كتبها: فيصل الملوحي
منطلقنا في الحوار:
{كي لا تفهمونا - غلط ٍٍِْ}
أذكر هنا خاطرتين:
١- بعضاَ من آداب الحوار- فقط -:
الإنسان إنسان لا يتميّز أحد على الآخر إلا بعلمه، و بصدق تعامله مع علمه ( ومنه انتفاع الآخرين بعلمه بدون أن ينتج عنه ضرر لآخرين لاذنب لهم ) ، وبدون أن يحشر نفسه فيما لا علم له فيه.
هذا منطلقنا، فلا نبرّئ أيّ إنسان من الخطأ، فنعطيه مرتبة البــراءة من الزلل، و لانسفّه آراءه، و نرفضها جملة واحدة، فلا تجريح إن خطّأنا كبير القوم. و لا تسفيه لكلّ مايقول،إنّه إنسان يصيب و يخطئ ،ولانقول: آمين لكلّ مايقول، حتى يكون لنا صنماً ( بالفعل لا بالاسم!! ).
٢- وأسباب تدخّلي في هذا الموضوع:
أنا إنسان رحمني الله من الشهرة!! التي مَنّ الله بها على شاعرنارئيس مجمعنا اللغويّ في القاهرة ( فاروق شوشة )، فهل ذحيرتي العلمية الثقافيّة التي هبطت عمّا وصل إليه شاعرنا تجيز لي أن أناطح العلماء!! - حاش لله - و لكنّ العارف بسير اللغة و الشعر والأدب في أيّامنا يعرف أنّي قادر على خوض هذا الغمار، دون أن أكون في منصب رئيس مجمع.
إخوتي العرب - أبناء جيلي و جيلَيْ والدي وجدّي - ، يذكرون أنّ ( كلوب باشا ) كان من أعلم العرب بأخوال العرب و نظمهم الاجتماعيّة.
والمستشرقون، من يُنكر علم فريق منهم؟!وسؤالي إليكم : هل يقصدون جميعاً بعلمهم خدمة للعلم و مبتكري هذا العلم؟! ألا تَرَوْن أن كثيراً منهم يحرّفون الكلم من بعد مواضعه؟!
و لا ننسى أن نشير إلى المستشرقين الذين أنصفوا بعض الإنصاف.
ولكن هل يقبل أحدكم أن يكون من تلامذة ذلك وهؤلاء، أو أتباع أفكارهم ، أو من المنضوين تحت لواء أوهامهم و ضلالاتهم؟!
أرجو من كلّ منكم أن يصرخ بملء فيه لا للأعداء، لا للمحتلّين ،لا للمتآمرين على المساكين من هذه الشعوب، لا لمن يقوّض ما نعتزّ به ونفخر ( لا لأنّه إرث ورّثه الأسلاف!! بل لأنّه الحقّ كلّ الحقّ.أقول هذا خوف أن يتّهمني مَنْ يتّهمني بالجمود والتعفّن، وخوف أنْ يظنّ أحدهم أنّنا لانملك سوى الشعارات الحماسيّة الجوفاء، نحن معهم إذا كانت جوفاء، و لكنّ الفكر وما يشدّ أزر قومنا، ألا يحتاج إلى حميّة أم يريدنا أن نكون مؤمنين بما لا يُحرّك مشاعرنا، و لا يدفعنا إلى الذبّ عنه؟!)
شاعرنارئيس مجمعنا اللغويّ في القاهرة ( فاروق شوشة-وليعذرني فإنّي أرى فيه شاعر اً
-مع التجاوز-أكثر من أن يكون رئيساً لللمجمع اللغويّ، وقد يفيظه الأمر فيُقدّم و يؤخّر !).ولننظر إلى مُقدّم البرنامج الذي حاور الشاعر الكبير رئيس المجمع وإبداعاته ، و انظر إليه وهو يطأطئ رأسه أمامه، فشتّان شتّان، ونسي المسكين أنّ التواضع لايصل بالمرء إلى ما وصل إليه!!
الحياة تطلب منّا اللحاق بالدرب!!
( كلمة حقّ يُراد بها باطل! )
كان من رأي شاعرنا أنّ اللسان العربيّ يتطوّر بما دخله من مفردات أعجميّة، وتعبيرات جديدة، ومجازات لم يألفها اللسان العربيّ، فالحياة تطلب منّا اللحاق بالدرب، وإلا داستنا سنابك خيول الأمم المنطلقة إلى المستقبل العظيم,
الردّ: لايجهل أبداً شاعرنا القواعد التي بآليّتها تقدّم اللسان العربي وغني، فتقدّمت العلوم به ، و تطوّر العمران و نشأت الحضارة، وانتقل التراث اليونانيّ وغيره إلى اللسان العربيّ فعُدّل ما عدّل، وأضاف ماأضاف، ثمّ تلقّفه الغرب فكانت هذه الطفرة الحضاريّة.
لم يتخلّ أحد عن اللسان العربيّ و لا عن أصوله و قواعده، و لم تتوقّف المسيرة الحضاريّة،بل شهد الأنام بما أبدعه للإنسان!
فلماذا يريد اليوم أن نتقدّم! بطمس هذه الأصول والقواعد؟!
ماأذكره ليس بجديد يعرفه أهل العلم المخلَصون ، ولم أنس سنن الكون في تمازج الشعوب، وأخذ بعضها من بعض، فتتقارب الثقافات، و تتلاقح الألسنة في فترات السلم و الهدوءـ و يتباعد بعضها عن بعض في فترات الحروب و الاضطرابات, والعربيّة لا تأبى الاقتباس وفق هذه الأصول والقواعد.
إلى جانب هذه الخيّرات الحسان ( التي يمنّ بها عليها شاعرنا الكريم!!) يتفتّت اللسان الواحد، فيصبح لغات ( لهجات )، وليس أمر اللاتينيّة عنّا ببعيد!!
فهل نأمل أن يحذوَ اللسان العربيّ حذوَ هذه الألسنة!! وتضيع هذه الميزة (التي يصفونها بالكذّابيّة سخريّة منّا - نحن الذين نعيش على الأوهام!!) ميزة الثبات التي تمكّن العربيّ في القرن الواحد والعشرين أن يفهم كلام امرئ القيس والنابغة...، فيبقى في عقولنا ثروة لغوية اجتماعيّة .. . من زمن يطول، و إذا أرادت الأمم الأخرى أن تعــــــود إلى قرون قليلة فتستعين بالترجمة، ومتى استطاع الإنسان من ترجمة النصوص الأدبيّة والشعر بأمانة؟!
هل ترَوْن معي أنّ اللسان اللاتينيّ ما كانت تنطق به الأمم اللاتينيّة، و الفرنسيّ اليوم ما يردّده الفرنسيّون، (وإنْ كنّا نعلم عن البَون الشاسع بين اللسان الفرنسيّ الفصيح!! ولغات العامّة ال-argo - في الشوارع والبيوت و المجمّعات الخاصّة).
لكن منذ أن نشأت الفرنسيّة إلى يومنا هذا هل كانت لساناً واحدا؟ وهل تختلف أحوال الألسنة الأخرى عن مسيرة الفرنسيّة؟
هل العربيّة منذ تفرّعها من الألسنة الساميّة (لاأدخل هنا في نزاعهم حول صدق هذه النظريّة، و لكن لآبدّ أن يكون للعربيّة أصل قديم ) بقيت عربيّة واحدة، مروراً بلغة اليمن السحيقة ( وممّا نؤمن به أنّ اللسان البربريّ جاءت به قوافل المهاجرين من اليمن ، و للآحرين حقّ مخالفتي!!)، فهي تختلف عن العربيّة التي صمدت في الحياة عبر حمسة عشر قرنا و نرجو لها أن تدوم إلى يوم القيامة.. وهي العربيّة التي أجمعنا على التمسّك بأهدابها ( إلا من .... ربّك!! ).
فهل نأمل أن يحذوَ اللسان العربيّ حذوَ هذه الألسنــــــة!! وتضيع هذه الميزة (التي يصفونها بالكذّابيّة سخريّة منّا - نحن الذين نعيش على الأوهام!!) ميزة الثبات التي تمكّن العربيّ في القرن الواحد والعشرين أن يفهم كلام امرئ القيس والنابغة...، فيبقى في عقولنا ثروة لغوية اجتماعيّة ... من زمن يطول، أمّا إذا أرادت الأمم الأخرى أن تعود إلى قرون قليلة توسّطت إليها بالترجمة، ومتى استطاع الإنسان من ترجمة النصوص الأدبيّة والشعر بأمانة؟!
سامحوني فلا أدّعي أنّي آتي بجديد، و بُغيتي فيما أذكره أن يكون هو الردّ على هذه الفكرة الحصاريّة!!
أنلغي هذ الأصول المهترئــــــة! ونتقبّل كلّ ( ما هبّ و دبّ ) في لساننا؟! و لماذا يبقى المجمع اللغويّ إن لم يواكب هذا التقدّم ويتعاون مع علماء الموادّ الأخرى ومع المختصّين في اللســان المترجم عنه على وضع مصطلحات علميّة عربيّة دقّيقة علميّاً، سليمة لغويّا، ثمّ ّيضبط الدخيــل ( المخالف للأصول ) من المفردات والتعبيرات والمجازات؟!
أيريدنا أن نقبل منه هذا التعريب، ( لوكندة، بنسيون...)، أيريدنا أن ننتظر موت اللسان العربيّ، كما قال حافظ إبراهيم ( و يؤسفني أنّي مازلت أحترم رأيه بالرغم من تخلّفه!!).
علم الاحتجاج:الحمد لله أن وجدنا من يتذكّر هذا العلم العظيـــــــــم. (في حين أنّ أكثر الجامعات العربيّة قد تتناساه في التطبيق العمليّ،لا إهمالاً و لا اقتداء بشاعرنا الكريم، بل رأفة بالطلاب الذين يصعب عليهم التطبيق!! ) ولكنّه لم يذكره باحترام وإجلال بل بتشويه و سخرية، فقال: أيعقل أن نعود في عربيّتنا إلى أعرابيّ يعيش في بيداء، و نترك شاعراً مفلقاً كالمتنبّي فننسب إليه الحطأ اللغويّ؟!
الردّ: أيظنّ شاعرنا أنّه ينهج المنهج العلميٌّ في هذا القول، أم أنّ سخريته تكفي لإضفـــــــاء الموضوعيّة على رأيه ؟!
أم أنّه يأخذ من الغربيّين ما يوافق ما يدعو إليه، ويترك ما ل ايروق له؟! هل من العلم أن يسدّ علينا طريق الأخذ من بعض الناس لأنّهم ليسوا أهلاً للعلم، ويقصر الأخذ على الراقين منهم؟! العلم ضالّة المؤمن يأخذها ممّن لديه. لا احتقار للأعرابي،ّ وعنه تُؤخذ العربية،العربية الحريصين عليها، و لاتُؤخذ عن المتنبّي الشاعر الذي لا يُشقّ له غبار، ومن لا يقدّره تقديراً يليق به، بيد أنّ الموضوع مختلف هنا ،فمن ينطق العربيّة ويعلم مفرداتها و تعبيراتها أفضل،هل المتنبّي الذي وصلت إليه العربيّة مع بعض الانحراف، أتُؤخذ العربيّة عنه (التي ننشدها )، أُم هل يُفضَّل على صاحب السليقة بالفطرة (الأعرابي الذي تقمّصها مع لبان أُمّه). مصدر نا الأعرابي لا مُتنبّّينا ّ، وليس في الأمر تمييز أو تحقير!!
ولكن لايخدعنّكم شاعرنا بهذا المثل وتظنّوا أننا أخذناّ العربيّة بهذه السهولة، فالأمر أعقـــــد من هذا، وهل يجهل شاعرنا مصادر العربيّة ( أشهد أنّه يعرفها )،والقرآن الكريم مصدرها الأول. كلّكم يعلم حرص العرب – مسلمين و غير مسلمين – والأعاجم من المسلمين على حفظه كما تلقَّوْه جيلاً بعد جيل، ولكن هل يكفي العلم وحده، أم ينبغي أن يُضمّ إليه العمل به؟! ( رجـــــــاء لاتفهموا من لفط الأعجميّ غير الاحترام، فنحن عرب، وهم عجم نتساوى في القيمةالإنسانيّة، ومعناها عندنا من لا يعرف العربيّة، فإذا أتقنها، فلم يعد هناك داع لهذا اللفظ).
ليس عبثاً أنْ وضع العلماء هذا العلم العطيم، فهم يريدون أن يضبطوا مصدر العربيّة بمن لم يختلطوا بالأعاجم ( اختلاطاً كان له أثر في تحريف لسانهم) وحدّدوا آخر وقت للاحتجاج بالعرب أنفسهم منتصف القرن الثاني للهجرة، فقد عمّ اختلاط العرب بالأعاجم لآنّه لافرق بين أعجميّ وعربيّ... -هذا بحث يطول-. فلماذا يسحرشاعرنا؟! ألأنّهم أجلسوه على أريكة صنعوها بأيديهم
فكان مرجعنا الأوّل في العربيّة، ولنعلم أنّ أساس هذا الاختيارالعلم المتمكّــــن فيها و الإخلاص الصادق لها، و لامانع أن يكون واحد أو اثنان من الأعضاء ممّن علموا ثمّ حرّّفوا، أمّا أن يكـــــــون الرئيس فعيب وألف عيب!!
لانجهل وجود لغات ( لهجات ) قطريّة، ونحن نقرّ أنّ إعادتها للفصيحة أمر صعب( ولكنّها ليست متعذّرة- لكي لايأخذ من هذه الكلمة حجّة على المحافظين على عربيّتهم – المتخلّفين- )
اللعة (اللهجة) دليل على الانحراف عن اللسان، و لكنّ هذا بدأ في وقت مبكّر، مع بدء الفتوحات العربيّة و الاختلاط بالأعاجم،فوضعت القواعد لتعليم العربية حين بدأت السليقة تُفُقد ، إذن عمل علماء اللسان العربيّ على الحفاظ عليه، و لكن لا ندّعي أنّهم تمكّنوا من تخليثها من الشوائب، و نخن لانعمل إلا على شيء واحد بقاء العربيّة، و نغُضّّ الط رف أحياناً عمّا لا يقضي عليها.
أما رسوخ اللغات ( اللهجات ) في كلّ قطر فأمر خطير، وهو أخطر سبب يُفتّتنا.
واجب المهرة علماء اللسان في المقام الأوّل ثمّ واجب كلّ من يعلو منبراً أو يخطّ بقلم التزام الفصيحة(غير الفصحى)، فهم قدوة للعامّة، والسماع للسان السليم يُفضي إلى التأثّر به، فالاقتراب منه، أمّا الحديث بلغة تختلط الفصحى بدارجة محلّية فأمر معيب، وبخاصّة إذا كان المتحدّث مرجعنا الأوّل في العربيّة، و إذا أصرّّ على النطق بالجيم المحرّفة ( و لاأقول غير المعطّشة ) ادّعاء أنّها عربيّة الأصل، فلن نلومه لأنّه لا يؤمن بعلم الاحتجاج!! وبخاصًة إذا فضّلنا الوجه البحريّ على الصعيد (فهم أرقى ولسانهم أسلم اقتداء بسنّته في التمييز بين من نأخذ العلم عنه!! ) وكلّنا نعلم أنّ كثيراً من أساتذةً الوجه البحريّ ملتزمون الفصيحة في غير كلامهم اليوميّ، و لم يصلوا إلى ما وصل إليه شاعرنا الكريم.
فهمان للعربيّة:
١ ـ فهمه للعربيّة:
العربيّة عنده: هي التي يتكلّمها عرب ، فتتبدّل العربيّة بتغيّر المجتمعات العربيّة زماناً و مكانا، ومرجعنا في صحة اللسان البارّزون في المجتمع على أساس قيّم!! ولا مانع لديه بعدها أن تتطوّر كما تطوّرت!! اللاتينيّة - وغير ها-و تشعّبت، فكان منها الفرنسيّة و الإيطاليّة و الأسبانيّة و البرتغاليّة ولغة رومانيّة. فلا قيمة لعلم الاحتجاج، و لا للنقاء المتخلّف الذي يبحث عنه مهووسون بعربيّة خالدة!! و لا لهذه المعاجم المبتورة التي تتناسى مفردات ينطق بها العرب وهي من أصل أعجميّ! ( رجاء لاتفهموا من لفط الأعجميّ غير الاحترام، فنحن عرب، وهم عجم نتساوى في القيمة الإنسانيّة، ومعناها عندنا من لا يعرف العربيّة، فإذا أتقنها، فلم يعد هناك داع لهذا اللفظ).
٢ ـ فهمنا للعربيّة:
أمّاالعربيّة عندنا : تطوّر الألسنة أمر واقع لايُنكر، ولكن العربيّة عندنا لايحدّدها التفاهم وحده بين أبناء الجيل الواحد و الجيلين السابق واللاحق، و من الأمر الواقع كذلك هذا الاستثناء للعربيّة، في بقائها على وضع يفهم به العربيّ اليوم العربيّ قبل خمسة عشر قرنا، و قد طالت الشروحات لهذا الموضوع فلاحاجة لتكراره.
فهل استعطت أن أبيّن أسباب مخالفتنا ( الجمع للمتكلّم هنا ليس تعظيماً للذات – حاش لله –وإنّما أردت الذائدين معي عن حوض اللسان العربيّ جميعا ) لشاعرنا الكريم.
التطوير مطلوب للسان العربيّ، و لنا أصولنا التي تُثريه، وتُحافظ على ارتباطه بالجذور، ولست بحاجة إلى بيان هذا الرقيّ في تعريب المفردات ( ارجع إلى المعاجم الطبيّة العربيّة التي صنّفها مخلصون للسانهم، وغيرها ..) ولا مانع من نقل التعبيرات الأعجميّة نقلاً لا تُعارضه الأصول العربيّة، واعلموا أنّ هذا النقل قد يزيد التعبير جمالاً على جمال.