جمالية المكان في الإبداع الشعري
مقاربة إسلامية مقترحة
الأستاذ عبد الرزاق المساوي
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
"كان المخاض عسيرا والنتاج شحيحا..."
عماد الدين خليل (*)
الأدب الإسلامي من الإبداع إلى النقد
يبدو أن "الإسلامية المذهبية الأدبية" أصبحت تفرض نفسها على الساحة الأدبية، وتدخل رويدا رويدا عالم الأدب المعاصر من بابه الواسع، مؤصلة ومبدعة وناقدة ومنظرة، متجاوزة مجموعة من العراقيل المادية والمعنوية التي طرحت أو ألقيت كأشواك عمدا في طريقها الذي شقته في السنوات الآخيرة.. ولعل أكبر دليل على اتساع رقعة انتشارها، ومدى قدرتها على احتلال المكانة اللائقة بها تلك الأعمال الأدبية التي تتقاطر من كل صوب وحدب من أنحاء المعمور، والتي تتوسل كل الفنون الأدبية بدون استثناء (شعرا كان أو قصة أو رواية أو مسرحية..) وبلغات شتى..وذلك الصدى الذي أحدثته وخلفته من خلال إبداعها ونقدها وتنظيرها في كثير من الأنفس والعقول، سواء كان ذلك الصدى إيجابيا كميل ثلة من الأدباء العرب إلى تبنيها وتأييدها والتبشير بها، والعمل على الترويج لها،بديلا لهم ولغيرهم عما كانوا عليه من مذاهب ومشارب أدبية أخرى.. أو كإنشاء رابطة عالمية، أو لجن محلية إقليمية مهتمة بقضايا الإسلامية المذهبية الأدبية.. أوكإصدار مجموعة من المنابر الإعلامية التي تعنى بها متخصصة في شؤونها وقضاياها(1).. أو كان هذا الصدى سلبيا على بعض الأنفس المريضة، وليس على "الإسلامية"، والذي تجلى في الهزة النفسية التي أحدثتها هذه الأخيرة في بعض النفوس المعادية لها، مما دفعها إلى مهاجمتها والتشهير بها، ورفض كل حديث عن أصولها وتطورها عبر تاريخ الإسلام والمسلمين، ومحاولة النيل من أقطابها ونفي أن تكون للإسلام مذهبية أدبية معاصرة ينفرد ويمتاز ويتميز بها.. ومما غاض بعضهم أكثر، وأقلق بالهم وشوش على توجهاتهم، وأفقدهم صوابهم ظهور مثل هذا العنوان "الأدب الإسلامي المعاصر" على صفحات بعض المجلات أو الجرائد، فكانت ردة فعلهم عنيفة لاترتكز على علم يتبع أو معرفة تذكر أو قرع للحجة بالحجة أو مبارزة علمية شريفة، بقدر ما كانت تتكئ على سوء النية والتقدير،أو على الإفراط في الانفعالية السلبية المتسرعة، أو الاتباع للفكرة الغربية، أوالانتصار للمذهبية الفكرية الاستئصالية.. ونسي هؤلاء أو تناسوا أنهم في يوم من الأيام تعرضوا لمثل هذه الهجمات التي يرمون بها "الإسلامية" من معارضي طروحاتهم الأدبية من المذاهب الأخرى المعادية لهم، والتي كانت متمكنة يومها من الساحة الأدبية، وكان الهؤلاء لا يرجون غير الإنصاف آنذاك وإفساح المجال لهم للتعبير عن أنفسهم.. أما "الإسلامية" فلا ترجو من أحد شيئا لأنها في مقدورها أن تثبت وجودها لأنها تملك بطبيعتها مفاتيح الكونية..
إن أهم ما يمكن تقديمه – خدمة ودعما لهذه الحركة الأدبية الشابة وإخراجا لها من المخاض العسير والنتاج الشحيح– في تقديرنا هو محاولة تتبع الإبداعات التي تصدر عن الإسلاميين، معرفين بها، أوناقدين لها، أو دارسين لأصولهاوأسسها، أو باحثين في بداياتها ومنطلقاتها، أو مبرزين لدعائمها ومقوماتها، أو راسمين حدودا لآفاقها وتطلعاتها..حتى نتمكن من تشكيل رؤية أدبية ونقدية وتنظيرية تمكننا من بلورة هذه "الإسلامية" ودعمها والدفع بها إلى درجة الإتقان والإحسان المطلوبين شرعا قبل أن يكونا مطلوبين فنا.. ومن ثمة يتم أولا التصدي بشكل فعلي وعملي لتلك الآراء الناكرة الناقمة، والأفكار الهادمة، والنظريات التي يحاول أصحابها أن يغمطوا بها حق "الإسلامية" في الوجود والتكوين والحياة... ويتم ثانيا العمل على ضبط نوع من التوازن الذي كان ينادي به أمثال الدكتور عماد الدين خليل الذي قال:*... إن حركة الأدب الإسلامي لبأمس الحاجة إلى الجهد النقدي(التطبيقي) لإضاءة النص.. ولقد أخذ يبدو أكثر فأكثر أن المعطيات الإبداعية أكبر بكثير من المتابعات النقدية، فإن لم يتحقق قدر من التوازن المطلوب، ويتم الاستيعاب النقدي بنسبة معقولة، فإننا سنخسر مرتين.. سنخسر الطاقات الواعدة التي تنتظر من يعكس صوتها(.....)، وسنخسر الفرصة الضرورية لتحسين أدائنا الإبداعي (....)* (2)
وفي هذا السياق نقدم هذه الورقة والتي هي مجرد مقدمة لقراءة نقدية أو مجرد مدخل لقراءة متواضعة لبعض الأشعار التي جادت بها قريحة وشاعرية الشاعر الإسلامي الدكتور حسن الأمراني والتي من خلالها سنتناول قضية من القضايا الأدبية المهمة في الساحة النقدية المعاصرة، وهي"جمالية المكان" وذلك بتسليط الأضواء على ظاهرة الدال "البحر" في شعـر الأمراني وخاصة في ديوانيه:"مملكة الرماد" و"الزمان الجديد"، من خلال علاقاته بدوال أخرى في إطار بنية شمولية تتحكم في شعـر الإسلامية بشكل عام وشعر الأمراني بشكل خاص.. هذه البنية هي تلك التي أسميتها *"بنية الغربة والعودة في شعر الإسلامية"*(3)
وللبحث بقية بإذن الله تعالى..