اللّوحُ يكتظ بالأجسادِ المتراصةِ المتزاحمةِ. أشكالٌ و ألوانٌ مختلفةٌ، لكن الهدفَ واحدةٌ...الوصول إلى الجِنان. عيناهُ المتعبتان تَتَفَرسان في الوجوه حوله، و الموجُ و الظلامُ يَلُفُهُمْ... مِصباح صغير يُقاوِم وحده وَحْشَةَ الليلِ..البردُ القارصُ يلسعُهُمْ و هم آتُون، حامِلين ما خفَ وزنُهُ و خف ثمنُهُ. بعضهم أَتََى بالملابِسِ التي عليه، باع ما وراءَه و ما أمامَهُ ابْتِغاءَ الوُصولِ إلى هناك..."أَيُّها الناسْ، العَدَمُ من ورائِكم و المجهول من أمامكم...فما أنْتُمْ فاعلون"
-العيَّاش...العيَّاش
-ماذا؟؟
-كمْ بَقِيَ لنا لِنَصِلَ؟
-لا أدري، ولِمَ أنتَ مستعجل هكذا؟
-أريد أن أصِل بِسُرْعَة كي أبدأ حياتي الجديدة...إنشاء لله، سأجد عملاً مناسباً يُدِرُّ عليَّ الكثير من اليورو.
سِيَاطُ البرد تَزيدُ ضراوة على أجسادهم المُنْهَكَة، و اللَّوحُ المُتَداعِي يتأرجَحُ ذاتَ اليَمين و ذاتَ الشِمال يكادُ ينْطِقُ من فرط الحِمْلِ الذِي عليه...بينما يُتاَبِعُ زميله الحلم
-و عندما أجْمَعُ مبلغاً مناسباً، سأبني بيتاً لائقاً،و أُزَوِجُ كلَّ أخَواتِي..و سأبعث بالشيبانيةِ إلى الحجِ، و سأتزوج امرأة مناسبة ذات حسبٍ و نسبٍ...
النسمات الباردة تَلْسَعُ وجهَهُ، لا يُسمعُ إلا صوت تنفسِ زملاءِه في المحشر بينما يَعلو اللوح و يهبط بشدة.
"يمينة" صورتها تطفو فجأة كما يَطفو هوَ على هذا اللوح، ياااه...لونَ شعرها كهذا الليل، و وجهُهَا مثل القمر. زَخَّاتُ المطرِ تنهمر دون سابقِ إنذارٍ، الموج يعلو ويعلو و الأجساد المتراصة تَتَشَبَثُ بِبعضها " أيُّها الناس...البحر من ورائِكم و البحر من أمامكم ، فما أنتم فاعلون...أيُّها الناس."
يالله لا تَجْعَلها النهاية، يالله الرحمة يا رب...لا إله إلا الله، لا إله إلا الله... يا رب.
صوتٌ يُنَادِيه وسط الصُّراخ
-العياش...العياش.
أنفاسه تتلاحق، الصراخ يَصُمُّ أُذُنَيْهِ و البحر يلعب بهم لَعِبًا. يتشبث، يحاول الاتِّزَان " أمي.....أبي.....الحومة، البلاد...يمينة..يمينة.".
زهر الليلك