العهدة العمرية
أستعرض لكم ما ورد في أقدم كتب التاريخ حول العهدة العمرية ، و كان ذلك لأن هناك بعض المصادر تورد كلاماً حول الشروط العمرية المشكك بها والمتناقضة والتي اعتبرهاالبعض ملحقاً للاتفاق الذي عقده مع أهل القدس، وقد أوردها ابن قيم الجوزية و لقد نقل ابن القيم الجوزية عن سفيان الثوري فكيف ينقل عنه وهو لما يعاصره ؟؟
وقد مات سفيان الثوري عام 161 هـ
وابن القيم 691 هـ
ناهيكم أن الشروط العمرية فيها تناقض في النص المنقول، وفيها تعارض مع الشريعة الإسلامية
إن أسبق الروايات حول العهدة العمرية ما رواه الواقدي، والبلاذري ثم ابن الأثير وأبو الفدا
ورد لدى الواقدي روايتان:
إنه لما قدم عمر إلى بيت المقدس، ونظر إليه أهلها، وتأكدوا أنه هو "وكانوا قد ضاقت أنفسهم من الحصار، ففتحوا الباب وخرجوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه العهد والميثاق، والذمة ويقرون له بالجزية، ثم نزل إليهم وقال
: "ارجعوا إلى بلادكم ولكم الذمة، والعهد إذ سألتمونا وأقررتم بالجزية"
، وروى في الثانية: "وارتحل عمر من بيت المقدس بعد أن كتب لأهلها كتابا أي عهدًا، وأقرهم في بلادهم على الجزية".
روى البلاذري روايتان
ثم طلب أهل إيلياء من أبي عبيدة الأمان، والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية، والخراج والدخول فيما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق، ثم صار إلى إيلياء فأنفذ صلح أهلها، وكتب لهم به"4.
وذكر في الرواية الثانية أن بيت المقدس سلمت إلى ابن ثابت الفهمي، وهو قائد مغمور، بشرط صريح وهو أن تكون المناطق الواقعة خارج المدينة في أيدي المسلمين، أما المدينة نفسها فلا يطالها أذى ما دام أهلوها يدفعون الجزية المفروضة عليهم، ويضيف أن عمر كان في المدينة المنورة وقت سقوط بيت المقدس، وأنهزارها بعد وقت قصير من فتحها عندما جاء إلى الجابية.
أما ابن الأثير و أبو الفدا ورد في كتبهما إشارة عابرة إلى فحوى الصلح
وقد أورد اليعقوبي نصاً لا يختلف عما ذكر في الكتب الأخرى :
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب كتبه عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس، إنكم آمنون على دمائكم، وأموالكم وكنائسكم لا تسكن، ولا تخرب إلا أن تحدثوا حدثًا عامًا، وأشهد شهودًا"
أما القسم الذي أورد نص العهدة العمرية مطولة كما أوردها الطبري فجاء فيها :
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله بن عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر ملتها؛ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه، وماله حتى يبلغوا مأمنهم؛ ومن أقام منهم فهو آمن؛ وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه، وماله مع الروم، ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم، وعلى وبيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم؛ ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعدوا
عليه مثل ما على أهل أيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم؛ وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذين عليهم من الجزية، يشهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة"
ولننظر كيف انتقد البعض نص المعاهدة العمرية كما وردت في القسم الثاني فقالوا :
إن اشتراط عمر على أهل بيت المقدس أن يخرجوا منها الروم، واللصوص، جاء بعبارة يكاد ينفي آخرها أولها، إذ إن أول الرواية يفيد بوجود إخراج الروم، إلا أنها تخيرهم، بعد ذلك، بين الخروج، أو الإقامة مع أداء الجزية.
- إن إعطاء الأجناس الأخرى حرية البقاء، ودفع الجزية أو مغادرة المدينة، جاء بعبارة لا يمكن معها التنفيذ إذ قال: "ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان"، هكذا بصيغة المجهول دون ذكر اسم فلان هذا، أو ما يدل عليه أو تاريخ مقتله، ولما لا يمكن تحديد من ينطبق عليهم هذا الوصف، فلا يمكن التنفيذ، ويستحيل أن يكون هذا نصًا في معاهدة ملزمة
إن تحديد تاريخ الصلح بسنة خمس عشرة أمر لو صح لقطع الخلاف في تاريخ فتح بيت المقدس، والمعروف أن الخلاف في تاريخ الفتح كان قبل الطبري واستمر بعده، والمعروف أيضًا أن المسلمين لم يبدأوا التاريخ الهجري إلا سنة ست عشرة، وبناء عليه فلا يمكن أن تؤرخ وثيقة قبل هذه السنة بالتاريخ الهجري مما يدل على أن هذا التاريخ ملحق بالوثيقة، وليس أصليًا فيها .
والجدير بالذكر أن جميع روايات المصادر السابقة تتفق على تحديد طرفي العقد بـ عمر بن الخطاب، وأهالي بيت المقدس، وأن العهد بين الطرفين عقد في الجانبية مكان نزول عمر.
ونورد نصاً المعاهدة كما أورده أفثيشيوس
نص ابن البطريق:
وقد أورد أفثيشيوس (ابن البطريق) المتوفى سنة 328 هـ، صيغة تشبه صيغة اليعقوبي جاء فيه: "بسم الله، من عمر بن الخطاب لأهل مدينة إيلياء، إنهم آمنون على دمائهم وأولادهم وأموالهم وكنائسهم، لا تهدم ولا تسكن, وأشهد شهوداً"
وآخر هذه النصوص، النص المعتمد حالياً لدى كنيسة القدس الارثوذكسيه والذي نشرته بطريركية الروم الأرثوذكس عام 1953م، وهو الأساس الذي ينظم العلاقة بين السلطات الإسلامية الحاكمة للقدس، والنصارى فيها. وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيه صلى الله عليه وسلم، وهدانا من الضلالة، وجمعنا بعد الشتات وألف قلوبنا، ونصرنا عَلى الأعداء، ومكن لنا من البلاد، وجعلنا إخواناً متحابين، واحمدوا الله عباد الله على هذه النعمة.
هذا كتاب عمر بن الخطاب لعهد وميثاق أعطي إلى البطرك المبجل المكرم وهو صفرونيوس بطرك الملة الملكية في طورزيتا بمقام القدس الشريف في الاشتمال على الرعايا والقسوس والرهبان والراهبات حيث كانوا وأين وجدوا، وأن يكون عليهم الأمان، وأن الذمي إذا حفظ أحكام الذمة وجب له الأمان والصون منا نحن المؤمنين وإلى من يتولى بعدنا وليقطع عنهم أسباب جوانحهم كحسب ما قد جرى منهم من الطاعة والخضوع، وليكن الأمان عليهم وعلى كنائسهم وديارهم وكافة زياراتهم التي بيدهم داخلا وخارجاً وهي القمامة وبيت لحم مولد عيسى عليه السلام كنيسة الكبراء، والمغارة ذي الثلاثة أبواب، قبلي وشمالي وغربي، وبقية أجناس النصارى الموجودين هناك، وهم الكرج والحبش، والذين يأتون للزيارة من الإفرنج والقبط والسريان والأرمن والنساطرة واليعاقبة والموارنة تابعين للبطرك المذكور, يكون متقدما عليهم لأنهم أعطوا من حضره النبي الكريم والحبيب المرسل من الله وشرفوا بختم يده الكريم، وأمر بالنظر إليهم والأمان عليهم، كذلك نحن المؤمنون نحسن إليهم إكراماً لمن أحسن إليهم، ويكونوا معافاً (معافيين) من الجزية والغفر (الخفر) والمواجب، ومسلمين من كافة البلايا في البر والبحور وفي دخولهم للقمامة وبقية زياراتهم لا يؤخذ منهم شيء, وأما الذين يقبلون إلى الزيارة إلى القمامة، يؤدي النصراني إلى البطرِك درهم (درهما) وثلث من الفضة، وكل مؤمن ومؤمنة يحفظ ما أمرنا به سلطاناً كان أم حاكماً والياً يجرى حكمه في الأرض, غني أم فقير من المسلمين المؤمنين والمؤمنات. وقد
أعطى لهم مرسومنا هذا بحضور جم الصحابة الكرام، عبد الله، وعثمان بن عفان وسعد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وبقية الأخوة الصحابة الكرام. فليعتمد على ما شرحنا في كتابنا هذا ويعمل به، وأبقاه في يدهم، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين حسبنا الله ونعم الوكيل."