أتراها تحلم البقر ؟!
محمد عبد السلام الحياني
أمرُّ بها تفترش الأرض وتلتحف السماء وتملأ الحقول, تقبع تحت ظلّ دوحة وارفة, أمامها البرسيم تقضم منه ساكنة ساكتة صافنة تهز ذيلها وتلوح بها في الهواء تكش الذباب وتطرد الحشرات تنظر كالبلهاء بالمجهول دون أن تنبس بنت شفة فما سمعتها مرة تتكلم صواحباتها بصوت عال وما من مرة قام بينها جدل أو ملاسنة فهي مؤدبة لا تصخب ولا تشتم ولا تلعن الأولين والآخرين كما يفعل الإنسان فهو وحده يغتاب وينم ويفحش صحيح إن البقر طويل لسانها لكنه ليس ببذيء كما هو الإنسان فطول لسانها لتنظيف وجهها وأنفها وهو عف نظيف.
ولم أرها مرة تضحك أو تقهقه رأيتها تركض وتمرح وتتدحرج على الأرض وتهز بذيلها وهي تجتر طعامها وتحرك فكها .
ولكنني لم أرها أبدا تضحك فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسمع النكتة ويضحك إلى أن تدمع عيناه إن هو سمع نكتة جنسية أو بذيئة وازداد ضحكه حتى تبدو نواجذه أو ينقلب على ظهره من شدة الضحك أو من شدة غبائه كلما كانت النكتة فاضحة عاهرة .
وما من مرة رأيت حصانا يضحك أو هرة تقهقه أو عنزا يفحص برجليه من الضحك أو حمارا يضحك مهما دغدغنا خاصرتيه ولا يضحك إلا الإنسان أ ما القرد والشانبازي فإنهما وإن بديا وكأنهما يضحكان وإن كان ذلك عند القرد أظهر فما هي إلا حركات انعكاسية تشبه الضحك من حيث الشكل فقط يعبر بها عن سروره وفرحته ورضاه كما يرمح الحمار من يؤذيه ويعبر بها عن قبوله ما نقدمه له من طعام أو من غيره أما أنه يضحك فما هو من الضحك في شيء لأننا لو أسمعناه أطرف الحكايات وأشدها مفارقة فإنه لا يضحك ولا يلقي لها بالا
وكثيرا ما مررت بهذه الحيوانات فأجدها مطبق فمها تمضغ علكتها وتسرح ناضريها فيما حولها بغباء وشرود فأتساءل : أتراها تفكر ام تحلم ؟ أتراها قلقلة على مستقبلها خائفة من الغد؟ أتراها تنتظر مسابقة لتلتحق بعمل وقد أمضت أيامها الطوال بالبطالة ومراجعة الدوائر والوزارات لعلها تلاقي فرصة أو يضحك لها الحظ فلا تندم على سني الدراسة وأيام الجامعة؟
ولكنني موقن أنها لا تعرف ما يجري لأهل غزة من حصار وتضييق ومعاناة ولم تصلها أخبار ضحايا الأعاصير والسيول في كل أنحاء العالم بينما هي تعيش آمنة يقدم الإنسان بنفسه لها الطعام والشراب ويخدمها بالعناية والتنظيف وحلبها على أنغام الموسيقا ولا تبالي بما يحدث للإنسان الضاحك من ركض وراء اللقمة ومن سجون ومعتقلات نتيجة رأي أو موقف . فما من مرة ألقي الاعتقال على البقرة أو زرافة وما من مرة علقت المقاصل أو المشانق لجمل أو ناقة نتيجة رأي أو مقالة أو كتاب وقد عافاها الله من كثير مما ابتلى به كثيرا من خلقه .
فإذا كانت لا تفكر بهذا كله فبما تراها تفكر إذا؟ وهي دائمة الإطراق مذبلة الجفون وقد أرخت أذنيها وتمددت على طولها وراحت في سبات عميق أم أنها لا تفكر أصلا ولا تحلم أبدا حتى إنها لا تهتم بالمستقبل ولا تقلق من أجل لقمة تتأود بها أو من أجل ثياب تتزين بها
ولكنني لم أنس أن أتساءل أتراها تعرف أن نهايتها الذبح بالتأكيد لا تعرف ذلك لأنها لو عرفت ذلك ووعت ما سيحل بها وما مصيرها الحتمي لماتت هزالا ولعافت نفسها الطعام والشراب ولقضت هما وغما .
ولعلمت أن الناس لا يعلفونها ولا يخدمونها بشكل جيد إلا لتسمن ثم يذبحونها عندما يأتي العيد ذلك كله لم يخطر لها على بال ولم يدر في خلدها ولم تفكر بهذه النهاية المؤلمة لأنها بقر تخور أو بعران ترغو أو أغنام تيعر .
فما أتعس الإنسان وحده من يضحك وهو وحده له أحلام وهو وحده من يفكر ويدبر ومن هنا كانت تعاسته وشقاه .
الرقة \ 2010