بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الأحبة الأكارم أسعد الله أوقاتكم بكل خير وبعد:
يسعدني أن أستهل كتابتي بهذا القسم الطبي الجديد, بحديث عن طبيب وفقيه وأديب وشاعر وفيلسوف....
هو ذو الوزارتين:
أبو عبدالله لسان الدين المعروف بابن الخطيب:
ولد بغرناطة سنة 713هجري الموافق 1313ميلادي في مهد السؤدد والعلم والرياسة, وتخرج على علمائها في علوم اللسان والشريعة والفلسفة والطب والتاريخ, وبذ في كل ذلك معاصريه ومناظريه من أدباء الأندلس ولقد انتهت إليه زعامة العلم والأدب في الأندلس كما انتهت إلى ابن خلدون معاصره في إفريقية.أبدأ حديثي به نظراً لأهمية شخصيته كمثال يحتذى حذوه, ويجد به طلاب الطب مثالاً للعالم والموسوعي,, آملاً أن يهتم كل طالب طب باللغة العربية, ويتقن قواعدها ويبدع في بيانهاوبلاغتها....وإليكم سيرته العطرة:
لسان الدين ابن الخطيب هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد السّلماني، أحد أشهر علماء الأندلس ومفكريها. نبغ في الأدب والتاريخ والتراجم والسير والطب. أخذ الطب عن الإمام أبي زكريا ابن هذيل التجيبي، والذي كان يُعزّه ابن الخطيب إعزازا شديدا. ألف ابن الخطيب العديد من الكتب في مجال الطب وصلنا منها تسعة. من هذه الكتب كتاب عمل مَنْ طَبّ لمن حَبّ. وقد ألف هذا الكتاب لسلطان المغرب أبي سالم بن أبي الحسن المريني. يتألف هذا الكتاب من جزئين؛ الأول يتألف من عشرين بابا، تحدث فيها المؤلف عن الأمراض من الرأس إلى القدم، ما عدا ما يتعلق بموضوع الزينة. أما الجزء الثاني من الكتاب فيتألف من أربعة عشر بابا، تحدث فيها المؤلف عن الأمراض التي تعم البدن كله ولا تختص بعضو معين، بالإضافة إلى حديثه عن الزينة والسموم. وقد اتبع المؤلف في هذه الكتاب منهجا متميزا خالف فيه من قبله من الأطباء. فقد أتى على ذكر المرض مشيرا إلى تعريفه، ثم أسبابه وعلاماته. ومن الملاحظ أن ابن الخطيب يذكر الفروق بين الأمور التي تفارق تلك الشكاية أو المرض عن غيره، وهذا ما يسمى حاليا في الكتب الطبية الحديثة بالتشخيص التفريقي. بعد ذلك ينهي حديثه عن المرض بالتطرق إلى علاج ذلك المرض وتدبيره، مبتدئا بالأدوية المعروفة لدى عامة الناس، ثم الأدوية غير المعروفة. ويجدر بالذكر أن ابن الخطيب كان حين حديثه عن المرض يتطرق بالحديث عما كان يسمى بتقدمة المعرفة، وهو يعني العاقبة التي سيؤول إليها هذا المرض، وهذا ما اصطلح حديثا تسميته بإنذار المرض.
الهدف من هذا البحث هو استعراض أهم إنجازات ابن الخطيب الطبية من خلال كتابه عمل من طب لمن حب، بالإضافة إلى أهم ما يميز هذا المؤلف الطبي عن الكتب التي ألفت في فترات سابقة.
لسان الدين بن الخطيب:
هو لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله السلماني، نسبة إلى (سلمان) موضع باليمن، ومنه قدم أهله إلى الأندلس عقب الفتح الإسلامي واستقروا في قرطبة ثم انتقلوا إلى طليطلة بعد ثورة أهل الربض بقرطبة سنة 202/هـ. ولما اشتد خطر النصارى على طليطلة في منتصف القرن الخامس للهجرة انتقلوا، أيام جده سعيد إلى (لوشه) غرب غرناطة وكان سعيد عالما ورعا فجعل يلقى دروسه ومواعظه في (لوشة) فعرف بالخطيب وعرفت الأسرة باسم آل الخطيب.
وفي مدينة (لوشة) ولد ابن الخطيب سنة 713/هـ، ونشأ في غرناطة، وبها تلقى علومه على كبار علمائها، وفيهم العالم باللغة والأدب والعالم بالفقه والأصول وفيهم العالم بالطب. فنهل من كل هذه العلوم. وفي عام 741/هـ تولى الكتابة في ديوان الإنشاء خلفا لأبيه الذي توفي في ذلك العام. وفي عام 749/هـ تولى الوزارة خلفا لأبي الحسن بن الجياب الذي توفي في ذلك العام، وكان وزير السلطان أبي الحجاج يوسف (الأول).
واستمر ابن الخطيب في الوزارة بعد مقتل السلطان أبي الحجاج سنة 755/ هـ وقيام ابنه محمد (الخامس) الغني بالله خلفا له. وسافر لسان الدين للغني بالله السلطان المريني أبي عنان فارس تأكيدا للمودة بينهما، واستنجادا على الطاغية الإسباني ملك قشتاله، ونجح لسان الدين في سفارته، فعظمت ثقة الغني بالله بلسان الدين، ورفع رتبته ولقبه بذي الوزارتين، الكتابة والوزارة.
وفي 28 رمضان سنة 760/هـ خلع الغني بالله وسار فارّا إلى فاس ونزل على السلطان أبي سالم إبراهيم، وهو أخو أبو عنان فارس وكان قد توفي سنة 759/هـ. ولم يستطع لسان الدين أن يصانع السلطان إسماعيل (الثاني) ابن يوسف الذي خلع أخاه محمد الغني بالله، فنكبه السلطان وصادر أمواله بتحريض من حوله من حساده، واستطاع لسان الدين أن يهرب فلجأ إلى فاس لاحقا بالسلطان المخلوع. وفي أوائل سنة 763/هـ أقدم أمير من أمراء بني نصر يدعى أبا سعيد محمد على قتل إسماعيل (الثاني) وإعلان نفسه سلطانا باسم محمد (السادس)، فما أن علم محمد (الخامس) الغني بالله بذلك حتى عاد إلى الأندلس بقوة زوده بها السلطان المريني أبو سالم إبراهيم، ونزل في (رنده) وكانت من أملاك بني مرين ومنها سار بقوته ودخل غرناطة.
هرب أبو سعيد محمد (السادس) لاجئا إلى ملك قشتاله. واستدعى الغني بالله لسان الدين من فاس، ورده إلى الوزارة وأعاد تلقيبه بذي الوزارتين فعلت مكانته من جديد وعظم نفوذه، وازدهى لسان الدين بهذه المكانة الرفيعة التي أحله بها السلطان، فأثار بذلك حسد حساده وفيهم الوزير ابن زمرك تلميذ ابن الخطيب، ومعه أبو الحسن علي النباهي قاضي الجماعة في غرناطة وكانا صنيعة لسان الدين وغرس نعمته، فجعلوا يحرضون الغني بالله عليه ويتهمونه بالانحراف بولائه والإلحاد، وعلم بذلك لسان الدين، ورأى أن الأسلم له أن يبارح الأندلس فاستأذن الغني بالله في الحج فأذن له.
توجه لسان الدين إلى فاس لاجئا إلى السلطان المريني أبي فارس عبد العزيز المستنصر بن أبي الحسن علي وكان قد تولى السلطنة سنة 767/هـ بعد أحداث جرت في فاس بين "المتنافسين" على السلطة، فكتب الغني بالله إلى المستنصر المريني بالقبض على لسان الدين وقتله، فلم يلتفت المستنصر لهذا الطلب. وجرت لابن الخطيب محاكمة غيابية في غرناطة، حضرها الفقهاء وكبار العلماء، اتهم فيها بالإلحاد اعتمادا على بعض ما جاء في كتابه (روضة التعريف بالحب الشريف) المعروف بكتاب (المحبة)، حيث أولوا بعض مقولاته وفق مقاصدهم، وزعموا أن فيها ما يتضمن طعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، والقول بالحلول ومجاراة مذهب الفلاسفة الملحدين. وكان تلميذه وخلفه في الوزارة القاضي أبو الحسن النباهي أكبر المروجين لهذه الدعاية، وهو الذي تولى صوغ الاتهام وأفتى بوجوب قتله وحرق كتبه. وقد أحرقت كتبه في غرناطة بمحضر من الفقهاء والعلماء والمدرسين.
وفي عام 774/هـ توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز وخلفه ابنه أبو زيان محمد السعيد، وكان طفلا وتولى كفالته والقيام بشؤون الدولة الوزير أبو بكر غازي. وكرر الغني بالله طلبه بتسليم ابن الخطيب أو قتله، فلم يستجب الوزير لطلبه. وقام السلطان الغرناطي الغني بالله باصطناع فتنة في المغرب أطاحت بالسلطان المريني القاصر وبوزيره أبو بكر غازي، وتولية السلطنة أبا العباس أحمد المستنصر بن إبراهيم بن علي، وتولية الوزارة لسليمان بن داود. وعلى الأثر حضر الوزير ابن زمرك إلى فاس يطالب أبا العباس المستنصر بثمن إيصاله إلى العرش والقبض على لسان الدين وإعدامه تنفيذا للحكم الصادر عليه في غرناطة، والذي صدّقه الغني بالله.
ولكن أبن العباس المستنصر آثر أن تجري محاكمته بحضوره، فعقد له مجلسا من رجال الدولة والشورى، واستدعى ابن الخطيب ووجهت إليه التهم المنسوبة إليه، وأخصها تهمة الإلحاد والزندقة. وعرضت العبارات التي وردت في كتابه (المحبة) فعظم النكير فيها ووبخ ونكل به، وامتحن بالعذاب الشديد على مشهد من الملأ. وقد أفتى بعض الفقهاء بقتله، ودس عليه الوزير سليمان بن داود بعض الأوغاد فدخلوا عليه في سجنه وقتلوه خنقا في أوائل سنة 776/هـ.
مؤلفات ابن الخطيب:
كان ابن الخطيب عالما بالتاريخ والفلسفة والرياضيات كما كان عالما بالفقه والأصول وألف فيها كلها، منها : (الإحاطة في أخبار غرناطة) و (الإعلام لمن بويع قبل الاحتلام) و (اللمحة البدرية في الدولة النصرية) و (تاريخ ملوك غرناطة إلى سنة 765/هـ) و (طرفة العصر في دولة بني نصر) و (معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار) و (ريحانة الكتاب ونجعه المنتاب) و (رسالة في الموسيقى) و (الحلل المرقومة في اللمع المنظومة) وهي أرجوزة من ألف بيت في أصول الفقه.
وعلى اسمه صنف المؤرخ أحمد بن محمد المقري (ت: 1041/هـ) كتابه (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب).
ابن الخطيب طبيبا:
يخبرنا ابن الخطيب في ترجمته لنفسه أنه أخذ الطب عن الإمام أبي زكريا ابن هذيل، وأنه لازمه إلى آخر حياته. وابن هذيل هو يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي. وقد قال عنه ابن الخطيب أنه كان آخر حملة الفنون العقلية بالأندلس، وخاتمة العلماء بها من طب وهندسة وأصول وأدب. كان غير مبال بالناس، مشغولا بخاصة نفسه، وقعد بالمدرسة بغرناطة يقرئ الأصول والفرائض والطب.
لم يتفرغ ابن الخطيب لممارسة الطب تفرغا تاما؛ إذ كان مشغولا بأمور الدولة عندما كان وزيرا، إلا أنه يمكننا أن نؤكد بأن عنايته بالتأليف في مجال الطب كانت كبيرة. ويمكن في هذا المجال ذكر مؤلفات ابن الخطيب في مجال الطب وذلك كما وردت في كتاب الإحاطة في ترجمة المؤلف لنفسه، أو كما وردت في نفح الطيب للمقري، وهي كما يلي:
- رسالة في الطب سماها: مقنعة السائل عن المرض الهائل. وهي رسالة كتبها عن الطاعون الجارف الذي دهم الأندلس وسائر العالم الإسلامي سنة 748/هـ (1348/م).
- أرجوزة في الطب.
- أرجوزة في الأغذية.
- الوصول لحفظ الصحة في الفصول.
- كتاب في علاج السموم.
- المسائل الطبية.
- رسالة في تكوين الجنين.
- اليوسفي في الطب.
- كتاب عمل من طب لمن أحب، وهو مؤلف طبي هام يتناول فيه ابن الخطيب مختلف الأمراض مع أسباب كل مرض وأعراضه وعلاجه ونظام الغذاء الذي يناسبه. كما يتحدث فيه المؤلف عن مختلف أعضاء الجسم وطرق العناية بها.
كتاب عملُ من طبّ لمن حبّ:
ألف لسان الدين ابن الخطيب كتابه هذا لسلطان المغرب أبي سالم بن أبي الحسن المريني. وقد انتهى من تأليفه سنة 761هـ. توجد منه نسخة خطية في الخزانة الحسنية رقمها 3477/مجموع (1)، ونسخة أخرى بخزانة القرويين في فاس رقمها 40/607، ونسخة ثالثة في المكتبة الوطنية بمدريد. وفي سنة 1972 نشرت جامعة سلمانقة الإسبانية Salmanca University نسخة محققة من الكتاب، بدون أي شرح أو إيضاح. بل إن النسخة تحتوي على كثير من الأخطاء الإملائية، وتنتهي بسرد للمصطلحات ومعجم الأسماء الطبية ومقابلاتها بالإسبانية.
يقول ابن الخطيب في خطبة كتابه: "إن الله عز وجل جعل الدنيا دار عمل واكتساب، والآخرة دار جزاء وحساب. ومن المعلوم أن العمل لا يتم إلا بصحة الفاعل واستقامة هيئته الطبيعية وأحواله، وإن الصحة لا تحفظ إذا انحرفت، ولا ترد إذا انصرفت إلا بصناعة الطب التي لها النظر في حفظ الجسوم من تقديم الدواء لها والغذاء على المحدود والمرسوم، وتتفاضل المدارك في هذا الباب بتفاضل الفهوم".
ثم وصف ابن الخطيب كتابه هذا بأنه: "جاء بعون الله وتأييده غريب الوصف بديع الرصف مستوعبا للعيون جامعا بين الأطراف والمتون، تحفة في هذا الفن المفضل على كثير من الفنون، وسميته عمل من طب لمن حب".
يتألف هذا الكتاب من جزئين؛ الأول يتألف من عشرين بابا، تحدث فيها المؤلف عن الأمراض من الرأس إلى القدم، ما عدا ما يتعلق بموضوع الزينة. أما الجزء الثاني من الكتاب فيتألف من أربعة عشر بابا، تحدث فيها المؤلف عن الأمراض التي تعم البدن كله ولا تختص بعضو معين، بالإضافة إلى حديثه عن الزينة والسموم.
الجزء الأول: عن الأمراض التي تحدث من الرأس إلى القدم، ما عدا ما يتعلق بموضوع الزينة. ويتألف من عشرين بابا: .......لم يستوعب الموضوع كله في هذا التحميل وللموضوع بقية...