هل القمر كعادته ، وتسلل من خلف الدجى مشرقا مهللا بمجيء فجر جديد ،وبعد العشاء كالعادة انزوى في جولة في خبايا نفسه ،راح يتجول في عالمه ،يهيمن عليه شيء واحد هو الانفراد والسمو والبحث، بدل الخضوع والدناءة والانكسار ، سلوك عاهد به نفسه وعقله منشئا سورا بينه وبين العبث .هذا كان كلاما واخر من جنسه كان كثيرا، قاله في لحظات قصيرة، حملت الكثير من التعابير السامية والأحاسيس والمشاعر السرمدية الجياشة ،التي نادرا ما تحسها إلا فيما جادت به روايات سردت أحداث انصهار الأجساد في بعضها ، أو مايشهد على الماضي عزة ومجدا وسؤددا. لمس في وجه صاحبه نبرة حزن دائم، الأسئلة كثيرة، والوقت لا يسمح ، والبشاشة انحصرت في دقائق معدودات، لتدق أبواب الحاضر والماضي الحزين .دمع العين ينهمر في حيرة بادية على محياه ،وابتسامة فاقدة حلاوتها، ولاجواب في كلامه عما به ، تقف العقبات امامه ويرجع لجرد الماضي فيجد رواسب دفعت به إلى حالته البادية ،كان في ريعان شبابه ومقتبل عمره قبل أن يجد نفسه يفكر لاخرين ارتبطوا به ،وأصبحوا كل شيء في حياته ،فيعدل عن كل مطمح اني ومستقبلي ،ويقف راسيا كسفينة علقة في مياه عكرة، تمناها أن تصفو وتذهب شوائبها ولو لحظات معدودات لتكمل السفينة جولتها ،كان ركابها قلقين كما يبدو وقائدها مندفع منغلق على نفسه ،فنسي بذلك أنه قد يغرقها بسوء تصرفه، ولو في مواجهة أمواج هادئة واهية، يشتاق إليها الرمل لتلامسه ،كما تلامسه عادة في ساعات المد .