ذهب وهو كالطيف الشارد واللحن المعذب والأمل الحزين واليأس القاتل إلى ضريح حبيبته التي دونها الموت في سجله الضخم شهيدة الحب وقتيلة الوفاء وهناك استقر به المقام حيث بدء يعزف لحنه التائه في خضم العبرات وأنين الذكريات فكان من واجب الشعر أن ينطق تأوهاته ويبين شكاته فترجم اللحن شعرا فكان صورة مماثلة للذي ندب به حبيبته التي ذهبت مع الفجر .......... ولن تعود
مَاتتْ على جنبـات السهـلِ ألحـانُ
وضاع حلم بزهـر السعـد مـزدانُ
مَن سربَلَتهـم دروعُ العـزِ سابغـةً
أمستْ تسربلُهم فـى القبـرِ أكفـانُ
أنظر إمامكَ كم فى السهل مِن جَدَثٍ
كأن من سكنوا أحشاه ما كـا نـوا
وسر وئيد الخطى يا صاح فى مهـل
فكم تلاشـى بهـذا التـرب إنسـانُ
في صمت وادي الفنا يا صاح فلسفة
تعيي أريبا لـه فـى دهـره شـانُ
شك يعربد فيـه الفكـر مصطخبـا
يـزداد شكـا أن وفــاه إمـعـانُ
فعـد بفلكـك يـا ربـان مغتنمـا
نُعمى الإيـاب فمـا للـج شطـآنُ
كم أناس تحاشى الكـون غضبتهـم
لاالأنس أفزعهـم خوفـاًولا الجـانُ
أنظر تجدهم ثووا فى جوف مقبـرة
مازاد عنهم صروف الدهر سلطـانُ
بالأمس كم ملأوا حان الهوى طربـا
واليوم يندب حان اللهو مـن بانـوا
لي فيك يـا سهـل آمـالٌ مُضيَّعَـةٌ
القلب يبكـى لهـا والدمـع هتـانُ
أيام كنا وخمـر العشـق تسكرنـا
نستاف عبق الجنى والعمـر ريـانُ
من ناي حبى تهادى لحـن بهجتنـا
وأنساب سحرا وليل الأنـس فتـانُ
والكأس نشوَى بخمر الحب مترعـة
واليمن ساق وزهر الليـل ندمـانُ
موكب السعد فـى الآفـاق مؤتلـق
والبشر قامت لـه كالطـود أركـانُ
هنا حياتـى هنـا عذراءُ قد رَقَدَتْ
أودى الوفاء بـها والغصـن فينـانُ
ينثال ريح المنى مـن ثغـرها أرجـا
كما تنفس فـى البستـان ريحـانُ
تلك الملاحن لما غـاب قـد قُلبـت
شكوى يرددها فـى الليـل ولهـانُ
يـا ربـوة بجـوار الشـط جاثمـة
فى رأسها عُقـدت للبشـر تيجـانُ
فيك تربت زهور العشق وازدهـرت
وأسلمتهـا لثغـر الفجـر أغصـانُ
يا دوحـة بفنـاء المـوت باسقـة
الطيـر رف عليهـا وهـو حيـرانُ
مالي أراه على الأغصـان منتحبـا
يشدو وفى نبـرات الشـدو أحـزانُ
يا طير كـف كفتنـا منـك مـرزأة
فمن لحونـك بيـن القلـب نيـرانُُ
واعزف على الأيك عن ماضى صبايا
وما تغنى به فـى الأنـس هيمـانُ
كي نستعيـد مسـرات لنـا سلفـت
فى طيهـا اندثـرت للحـب عيـدانُ
القلب بعدك مـا التأمـت جراحتـه
وكل مَن في الورى إفـك وبهتـانُ
هيهات أسلـو أو أبغـي لهـا بـدلا
حتى يجمعنا فـى الخلـد رضـوانُ
إن الحيـاة سـواك أصبحـت عبثـا
فكيف يبقى بـدون الـروح جثمـانُ
إني خبرتُ صروف الدهـر أجمعهـا
وطالمـا خـبـر الأيــامَ فـنـانُ
فما وجدت لـدى البأسـاء تعزيـةً
كمثـل قلـبٍ لَـُـه بالله إيـمـانُ
محمد عبد الله