الموت حق علينا .. وهو النهاية الطبيعية والمحتومة لحياة أي إنسان
ما من إنسان يستطيع إنكار هذه الحقيقة .. إلا أنه يحاول تجاهلها في كثير من الأحيان ...
هل هي غريزة البقاء وحب الحياة ... أم الخوف من الموت هو ما يدفعه لتناسي هذه الحقيقة والتشبث بالحياة أكثر والرغبة بحياة أطول ...
فتجده رغم يقينه وإيمانه بوجود حياة ثانية بعد الموت، إلا أنه يخشى التفكير به ويفضل أن يطول عمره أكثر في هذه الحياة الفانية ... فمن طبع الإنسان أن يفضل العاجلة على الآجلة ...
لهذا كان الزمن عدو الإنسان الأول منذ الأزل ....وكانت محاولاته المستمرة للتغلب على الزمن وتخليد وجوده وحياته على هذه الأرض ...
فهل من أحد يستطيع تفسير سبب حاجتنا للزواج والإنجاب وتفضيل الذكور على الإناث بحجة أنه من سيحمل اسم العائلة ويحافظ على استمراريتها ... ألا يسعى الأب لتخليد وجوده في شخص ابنه؟؟؟
أو ما الذي يفسر رعبه وخوفه من تقدم العمر به دون أن تنجب له زوجته ذكراً ... فيتزوج الثانية والثالثة والرابعة من أجل الصبي !!!
إن كان يعلم أنه سيموت قريباً ... فما حاجته للولد ... سوى أنها رغبة بترك شيء منه يستمر بالحياة بعد موته !!!
و لم يكن الأبناء وسيلة الإنسان الوحيدة لتخليد نفسه عبر العصور ...
فنجد مثلا المصريين القدامى يسعون لتخليد ملوكهم وفراعنتهم بتحنيط أجسادهم ... فهل الجسد بالنسبة لهم وسيلة لخلود الروح !!!
في ملحمة جلجامش يخوض البطل الكثير من المغامرات الخطرة والرحلات الطويلة بحثاً عن سر الخلود .... لكنه يدرك أن الخلود ليس دواء سحرياً نتناوله فتطول به أعمارنا ... وإنما الخلود هو ما يقدم لشعبه ولوطنه من أعمال صالحة يتذكرونه بها بعد موته ...
للخلود عند شكسبير معنى آخر ... فكان يرى أنه سيخلد اسمه بشعره وأدبه ...وهذا ما كان ... فحتى الآن وبعد مضي ما يقارب الأربعة قرون على موته مازلنا نقرأه لأنه لم يمت بعد ....
[align=left:f44fd48541]My love shall in my verse ever living you[/align:f44fd48541]
الزمن عند العاشقين مختلف تماما ...بالنسبة لهم يمكن الانتصار على الزمن وتحقيق الخلود في لحظة لقاء...
يبدأ عمر المحب منذ لحظة لقاءه بمحبوبته ... فما مضى من عمر لا يحسب ولا حتى ما سيأتي ... لأن أرواحهما اجتمعت و ستخلد هذا الحب إلى الأبد ..
وإلا ما الذي يدفع كليوبترا للحاق بحبيبها إلى عالم الأرواح :
[color=][align=left:f44fd48541]Give me my robe , put on my crown ; I have
Immortal longings in me .[/align:f44fd48541][/color]
روميو وجولييت كذلك ... لو تزوجا وعاشا كأي زوجين في العالم لما سمع بهما أي شخص ... لكن الموت منحهما عمراً آخر وخلد ذكرهما حتى الآن...
فالموت هو الإنعتاق من حدود الجسد والمادة... الذي يمنح حرية أكبر للروح وبداية عمر جديد ... ربما يكون أسعد وأجمل ...
عادة يرغب الإنسان بالموت عندما يكون في أسوأ حالاته من السوداوية والإحباط .. حتى أنه قد يفكر بالانتحار ..
لكن هل من أحد فكر يوماً بالموت وهو في قمة سعادته !!!
هذا ما فكر به عطيل عندما بلغ درجة قصوى من السعادة مع حبيبته ديدمونة ... اعترف بتلك اللحظة بأنه لا يرغب بشيء أكثر من هذا العالم وخوفاً على هذه السعادة التي يعلم جيداً أنها لن تدوم ... تمنى لو يقف الزمن عند هذه اللحظة فيخلد شعوره بالسعادة :
[align=left:f44fd48541]O ! my soul’s joy
If it were now to die
It were now to be must happy[/align:f44fd48541]
ثم ألا يكون الموت رحمة في كثير من الأحيان؟؟؟
عند الموت نموت ميتة واحدة ... أما بالحياة ... قد نعيش ونموت آلاف المرات!!!
إذا هل يكون الخلود بعدد ما نعيشه من سنوات ؟؟؟؟
بعد عودة أوديسيوس من حرب طروادة التي استمرت عشر سنوات ... ظل تائها في البحار عشر سنوات أخرى في طريق عودته إلى بلده اثيكا ... احتجزته خلالها الحورية كاليبسو على جزيرتها ومنعته من العودة إلى وطنه محاولة إقناعه بالبقاء معها مقابل أن تمنحه الخلود وتتزوجه ...
لكنه رفض وفضل العودة إلى وطنه وزوجته وولده والموت بينهما كأي إنسان عادي ... رغم أن جمال الحورية وشبابها لا يمكن أن تضاهيه امرأة بشرية يتقدم بها العمر كزوجة أوديسيوس...
فما الذي جعله يرفض عرضها بالخلود والشباب الدائم ؟؟؟
ماذا لو عرض عليك أن تعيش هذه الحياة للأبد ... هل توافق؟؟؟
هل سيكون هناك أي معنى أو قيمة لحياتنا إن علمنا أنها حياة مستمرة ودائمة؟؟؟
أي عندما يزول تحدينا للزمن ... هل سنشعر بقيمة وجودنا ؟؟؟
إذا علاقتنا بالزمن مهمة جدا... وهي ما يدفعنا للعمل والسعي للتغلب عليه وتحقيق الخلود...
كيف ترى الخلود إذاً ... وهل تفكر فيه ؟؟؟
هل يهمك أن تذكرك الأجيال القادمة ؟؟؟
هل أبو العلاء المعري محق في قوله :
[align=center:f44fd48541]تعب كلها الحياة فما أعجب *** إلا من راغب في ازدياد
إن حزنا في ساعة الموت أضعاف *** سرور في ساعة الميلاد
واللبيب اللبيب من ليس يغتر *** بكون مصيره للفساد[/align:f44fd48541]
أم أن المتنبي هنا أصدق في التعبير عن رغبة الإنسان بعمر أطول:
[align=center:f44fd48541]وإذا الشيخ قال أفّ فما ملّ *** حياةً وإنما الضعف ملا[/align:f44fd48541]
كلنا نعلم أننا سنموت يوما ما ... لكن هل ترغب بأن يكون هذا اليوم عاجلاً أم آجلاً ؟؟؟ ولماذا نشعر دائماً أن الموت يمكن أن يحدث لأي شخص ما عدانا ؟؟؟؟
أي عندما ترى ميتاً ... هل يخطر ببالك أنك ستكون مكانه يوما ما ؟؟؟
[align=left:f44fd48541]Morality , behold and fear
What a change of flesh is here !
Think how many royal bones
Sleep within these heaps of stones ;
Here they lie , had realms and lands ,
Who now want strength to stir their hands ,
Where from their pulpits seal’d with dust
They preach , ‘ In greatness is no trust .’
Francis Beaumont[/align:f44fd48541]
أخيراً ... ألا تعتقد أن الحب ... هو الوحيد الذي يصل بالزمن إلى الأبدية ؟؟؟
ألا يصل بك إلى حالة من فقدان الشعور بالزمان والمكان ؟
[align=left:f44fd48541]
When I am dead , my dearest
Sing no sad songs for me
Plant thou no roses at my head
Nor shady cypress tree
Be the green grass above me
With showers and dewdrops wet
And if thou wilt , remember
And if thou wilt , forget.
I shall not see the shadows
I shall not feel the rain
I shall not hear the nightingale
Sing on , as if in pain
And dreaming through the twilight
That doth not rise nor set
Haply I may remember
And haply may forget .
Christina Rossetti[/align:f44fd48541]