Page 7 of 97 FirstFirst 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 17 57 ... LastLast
Results 73 to 84 of 1155

Thread: أدب الرحـــــــلة ...

  1. #73 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36
    رحلة ابن فضلان
    فاتحة الكتاب
    قال أحمد بن فضلان
    لما وصل كتاب ألمش بن يلطوار ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين المقتدر يسأله فيه البعثة إليه ممن يفقهه في الدين ويعرفه شرائع الإسلام ويبني له مسجدا وينصب له منبرا ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين له فأجيب إلى ما سأل من ذلك.

    وكان السفير له نذير الحرمي فندبت أنا لقراءة الكتاب عليه وتسليم ما أهدى إليه والإشراف على الفقهاء والمعلمين وسبب له بالمال المحمول إليه لبناء ما ذكرناه وللجراية على الفقهاء والمعلمين على الضيعة المعروفة بأرثخشمثين من أرض خوارزم من ضياع ابن الفرات.
    وكان الرسول إلى المقتدر من صاحب الصقالبة رجل يقال له عبد الله بن باشتو الخزري والرسول من جهة السلطان سوسن الرسي مولى نذير الحرمي وتكين التركي وبارس الصقلابي وأنا معهم على ما ذكرت فسلمت إليه الهدايا له ولامرأته ولأولاده واخوته وقواده وأدوية كان كتب إلى نذير يطلبها.
    العجم والأتراك
    فرحلنا من مدينة السلام يوم الخميس لأحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة تسع وثلاثمئة فأقمنا بالنهر وإن يوماً واحداً ورحلنا مجدين حتى وافينا الدسكرة فأقمنا بها ثلاثة أيام ثم رحلنا قاصدين لا نلوي على شيء حتى صرنا إلى حلوان فأقمنا بها يومين.

    وسرنا منها إلى قرميسين فأقمنا بها يومين ثم رحلنا فسرنا حتى وصلنا إلى همذان فأقمنا بها ثلاثة أيام.
    ثم سرنا حتى قدمنا ساوة فأقمنا بها يومين ومنها إلى الري فأقمنا بها أحد عشر يوماً ننتظر أحمد ابن علي أخا صعلوك لأنه كان بخوار الري.
    ثم رحلنا إلى خوار الري فأقمنا بها ثلاثة أيام ثم رحلنا إلى سمنان ثم منها إلى الدامغان صادفنا بها ابن قارن من قبل الداعي فتنكرنا في القافلة وسرنا مجدين حتى قدمنا نيسابور وقد قتل ليلى بن نعمان فأصبنا بها حمويه كوسا صاحب جيش خراسان.
    ثم رحلنا إلى سرخس ثم منها إلى مرو ثم منها إلى قشمهان وهي طرف مفازة آمل فأقمنا بها ثلاثة أيام نريح الجمال لدخول المفازة.
    ثم قطعنا المفازة إلى آمل ثم عبرنا جيحون وصرنا إلى آفرير رباط طاهر بن علي.
    ثم رحلنا إلى بيكند ثم دخلنا بخارا وصرنا إلى الجيهاني وهو كاتب أمير خراسان وهو يدعى بخراسان الشيخ العميد فتقدم بأخذ دار لنا وأقام لنا رجلاً يقضي حوائجنا ويزيح عللنا في كل ما نريد فأقمنا أياماً.
    ثم استأذن لنا على نصر بن أحمد فدخلنا إليه وهو غلام أمرد فسلمنا عليه بالإمرة وأمرنا بالجلوس فكان أول ما بدأنا به أن قال: كيف خلفتم مولاي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وسلامته في نفسه وفتيانه وأوليائه فقلنا: بخير قال: زاده الله خيراً.
    ثم قرئ الكتاب عليه بتسلم أرثخشمثين من الفضل بن موسى النصراني وكيل ابن الفرات وتسليمها إلى أحمد بن موسى الخوارزمي وإنفاذنا والكتاب إلى صاحبه بخوارزم بترك العرض لنا والكتاب بباب الترك ببذرقتنا وترك العرض لنا.
    فقال: وأين أحمد بن موسى فقلنا: خلفناه بمدينة السلام ليخرج خلفنا لخمسة أيام فقال: سمعاً وطاعة لما أمر به مولاي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه.
    قال: واتصل الخبر بالفضل بن موسى النصراني وكيل ابن الفرات فأعمل الحيلة في أمر أحمد بن موسى وكتب إلى عمال المعاون بطريق خراسان من جند سرخس إلى بيكند: أن أذكوا العيون على أحمد بن موسى الخوارزمي في الخانات والمراصد وهو رجل من صفته ونعته فمن ظفر به فليعتقله إلى أن يرد عليه كتابنا بالمسألة فأخذ بمرو وأعتقل.
    وأقمنا نحن ببخارا ثمانية وعشرين يوماً وقد كان الفضل بن موسى أيضاً واطأ عبد الله بن باشتو وغيره من أصحابنا يقولون: إن أقمنا هجم الشتاء وفاتنا الدخول وأحمد بن موسى إذا وافانا لحق بنا.
    قال: ورأيت الدراهم ببخارا ألواناً شتى منها دراهم يقال لها الغطريفية: وهي نحاس وشبه وصفر يؤخذ منها عدد بلا وزن مئة منها بدرهم فضة وإذا شروطهم في مهور نسائهم: تزوج فلان ابن فلان فلانة بنت فلان على كذا وكذا ألف درهم غطريفية وكذلك أيضاً شراء عقارهم وشراء عبيدهم لا يذكرون غيرها من الدراهم ولهم دراهم أخر صفر وحده أربعون منها بدانق ولهم أيضاً دراهم صفر يقال لها السمرقندية ستة منها بدانق.

    د. أبو شامة المغربي

    Reply With Quote  
     

  2. #74 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36


    رحلة ابن بطوطة

    فاتحة الكتاب
    قال ابن بطوطة
    قال الشيخ الفقيه العالم الثقة الناسك الأبر وفد الله المعتمر شرف الدين المعتمد في سياحته على رب العالمين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه الله ورضي عنه وكرّمه آمين.
    الحمد لله الذي ذلّل الأرض لعباده ليسلكوا منها سبلاً فجاجاً، وجعل منها وإليها تاراتهم الثلاث نباتاً وإعادة وإخراجا. دحاها بقدرته فكانت مهاداً للعباد، وأرساها بالأعلام الراسيات والأطواد، ورفع فوقها سمك السماء بغير عماد، وأطلع الكواكب هداية في ظلمات البر والبحر. وجعل القمر نوراً والشمس سراجاً، ثم أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد الممات. وأنبت فيها من كل الثمرات. وفطر أقطارها بصنوف النبات، وفجر البحرين عذباً فراتاً، وملحاً أجاجاً، وأكمل على خلقه الإنعام بتذليل مطايا الأنعام، وتسخير المنشئات كالأعلام لتمتطوا من صهوة القفر ومتن البحر أثباجاً. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي أوضح للخلق منهاجاً. وطلع نور هدايته وهّاجا. بعثه الله تعالى رحمة للعالمين واختاره خاتماً للنبيين وأمكن صوارمه من رقاب المشركين حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وأيده بالمعجزات الباهرات، وأنطق بتصديقه الجمادات، وأحيا بدعوته الذمم الباليات، وفجر من بين أنامله ماء ثجّاجاً. ورضي الله تعالى عن المتشرفين بالانتماء إليه أصحاباً وآلاً وأزواجاً، المقيمين تقاة الدين فلا تخشى بعدهم اعوجاجاً، فهم الذين آزروه على جهاد الأعداء، وظاهروه على إظهار الملة البيضاء، وقاموا بحقوقها الكريمة من الهجرة والنصرة والإيواء، واقتحموا دونه نار اليأس حامية، وخاضوا بحر الموت عجاجاً، ونستوهب الله تعالى لمولانا الإمام الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين المجاهد في سبيل الله المؤيد بنصر الله - أبي عنان فارس ابن موالينا الأئمة المهتدين الخلفاء الراشدين نصراً يوسع الدنيا وأهلها ابتهاجاً، وسعداً يكون لزمانة الزمان علاجاً، كما وهبه الله بأساً وجوداً لم يدع طاغياً ولا محتاجاً، وجعل بسيفه وسيبه لكل ضيقة انفراجاً. وبعد، فقد قضت العقول، وحكم المعقول والمنقول، بأن هذه الخلافة العلية، المجاهدة المتوكلة الفاسية. هي ظل الله الممدود على الأنام، وحبله الذي به الاعتصام، وفي سلك طاعته يجب الانتظام، فهي التي أبرأت الدين عند اعتلاله، وأغمدت سيف العدوان عند انسلاله، وأصلحت الأيام بعد فسادها، ونفقت سوق العلم بعد كسادها، وأوضحت طرق البر عند انتهاجها، وسكنت أقطار الأرض عند ارتجاجها، وأحيت سنن المكارم بعد مماتها، وأماتت رسوم المظالم بعد حياتها، وأخمدت نار الفتنة عند اشتعالها، وأنقضت حكام البغي عند استقلالها، وشادت مباني الحق على عماد التقوى، واستمسكت من التوكل على الله بالسبب الأقوى، فلها العز الذي عقد تاجه على مفرق الجوزاء، والمجد الذي جر أذياله على مجرة السماء، والسعد الذي رد على الزمان غض شبابه، والعدل الذي على أهل الإيمان مدّ يد أطنابه، والجود الذي قطر سحابه اللجين والنضار، والبأس الذي فيه غمامة الدر الموار، والنصر الذي تفض كتائبه الأجل، والتأييد الذي بعض غنائمه الدول، والبطش الذي سبق سيفه العذل، والأناة التي لا يمل عندها الأمل، والحزم الذي يسد على الأعداء وجوه المسارب، والعزم الذي يفل جموعها قبل قراع الكتائب، والحلم الذي يجني العفو من ثمر الذنوب، والرفق الذي جمع على محبته بنات القلوب، والعلم الذي يجلو نوره دياجي المشكلات والعمل المفيد بالإخلاص والأعمال بالنيات.


    د. أبو شامة المغربي
    kalimates@maktoob.com

    Reply With Quote  
     

  3. #75 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36
    رحلة ابن جبير

    فاتحة الكتاب
    قال ابن جبير
    ابتدئ بتقييدها يوم الجمعة الموفي ثلاثين لشهر شوال سنة ثمان وسبعين وخمس مئة على متن البحر بمقابلة جبل شليرعرفنا الله السلامة بمنه.

    وكان انفصال أحمد بن حسان ومحمد بن جبير من غرناطة، حرسها الله للنية الحجازية المباركة، قرنها الله بالتيسير والتسهيل وتعريف الصنع الجميل، أول ساعة من يوم الخميس الثامن لشوال المذكور وبموافقة اليوم الثالث لشهر فبرير الأعجمي.
    وكان الاجتياز على حيان لقضاء بعض الأسباب، ثم كان الخروج منها أول ساعة من يوم الاثنين التاسع عشر لشهر شوال المذكور وبموافقة اليوم الرابع عشر لشهر فبرير المذكور أيضاً.

    وكانت مرحلتنا الأولى منها حصن القبذاق ثم منه حصن قبرة ثم منه مدينة استجة ثم منها حصن أشونة ثم منه شلير ثم منه حصن أركش ثم منه قرية تعرف بقرية القشمة من قرى مدينة ابن السليم ثم منها جزيرة طريف، وذلك يوم الاثنين السادس والعشرين من الشهر المؤرخ.
    فلما كان ظهر يوم الثلاثاء من اليوم الثاني، يسر الله علينا في عبور البحر قصر مصمودة تيسيراً عجيباً، والحمد لله، ونهضا منه سبتة غدوة يوم الأربعاء الثامن والعشرين منه، وألقينا بها مركبا للروم الجنويين مقلعاً الإسكندرية بحول الله، عز وجل، فسهل الله علينا في الركوب فيه.
    وأقلعنا ظهر يوم الخميس التاسع والعشرين منه، وبموافقة الرابع والعشرين من فبرير المذكور، بحول الله تع وعونه، لارب غيره. وكان طريقنا في البحر محاذياً لبر الأندلس، وفار قناه يوم الخميس السادس لذي القعدة بعده عندما حاذينا دانية.
    وفي صبيحة يوم الجمعة السابع من الشهر المذكور آنفاً قابلنا بر جزيرة يابسة ثم يوم السبت بعده قابلنا جزيرة منورقة، ومن سبتة إليها نحو ثمانية بحارٍ، والمجرى مئة ميل.

    وفارقنا برهذه الجزيرة المذكورة، وقام معنا بر جزيرة سردانية أول ليلة الثلاثاء الحادي عشر من الشهر المذكور، وهو الثامن من مارس، دفعة واحدة على نحو ميلٍ أو أقل، وبين الجزيريتين سردانية ومنورقة نحو الأربع مئة ميل،فكان قطعاً مستغرباً في السرعة.
    أهوال البحر
    وطرأ علينا من مقابلة البر في الليل هول عظيم، عصم الله منه بريح أرسلها الله تع في الحين من تلقاء البر، فأخرجنا عنه، والحمد لله على ذلك.
    وقام علينا نوء هال له البحر صبيحة يوم الثلاثاء المذكور، فبقينا مترددين بسببه حول بر سردانية يوم الأربعاء بعده فأطلع الله علينا في حال الوحشة وانغلاق الجهات بالنوء فلا نميز شرقاً من غرب، مركباً للروم قصدنا أن حاذانا، فسئل عن مقصده، فأخبر أنه يريد جزيرة صقلية وأنه من قرطاجنة عمل مرسية وقد كنا استقبلنا طريقه التي جاء من غير علم، فأخذنا عند ذلك في اتباع أثره، والله الميسر لارب سواه.
    فخرج علينا طرف من بر سردانية المذكور، فأخذنا في الرجوع عوداً على بدء أن وصلنا طرفاً من البر المذكور يعرف بقوسمركة، وهو مرسى معروف عندهم، فأرسينا به ظهر يوم الأربعاء المذكور والمركب المذكور معنا، وبهذا الموضع المذكور أثر لبنيان قديم ذكر لنا أنه كان منزلاً لليهود فيما سلف.

    ثم إنا أقلعنا منه ظهر يوم الأحد السادس عشر من الشهر المذكور، وفي مدة مقامنا بالمرسى المذكور جددنا فيه الماء والحطب والزاد. وهبط واحد من المسلمين ممن يحفظ اللسان الرومي مع جملة من الروم أقرب المواضع المعمورة منا فأعلمنا أنه رأى جملة من أسرى المسلمين نحو الثمانين بين رجال ونساء يباعون في السوق. وكان ذلك عند وصول العدو، دمره الله، بهم من سواحل البحر ببلاد المسلمين، والله يتداركهم برحمته، ووصل المرسى المذكور، يوم الجمعة الثالث من يوم أرسينا فيه، سلطان الجزيرة المذكورة، مع جملة من الخيل.
    فنزل إليه أشياخ المركب من الروم واجتمعوا به، وطال مقامهم عنده، ثم انصرفوا وانصرف موضع سكناه. وتركنا المركب المذكور في موضع إرسائه، بسبب مغيب بعض أصحابه في البلد، عند هبوب الريح الموافقة لنا.
    قصة الكتاب

    أشهر رحلات أهل الأندلس، طبعت كاملة لأول مرة في لندن سنة 1852م بعناية الإنجليزي رايت، ثم في لندن سنة 1907م وترجمت قديماً إلى لغات كثيرة.
    خرج ابن جبير من بلده غرناطة يوم الخميس 8 / شوال / 578هـ بصحبة صديقه: أحمد بن حسان، قاصداً أداء فريضة الحج، عن طريق البحر، من سبتة إلى صقلية فالإسكندرية، حيث أقام بها مدة، ومال إلى القاهرة ومصر، فتجول بهما.
    ثم قصد مدينة قوص، ومنها إلى ميناء عيذاب، حيث استقل سفينة أوصلته إلى جدة، ووصف ما لاقاه من أهوال البحر الأحمر الذي كاد يعصف بسفينته، ودخل جدة في أيام أميرها: مكثر بن عيسى، فأقام بها أسبوعاً كاملاً، من ربيع الآخر 579هـ ونحى باللائمة على طريقة ابن عيسى في استيفاء المكوس رغم تحذيرات صلاح الدين وتعويضاته.
    ومن جدة ركب قافلة حملته إلى مكة، فوصلها يوم 13/ ربيع الآخر/ 579. ووصف كل معالمها وشعائرها وجبالها وأطعمة أهلها، وصب جام غضبه على من جعل حرم المسجد سوقاً للبيع. وأدهشه ما رآه من عادات قبائل االسرو اليمنية، وحظي بالدخول إلى الكعبة، ولم يكن ذلك ممنوعاً على الناس، ووصف مراسم الدخول إليها، وتفاصيل مشاهداته فيها.
    وأقام بمكة ثمانية أشهر، مكنته من كتابة أطول فصول رحلته. ثم قصد المدينة المنورة، ودخلها يوم 30 / محرم 580هـ وأقام فيا أقل من أسبوع، ما جعله يوجز في وصف معالم المدينة وحرمها، مستعيناً بما كتبه القدماء، واختار العودة إلى الأندلس من جهة الشام ماراً بنجد، فالكوفة فالحلة فبغداد حيث لبث فيها مدة وجد فيها الفرصة للكتابة عنها، وكان قاسياً في وصف أهلها.
    ثم قصد بلاد الشام ماراً بتكريت فالموصل، فنصيبين فدنيصر فرأس العين فحران فمنبج فبزاغة فالباب فحلب واصفلاً ما جاورها من بلاد الإسماعيلية، ومن حلب إلى قنسرين، فخان التركمان فالمعرة، فحماة فحمص فدمشق، ووصلها يوم 24 / ربيع الأول/ أثناء محاصرة صلاح الدين لحصن الكرك، وأقام في دمشق حتى 5/ جمادى الآخرة/ 580 وكتب نبذة مطولة عن جامعها وقلعتها وعاداتها وأخبار صلاح الدين فيها، وترك دمشق إلى عكا، وهي في يد الصليبيين، لركوب البحر مع تجار النصارى، إلى صقلية. ووصف إمارات الصليبيين في الساحل الشامي، وأسرى المسلمين في أيديهم، وما لقيه من الأهوال في البحر حتى وصوله جزيرة صقلية أيام صاحبها غليام، ووصل إلى منزله في غرناطة يوم الخميس 22 / محرم / 581هـ. ولعبد القدوس الأنصاري كتاب: (مع ابن جبير في رحلته).



    د. أبو شامة المغربي

    Reply With Quote  
     

  4. #76 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36


    رحلة ناصر خسرو

    فاتحة الكتاب
    قال ناصر خسرو
    هذا ما يقول أبو معين الدين ناصر خسرو القبادياني المروزي تاب الله عنه كانت صناعتي الإنشاء وكنت من المتصرفين في أموال السلطان وأعماله واشتغلت بالديوان وباشرت هذا العمل مدة من الزمن وذاع صيتي بين أقراني وفي ربيع الآخر سنة أيام أبي سليمان جغري بيك داود بن ميكائيل بن سلجوق حاكم خراسان ذهبت من مرو في عمل للديوان ونزلت في بنج ديه مرو الرود كان ذلك يوم قرآن الرأس والمشتري ويقال إن الله تعالى وتقدس يستجيب فيه إلى ما يطلب الناس من حاجات فذهبت إلى زاوية وصليت ركعتين ودعوته تعالى وتبارك إن ييسر لي أمري فلما عدت لأصدقائي وأصحابي وجدت أحدهم ينشد شعراً فارسياً فجال بخاطري أبيات فكتبتها على ورقة لأعطيه إياها حتى ينشدها فإذا به ينشد ما كتبت من شعر ولما أعطه الورقة فتفاءلت بهذه الحال وقلت في نفسي إن الله تعالى وتبارك قد قضى حاجتي ثم ذهبت إلى جزجانان فمكثت بها حوالي شهر وظللت أشرب الخمر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قولوا الحق ولو على أنفسكم " حتى إذا كانت ذات ليلة رأيت في المنام رجلاً يقول "لي إلى متى تشرب هذا الشراب الذي يسلب لب الرجال خير لك إن تصحو فأجبت إن الحكماء لا يستطيعون شيئاً غير هذا يقلل هموم الدنيا فأجاب إن التسرية عن النفس لا تتأتى بفقد الشعور والعقل والحكيم لا يستطيع إن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاد يصلح هادياً للناس بل ينبغي عليه إن يبحث عما يزيد العقل والحكمة قلت وأنى لي هذا قال من جد وجد ثم أشار إلى القبلة ولم يقل شيئاً فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤيا ماثلة بأكملها أمامي وقد أثرت في فقلت لنفسي صحوت من نوم البارحة وينبغي إن أصحو من نوم أربعين سنة خلت وأمعنت الفكر فوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي .
    وفي يوم الخميس من جمادى الآخر سنة ديسمبر منتصف شهر دي من السنة الفارسية من التقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلى الجامع فصليت ودعوت الله تبارك و تعالى إن يعينني على أداء الواجب وعلى ترك المنهيات والسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالى.
    ثم توجهت من هناك إلى شبورغان وفي المساء كنت في قرية بارياب ومنها سرت إلى مرو الرود عن طريق سنكلان وطالقان فلما بلغت مرو طلبت إعفائي مما عهد إلي من عمل وقلت إني عازم على الحج ثم أديت ما علي من حساب وتركت أموالي عدا القليل الضروري منها.
    وفي الثالث والعشرين من شعبان مارس عزمت على السفر إلى نيشابور فسرت من مرو إلى سرخس وهي على ثلاثين فرسخاً منها ومن سرخس إلى نيشابور أربعون فرسخاً وقد بلغتها يوم السبت الحادي عشر من شوال إبريل ويوم الأربعاء آخر هذا الشهر كسفت الشمس كان الحاكم حينئذ طغرل بيك محمد أخو جغري بيك وكانوا يشيدون مدرسة بقرب سوق السراجين أمر ببنائها وقد ذهب أثناء ولايته لأول مرة للاستيلاء على ولاية أصفهان.
    وفي الثاني من ذي القعدة مايو غادرت نيشابور في صحبة الأستاذ الموفق الذي كان مؤدباً للسلطان فبلغنا قومس عن طريق كوان وزرت الشيخ بايزيد البسطامي قدس الله روحه.
    وفي الجمعة الثامن من ذي القعدة مايو سرت إلى دامغان ثم بلغت سمنان عن طريق آنجوري وجاشت خواران في غرة ذي الحجة سنة يونيو وقد مكثت هناك زمناً وتعرفت بأهل العلم وقد دلوني على رجل اسمه علي النسائي وهو شاب يتكلم الفارسية بلهجة الديالمة كان شعر رأسه مرسلاً كان وهو يتكلم يقول إني قرأت كذا على الأستاذ أبي علي سينا رحمه الله وهكذا سمعت عنه لكي أعرف أنه تلميذ ابن سينا ولما ناظرته قال إني قليل المعرفة بكل علم وأحب إن أقرأ معك قليلاً في الحساب فخرجت متعجبا قلت مإذا يعلم الآخرين وهو لا يعلم شيئاً.
    وعدت من بلخ إلى الري ثلاثمائة وخمسين فرسخاً ويقال إنه من الري إلى ساوه ثلاثون فرسخاً ومن ساوه إلى همدان كذلك ومن الري إلى أصفهان خمسون فرسخاً وإلى آمل ثلاثون وبين الري وآمل جبل دماوند وهو كالقبة ويسمى لواسإن ويقال إن بقمته بئراً يستخرج منه النوشادر ويقال والكبريت أيضاً فيصعد عليها رجال يحملون جلود البقر ويملئونها بالنوشادر ثم يدحرجونها من قمة الجبل لتعذر إيجاد طريق لنقلها.


    قصة الكتاب
    سفر نامة
    أقدم ما وصلنا من الرحلات الشرقية المدونة، وأشهر الرحلات الفارسية، وهي أكثر من خمسين رحلة، أنظر قائمة بها في مجلة العرب (س32 ص30).
    وكان الدافع للقيام بها ما يعتصر قلب خسرو من الحيرة الدينية، التي تتجلى في معظم مؤلفاته ودواوينه.
    ويرى المؤرخ رشيد الدين في كتابه (الورقات ص286) أنه قام بها تلبية لدعوة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، الذي مجده في ديوانه، ونعته بجوهرة التاج ومفخرة الإنس والجن (الديوان ص364) وبسبب مدائحه للمستنصر جعله أحد الحجج الاثني عشر، ونصّبه حجةً على إقليم خراسان، حيث أسس في بلدة (يُمكان) مذهباً خاصاً به، نثر أسسه في كتابه (وجه دين) وأصبح به صاحب فرقة، يدعو إليها ويضطر إلى الاختفاء في الجبال لأجلها. ويعتبر كتابه (زاد المسافرين) من أهم كتب الإسماعيلية، وهو الكتاب الذي حمل عليه الفخر الرازي في كتابه: (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص78).
    بدأ خسرو رحلته بالخروج من مرو في ربيع الآخر سنة 437هـ ووصل القاهرة في 7 / صفر/ 439هـ وبقي فيها حتى جمادى الآخرة 442 وعاد إلى بلاده، ووصل إلى بلخ في صحبة أخيه أبي الفتح يوم 26 / جمادى الآخرة / 444هـ.
    ومن نوادره ما حكاه لدى زيارته مدينة تنيس، عن القماش المسمى (أبو قلمون) الذي يتغير لونه باختلاف ساعات النهار، وما رآه في سوق القناديل، من التحف النادرة والثمينة.
    وفي كتاب: (كنوز الفاطميين) دراسة ما سجله ناصر خسرو عن هذه التحف، ونجده يقف مرة ثانية مدهوشاً أمام نظام الحكومة القرمطية في الأحساء، ونظام التعامل المصرفي في أسواق البصرة، التي أكانت أول من أقر نظام التعامل بالشيكات.
    ويعجب الباحثون من حديثه عن مملكة أبي العلاء المعري في المعرة، ووصفه له بأنه واسع الثراء، كثير العبيد، إلا أنه لم يكلف نفسه عناء مقابلته، واكتفى بنقل كلام الناس عنه.
    طبعت هذه الرحلة لأول مرة مع ترجمة فرنسية سنة 1881م بعناية شارل شيفر، ثم طبعت في برلين سنة 1341هـ بتحقيق الأستاذ غني زاده.
    ثم قام د. يحيى خشاب بترجمتها إلى العربية (القاهرة 1945م) وتلاه الأستاذ محمد دبير سياقي، فقام سنة 1965م بإصدار نشرة علمية للرحلة، بلغتها الأصلية، رجع فيها إلى كل ما عرف من مخطوطاتها، وتصدى لإيضاح كثير من الكلمات الغامضة فيها. ثم قام د. أحمد خالد البدلي بإصدار نشرة عربية للرحلة (الرياض 1983م)، وتناول المرحوم حمد الجاسر هذه النشرة بالنقد في مجلته: العرب (س20 ص486 و609).

    د. أبو شامة المغربي
    kalimates@maktoob.com

    Reply With Quote  
     

  5. #77 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36
    رحلة لسان الدين بن الخطيب
    خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف
    قال لسان الدين بن الخطيب
    نحمد الله حمد معترف بحقه، ونشكره على عوائد فضله ورفقه، الذي جعل لنا الأرض ذلولا نمشي في مناكبها، ونأكل من رزقه، ونصلي على سيدنا ومولانا محمد خيرته من خلقه، ونستوهب للمقام المولوي اليوسفي النصري سعداً يتلألأ نور أفقه، ونصراً يتلى بغرب المعمور وشرقه. ونقول:
    وقائلة صف لي فديتـك رحـلةً*عنيت بها يا شقة القلب من بعد
    فقلت خذيها من لسـان بـلاغة*كما نظم الياقوت والدر في عقد
    لما وقع العزم الذي وفقه الله على مصالح هذه الجزيرة، والقصد المعرب عن كريم العقيدة وفضل السريرة، على تفقد بلادها وأقطارها، وتمهيد أوطانها، وتيسير أوطارها، رأى من قلده الله أمورها، ووكل إلى حمايته ثغورها، مولانا وعصمة ديننا ودنيانا أمير المسلمين وظل الله على العالمين أبو الحجاج بن مولانا أمير المسلمين وكبير الملوك العادلين الصالحين أبي الوليد إسماعيل بن مولانا الهمام الأعلى، الذي تروى مفاخره وتتلى، أبي سعيد حفظ الله منه على الأيام بحر الندى، وبدر المنتدى، وسابق الفخر البعيد المدى وشمله برواق عصمته كلما راح واغتدى، أن يباشرها بنفسه، ويجعل آفاقها مطالع شمسه، نظراً للإسلام وقياماً بحقه، وعملا على ما يقربه ممن استخلفه على خلقه، في وجهة خالفها الغمام المنسجم، وقصبة قضى لها بالسعد من لا ينجم، فكان البروز إليها يوم الأحد سابع عشر المحرم فاتح عام ثمانية وأربعين وسبعمائة.

    خرجنا وصفحة الأفق بالغيم منتقبة وأدمع السحب لوداعنا منسكبة نتبع من الراية الحمراء دليلا هادياً، وتغترف من وجهتنا الجهادية سناء بادياً ونثق بوعد الله سبحانه في قوله ولا يقطعون وادياً. وسلكنا جادة الماء المفروش نسرح اللحاظ بين تلك العروش، ونبتذل ما نحلته عروش الربيع من تلك الفروش، ومن له بالحضرة حرسها الله شوق حثيث، وهوى قديم وحديث، يكثر الالتفات، ويتذكر لما فات ويبوح بشجنه، وينشد مشيراً إلى سكنه.
    يوم أزمعت عنك طي البعـاد*وعدتني عن الوداع العواد
    يقال صحبي وقد أطلت التفاتي*أي شيء تركت قلت فؤادي
    وربما غلبته لواعج أشراقه، وشبت زافراته عن أطواقه، فعبر عن وجده، وخاطب الحضرة معرباً عن حسن عهده:
    ألا عم صباحاً أيها الربع وأسلـم*ودم في جوار الله غير مذمـم
    ولا عدمت أرجاؤك النور إنهـا*مطالع أقماري وآفاق أنـجـم
    إذا نسى الناس العهود وأغفلـوا*فعهدك في قلبي وذكرك في فم
    وإني وإن أزمعت عنك لـطـية*وقوضت رحلي عنك دون تلوم
    فقلبي لك البيت العتيق مقـامـه*وشوقي إحرامي ودمعي زمزم
    ثم استقلت بنا الحمول، وكان بوادي فردس النزول، منزل خصيب ومحل له من الحسن نصيب، ولما ابتسم ثغر الصباح، وبشرت بمقدمة نسمات الرياح، ألغينا عمل السراج إلى الإسراج، وشرعنا في السير الدائب، وصرفنا إلى وادي آش صروف الركائب، واجتزنا بوادي حمتها، وقد متع النهار، وتأرجت الأزهار، فشاهدنا به معالم الأعلام، وحيينا دار حمدة بالسلام، وتذاكرنا عمارة نواديها، وتناشدنا قولها في واديها:
    أباح الشوق أسـراري بـوادي*له في الحسن آثـار بـوادي
    فمن واد يطوف بـكـل روض*ومن روض يطوف بكل وادي
    ومن بين الظباء مـهـاة رمـل*سبت قلبي وقد ملكت فـؤادي
    لهـا لـحـظ تـرقـده لأمـر*وذاك الأمر يمنعنـي رقـادي
    كأن البدر مـات لـه شـقـيق*فمن حزن تسربل بالـحـداد
    واستقبلنا البلدة حرسها الله في تبريز سلب الأعياد احتفالا، وغصبها حسنها، وجمالها نادي بأهل المدينة، موعدكم يوم الزينة، فسمحت الحجال برباتها، والقلوب بحباتها، والمقاصر بحورها، والمنازل ببدورها، فرأينا تزاحم الكواكب بالمناكب وتدافع البدور بالصدور بيضاء كأسراب الحمائم، والقرى الجميل فبتنا نثني على مكارمهم الوافية، وفواضلهم الكافية ولم نحفل بقول ابن أبي العافيه:
    إذا ما مررت بوادي الأشا*فقل رب من لدغة سلم
    وكيف السلامة في منزل*فيه عصبة من بنى أرقم
    قصة الكتاب
    خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف
    إحدى رحلات لسان الدين ابن الخطيب الأربع، التي أودع فيها مشاهداته في تنقلاته الطويلة، وهي:
    1- خطرة الطيف
    2- مفاخرة مالقة وسلا.
    3- معيار الاختبار في ذكر المعاهد والآثار.
    4- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب.
    أما خطرة الطيف، فهي مقامة، وصف فيها رحلة رسمية، قام بها إلى غرناطة، في صحبة أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف بن نصر، لتفقد أحوال الثغور الشرقية لمملكة غرناطة. وكان خروج الركب السلطاني من غرناطة: يوم الأحد 17 / محرم / 747هـ نشرها لأول مرة: المستشرق الألماني ماركوس جوزيف (مولر) في كتابه (نخب من تاريخ المغرب العربي) سنة 1866م معتمداً فقط على ما ورد من هذه الرحلة في كتاب (ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب) لابن الخطيب.
    وعثر د. أحمد مختار العبادي على نسخة أخرى لهذه الرحلة في مكتبة الأسكوريال، تقع في (19) ورقة، فعمل على نشرها من جديد، لوجود بعض الاختلافات بين النسختين.
    وانظر مجلة العرب (س14 ص799) وفيها تعريف بكتاب ابن الخطيب (أوصاف الناس في التواريخ والصلات) ترجم فيه لمعاصريه من أهل بلاده، وكتابه (معيار الاختيار) المذكور آنفاً، وهو مستخرج من كتابه: (ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب).
    د. أبو شامة المغربي

    Reply With Quote  
     

  6. #78 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36
    رسالة ابن عَميرة المخزومي الأندلسي في الوصف التسجيلي.
    أ - رسائل الوصف التسجيلي ( الوثائقي ):

    كانت الرحلة مصدر علم وأدب غزيرين، وفي الكتب الخاصة بالرحلات المعروفة؛ كرحلة ابن جبير والعبدري وابن بطوطة وغيرها نماذج مفيدة وممتعة لهذا الوصف التسجيلي، تفي بحاجة المؤرخ المستخبر والأديب المتذوق.
    ويمكن أن نضيف إلى كتب الرحلات الكبيرة المعروفة رسائل الكتاب الخاصة القصيرة المجهولة المتعلقة برحلاتهم وزياراتهم، وبمشاهداتهم ومعاناتهم خلال حركاتهم وتنقلاتهم عبر الأمكنة والأزمنة المختلفة.
    وكان كتاب الأندلس أكثر من تناول موضوع رحلاتهم وتنقلاتهم الشخصية بالتسجيل والتوثيق، نتيجة لاضطراب موجة الحياة العامة في الأندلس التي كانت تقذف بهم تارة إلى العدوة المغربية القريبة، وتارة إلى البلاد المشرقية البعيدة، وتارة أخرى إلى داخل ممالك الأندلس النصرانية، وخاصة بعد أن قويت حركة الجلاء التي أعقبت سقوط دولة الموحدين بالأندلس...
    وقد كتب أبو المطرف بن عَميرة الأندلسي صديق ابن الأبار، ورفيقه في درب الكتابة والأدب والكفاح، رسائل كثيرة من هذا النوع سجل فيها مذكراته وانطباعاته عن أحوال سفره ومعاناته في الرحلة بين كثير من جهات العدوتين.
    وهذا سجل ملخص عن سيرته وحياته التي توزعت بين الأندلس والمغرب وتونس:
    هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن أحمد بن عَميرة(1) المخزومي، ولد في جزيرة شُقْر الأندلسية الموصوفة عند المؤرخين والجغرافيين بجمالها وحسن منظرها، سنة 582 هجرية، وبها نشأ وفيها أهله الذين كان يعود إليهم بين الفينة والأخرى كلما انتهى من تجواله، وسكن بلنسية زمنا بحكم دراسته ووظيفته، كما تنقل بين كثير من المدن الأندلسية الأخرى بحثا عن العلم والمجد والحظوة. فقد كتب عن أبي عبد الله بن حفص في بلنسية ، وعن واليها السيد أبي زيد كصديقه ابن الأبار، كما كتب عن ابن هود في مرسية، وتقلد منصب القضاء بشاطبة.
    وعندما ساءت الأوضاع بالأندلس، وبدأت حركة الجلاء توجه إلى المغرب سنة 637 هجرية، فكتب عن الخليفة الموحدي الرشيد بمراكش قبيل انقراض دولة الموحدين نهائيا، وتقلد منصب القضاء في بعض المدن المغربية كهيلانة والرباط وسلا ومكناسة، وبقي في بلاد المغرب إلى سنة 646 هجرية.
    وبعد هذه السنة انتقل إلى بلاد إفريقية ( تونس) حيث بلاط الحفصيين، وبقي فيها إلى أن وافته المنية سنة 658 هجرية. وفي أثناء ذلك تقلد منصب القضاء كعادته في بعض الجهات الحفصية إلى جانب مناصب سياسة أخرى؛ فقد كانت صلته ببلاط الحفصيين وطيدة ومتمكنة، وربما يرجع ذلك إلى خبرته ودبلوماسيته، وحسن مداخلته للناس خاصتهم وعامتهم بخلاف صديقه ابن الأبار الذي سجل عليه بعض من ترجموا له أنه كان ضيق الخلق، وصريحا وعنيفا في لومه وانتقاده، مما أثار حفيظة الحفصيين عليه، كما اتضح من خلال كلام ابن خلدون عنه، وقد سقناه في الإدراج السابق.
    وابن عَميرة هذا أحد كتاب الرسائل الإخوانية المبرزين، فله رسائل كثيرة في موضوع الإخوانيات، مما يدل من جهة، على كثرة إخوانه وأصدقائه، ومن جهة ثانية، على حرصه وعمله الدؤوب من أجل تمكين وتوطيد علاقاته بهم، وذلك بمخاطبة ودهم والتشوق إلى لقائهم ومواساتهم عند الجزع، والحرص على نفعهم، والسعي في مصالحهم عند الشدائد لدى أصحاب الأمر والنهي من الرؤساء والأمراء والوزراء والأعيان، وربما عرضنا لبعض خدماته الإخوانية والإنسانية العظيمة، بشيء من التفصيل في إدراجات لاحقة.
    وهذا الآن، مقتطف من رسالة كتبها ابن عَميرة إلى صديقه أبي عبد الله بن الجنان، يصف فيها أهوال رحلته إلى (ألمرية) بالأندلس، وكيف ضل الطريق، وفقد المركوب وأحدَ مرافقيه وكان يدعى سحيم، بسبب هبوب رياح قوية من جهة البحر، أثارت زوابع رملية كثيفة غطت الفضاء وحجبت الرؤية وملأت العيون والأسبلة (اللحى)، ثم كيف احتمى مع رفاقه ببعض الأبنية الواهية العفنة، حتى تهدأ العاصفة.
    وقد لا يخفى على القارئ الكريم تعقد صنعة الكتابة عند أبي المطرف بن عَميرة، وخاصة فيما يخص صناعة التجنيس التي تقوم على مبدأ التماثل الخطي والصوتي بين الكلمات كما في قوله: ( ونادينا وقد ند من يسمع المنادي) حيث حرف الدال والنون هما نقطة الارتكاز في هذا المثال، وفي قوله أيضا: (ووجدنا من تغير الهواء وجد آل عذرة بالهوى) حيث الارتكاز هنا على حروف الواو والجيم، والدال، والهاء، والواو، والألف.
    والتجنيس من أهم الصناعات اللفظية التي سادت في عصر ابن عَميرة، والتي يسعى الكاتب من خلالها إلى تحقيق قيم التناسب والجمال في كتابته.
    وواضح تأثر ابن عَميرة بمدرسة العماد الأصفهاني كاتب صلاح الدين الأيوبي المشهور المتوفى سنة 597هجرية، وهو أحد رموز صناعة التجنيس في تاريخ الكتابة، وقد بالغ فيها أيما مبالغة حتى عيب عليه ذلك، والتزمها في سائر مكاتباته ومصنافته العديدة في مجال التاريخ والتراجم.
    أما تضمين الإشارات المختلفة، وهو ما يعرف الآن ب(التناص)، فكان القصد منه أن يعرض الكاتب بضاعته المعرفية في موضعها الصحيح وسياقها المناسب، مما قد يدل على سعة معرفته واطلاعه، وقد ألم ابن عَميرة بصناعة التضمين في قوله: (وخشينا أن تكون قارظية)، وقد أشار هنا بكلمة (قارظية) إلى المثل العربي الموجود في كتب الأمثال الذي يقول: (حتى يؤوب القارظ)، وهذا المثل يضرب في الذي يذهب ولا يعود، وأصله أن رجلا من قبيلة عنزة خرج يطلب القرظ: وهو ورق السلم يدبغ به، فلم يعد، فضرب به المثل.
    والتضمين من الصناعات المعنوية التي تتطلب من القارئ حسن الاطلاع والتوسع حتى يتمكن من إدراك حقيقة وأبعاد المعاني الكامنة وراء تلك الإشارات والتضمينات.
    مقتطف من رسالة ابن عميرة في الوصف التسجيلي:

    ولا تسأل عن يوم كابدته، ورفيق ناكدني وناكدته، والسفر فيه الحلو والكريه، والرفقاء منهم الحليم والسفيه، ضللنا ولا هادي، ونادينا وقد ند من يسمع المنادي، حتى خفناها قضية، وخشينا أن تكون قارظية، وبعد العشاء الطويل اهتدينا إلى السبيل، وسرنا وقد قوي الطوى، ووهنت القوى، ووجدنا من تغير الهواء وجد آل عذرة بالهوى.

    ومن شديد ما لقينا ريح عاتية، عادية عادية، هبت من الجهة البحرية، وعصفت على القرب من ألمرية، فأثارت رمالا، أرتنا أهوالا، وملأت منا عيونا وسبالا، فيا لساعة أضاعت المكتوبة، ودلهت الحجرين: العقل والركوبة، وهناك ضاع منا سحيم، وحال دونه عجاج وغيم، وملنا بعد الشقة المتناهية إلى بعض المباني الواهية، فبتنا ندافع بكنه البرد، ونستنشق من خسائس حشه النسرين فالورد، ونباهي بخرابه إيوان كسرى أو يزدجرد
    .
    ******

    هامش: (1) عَميرة بفتح العين، هكذا ضبط اسمه لدى أكثر من ترجموا له، عند القدماء، وعند المحدثين أيضا، كما عند الدكتور محمد بن شريفة مضبوطا، في عنوان كتابه الذي خصصه لهذا الكاتب بفتح العين، تحت عنوان: (أبو المطرف أحمد بن عَميرة المخزومي، حياته وآثاره) وعمل الدكتور بن شريفة هذا هو في الأصل أطروحة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا، من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1964م، وكانت أول أطروحة جامعية عليا تناقش بالمغرب.
    المصدر على الرابط التالي:
    د. أبو شامة المغربي

    Reply With Quote  
     

  7. #79 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36

    Reply With Quote  
     

  8. #80 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36

    Reply With Quote  
     

  9. #81 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36



    ((تحفة الملك العزيز بمملكة باريز))
    من أدب الرحلات للسفير إدريس بن إدريس العمراوي
    تقديم وتعليق الدكتور زكي مبارك
    عرض الدكتور مصطفى محمد العبد الله


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com

    Reply With Quote  
     

  10. #82 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36

    Reply With Quote  
     

  11. #83 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36
    المؤرّخون والجغرافيّون والرّحالة
    هاشم عثمان
    د. أبو شامة المغربي


    Reply With Quote  
     

  12. #84 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد أبو شامة المغربي's Avatar
    Join Date
    Feb 2006
    Location
    المملكة المغربية
    Posts
    16,955
    Rep Power
    36

    Reply With Quote  
     

Posting Permissions
  • You may not post new threads
  • You may not post replies
  • You may not post attachments
  • You may not edit your posts
  •