يملأ ما كتب عن اوباما وفوزه التأريخي إزاء منافسه ماكين كتبا عدة، ولكن معظم ما كتب في عالمنا العربي جاء مشبعا باليأس من سياسات أمريكا الخارجية، وكأنه رهان مسبق من اكثرية على فرس ستكبو قبل نهاية الشوط، ولا ملامة على اليائسين في عالمينا العربي والإسلامي، لأن معظم خفايا ونيات وعطايا امريكا صارت من الحكايات التي يتبادلها الأطفال في هذين العالمين تأسيسا على سياسات امريكية صنعت حقا هذا اليأس وتلك الكراهية القديمة والجديدة.
ذهب بعض الكتاب الى ان ماكين واوباما هما (وجهان لعملة واحدة ):
نعم. هناك وجهان للسياسات الأمريكية، وهذا لا ينكر على أي (عملة واحدة)، يتعامل بها معظم العالم، وتطرح نفسها بكل هذه العلانية الدبلوماسية، المهذبة وغير المهذبة، وبكل هذه الصراحة، كياسة وقباحة، ومن دون لفّ رسمي، ولا نفاق غير رسمي، كما تفعل معظم دولنا الإسلامية. هذه هي الدبلوماسية المعاصرة في التعامل مع مجريات الحياة اليومية للشعوب الواقعة حتما تحت ظلال حكومات من واجبها ان تخدم مصالح شعوبها.
لوبيات دينية وصناعية، وحتى عائلية، تدير امريكا. نعم، هي بلد اللوبيات، فلا يستطيع المرء هنا الا ان يكون (صامولة) في عجلة اللوبيات الكبيرة والصغيرة، شاء او لم يشأ، فإذا أردت، مثلا، ان تعتمد على نفسك في طبخ (بيتزا) منزلية فستجدها أكثر كلفة من (بيتزا) السوق وربّما أسوأ مذاقا، لأن لوبيات المطاعم تريد لك ان تعتمد عليها، وليس على نفسك وحدها، وتطوّر منتجاتها نحو الأفضل دائما لتستبقيك أسيرا لقوّة هذا المنتج ورخص ثمنه.
ولكن هل يعني هذا ان عالمنا الإسلامي، ومنه العربي، طبعا وطبعا، قد خلا من اللوبيات الدينية والعائلية وغيرها لندين من آووا مثيلاتها في امريكا؟! جهات (مجهولة) كما ينظّر البعض منا توجه السياسات الأمريكية. نعم . وحسما للاختلاف على عدد الوجوه في العملة. ولكن بالمقابل نجد ان كل الجهات التي توجه عالمنا الإسلامي ومنه العربي (معلومة) وتصب في ذات الاتجاه الذي تستسيغه.. امريكا نفسها! .
امريكا تصنع لنفسها، وتصنع للعالم كل ما يناسب أجنداتها، السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، فماذا صنعنا؟! حتى إبرة الخياطة نستوردها من العالم غير الإسلامي، الذي اذا اراد ان يعرّينا في مستهل هذا القرن فقد يتمكن من ذلك خلال أعوام قليلة اذا قطع عنا: إبرة الخياطة والقماش. لم تشحّ العقول في عالمنا من مبدعين، ولكن أين هم الآن؟! نصدّرهم بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة الى العالم، ومنه أمريكا، الذي لم نتوقف عن الشكوى والبكاء منه منذ عقود.
آتوني بنظام حكم من كل الدول الإسلامية بوجه واحد، احمل كل خطاياكم في قول الحقيقة. وجهان في امريكا؟ . نعم. ولكنهما يعملان بجدّ لم أر نظيرا له في كل العالم الإسلامي من أجل أمريكا وأصدقائها. فماذا فعلنا في عالمنا على إدعاء امتلاكنا (وجها واحدا)؟ لا شيء تقريبا. تحولنا الى أمّة مستهلكين، مستهلكين، لا نقيم أودا الا بوجود منتجات تردنا من بلاد ذات وجهين لعملة واحدة.
امريكا بوجهين، وتكيل بمكيالين، وربما ثلاثة مكاييل، ولكنها مقتدرة على فعل الوجوه والكيل كما تشاء عن قوة صنعتها بنفسها لنفسها. فما الذي فعلناه لأنفسنا غير خيانة وتدمير من حاول من العرب والمسلمين ان يمتلك قوة الفعل معتمدا على نفسه، إمّا عن حسد وإما عن خوف، وحتى غيرة عجائز خرفات؟!.
فيا من تنظّرون للعالم عن امريكا، ويا من تتباكون منها، سلوا أنفسكم هل قدمتم عدلا، لأنفسكم ولمن يحيطون بكم، يؤسس لقانون وتكافل اجتماعي يماثل ما يجده المرء في امريكا؟
عندما يخالف حاكم ولاية نظام المرور في امريكا، تعدّ تلك فضيحة، ويعاقبه شرطي بسيط بغرامة مالية إن لم يدفعها صاغرا فسيسجن، ولكن بربّكم أيجرؤ أكبر (رأس ) في عالمنا أن يحاسب سائق سيارة واحد من حكامنا؟!
يا سادة، فلنجلد أنفسنا بما نشاء من تحليلات وتنظيرات، في الفرق بين هذا وذاك، ولكن علينا ان نتذكر دائما ونحن نحاول التقليل من شأن الآخرين، لمجرد عدم إعجابنا وربما غيرتنا منهم، اننا أمّة ما عادت تجيد غير الكلام، واننا أمة تشجّع طبول التعيير وتحارب دعاة التغيير فيها.
واقترح عليكم الاحتفاظ ببعض إبر الخياطة، وبعض قطع القماش، تحسبا من يوم يقطع فيه ذوو الوجوه المتعددة عنا أبسط مقومات الستر.
* كاتب عراقي مقيم في أمريكا