النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قضايا راهنة في الإسلام: بين العلم والدين

  1. #1 قضايا راهنة في الإسلام: بين العلم والدين 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    قضايا راهنة في الإسلام: بين العلم والدين

    برونو عبد الحق كيدردوني

    كان تقاطع العالم الإسلامي مع العلوم الحديثة خلال القرن التاسع عشر بالذات، قد أخذ شكل التحدي المزدوج الطابع، إي المادي والفكري في نفس الوقت، وذلك لحظة أن استفاقت الإمبراطورية العثمانية على هول وقع الهجمة العسكرية عليها من طرف الأمم الغربية، حين دقت ساعة قطع أوصالها والاستيلاء على ولاياتها وأصبحت عاجزة عن رد العدوان العسكري والاستعماري.الأمر الذي استدعى الأمة الإسلامية حيينها ضرورة اكتساب التقنية الغربية والعلم الذين لهما علاقات أساسية متداخلة.
    ومهما يكن، فإن ضغط العلوم الحديثة على الإسلام ما زال قويا، بحيث يمثل الغرب نموذج التقدم الذي ينبغي الاحتذاء به واللحاق به، سواء عبر تكوين تقنيين ومهندسين، أو العمل قدما على ضمان تحويل كثيف للتقنيات الضرورية للتقدم. غير أن هذا الاحتكاك بذاته قد قاد إلى طرح سؤال أرق الفكر الإسلامي من زاوية فلسفية وعقائدية على حد سواء، حين عمد إرنست رينان (1823- 1892) إلى النيل من المسلمين والعقل العربي في محاضرته الشهيرة:<< الإسلاموية والعلموية>> في السوربون سنة 1893، معتبرا أنهم عاجزون تمام العجز عن إنتاج المعرفة والأخذ بأسباب الحضارة والتقدم، بل أنهم في رأيه غير قادرين على الإطلاق أن تمثل الحياة عقلانيا. الأمر الذي تلقاه العديد من العلماء المسلمين المحتكين بالغرب كاستفزاز بالغ، إذ بادر جمال الدين الأفغاني (1838- 1892) أحد رواد الإصلاح الإسلامي،إلى تفنيد هذا الادعاء والرد على هذه المزاعم، مذكرا بأنه في الوقت الذي لم يعرف فيه الإسلام إي قطيعة بين الدين والعلم، نجد المسيحية عامة، والكاثوليكية بشكل خاص قد عاشت صداما طويلا وشائكا مع العلم. وأن العلم الحديث ليس في حقيقة الأمر إلا نسخة مطورة من << علم إسلامي>> نشأ من ذي قبل في العصور الوسطى، وفي أحضان عصر خلفاء بني أمية وبني العباس، والذي تم نقله في النهاية إلى الغرب عبر الأندلس في القرن الثالث عشر بواسطة الترجمات التي أتاحت في ما بعد إشعاع النهضة وعصر الأنوار.
    ويدافع رواد التيار الإصلاحي في الإسلام، على حقيقة أن العلم ليس شرا في حد ذاته،وأن ما يرفضونه في هذا السياق هي تلك الانحرافات التي لحقت بالعلم بسبب الانزلاق في مأزق الرؤية المادية والعلموية المضادة للدين، التي صاغها بعض من الفلاسفة والمثقفين في الغرب.
    ويعترف هؤلاء بأن العلم الحديث لم يولد بعد في العالم الإسلامي على الرغم من أن هذا الفضاء ذاته قد شهد تقدما علميا كبيرا أثناء العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية، الأمر الذي يعود بالنسبة لهم إلى " الاستيهامات" السحرية التي علقت بأصول الدين والتي حثت على الاستسلام للقدرية والجمود عوض ثقافة العمل والفعل. ووعيا بحالة الجمود التي استشرت في العالم الإسلامي، نهض علماء النهضة ومصلحيها للدعوة إلى ضرورة فك أغلال التخلف والانتكاس والجمود، وذلك عبر إصلاح الفكر الإسلامي ذاته. وهو الخطاب الذي حظي بكثير من الانتشار والذيوع في العالم الإسلامي، إلا أنه أسفر في نفس الوقت عن إشكالية كبرى قضت المضاجع وأرقت النفوس وما زالت، يمكن اختصارها بالسؤال: هل سيؤدي الإصلاح إلى "تحديث الإسلام" أو إلى "أسلمة الحداثة"؟ ولا غرو من التأكيد أن المثقفين من المسلمين الذين يشتغلون حول قضايا العلم والدين يستلهمون رؤيتهم من المعرفة الإسلامية، لأن التقليد الإسلامي عادة ما يحث على العلم، بحيث يمكن أن نرصد ورود 800 مرة لكلمة " علم" في ثنايا الكتاب الكريم، وأن أول كلمة نزلت على محمد، هي "اقرأ"، وفيها الأمر القوي المحكم والتأكيد الملزم، لكل مسلم ومسلمة في كل زمان ومكان إلى العلم والتعلم. كما أن الأحاديث النبوية تعج بالدعوة إلى العلم والمعرفة مما لا غبار عليه، مثل:<< العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة>> أو << اطلبوا العلم ولو في الصين>>.
    ومن ثم إن نظرية المعرفة الإسلامية يمكن حصرها في ثلاثة مظاهر: الأولى منها نصت أن الوحي وراء المعرفة الدينية، بينما تؤكد الثانية أن معرفة الكون تقوم على البحث وإعمال الفكر والعقل والتدبر. أما المظهر الأخير يقوم على المعرفة اللدونية الروحية التي يمنحها الله لمن يشاء من عباده.
    وعن هذه المظاهر الثلاثة التي تتمحور العلاقة بين العلم والدين، تبرز إضاءات متباينة، غير أن الأساس الذي تقوم عليه هذه المظاهر الثلاثة في ربطها بين الدين العلم، ينطلق من التفاعل القائم بينها من منطلق كلمة " آيات" التي تشير في الوقت نفسه إلى رموز وإشارات الخالق في الكون وآيات النص القرآني معا.
    وهناك العديد من السور القرآنية، المعروفة بــ" الآيات الكونية" التي وقف عندها المفسرون للفت نظر القراء حول ظواهر الطبيعة من باب فك شفرة فك صنع الخالق. غاية هذا التصور الإسلامي التأكيد على التوحيد الذي يؤكد بدوره على وحدانية المعرفة من منطلق وحدانية الخالق للدلالة عليه والوصول إليه.وبالتالي ليس هناك من خوف في هذا الباب أن تتصادم الحقيقة العلمية مع الحقيقة الدينية، أو تلك التي أقرت بوجود حقيقة مزدوجة كما تمت إدانتها في العالم المسيحي في القرون الوسطى ونسبتها خطأ للفلاسفة المسلمين.
    إذ أن الفكرة الأساسية حول وحدة المعرفة ظهرت في موقفين من مواقف كبار علماء المسلمين، ما زالت تحظى كتبهما بقراءات واهتمامات متزايدة. فأبو أحمد الغزالي (1058- 1111) يدافع في كتابه " المنقذ من الضلال" أن اليقين العقلي حكمة ربانية، أما إذا وقع تعارض بين نتائج البحث الفلسفي ( الفلسفة والعلم ذوي الأصول اللاتينية) وتعاليم الوحي الديني، فذلك راجع من دون شك لتطبيق الفلاسفة لمباحثهم خارج مجال صلاحيتها المعتاد، وهو ما أوصلهم إلى القول بقضايا خاطئة. أما أبو الوليد محمد ابن رشد (1126-1198) يؤكد من جهته في فتواه التي ضمَّنها كتابه " فصل المقال"، أن الاشتغال بالفلسفة والعلم فرض ديني وواجب شرعي، وإذا حصل أن وقع تعارض ما بين الفلسفة والوحي، وجب التأويل، مخافة أن يتم تقويل الله أشياء خاطئة لم يقل بها.
    ومن ثم إن مختلف مواقف المسلمين المعاصرين تتوزع عبر ثلاث تيارات رئيسية، فهي تتبع بطريقة أو بأخرى هذا التوجه القاضي بوحدة المعرفة. فالتيار الغالب والقريب من توجه الإصلاحيين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، لا يرى ثمة سوء بالضرورة في العلم، وأن الغرب صاحب الابتكارات العلمية اليوم، يجب الاكتفاء بمحاسبته عن رؤيته التي سقطت في مستنقع المادية ولا مبالاته الأخلاقية لا غير.
    بيد أن هذا التيار سقط في فخ الاعتراض على العلوم الإنسانية واعتبر أن العلم ينحصر بالأساس في العلوم الطبيعية، لكونه اعتقد أن العلوم الإنسانية في الغرب تتضمن بالضرورة قيما مضادة للدين.والعلم في نظرهم بهذا المعنى، يهتم بـــ" الوقائع" التي تعد في حد ذاتها حيادية تماما. وما ينقص الغرب يكمن في غياب المعنى الأخلاقي، الذي قد نجده عند بعض علماء الغرب بصفة شخصية، لكنه لا يظهر بما فيه الكفاية أو منعدم بالكامل في السياق الفكري العام.
    هكذا عمد علماء كبار مثل الفيزيائي المسلم محمد عبد السلام (1926-1996) الحائز على جائزة نوبل للفيزياء عام 1979 لتقمص دور المحامين عن تطوير العلم الحديث في العالم الإسلامي. وهؤلاء المدافعون عن العلم يُذكِّرون بالفترة الذهبية التي كانت فيها قائمة العلماء المسلمين جد طويلة قبل أن يتوارهم التاريخ بالنسيان، وهم بهذا يبحثون عن بناء مستقبل بتشجيع الاهتمام بالتربية التي لها وظيفة تحريرية.
    وهذا التيار يعرف اليوم انبعاثا متزايدا، ولو تم الالتفاف عليه بغايات تمجيدية. ففي سنة 1976 قام الجراح الفرنسي موريس بيكاي( 1920- ...)، بنشر كتاب " الإنجيل والقرآن والعلم" حيث قام بدراسة الكتب المقدسة على"ضوء المعارف الحديثة"، ليستخلص أصالة القرآن بسبب << وجود عدد من المقولات العلمية التي إن تم فحصها على ضوء معارف عصرنا بدت كتحدي للتفسير الإنساني>>. وإذا اتضح أن القصد من ذلك لم يكن في البداية التعرض لعلاقة العلم والدين في الإسلام، ولكن المشاركة في النقاشات الجارية بين المستشرقين والمختصين المعاصرين في الإسلام حول القرآن بتقديم عناصر تدعم أصالته. فأن فكرة " الدلائل العلمية" المؤكدة لحقيقة القرآن العلمية تمت إشاعتها في العالم الإسلامي بواسطة العديد من الترجمات لكتاب موريس بيكاي، وتم تضخيمها لدرجة أنها أصبحت هي المهيمنة، بحيث أصبحت ثقيلة الحضور في النزعة التمجيدية المسيطرة حاليا.
    ووقع أصحاب هذا التيار بعد ذلك، في إعادة تأويل الموضوع التقليدي للإعجاز البياني في القرآن وإسقاطه باتجاه الإعجاز العلمي في القرآن، حتى أنهم كادوا أن يحولوا كتابه تعالى إلى مدونة للاختراعات العلمية. بل أن ما تم الوصول إليه من معارف وعلوم من << علماء الغرب>> في هذا المشهد، إنما يأتي في سياق التأكيد حقيقة الإسلام، بحيث يشدد أصحاب هذا التيار على وجود اكتشافات العلم الأخيرة بأسرها (علم الفلك، علم الأجنة، علم الجيوفيزياء، علم الأرصاد الجوية وعلم الأحياء) في القرآن, للتأكيد على هذا التصور.
    وهؤلاء الذين يدافعون عن هذا الموقف ينظرون للعلم دون الاهتمام برؤيته الخاصة للحياة ولا بفحص افتراضاته المعرفية والمنهجية. بل أن هناك من ذهب في هذا المنحى بعيدا، عندما عمد إلى القول بأن القرآن يحتوي على مقولات علمية كمية، كالقول بأنه يتضمن على وجه الدقة قياس لسرعة الضوء، بل ادعى بعضهم تأسيس " علم إسلامي" قائم على مناهج جديدة تماما. والنتيجة كانت أن الفيزيائي بيرفيز هودبهوي في كتابه " الإسلام والقرآن" اعترض أشد الاعتراض على هذا التحوير، سيما أن<< خصوصية إقامة العلم على قواعد أخلاقية ودينية، لا تسمح بتأسيس علم جديد>>. فليس هناك من طريق لبناء علم جديد أو << علم إسلامي>>، غير طريقة العلم الكوني التي مارسها علماء ينتمون للحضارة العربية الإسلامية في مرحلته الذهبية.
    أما التيار الثاني فيرفض فكرة علم كوني ويركز من جانبه حول ضرورة فحص الافتراضات المعرفية والمنهجية للعلم الحديث ذي الأصل الغربي، مؤكدا أنها لن تقبل كما هي عليه في العالم الإسلامي. وهذا التيار يستند إلى النقد الصادر عن الفلسفة وتاريخ العلوم، بخاصة أن كارل بوبر (1902- 1994) وتوماس كوهن (1922- 1996) وبوب فايرباند (1924- 1994) كل من وجهة نظره، حاول مساءلة مفهوم الحقيقة العلمية وطبيعة المنهج التجريبي واستقلالية الإنتاج العلمي في علاقته بالمحيط الثقافي والاجتماعي حيث ظهرت. وفي هذا المناخ الذي يتميز بالنسبية والنزعة المضادة للواقعية في سياق التفكيكية ما بعد الحداثية، يرفض النقد الإسلامي للعلم الغربي، الفكرة التي مفادها وجود طريقة واحدة للاشتغال بالعلم. إذ يبحثون في تأسيس مبادئ << علم إسلامي>> بتأصيل المعرفة العلمية والنشاط التقني على قيم الشريعة الإسلامية والتقاليد الإسلامية الناجمة عن تأويلات مختلفة.
    وهكذا نجد إسماعيل راجي الفاروقي (1921- 1986) بلور برنامجا لأسلمة المعرفة، قام على تأسيس مؤسسة المعهد الدولي للفكر الإسلامي، عقب تجارب وتأملات قام بها مسلمون يشتغلون في الجامعات ومراكز البحث في أمريكا الشمالية. ويقوم هذا البرنامج على معاينة حالة قلق قد انتابت الأمة الإسلامية، يمكن أن نعزو مصدرها إلى استيراد رؤية للعالم خارج المنظور الإسلامي.
    ويرى هذا التيار إن أسلمة المعرفة مسألة ذات طابع شمولي: فهي تنطلق من كلام الله الذي يجب تطبيقه في جميع مجالات النشاط الإنساني، ما دام أن الإنسان بهذا المعنى ممثله أو خليفته في الأرض. وتتمحور أعمال المركز على مشروع لتطوير الممارسة العلمية وفق رؤية دينية للعالم والمجتمع، بخاصة منه الاهتمام بأسلمة العلوم الإنسانية أكثر من العلوم الطبيعية التي تعتبر في نظرهم أكثر حيادا على الأقل من الناحية المنهجية.
    وهناك العديد من المثقفين كضياء الدين صردر (1951-...) أو ما يعرف بأعضاء المدرسة الإجمالية في العلوم ذات النزعة التركيبية، التي وعت خطر الرؤية الغربية على الإسلام عبر القيم التي قد تسرب له بواسطة علومها. إذ تأثر أصحاب هذا الاتجاه كثيرا برؤية توماس كون للتطور العلمي، بحيث لا حظوا أن العلم والتقنية الآتية من الغرب غير حيادية، بل محملة بدورها بمشروع ثقافي وتمتلك أداة قد تتحول إلى نشر مصالح أيديولوجية وسياسية واقتصادية غربية.
    ويعتبر أصحاب هذا الاتجاه أن استيراد المعرفة العلمية والتقنية من الغرب، يجب أن يصحبه إعادة بناء الأسس المعرفية للعلم في أفق ربطه بمختلف مجالات الحياة الإنسانية الخاصة بالإسلام. مما جعل صردر بنفسه يقارن موقف الإجماليين بموقف الغزالي.
    بالمقابل يتمحور الاتجاه الثالث في الفكر الإسلامي على رؤية معمقة حول الأسس الميتافيزيقية المقترحة من طرف الرؤية الإسلامية، ويعد السيد حسين نصر (1933- ...) أحد أبرز وجوهه. فهو يدافع عن العودة إلى العلوم الشرعية، من منطلق مرجعيته التي تعود أصولها إلى علماء مسلمين من أصول غربية، كالفرنسي رونيه غيونون (1886- 1951)، وبعض ممن ساروا على خطاه من أمثال فريثجوف شيون (1907- 1994) وتيتيس بركهاردت (1908- 1984). مرد هذا الأمر أن غينون عالم الميتافيزيقا يفسر كيف أن الحضارة الغربية تمثل استثناء، لكونها الحضارة الوحيدة التي تطورت بدون مرجعية متعالية، وهو هنا يذكر أن الرؤية الكونية للأديان والتقاليد الإنسانية ما هي في آخر المطاف إلا جملة من التطابقات مع التقليد الأولي ذي الجوهر الميتافيزيقي.
    فقدر الكائن الإنساني هو معرفة الحقائق ـ الإلهية ـ الخالدة بطريقة فكرية، وليس اكتشاف المظاهر الكمية للكوكب. ومن ثم يستنكر حسين نصر على ضوء ذلك، ليس القلق الذي يلم بالأمة الإسلامية فحسب، وإنما أيضا المجتمعات الغربية المهوسة بتطوير معرفة علمية على ضوء مقاربة كمية للواقع، والهيمنة على الطبيعة التي ستؤدي إلى تدميرها لا أقل ولا أكثر.
    فموقف حسين نصر والمدافعون الآخرون عن هذا التيار التقليدي، والذي اختار البعض أن يطلق عليه << الكماليون>> ( نسبة إلى تيار الحكمة الكاملة (Sophia Perennis) الذين اضطلعوا بنقله وإيصاله إلينا)، ينخرط ليس في نقده للمعرفة الغربية فحسب، بل من إعادة السؤال بطريقة جذرية في التصور الغربي لواقع تم حصره في المادة على سبيل التعسف فحسب. فدعاة الرؤية التركيبية والكمالية يقترحون مذهبا للمعرفة يقوم على تعاقبية متلاحقة، بحيث تظهر الحقيقة والجمال، العلم والدين كمظاهر متكاملة لنفس الواقع. كما ينشدون من أعماقهم أمل تحقيق رؤية روحية للعالم، وإعادة الاعتبار لــ<< علم إسلامي>> تقليدي قادر على الحفاظ على انسجام الكائن في الوجود.
    بالمقابل، إن النقد الموجه لهذه الرؤية الراديكالية يشدد على نزعتها النخبوية، واضعا في الصدارة صعوبة تحقيق برنامجها في ظل الظروف الحالية.
    ومن الملاحظ أن مختلف التيارات داخل الفكر الإسلامي شاهدة على حيوية فكرية مكثفة حول العلاقة بين العلم والدين، بحيث إن المنتظم الإسلامي الجامعي يتفاعل كبوتقة أفكار لصهر العديد من الأفكار سواء منها ذات الأصل الإسلامي أو الغربي بغاية إعادة صياغتها من جديد بحثا عن تركيب. غير أن العناصر الأساسية تبقى هي تلك التابعة للفكر الإسلامي: كالتأكيد على وحدانية الله الذي يوحد بين الخلق والإنسانية في ذات الوقت، والطبيعة المفتوحة لسيرورة تظل غير محدودة أصلا لاكتساب معرفة العالم، كما صلة الربط الوثيقة التي تجمع بين المعرفة والأخلاق، وبالتالي مسؤولية الإنسان على الأرض كخليفة الله في أرضه الذي يجب أن يسخر لنفسه هذا الكون دون أن يعبث فيه، مثله مثل ذلك البستاني الذي يحسن التصرف في حديقته.
    وعلاوة على ذلك، إن الميتافيزيقا التي تكمن وراء الإبستمولوجيا والأخلاق جد متأثرة بجدلية الظاهر والباطن، لأن الظواهر هي محض إشارات للفعل الإلهي في الكون، فالله حاضر في كونه، ولا يكل من " تجديد الخلق" في أي لحظة. وهذا الربط بين السببية والمرحلية التي تتأرجح بين حتمية ولا حتمية العلوم الحديثة، تبقى دائما عرضة للصياغة من جديد.
    كما إن التفكير النقدي حول إعادة صياغة العلم في حد ذاته وبوصفها نشاط يخضع لثقافة، أصبح الآن من صميم أي نقاش. بالمقابل، تجدر الملاحظة أن التطورات الأخيرة للعلوم الحديثة، بخاصة منها اللاحتمية في الرياضيات واللاوثوقية في الفيزياء الكوانطية ( الكمية) واللاتعينية في نظرية الفوضى، كما الأسئلة التي تطرح في حقل البيولوجيا حول التطور وفي علوم الأعصاب حول الوعي، لم يتم البحث فيها بما فيه الكفاية.
    فهذه التطورات يمكن أن تطرح مسارات مهمة لكسر الرؤية الاختزالية والعلموية للعالم، وتشكيل حجر الزاوية لميتافيزيقا وإبستمولوجيا يمكن أن تقدم معنى للعلم كما يعرف في المختبرات ومراكز البحث.
    وأخيرا، يجب تقديم مضمون لمفهوم << العلم الإسلامي>>، والسؤال في هذا المنحى مرتبط على نحو سيان بميدان الأخلاق ( الشخصية والجماعية) وبنظرية المعرفة، كما أيضا برؤية كونية (Weltanschung) ذات طبيعة ميتافيزيقية مفترضة فيها. فأي تيار فكري يجب أن يمتحن أهليته بمواجهة مشاكل جد خصوصية ناتجة عن موقفه الخاص، كما مشاكل العالم الإسلامي الاقتصادية والاجتماعية. وتبقى معرفة أي حد يمكن أن ننظر إلى مشروع طموح كبناء علم إسلامي كعلم شرعي، أن يتجاوز النظرة الحالمة للماضي والمرور إلى حقل التجسيد الفعلي على أرض الواقع من طرف نخبة فكرية وروحية، لأن مستقبل مساهمة الحضارة الإسلامي في تطور معرفة كونية رهن الإجابة التي يمكن أن نقدمها على هذا السؤال.
    المصدر: الحياة 13/05/06
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: قضايا راهنة في الإسلام: بين العلم وا 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    كنت قد كتبت مقالة قديمة عن العقل و الدين في الفلسفة الاسلامية و قد اعدت تجديدها
    http://www.merbad.net/vb/showthread....6260#post16260
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: قضايا راهنة في الإسلام: بين العلم وا 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    61
    معدل تقييم المستوى
    19
    انما يخشى الله من عباده العلماء
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. " فجر العلم الحديث ، الإسلام ـ الصين ـ الغرب
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25/12/2013, 11:29 PM
  2. كيف نفكر في الصلة بين العلم والدين؟
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 17/10/2010, 08:40 PM
  3. بيان من أهل العلم في الحث على مقاطعة منتجات أعداء الإسلام
    بواسطة حي بن يقظان في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 23/01/2006, 12:17 AM
  4. فولتير وداروين والاخرين والدين
    بواسطة سالم سليم في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07/11/2005, 03:30 AM
  5. فولتير وداروين والاخرين والدين
    بواسطة سالم سليم في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07/11/2005, 03:30 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •