ـ مفهوم النحو واللغة عند تشومسكي :
من المعلوم أن المنهج التوليدي التحويلي ارتبط منذ نشأته بالنحو ، ومفهوم النحو عند تشومسكي (( كما ورد في كتابه " البنى التركيبية " جهازDevice " لتوليد الجمل النحوية في اللغة )) (1) واللغة عنده ((مجموعة متناهية أو غير متناهية من الجمل كل جملة طولها محدود ومؤلفة من مجموعة متناهية من العناصر وكل اللغات الطبيعية في شكليها المنطوق والمكتوب هي لغات بهذا المعنى ، وذلك لأن كل لغة تحتوي على عدد متناه من الفونيمات " أو الحروف " ومع هذا ، فإن عدد الجمل غير متناه .)) (2)
ـ مفهوم الإسناد في النحو التوليدي التحويلي :
تقوم الجملة عند تشومسكي على الإسناد (3) أي التركيب ذلك أن الاسم والفعل عنده يشكلان (( عنصرين أساسيين في الإنجليزية ، ومن السهل إثبات أنهما عنصران أساسيان في كل لسان آخر نعرفه )) (4) ، حيث ليـس
(( في الدنيا كلام في أي لغة إلا وفيه محدث ومحدث به في أي شكل كان )) (5) ، ومن هنا فالجملة فعلية كانـت أو اسمية (6) تتشكل من مسند ومسند إليه وهما ما اصطلح على تسميتهما بالعمدة أو النواة ، أما ما زاد عنهمـا فهو فضلة أو ما يعرف عند مارتيني بالامتداد Expansion وهو (( كل جزء من النص يمكن حذفـه دون أن تتغير العلاقات بين باقي عناصر الجملة .)) (7)
يقوم الإسناد عند تشومسكي على مبدأ التوزيع الذي يعد أحد مقومات المدرسة التوزيعية بزعامة مارتيني وهو من حيث المفهوم لا يختلف عن علاقة التلازم ، ذلك أن التوزيع يقوم (( على أن المورفيم يقتضي المورفيم الذي يليه فـي الجملة الواحدة ، يقتضيه فيحدده ويأخذه ، بعد أن ينطق المتكلم بالمورفيم الأول ، ففي الجملة العربية مثـلا : إنَّ الطالبيْن يدرسان ، فإن المورفيم الأول "إن " يقتضي مورفيما آخر يليه ، فيأخذ "الطالبين"، وليس" يدرسان "، وهذا "الطالبين " يكون في حالة إعرابية معينة طبقا لقواعد الكفاية اللغوية ، ويقتضي مورفيما آخر ليتم التعبير عن الصورة الذهنية في ذهن المتكلم ، ويجب أن يكون هذا في حالة معينة من حالات الإعراب تحقيقـا لقواعد الكفاية ، فبذا تتم الجملة وتخرج على ما هي عليه . وإذا اقتضى المعنى زيادة في عدد الكلمات في الجملة فإن كل كلمة تضاف تأخـذ موقعها على الخط الذي يربط الكلمة في الجملة ذاتها ، فنقول مثلا:إنَّ الطالبيْن المجتهديْن الصادقيْن..يدرسان.)) (8)
نتبين مما سبق أن المدرسة التوزيعية تقوم على مبدأ الخطية وتعطي أهمية للعلاقات الترتيبية والعلاقات التعويضيـة بمعنى أن التوزيع يبنى على التعويض ، وهو (( مجموع السياقات Contextes التي تظهر فيها وحدة فالجمل الآتية :
ـ فتحَ زيدٌ البابَ ـ فتحَ خالدٌ البابَ .
ـ سجلَ زيدٌ هدفاً ـ سجلَ خالدٌ هدفاً .
ـ قرأَ زيدٌ كتباً ـ قرأَ خالدٌ كتاباً .
ترينا أن السياقات التي ظهر فيها " زيدٌ " هي : فتح… الباب ـ سجل… هدفا ـ قرأ …كتابا ، وهذه السياقات هي التي ظهر فيها أيضا "خالدٌ "، نقول في هذه الحالة أن " زيد " و" خالد " لهما نفس التوزيع .)) (9)
تتكون هذه الجمل من وجهة نظر الإسناد في نحو المركبات المباشرة من ركنين وهما :
ـ ركن المسند إليه : " زيدٌ " في المجموعة الأولى و " خالدٌ " في المجموعة الثانية .
ـ ركن المسند : " فتح … البابَ "، " سجلَ… هدفا " ، " قرأ كتاباً " في المجموعتين معا ، ذلك أن ركن المسند في مثل هذه الجمل = المسند إليه + توابعه " محدداته ومكملاته " وركن المسند وركن المسند = المسند + توابعه " أي كل ما يرتبط به من مفعول ونعت …" ، وباعتماد علبة هوكيت يكون تحليل هذه الجمل كالآتـي :
ـ جملــــة ـ
ركن المسند ركن المسند إليه
ـ فتح … البابَ ـ زيدٌ ـ خالدٌ
ـ سجل … هدفاً ـ زيدٌ ـ خالدٌ
ـ قرأ … كتابـاً ـ زيدٌ ـ خالدٌ
ركن المسند كما نلاحظ من خلال هذا التشجير يتكون من كلمتين متباعدتين " الفعل … والمفعول به"، يفصـل بينهما المسند إليه " الفاعل" " زيدٌ وخالدٌ "، هذا ما يسمى في نحو المركبات المباشرة بـ" المركب الفعلي المتقطع " الذي يدرج فيه المفعول به ضمن ركن المسند وسنعود إلى أنواع المركبات لاحقا، ذلك أن التقسيم الذي يتوافق مع هذه النظرية (( هو الذي يضع المفعول به مرافقا داخل ركن المسند وذلك مهما كانت رتبة الكلمات الثلاث ترينا أن هذا التقسيم يساير مبدأ التكافؤ المبني على وحدة السياق .)) (10)
وانطلاقا مما سبق يمكن دراسة وتحليل الجملة " الطالبُ المجتهدُ قرأَ عشرةَ كتبٍ " على النحو الآتي :
1 ـ تتألف الجملة من مكونيْن :
ـ المكون الأول : " الطالبُ المجتهدُ " .
ـ المكون الثاني : " قرأَ عشرةَ كتبٍ " .
2 ـ ويلاحظ أن كلا من المكونين بنية لأنهما قابلان للتجزئة والتحليل :
ـ المكون الأول أو " البنية الأولى " يمكن تقسيمه على النحو الآتي :
- " الطالبُ المجتهدُ " = " الطالبُ " + " المجتهدُ ".
ـ المكون الثاني أو " البنية الثانية " يمكن تقسيمه على النحو الآتي :
- " قرأَ عشرةَ كتبٍ " = " قرأَ " + " عشرةَ كتبٍ ".
- البنية الأولى : " الطالب + المجتهد " = " ال " + " طالب " + " ال " + " المجتهد ".
- البنية الثانية : " قرأ + عشرةَ كتبٍ " = قرأ + " عشرة " + كتبٍ " .
3 ـ وكل بنية من هاتين البنيتيْن قابلة هي الأخرى للتجزئة إلى عناصر أصغر :
بمعنى أن هناك ثلاثة مستويات لتحليل مثل هذه الجملة وهي كالآتي :
- المستوى الأول من التحليل : ركن المسند إلــه ركن المسند
بنية أولى " مركب اسمي " بنية ثانية " مركب فعلي "
الطالب المجتهد قرأ عشرة كتب
- المستوى الثاني من التحليل : الطالب...........المجتهد قرأ ........عشرة كتب
- المستوى الثالث من التحليل :
ال .......طالب ال .........مجتهد قرأ ..........عشرة .......كتب
يقوم تحليل الجملة في النحو التوليدي التحويلي في المقام الأول على تحديد :
(( 1 ـ المسند إليه سواء " كان فاعلا أو مبتدأ في العربية " مع كل ما يتعلق به " كالمحددات والنعوت والمضاف إليه … " وهو عموما " مركب اسمي " .
2 ـ المسند " سواء كان خبراً أو فعلاً " مع كل ما يتعلق به " كالمفعول به والحال ، وظرف الزمان ، وظــرف المكان ."ويكون مركبا فعليا أو مركبا اسميا ، وهذا التقسيم يجري بدون مشاكل تذكر في اللغات الأوربية )) (11)
ـ الهوامش ـ
(1) ـ عن اللسانيات النشأة والتطور ، أحمد مومن ـ ص : 208
(2) ـ عن م . ن ـ ص : 209
(3) ـ ينظر اللسانيات العامة وقضايا العربية ، مصطفى حركات ـ ص : 71 ، 86 ، 72
(4) ـ عن أئمة النحاة في التاريخ ، الدكتور محمد محمود غالي ـ ص : 12
(5) ـ الجملة في كتاب سيبويه ، الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح عن المبرز ـ ص : 10
(6) ـ ينظر نحو الجمل ،عبد العزيز محمد بن يوسف الهادي ، تح الدكتور مختار بوعناني ، ب . ط ـ 1994 ، الفجر الكتابة والنشر ـ ص : 29 .
ـ الكتاب ج1 ، سيبويه تحقيق تحقيق عبد السلام هارون ، ط3 ـ 1983 ، عالم الكتب بيروت ـ ص : 262 .
ـ الجملة النحوية نشأة وتطورا وإعرابا ، الدكتور فتحي عبد الفتاح الدجني : ط2 ـ 1987 ، مكتبة الفلاح الكويت ـ ص : 17
ـ الألفية في النحو والصرف مع إعراب مفرداتها ، ابن مالك : ب . ط ـ 1987 ، المطبعة الجزائرية للمجلاتوالجرائد ـ ص : 09
ـ المغني اللبيب في كتب الأعاريب ج 2 ، ابن هشام الأنصاري تحقيق الدكتور مازن المبارك ومحمد علي حمد الله ، ب . ط ، دار الفكر بيروت ـ 422
(7) ـ عن اللسانيات وقضايا العربية ، مصطفى حركات ـ ص : 72
(8) ـ في نحو اللغة وتراكيبها ، الدكتور خليل أحمد عمايرة ـ ص : 60
(9) ـ اللسانيات العامة وقضايا العربية ، مصطفى حركات ـ ص : 78
(10) ــ م . ن ـ ص : 76
(11) ـ الجملة في كتاب سيبويه ، الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح عن المبرز العدد 02/1993 ـ ص : 12
منقول