة الإله. وجوهر الدين عندها لا يقوم على الاعتقاد بآلهة بعينها أم بإله واحد، بل على عدد من الأفكار التي لا يصحّ دين الهندوس بغيرها، والتي تجمع مختلف الطوائف الهندوسية على أرضية واحدة مشتركة. أول هذه الأفكار (أو المعتقدات) هو العَوْد للتجسُّد reincarnation، وثانيها هو الـ كارما karma، أي العمل وجزاؤه. فالروح تنتقل من جسم إلى جسم بالموت. والحالة الجديدة التي تصير إليها تتوقف على طبيعة أفعالها في الأعمار السابقة التي توالت عبر ماضٍ لا تُعرَف له بداية، وستتوالى أيضاً في مستقبل لا تُعرَف له نهاية. إن تصرفات الفرد وأفكاره وكلماته ستكون لها تبعات أخلاقية تحدِّد مستقبل حياته الأخرى بعد الممات، مثلما تحدَّدت حياته الحالية بما تم من أفعال في الحياة السابقة. فالروح تنتقل من جسم إلى آخر في دورة أزلية تدعى سمسارا Samsara. وهذه الدورة تتجاوز الإنسان لتطال عالم الظواهر المادية بأكمله. فالزمن عبارة عن عجلة تدور على نفسها، كلما بلغت دورة منتهاها عادت إلى نقطة البداية. ومع كل دورة يفنى الكون راجعاً إلى مياه السرمدية التي نشأ عنها، ثم يعود إلى الوجود مرة أخرى، وهكذا إلى ما لانهاية. ومع ذلك، فإن الانعتاق (= موكشا moksha) من هذه الدورة ممكن للفرد. وهذا الانعتاق هو بؤرة الحياة الدينية عند الهندوسي والغاية التي يطمح إليها من وراء كدحه الروحي. ولكن الطوائف الهندية تختلف في كيفية تحقيق هذا الانعتاق وفي الحالة التي تصير إليها الروح التي تحررت من دورة الولادة والموت.[26]
يدعو الهنود دينهم بالـ دهارما الخالد Sanatana Dharma، أي سُنَّة الكون الأبدية. وهذه السُنَّة تعني القانون الأخلاقي الذي يحكم علاقات البشر، كما تعني أيضاً القانون الثابت الذي يحكم الكون برمَّته. وبالمعنى الثاني للـ دهارما، تتطابق سُنَّة الكون مع ما نفهمه اليوم من مصطلح القانون الطبيعي، ولكن مع فارق أساسي، وهو أن هذا القانون بالنسبة للفكر الهندي لا يقوم بذاته، وإنما يستند إلى مستوى أعمق للوجود، هو الأرضية السرمدية لكل عرض متغيِّر، ويدعى برهمن Brahman: القاع الكلي غير المشخَّص للوجود، الذي يصدر عنه الكون بكل مظاهره كما تصدر عنه جميع النفوس التي تقيم في الأجسام الحية من كل نوع، وفي الآلهة المتعدِّدة من كل نوع أيضاً. تدعى هذه النفوس الموزعة بين الخلائق أتمان atman. وهي، على تباينها الظاهري، ليست في حقيقة الأمر سوى نفس واحدة هي نفس برهمن المطلق. فمن أفلح في الانعتاق من دورة الـ سمساراأأأأأأ يلتحق بالنفس الكلية هذه ويذوب فيها. ويأتي الانعتاق عن طريق التزام القانون الأخلاقي من جهة، والكدح في سبيل معرفة الحقيقة من جهة أخرى. إن الجهل والعمل السيء يقودان إلى حلول صاحبهما في أرذل أجسام المخلوقات الحية، أما المعرفة والعمل الصالح فيقودان صاحبهما صُعُداً في سلَّم مراتب الكائنات حتى الحلول في الأشكال الإلهية. غير أن حلول الروح في كائن إلهي لا يعني نهاية المطاف، لأن الكائنات الإلهية واقعة مثل البشر في إسار هذا العالم المادي، ومحبوسة أيضاً في دورة الولادة والموت، وعليها أن تكدح في سبيل الخلاص والانعتاق.[27]
وبهذا تتحصل لدينا ستة مفاهيم أساسية في المعتقد الهندوسي وهي:
1. سمسارا: الدورة السببية الكبرى، والعالم الذي تتقمَّص فيه أرواح الكائنات
2. كارما: العمل، وتبعاته الأخلاقية
3. دهارما: السُّنة الكونية
4. موكشا: الانعتاق من دورة السببية
5. برهمن: المطلق، اللامتغيِّر السرمدي الذي يشكِّل القاع الكلي للوجود
6. أتمان: النفس المتجزِّئة في الكائنات، والنفس الكلِّية في آن معاً.
ومادامت الأرواح واقعة في إسار المادة ودورة الولادة والموت، فإنها لا تستطيع التعرُّف على الألوهة المطلقة برهمن إلا من خلال قناع تظهر به في هذا العالم، وهو قناع الإله الأعلى المدعو شيفا أحياناً، وفيشنو أحياناً أخرى. أما عندما تفلح الروح في الانعتاق، فإن الوهم الكبير ينجلي وتبدو مظاهر الكون المتنوِّعة والمتجزِّئة وقد توحَّدت في المطلق العظيم. كما يظهر الإله الأعلى المشخَّص، الذي عرفته النفوس خلال دوراتها في الـ سمسارا، على حقيقته: برهمن.[28]
هذه الصياغة الحِكْموية للمعتقدات الهندوسية تقدم لنا عوناً كبيراً على فهم المعتقد الوثني بشكل عام، ووثنية ثقافات الشرق القديم بشكل خاص. فالآلهة المتعدِّدة ليست إلا وجوهاً للإله الواحد الشمولي. وهذا الإله الواحد ليس إلا تعبيراً عن إحساس أعمق بفكرة الألوهة المطلقة، التي لا تتمثَّل في كائن إلهي من أي نوع. هذا ما قالته لنا نصوص الشرق القديم التي قدَّمنا نموذجاً عنها أعلاه.
خاتمة
إن الأصل في الدين هو إحساس متجذِّر في أعماق النفس الإنسانية، إحساس بحضور فائق مختلف عنا وعن ما يحيط بنا، ومتِّصل به أعمق اتصال في الوقت ذاته، حضور تام كامل وكلِّي، ثابت لا يتغيَّر، به تقوم المتغيِّرات ومن ثباته تنشأ المتحوِّلات. وعندما نُخضِع هذا الإحساس للتأمُّل والتفكُّر، تنشأ في الذهن فكرة الإله الواحد التي تتوسَّط بيننا وبين ذلك الحضور القدسي الذي لا نستطيع التعبير عن مواجهتنا الداخلية معه إلا بتوسيط الصور والرموز. هذه الصور والرموز تعني: الميثولوجيا. ومع الميثولوجيا تظهر الآلهة الأخرى إلى الوجود باعتبارها كائنات روحانية تنشأ عن الواحد، ولكنها تخضع لقانون الصيرورة الذي يسري على ما سوى الله. وهذه الكائنات تشترك مع الإنسان بكونها مخلوقة في أوقات معينة من صيرورة التاريخ المقدس، ولكنها تتميَّز عنه بقدراتها غير المحدودة في مجال اختصاصاتها وصلاحياتها، على عكس الواحد الذي أنجب نفسه من العدم، أي منذ الأزل، لأن العدمية والأزلية متطابقان ماداما الحالة التي تسبق انطلاق الزمن. وبتعبير آخر، فإن الإله الواحد هو قناع يبدو به المطلق في الزمن وفي التاريخ. ولكن الزمن والتاريخ يأتيان إلى نهايتهما المحتومة في كل النظم الدينية والميثولوجية. وعندما يأتي الزمن والتاريخ إلى نهايتهما يسقط القناع ويبدو الإله الواحد نفسه بلا ضرورة أو وظيفة، ووهماً من أوهام الصيرورة، عندما تؤول الحيوات والأكوان إلى المطلق العظيم الذي نشأت عنه.
يدعو الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي هذا القناع بالإله "المجعول". وهو يعني بهذا التعبير تلك الصورة التي نكوِّنها لأنفسنا عن الألوهة. وبما أن هذه الصورة ليست إلا وسيطاً بيننا وبين المطلق، فإنها لا تختلف كثيراً عن الوثن. إنها "وثن" من نوع فكري. وهذه بعض أقوال الشيخ، أقتبسها من فصوص الحكم ومن الفتوحات المكية: "وبالجملة فلابدّ لكل شخص من عقيدة في ربِّه يرجع بها إليه ويطلبه فيها، فإن تجلَّى له الحقُّ فيها أقرَّ به، وإذا تجلَّى له في غيرها أنكره […] فلا يعتقِد مُعتقِد إلهاً إلا بما جعل في نفسه. فالإله في المعتقدات بالجَعْل، فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها." (فصوص الحكم 10/13) وأيضاً: "فلا يشهد القلب ولا العين أبداً إلا صورة معتقده في الحق." (فصوص الحكم 12/7) وأيضاً: "فليس ثمة إلا عابد وثناً" (الفتوحات 4/186).
من خلال هذا المنظور، تذوب الحدود الفاصلة بين معتقد الشِرْك ومعتقد التوحيد، وتنمحي الفواصل بين معتقد التوحيد هذا ومعتقد التوحيد ذاك. لأن أي إله، واحداً كان أم متعدِّداً، ليس إلا صورة ذهنية تقف بيننا وبين الوجه الآخر للوجود: الوجه السرمدي الحقّ، الثابت الذي يسند كل متغيِّر ويعطيه صورته. وصورة كل موجود هي صورة وهمية زائلة ما تلبث أن تنطفئ في اللُّجة التحتية التي نشأت عنها. إن الوجود بوجهيه، النسبي والمطلق، أشبه بلُجِّ الغمر العظيم. في السطح تنشأ الأمواج وتنطفئ في حركة دائبة. لكل موجة شكل وقوام وهيئة وهمية توحي بالكيان المستقل إذا نظرنا إليها في صورة فوتوغرافية ساكنة، لكنها ليست في حقيقة الأمر إلا تجمُّعاً عابراً لمجموعة مكوِّنات ما تلبث أن تنحلّ وتؤول إلى الزوال. أما في أعماق الغَمْر العظيم، فلا يوجد إلا السكون والثبات الذي تقوم به كل التغيُّرات الوهمية عند السطح.
إن ما طرحته من خلال هذه الدراسة. هو مجرَّد مدخل جديد لفهم ما يدعى بـ "الوثنية" عموماً، ووثنية المشرق القديم خصوصاً. وبما أن نظريتي هنا قائمة على استقراء وقائع ملموسة وتفسيرها، لا على تأملات فلسفية مجرَّدة، فإنها نظرية علمية خاضعة للنقد وتسلِم نفسها للإثبات أو للنفي. وكلِّي أمل في أن تجد هذه الأفكار من يعمل على تطويرها من خلال نقد علمي بنّاء، لأن الوقت لا يتيح لي أن أسير بها أبعد من ذلك.
[1]Wallis Budge, Osiris and the Egyptian Resurrection, Dover, New York, 1973, vol.1, p. 357.
[2] Wallis Budge, Egyptian Religion, Routledge, London, 1975, chap. 1.
راجع أيضاً النص العربي للكتاب، الديانة القرعونية، بترجمة نهاد خياطة، دمشق، 1986. ص 13- 17.
[3] Wallis Budge, Osiris, op. cit., pp. 350-357.
[4] Ibid., p. 354.
[5] Ibid., p. 356.
[6] Wallis Budge, Egyptian Religion, op. cit., chap. 3.
[7] Wallis Budge, Osiris, op. cit., 358.
[8] كان ظهور نجم الشعري مؤشراً لابتداء فيضان النيل ولاستهلال الدورة الزراعية الجديدة التي تبتدئ بها السنة المصرية.
[9] Ibid., vol. 2, pp. 277-278.
[10] تبدو الأم الكبرى هنا بوجهها الأسود كسيدة للموت. لفهم هذا التناقض في شخصية الإلهة، راجع مؤلفي لغز عشتار، فصل "عشتار السوداء".
[11]S. N. Kramer, “A Sumerian Hymn”, in James Pritchard, ed., Ancient Near Eastern Texts, pp. 573-576.
[12] Ibid., pp. 578-579.
[13]Ibid., pp. 579-581.
[14] P.J. Stephens, “Sumerio-Akkadian Hymns and Prayers”, in James Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, p. 384.
[15] P. J. Stephens, ibid., p. 383.
[16] P. J. Stephens, ibid., pp. 385-386.
[17] P. J. Stephens, ibid., p. 387.
[18] J. A. Wilson, “Egyptian Hymns and Prayers”, in J. Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, pp. 238-239.
[19] Allan Watts, The Two Hands of God, Rider, London, 1978, pp. 66-67.
[20]Ou. I. Tai, “Chinese Mythology”, in Larousse Encyclopedia of Mythology, p. 380.
[21] G. Parrinder, World Religions, New York, 1984, p. 244.
[22] قارن مع التصورات الميثولوجية لأسطورة التكوين البابلية، عندما كانت الآلهة الثلاثة البدئية منكفئة على نفسها في تناغم أزلي، وكيف انحلت هذه الدارة المغلقة فيما بعد إلى مظاهر الكون المختلفة.
[23] بخصوص كتاب التغيرات، لدينا ترجمة عالمية معتمَدة عن الصينية هي ترجمة العلامة الألماني ريتشارد فلهلم التي نُقِلت إلى عدة لغات أخرى. انظر النص الإنكليزي:
The I Ching, The Richard Wilhelm translation rendered into English by C. F. Baynes, Princeton, 1977.
وبخصوص الأفكار الأساسية للتاوية، راجع: لاو–تسو، التاو تي تشينغ: إنجيل الحكمة التاوية في الصين، صياغة عربية للنص بتقديم وشرح وتعليق فراس السواح، دار علاء الدين، دمشق، 1998.
[24] قارن مع ما خلصنا إليه من دراستنا للصلوات والتراتيل في ثقافات الشرق القديم في كتابنا الأسطورة والمعنى: دراسات في الميثولوجيا والديانات المشرقية، دار علاء الدين، دمشق، 1997، ص 207-210.
[25] C. A. James, “Atheism”, in Encyclopedia of Religion, McMillan, London, 1987, vol.1, p. 480.
حول فكرة النظام الخفي للكون الذي يخضع له الآلهة، أنظر أيضاً الفصل الثاني من كتاب: ألبير شوايتزر، فكر الهند، بترجمة يوسف شلب الشام، دار طلاس، دمشق، 1994.
[26] P. C. Zaehner, Hinduism, Oxford, 1984, pp. 1-13.
[27] Ibid., pp. 1-19.
[28] Ibid., pp. 1-19.