في أدب الرحلة
عبد الله بن حمد الحقيل
يتساءل كثير من الباحثين عن أدب الرحلات ودوره في تاريخ الأدب العربي، والواقع أن أدب الرحلات استأثر بالاهتمام قديما وحديثا، وعني به أعلام بارزون عبر مراحل التاريخ ماضيا وحاضرا .. حيث تحدثوا فيه عن مشاهداتهم والأماكن التي مروا بها .. وزيارة المعالم والآثار والمساجد والمكتبات وما تحويه من المخطوطات ووصفها والتعريف بها وزيارة المعالم والمواضع التاريخية .. وما زال هناك عشرات المخطوطات من المؤلفات عن الرحلات لطائفة كبيرة من العلماء لم تنشر بعد..
لذا ينبغي ألا نهمل أدب الرحلات فهو فن متميز ومعلم بارز من معالم الثقافة والمعرفة، فهو كحديقة غناء بها ثمار يانعة، ولا تخلو من الأشواك، ولقد قيل:
في الذكريات وفي الترحال أشجان*
فيها من العلم والعرفان ألوان
أطوف حول زوايا الأرض أدرس أح*
وال الشعوب وما صاروا وما كانوا
فالقارىء يطل منه على أنماط شتى مختلفة، وصور من صور الحياة المتباينة، ويرى ويشاهد من خلال ذلك عوالم واسعة .. يستقرىء واقعها ويتعرف على بيئاتها وحياتها .. وإذا كانت الرحلات فيما مضى عملا شاقا وأسلوبا مضنيا، فإنها اليوم بفضل التطور الحضاري والتقنية الحديثة صارت عملا مريحا.
وما أجمل الرحلات التي تفيض بالمشاهدات الحية والملاحظات الطريفة والتجارب الواسعة والمفاجآت والمعرفة عن طريق المشاهدة والمعاينة وتمحيص الحقائق مع القدرة على التعبير والدقة والتصوير .. ومقابلة كل ظرف وحال بما يناسبه من صبر وتحمل.. ويجد فيها القارىء ما يلائمه ويوافقه وكما قال الشاعر:
مستلهماً عِبَر التاريخ أجعلها*
قصدي ففيها من التاريخ تبيان
فكم من رحالة أمدنا بمعلومات تاريخية وجغرافية، تتخللها إشارات ومعلومات عن الحياة وعادات الناس، وعن المدن والجزر والجبال والأودية ومختلف الظواهر، وما أعظم أن نتدبر قول الله تعالى: "أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ" من سوورة غافر آية 21.
فإن أدب الرحلات حينما يتصدى له العلماء والمفكرون، فإنه يظل مخصبا ومفيدا بحيث يبرز فيه الجانب التصويري بأدق وأصدق العبارات وأعذب الألفاظ وأطيبها، مما يمتع القارىء، ويثير فكره ويورث العبرة .. وذلك بما تشتمل عليه الرحلة من صنوف وفنون، وبالقدر الذي يفيد القارىء، ويجد فيها ما يلائمه ويوافقه، ويزيد معارفه ويثري ثقافته.
وهكذا فأدب الرحلات ارتياد لمناهل الثقافة والأدب والعلم والمعرفة، إذ تبدو البلاد أمامه كتابا مفتوحا، يقرأ المرء بين ثنايا سطوره دقائق حياة الأمم وتاريخها وثقافتها ومآثرها.
المصدر
حياكم الله
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com