النتائج 1 إلى 12 من 1155

الموضوع: أدب الرحـــــــلة ...

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    أوروبا في أعين مسلمي العصر الوسيط

    هَمج الشمال

    لم يكن مثقفو العصر الوسيط في العالم الإسلامي يعرفون الكثير عن أوربا الغربية وسكانها، هذه المنطقة لم تكن تثير اهتمامهم على الإطلاق، وقلما زارها رحالة عرب.
    (تقرير منى نجار)
    يقول المؤرخ والجغرافي العربي المسعودي في ما كتبه عن شعوب أوروبا، وبصفة أدق عن السلافيين والإفرَنج ومن جاورهم بأنهم أقوام تنقصهم الفكاهة الحارّة، وأن أجسامهم ضخمة وطباعهم خشنة، وأخلاقهم فظة وفهمهم بليد ولسانهم عييّ.
    وأن بشرتهم على بياض يجعلهم يبدون بلون أزرق، وجلدتهم رقيقة ولحمهم غليظ. أعينهم زرقاء هي أيضا بما يتماشى ولون بشرتهم، وشعرهم ناعم ومائل إلى الحمرة بفعل الرطوبة والضباب، ويؤكد بأن معتقدهم الديني ينقصه الثبات، وذلك من تأثيرات البرودة وانعدام الحرارة في مناخهم، وكلما نأى بهم المقام باتجاه الشمال إلا وكانوا أكثر غباء وأكثر غلظة وبدائية.
    عاش المسعودي في بغداد القرن العاشر الميلادي، وملاحظاته هذه تعكس تصورات عصره. وقد كان الجغرافيون العرب في ذلك الزمن يقسمون العالم الآهل بالسكان إلى سبعة أقاليم. ولم يكن هذا التقسيم مطابقا للواقع الجغرافي للعالم، إلا أنه يعكس الصورة التي كانت تقدمها الخرائط المتداولة في العصر الوسيط العربي الإسلامي، ولدى الإغريق من قبل.


    الإنجازات الذهنية كمقياس للتحضر

    وبعد ما يقارب المائة سنة من وضع المسعودي لمؤلفه عن تاريخ وجغرافية العالم المعروف لديه آنذاك، يؤلف قاضي من مدينة توليدو الأندلسية كتابا عن أصناف ومراتب الشعوب، وكان العنصر المحدد بالنسبة إليه في تصنيف الشعوب هو مدى الإنجازات الذهنية لكل شعب.

    ويقسم سعيد ابن أحمد الشعوب وفقا لذلك إلى فريقين: شعوب كانت لها عناية بالعلوم، وأخرى لم تعرف هذا النشاط، ينتمي إلى الفريق الأول كل من الهنود والفرس، والكلدانيين، والإغريق، والبيزنطيين، والمصريين، والعرب، واليهود،
    إضافة إلى ذلك يركّز القاضي الأندلسي على منجزات الصينيين، والأتراك بصفة خاصة، وقد احتل هذا الفريق الأول من الشعوب جزءً مهما من دراسته. أما ما تبقى من أمم الأرض فإن سعيد ابن أحمد يصنفها ضمن هَمج الشمال وهَمج الجنوب.

    أما عن همج الشمال فيكتب ما معناه أن هذه الشعوب التي لم تول عناية بالعلوم هي أقرب إلى الدواب منها إلى الإنسان، ويرى أن تلك الشعوب التي تقطن أقصى مناطق الشمال ما بين آخر منطقة من المناطق المناخية السبعة وحدود العالم المأهول بالسكان، تقيم في منطقة يجعلها البعد عن الشمس بحكم موقعها المتنحي عن خط الهاجرة(السّمت) ذات هواء بارد وسماء تغطيها السحب.

    وذلك هو ما يجعل، حسب رأيه، طباعهم باردة وفكاهتم بدائية وبطونهم سمينة ولونهم باهتا وشعرهم طويلا دبِقا، فيما ينقصهم الفهم الثاقب ووضوح الفكر، مما يجعلهم محكومين بالجهل والخمول وقلة التدبير والغباء.

    الفكرة عن الآخر
    هذا المؤلف لا ينبئ فقط عن التصورات الجغرافية لذلك العصر وما تُوصل إليه من العلوم، بل يقدم لنا أيضا فكرة عن الصورة التي كونها مسلموا العصر الوسيط عن أنفسهم وعن الآخرين. فقد كانت البلدان المسلمة تمثل لديهم مركز العالم، كما أن العالم المتحضر ينتهي بالنسبة إليهم عند الحدود الشمالية للأندلس.

    في ما وراء حواجز الدين كانت هناك اتصالات تجارية نشطة مع البلدان غير الإسلامية آنذاك، وكان التجار المسيحيون والمسلمون واليهود من بلاد المشرق كثيري التنقل عبر بيزنطة وإيطاليا والصين وجنوب شرق آسيا وإفريقيا.

    إلا أن ما يجلب الانتباه هو غياب بلدان أوروبا الغربية في نصوص رحلات العصر الوسيط الإسلامية، إضافة إلى عدم حضورها كطرف في المعاملات التجارية. ولهذا الأمر أسباب عديدة.
    فالبضاعة التي كانت تعرضها بلدان الغرب الأوروبي لم يكن فيها ما يستهوي أهل المشرق، والمنتوجات الوحيدة التي يرد ذكرها في بعض الأحيان في المراجع الإسلامية تتمثل في الأسلحة والعبيد، ومن حين لآخر الصوف الإنكليزي.



    الخوف من تعصب المسيحيين
    وهناك سبب إضافي آخر جعل المسلمين يعرضون عن السفر إلى أوروبا الغربية، ويتمثل في عدم تسامح حكام وشعوب تلك البلاد، وقد انتشر الحديث آنذاك عما جرى لليهود في أوروبا العصور الوسطى.
    وكان الناس على علم كذلك بما حصل في المناطق التي استُرجعت من نفوذ المسلمين مثل بلاد الأندلس، وكيف أن المسلمين أجبروا هناك على الاختيار بين التنصّر أو الهجرة أو الموت. ولم يكن من الممكن البتة تشكُّل جاليات إسلامية قارة ومستديمة في بلدان أوروبا المسيحية.
    ومع ذلك فإن بعضا من أهل المشرق ممن لا تثنهم المخاوف قد غامروا بالسفر إلى أوروبا الظلمات. أحد هؤلاء هو هارون بن يحيي. وهو رجل لا يُعرف الكثير عن حياته، عدا أنه حبس من طرف البيزنطيين في القسطنطينية كأسير حرب، وبعد إطلاق سراحه سافر إلى روما.
    ويبدو أن رحلته هذه قد تمت في سنة 886 ميلادي. وكان أكثر ما أثار استغرابه في هذه المدينة التي كان يحكمها ملك يدعى باب، يقصد بذلك البابا، هي العادة التي كانت لدى أهل روما في حلق لحيّهم.
    ويقول في ذلك أنه قد سألهم عن السبب الذي يجعلهم يحلقون لحيهم وأي غرض لهم من وراء هذا الصنيع، قائلا لهم إن جمال الرجل يكمن في لحيته، وقد أجابوه بأن من لا يحلق لحيته لا يعد مسيحيا حقيقيا لديهم، ذلك أنه عندما قدم إليهم سيمون والحواريون رأوهم لا ينتعلون أحذية وليست في أيديهم عصي، بل كانوا بائسين وهزيلين، بينما كانوا هم آنذاك ملوكا يرفلون في الديباج ويجلسون على كراسي من الذهب.
    دعاهم هؤلاء إلى ديانة المسيح لكنهم لم يأبهوا لدعوتهم، بل ألقوا عليهم القبض وعذبوهم وحلقوا شعر رأسهم ولحيّهم، ثم عندما تجلت لهم في ما بعد حقيقة دعوتهم شرعوا في حلق لحيهم الخاصة للتكفير عن الخطيئة التي اقترفوها بحلق لحي أولئك الدعاة.



    الحروب الصليبية
    بغداد في شهر أغسطس من سنة 1099: قاضي القضاة سعد الهراوي يقف في ديوان الخليفة العباسي المستظهر بالله. وبصوت مرتفع كان قاضي دمشق يدلي بشكواه للخليفة. قبل أسابيع قليلة وقعت مدينة القدس الشريفة في أيدي الصليبيين الذين يطلق عليهم المسلمون عادة إسم الفرنجة.

    وقد ارتكب المعتدون الدخلاء مذبحة شنيعة بين أهالي المدينة ونهبوا البيوت وخربوا المساجد، ونتج عن ذلك أن حل آلاف من الفارين اللاجئين بدمشق، فتبنى الهراوي قضيتهم وجاء يطلب الدعم والمساندة من الخليفة في بغداد.
    وقد عبر له الخليفة عن عميق تعاطفه معهم، وكان ذلك كل ما حصل، إذ لم يكن هناك في بداية الحروب الصليبية سوى عدد قليل من العرب قد استطاعوا أن يدركوا الحجم الحقيقي للخطر الذي كان يتهددهم من الغرب.
    لقد امتدت فترة الحروب الصليبية على مدى 200 سنة، وبصرف النظر عن المواجهات العسكرية، قد مثلت تلك الحقبة الزمنية إمكانية لم يسبق لها مثيل في مامضى للقاء مباشر بين العالم الغربي والعالم الإسلامي.
    إلى حد هذا التاريخ كانت الاتصالات تجري في أغلب الأحيان عن طريق إسبانيا وصقلية، والآن، هاهم الفرنجة يحلون في قلب العالم الإسلامي، أحد الشاهدين على ذلك العصر كان الفارس السوري أسامة بن المنقذ.
    كان أسامة من معاصري صلاح الدين الأيوبي، وقد اشترك في المعارك ضد الصليبيين. واستغل بن المنقذ تلك المعارك من أجل التعرف على الفرنجة عن كثب، و قد جمع في مذكرات سيرته الذاتية حشدا من التجارب الشخصية والنوادر.
    يركز أسامة باستمرار في مذكراته على الطابع "الفظ" و "الحيواني" لسلوك الأوروبيين، لكن وبصفة أخص على عدم تحضّرهم، وكمثال على ذلك يذكر طرق العلاج الإفرنجية، مذهولا يروي مثلا الطريقة التي عالج بها طبيب منهم تقيحا في رجل أحد الفرسان المحاربين:
    أمر ببتر الساق بضربة ساطور، مثال آخر من طبيعة سلوكهم هو طريقة تعاملهم مع النساء، يقول أسامة بن المنقذ: إن الفرنجة لا يعرفون حسا بالشرف ولا غيرة،
    وهكذا يمكن أن يحدث أن يكون أحدهم مارا مع زوجته في الطريق فيعترضهما رجل آخر، ينتحي هذا الأخير بالمرأة جانبا ويظل يحادثها بينما زوجها يقف بعيدا وينتظر إلى أن تنتهي المرأة من حديثها، وإذا ما طالت عليه مدة المحادثة تركها مع محادثها ومضى في طريقه.

    بقلم منى نجار
    ترجمة علي مصباح
    حقوق الطبع قنطرة 2005

    **************************************************

    من قراءات
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    برنهارد فون برايدن باخ

    رحلة حج إلى الشرق


    يرجع الفضل في شهرة تقرير رحلة حج برنهارد فون برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش نشأ فى العصور الوسطى المتأخرة نوع من السياحة الدينية المسيحية، واتجه المتدينون والمجازفون نحو الشرق لزيارة المواقع المقدسة والأماكن الغريبة. وكان برنهارد فون برايدن باخ هو أحد هؤلاء، وقد سجل مشاهد رحلاته، التي تعطينا انطباعا عن رؤيته للشرق فى ذلك الوقت.
    فى الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان عام 1483 انطلق برنهارد فون برايدن باخ من مدينة أوبن هايم الواقعة على نهر الراين فى رحلة حج إلى الأرض المقدسة، واصطحب معه أحد النبلاء المسمى يوحنا فون سولمز، والفارس فيليب فون بيكن، والفنان إرهارد رويفيش من أوترشت، والطباخ يوحنا والمترجم يوحنا كنوص، حتى وصلوا إلى مدينة البندقية بإيطاليا بعد خمسة عشر يوما "بتكاليف غير قليلة وبطرق طويلة ملتوية".
    حج نخبوي

    كان من الطبيعي أن يستأجر الحاج مكانا على متن سفينة حج متجهة من البندقية إلى فلسطين. وكانت الرحلة البحرية مكلفة جدا وغير مريحة، وكان الحجيج من مختلف البلاد يحتشدون في مكان ضيق، وكان الطعام في أغلب الأحيان سيئا، حتى أصيب الكثير بالمرض أثناء الرحلة بسبب الظروف الصحية التي يرثى لها. ومن أتيحت له الفرصة تسلق فوق المسافرين وقضى حاجته فوق سطح السفينة، أضف إلى ذلك الخوف من تحطم السفينة أو من هجمات القراصنة.

    ورغم كل هذا كانت رحلة فلسطين رحلة نخبوية، لأن الحجيج الأغنياء كانوا فقط الذين يقدرون على التكاليف الباهظة للرحلة، ومن ثم كانت الرحلة فرصة لرفع مكانة الحجيج. وكان عدد الحجيج الأوروبيين إلى فلسطين في العصور الوسطى المتأخرة يتراوح ما بين ثلاث مائة وخمس مائة شخصا كل عام.

    وبعد أقل من شهرين بالسفينة لاحت الأرض المقدسة لبرنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه، إلا أن النظرة الأولى تبعتها خيبة أمل، لأن الحجيج كان عليهم أولا أن يحصلوا على تصريح من المماليك يسمح لهم بدخول فلسطين. ولهذا اضطر برنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه للبقاء ستة أيام على السفية حتى يذهب رجال البلاط إلى يافا لإستصدار تصريح لهم بدخول البلد.
    عدم الثقة المتبادلة

    وهنا تم تسجيل أسماء الحجيج وتحصيل الرسوم منهم، ففي الأرض المقدسة لم يكن هناك شيء مجاني. وأثناء هذه الإجراءات كان المماليك "يحجزون" الحجيج في كهف رطب على الشاطئ حيث يظلون محبوسين ليال طويلة،لأن الحجيج القادمين من بلاد الحروب الصليبية كان لا يسمح لهم بدخول البلد إلا برقابة.
    وفي نفس الوقت كان الرهبان الفرانسيسكان يستقبلون الحجيج كما لو كانوا المعقل الأخير للمؤمنين في البلد المقدس، وكانوا يقومون على شؤون الحجيج حتى يتمكنوا من التعبد وتصفية الروح (والحصول على كثير من صكوك الغفران) أثناء زيارتهم لمدينة القدس.

    وكان الرهبان الفرانسيسكان يرافقون الحجيج – مثل المرشدين السياحيين المعاصرين – ويلقنونهم دروسا بعدة لغات عن العادات الشرقية ويتولون تنظيم الإقامة في مدينة القدس، حيث يقومون معهم برحلات يومية للأماكن المقدسة ويوفرون لهم المبيت في بعض الأوقات.
    ويركز تقرير برايدن باخ على وصف الأماكن المقدسة، ولا يصف المكان الأخير الذي تناول فيه المسيح آخر وجبة للعشاء أو قصة آلامه فحسب، بل أيضا الاصطبل الذي تربى فيه الحمل الذي كان وجبة المسيح في عيد الباساخ.
    وفي الواقع كان كل مكان قصة مثيرة في حد ذاته، وكان ينطوي على جزء من قصة الخلاص. وكانت الذروة في زيارة كنيسة القيامة، حيث كان لا يسمح للحجيج بالمبيت فيها إلا بمقابل دفع رشوة. أما عن القدس كمدينة شرقية فلم يذكر التقرير عنها شيئا.
    إنعدام التسامح الديني

    يتعرض برنهارد فون برايدن باخ في تقريره إلى سكان مدينة القدس، ويكرر ذكر العامل الديني في المقام الأول، حيث يوضح رجل الدين أخطاء الجماعات الدينية الأخرى المقيمة في القدس.
    وبحماسه التبشيري الموجه إلى الداخل نجد برايدن باخ يدعم في المقام الأول المسيحية الأوروبية في عقيدتها، حين يبين لهم صورة الإسلام السيئة.
    والصورة التي تكونت عن الإسلام ومؤسسه محمد ماهي إلا حقائق وتزوير وأشياء مختلقة حسب الهوى، وأقوال برايدن باخ عن الإسلام وعلى وجه الخصوص إهاناته لا تكاد تكون نتاج ما رآه هناك، بل مأخوذة من مراجع أخرى معاصرة.
    كما أن المسيحيين الشرقيين لم يحظوا بالتقدير في كتابه، فنجده يصف المارونيين والنسطوريين بالإلحاد لانفصالهم عن الكنيسة الكاثوليكية. ومن الواضح هنا أنه يدافع عن السلطة المطلقة للكنيسة الكاثوليكية، كما أن الفرق بين المألوف والغريب يحدد ب "ما كان مسيحيا" ويفصل بين الحسن والسيئ.
    ويرجع الفضل في شهرة تقرير رحلة حج برنهارد فون برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش، حيث تلقي صوره الضوء على الجماعات الدينية المختلفة من زوايا أخرى تماما.
    فنرى مجموعة من الرجال العرب تقف هناك بلباسهم الفاخر وأسلحتهم، وبجانبهم نساء ممشوقات القوام – وتلبس إحداهن الخمار - يحاولن التصنت على الرجال. كما طبع الأبجدية العربية أيضا وإن كانت بها أخطاء.
    وتظهر تلك الصور اهتماما إيجابيا مقبولا عن السكان الشرقيين، إلا أنه بعيد عن موضوع الديانة.
    مقابلات مع مسلمين

    وبعد انتهاء الجولات المختلفة في فلسطين اتجه كثير من الحجيج إلى أوطانهم ورجعوا بسفن الحج إلى مدينة البندقية، إلا أن برايدن باخ ومرافقيه عزموا على السفر إلى صحراء سيناء ومصر.
    والقارئ يشعر أن برايدن باخ اضطر لترك مرشده السياحي الراهب الفرانسيسكاني في القدس. فتعليقات برايدن باخ على الطبيعة الغريبة وعلى الناس الأجانب تأخذ طابعا شخصيا، كما ابتعدت عن مغزى الرحلة الديني.

    أما المقابلات مع المسلمين الذين يصفهم في الغالب بالسارزين
    Sarazenen
    فكان يغلب عليها الاستياء من ناحية بسبب الرسوم الجمركية غير المتوقعة وعمليات الغش، وإيجابية من ناحية أخرى.
    فنجده يروي أن الناس أعطوه ومن معه من المرافقين ماءا للشرب في الصحراء "لوجه الله" على الرغم من أنهم يجدون "مشقة" في الحصول عليه، ويري أيضا أنهم انضموا إلى قافلة تجارية كان أعضاؤها "لطفاء".
    كما يبدو أنه أجرى حوارات مع الأهالي بمساعدة أحد المترجمين، وكان يتبين له كل مرة أن الحجيج المسلمين يقدسون نفس الآثار التي يقدسها المسيحيون. ومع ذلك فلم تصحح تلك المقابلات صورة الإسلام التي أعطاها سابقا، لأن نظرة رجل الدين تظل ثابتة لا تتغير.
    الشرق كمنطقة غريبة

    ولم يذكر برايدن باخ عجائب الشرق وجماله إلا عند وصفه لمدينة القاهرة، فنجده يقول:
    "إن قصر السلطان كبير للغاية لدرجة أنه يسع جميع سكان مدينة أولم
    Ulm أو نصف سكان مدينة نورنمبرغ Nürnberg، كما توجد مساجد جميلة ذات مآذن عالية لدرجة أني أعتقد أنه لا توجد في روما كنائس بمثل كثرة المساجد هنا".
    وهنا أصبح الشرق منطقة غريبة مليئة بالطرائف والعجائب، فيصف باستغراب الأكلات السريعة في العصور الوسطى، وهي مطابخ موجودة في جميع شوارع القاهرة، ويقول:
    "رأينا أيضا الكثير من العرب المسلمين يطبخون في الشوارع والأزقة (...). وكثير منهم يحملون القدور فوق رؤوسهم في شوارع المدينة، وما هي إلا نار موقدة وقدور تغلي وأسياخ شواء".
    كما يلمح رجل الدين على الأحداث في أسواق العبيد، وأن الناس اعتبروهم – من قبيل الخطأ – عبيدا، وعرض أحد التجار على المرشد السياحي عشرة دوكات على كل شخص.
    وأخيرا – وكما هو الحال في الرحلات المعاصرة إلى الشرق – فلا بد من دخول الحّمام: "فدخل الكثير منا إلى حمام البخار إذ أن العرب المسلمين لديهم حمامات جميلة من الرخام، كما أنهم يؤدون خدمات جيدة في الحمامات. ويقومون هناك بتدليك أعضاء زوار الحمام بطريقة غريبة."
    وبعد أن انتهى الحجيج من برنامج القاهرة السياحي عادوا إلى مدينة البندقية بالسفينة عن طريق الإسكندرية.
    اهتمام حقيقي بالشرق

    وعندما يقرأ المرء تقرير رحلة برنهارد فون برايدن باخ يظل برهة متحيرا، ويتساءل:كيف يمكن لقُمص بأسقفية أن يكتب كلمات سيئة تحرض ضد الإسلام من جهة، وفي نفس الوقت يظهر إعجابه بالمساجد الإسلامية؟ وكيف يمكنه أن يوجه للمسلمين اتهامات عامة، ومن ناحية أخرى يمتدح خدماتهم؟
    ثمة أشياء كثيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بفهم الأدب في العصور الوسطى المتأخرة، فكان الكاتب يتحرك في حدود ضيقة بين ما يتوقعه القارئ من تقارير الرحلات وبين ما كان موجودا بالفعل في هذه الفترة حتى لا يثار شك في أقواله الشخصية. ولم يتوقع المرء من الأديب أن يأتي بشيء جديد، بل كان ينبغي عليه أن يعيد صياغة ما كان معروفا من قبل وما يتعلق به من ثوابت في قالب جديد.
    ولا ينبغي أن ننسى أن برايدن باخ كان قُمص لأسقفية ماينز
    Mainz وذو منصب كنائسي كبير، وأن تقاريره عن الحج كانت تقرأ ضمن النصوص المسيحية في العصر الوسيط المتأخر، ولعل التعبير الإيجابي عن الرحلات أو التسامح تجاه "الكفار" كان في غير موضعه حسب معايير العصور الوسطى.
    ومع ذلك فإننا نجد في تقارير برايدن باخ جوانب "توضيحية"، ويكفي أنه طبع الأبجدية العربية في فهرس عربي – ألماني أو أمره بطباعة صور ومشاهد لشعوب الشرق، مما يدل دلالة واضحة على أنه كان يريد أن يعطي صورة صادقة عن الشرق الغريب الذي كان يهتم به.



    بقلم ساندرا شميس

    ترجمة
    عبد اللطيف شعيب

    حقوق الطبع قنطرة 2005
    *******************************************

    من قراءات
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    رحلات هانس كريستيان أندرسن في بلاد المشرق
    "ثروة بإمكانها أن تزيّن أي بيت أنيق في أوروبا"





    قصص الكاتب الدانماركي أندرسن مترجمة إلى أكثر لغات العالم.
    الشاعر الدانماركي الذي ترجمت أعماله إلى أكثر لغات العالم هانس كريستيان أندرسن، والذي يُحتفل في هذه السنة بمرور 200 سنة على ميلاده كان معروفا بولعه المفرط بالأسفار. وقد قاده حنينه إلى المغرب أيضا. كريستيان هاوك يقدم لمحة عن انطباعات الشاعر الرحالة.

    كان السفر بالنسبة لأندرسن(1805-1875) يمثل وسيلة للهروب من الوحدة. قام أندرسن برحلات واسعة الامتداد عبر العديد من البلدان الأوروبية.

    وقد وضع مجمل الانطباعات التي حصلت لديه من سفراته العديدة في كتب الرحلة التي ألفها.

    غير أن هذه الانطباعات لم تجد لها بالمقابل سوى حضور صعيف داخل حكاياته. وفي حالات متفرقة فقط جعل من الأماكن التي زارها مسرحا لتلك الحكايات، مثل ألمانيا وإسبانيا وسويسرا.
    الحنين إلى "ألف ليلة وليلة"
    لم تكن رحلة أندرسن إلى إسطنبول سنة 1840 بدافع البحث عن مصدر إيحاء لحكاياته. بل إنه من خلالها قد قام بسفر داخل طفولته الخاصة؛ ذلك أن أباه كان قد قرأ عليه في سنوات صباه حكايات "ألف ليلة وليلة". وبالنسبة لأندرسن كانت القسطنطينية تمثل "مدينة الحكايات والأساطير".
    ومباشرة بعد عودته من هذه الرحلة برزت إلى الوجود حكايات "البطة الصغيرة القبيحة" و"ملكة الثلج" و"راعي الخنازير". ولقد استندت الحكاية الأخيرة منها، كما هو متداول في طريقة الكتابة لدى أندرسن، على نموذج حكائي تقليدي، بينما جاءت الحكايتان الجديدتان الأخريان ذات طابع مستقل. لكن إلى أي مدى كانتا تحملان بعضا من تأثيرات الرحلة المشرقية، فذلك ما يظل غير معروف.
    من إسبانيا إلى المغرب
    بعد ما يقارب العشرين سنة من رحلة إسطنبول سيتجه أندرسن إلى ركن آخر من العالم الإسلامي. ففي الثاني من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1862 يمدد الرحالة سفرته داخل إسبانيا مستقلا الباخرة من جبل طارق باتجاه شمال إفريقيا. وقد قضى بعدها أسبوعا كاملا في طنجة.
    كان أندرسن يقضي كامل أيامه متنقلا بفضول بين قوافل الإبل وبساتين البرتقال وحيوانات الضربان ("لقد عثرت في طريق عودتي على واحدة من أشواكه الطويلة، وهي نفسها التي أستعملها الآن غلافا لقلم الحبر").

    وقد أقام أندرسن في الأثناء لدى القنصل الدنماركي، وبالنهاية قام بزيارة لباشا المدينة في حي القصبة.

    ومن بين ما جلب انتباه الكاتب الذي غدا شهيرا بحكاياته في العالم كله هذه المعاينة:".. جمع من الموريسكيين يجلسون منصتين في حلقة حول قصاص لا يكف عن الضرب على دف بينما كان يروي حكاياته..."
    مفخرة أب يهودي
    إلى جانب السكان المسلمين تتميز مدينة طنجة بحضور مجموعة سكانية لا بأس بها من التجار اليهود، في يوم جمعة بينما كان المسلمون يؤدون صلاة الجمعة وأبواب المدينة مقفلة بسبب ذلك، والشوارع تبدو خالية، خاطبه رجل يهودي في الشارع وراح يحاول أن ينتحي به إلى زقاق جانبي، هل ينبغي أن يتبعه؟


    قاده ذلك الشخص إلى زقاق مسدود وكان في الواقع يريد أن يريه بيته: "رحت أفكر هل يمكنني أن أثق في هذا الرجل، وكنت أحمل معي مبلغا صغيرا من الذهب. لكنه بدا لي مع فقره أمينا وصادقا، بينما كل شيء من حولنا كان يوحي بشيء شبيه بأجواء مغامرة."

    كان أندرسن مولعا بالسفر.
    وبالنهاية عرف أندرسن أن الرجل كان يود فقط أن يعرفه على ابنه من باب الاعتزاز والفخر فقط.-"وكان عليّ إذن أن أقدم هبة لذلك الطفل."

    الشاعر والقنصل يحتفلان داخل دائرة ضيّقة من الناس: "كان ذلك يوم الأحد. وبما أن سكّان طنجة من المسلمين واليهود، فإن الأفراد القلائل من المسيحيين الكاثوليكيين والبروتستانت لم تكن لهم بطبيعة الحال كنيسة ولا مُصلّى. وبالتالي فإن قدّاس الأحد كان يقام في المنازل الخاصة أو في قلوب الأفراد كل على حده.
    داخل غرفة في حديقة المنزل بُسط سجاد على مائدة وفوقه وضع الإنجيل وكتاب المزامير. قرأ علينا دروموند هاي بعض المزامير وبعدها بعض مقاطع من الإنجيل. وقد كان الجوّ داخل هذا القدّاس المجرد من كل فخامة ملائما للخشوع والتأمل."
    وداع المغرب
    بتأثر عميق وبحزن كان أندرسن يعيش لحظات الرحيل على متن باخرة حربية فرنسية باتجاه إسبانيا. "بعد بضعة ساعات سيكون عليّ أن أغادر هذا الموطن الذي وجدته، أنا الغريب، في هذا الجزء الآخر من العالم. كان علي أن أودع أناسا ظلوا طوال المدة الزمنية القصيرة التي قضيتها بينهم حريصين كل الحرص على توفير أسباب الفرح لي.
    لم يكن معلوما لنا إن كنا سنرى بعضنا بعدها مرة أخرى في هذه الحياة؛ وفي أغلب الظن قد لا يكتب لي أن أضع قدمي فوق أرض هذا الساحل الإفريقي بعدها.(...) لقد كانت إقامتي على الساحل المغربي بحق الحلقة الأكثر فائدة من كل ما عشته في هذه الرحلة كلها."


    بقلم كريستيان هاوك
    ترجمة علي مصباح

    *****************************

    من قراءات
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    آراء أوروبية لمثقف مناوش

    الاستطلاعات الأدبية لأحمد فارس الشدياق


    الشدياق، شخصية لم تنل حقها من الاهتمام حتى الآن في العالم العربي.
    أحمد فارس الشدياق (1804-1887) من ألمع الرحالة العرب الذين سافروا إلى أوروبا خلال القرن التاسع عشر. كان الكاتب والصحفي واللغوي والمترجم الذي أصدر أول صحيفة عربية مستقلة بعنوان الجوائب مثقفا لامعا وعقلا صداميا مناوشا أيضاً. تقرير باربرا فنكلر.

    كانت لهذا الرجل الذي عاصر فيكتور هوغو وغوستاف فلوبير وإدغر ألن بو وشارل ديكنس اتصالات بمستشرقين ومثقفين أوروبيين وكذلك بمفكرين إصلاحيين عرب. وكمتمكن بارع في اللغة العربية، متمرس بفن البلاغة وبدقائق القاموس اللغوي، فقد كان في الوقت ذاته أحد أهم مجدديها.
    ساهم مساهمة فعّالة في تطوير لغة صحفية حديثة منقّاة من البلاغة الزائدة. وصقل العديد من المصطلحات الحديثة مثل عبارة الإشتراكية التي أضافها إلى اللغة العربية. لقد عاش الشدياق حياة مليئة بالحركة على نحو خارق للعادة التي سنورد هنا بعضاً من جوانبهاعلى سبيل الذكر لا الحصر.
    حياته

    ولد فارس الشدياق في بلدة عشقوت في لبنان، من الديانة المارونية وتحول إلى البروتستانتية، الأمر الذي كان يعد في ذلك الزمن عملا لا يخلو من المخاطر، وقد مات أخوه مسجوناً لدى المارونيين بسبب ذلك.
    وجد الشدياق نفسه إذاً مجبرا على الرحيل إلى القاهرة سنة 1825. وعمل ابتداء من سنة 1834 مدرسا لدى البعثة الكهنوتية (البريسبيتريانية) الأميركية ومصححا صحفيا في مالطة لمدة 14 سنة. وفي سنة 1848 تلقى دعوة من الجمعية اللندنية لنشر الإنجيل للقدوم إلى لندن من أجل المشاركة في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، فانتقل ليقيم في أماكن مختلفة ببريطانيا وكذلك بباريس.
    طلق زوجته المصرية ليتزوج بامرأة بريطانية، الأمر الذي مكنه من الحصول على حماية القنصلية البريطانية. وفي سنة 1857 انتقل للإقامة في تونس واعتنق الديانة الإسلامية، قد يكون ذلك بدافع تسهيل الحصول على وظيفة في إدارة السلطنة العثمانية . وبالفعل فقد دعي من طرف السلطان إلى إسطنبول سنة 1860.

    إلى أي حد يستعصي تصنيف الشدياق، يتضح من الظروف التي حفت بدفنه. فبعد وفاته حصل خلاف بين الطوائف الدينية التي كانت تتنازع على أحقية تولي شؤون جنازته. وبالنهاية تم التوصل إلى اتفاق على دفنه بعد صلاة متعددة الديانات في موقع يتوسط المنطقتين المسيحية والدرزية من جبل لبنان.
    رحلاته وأعماله
    تتميز التجارب والانطباعات الأوروبية لفارس الشدياق بامتداد وعمق يتجاوزان إلى حد بعيد ما كان لغيره من الرحالة الآخرين. تنقل الشدياق، ضمن مختلف المهام التي كلف بها- أو في بحثه عن وظيفة ما- بين بلدان عديدة وفي ظروف مادية ومعنوية عسيرة في أغلب الأحيان.
    وكانت تنقلاته تختلف كليا مثلا عن رحلة رفاعة رافع الطهطاوي الشيخ الأزهري والموظف الحكومي لاحقا، الذي جاءت إقامته في باريس ضمن إطار بعثة دراسية رسمية.
    وخلافا للتقرير ذي الصبغة التوثيقية العملية لهذا الأخير جاء كتاب الشدياق الصادر سنة 1885 تحت عنوان "الساق على الساق في معرفة الفارياق " ذا طابع أدبي، وبالتالي فهو لا يعتبر وثائقياً صرفا. فقد جاء هذا العمل المهول الذي يقع في حوالي 700صفحة مقسماً إلى أربعة أجزاء قد ركز آخرها بصفة خاصة على فترة الإقامة في أوروبا، في هيئة نص يتنقل بين مختلف الأصناف الأدبية: لا هو بالرحلة في مفهومها التقليدي، ولا هو بالسيرة الذاتية الحقيقية ولا هو بالدراسة القاموسية الصرف، بل كل هذا معا.
    يعرض هذا النص الذي يصور حياة بطله المسمى "الفارياق"( وهم إسم خيالي مصاغ من توليفة لشطري إسم الكاتب ولقبه كما يمكن للمرء أن يتبين ذلك بسهولة) في الوقت نفسه مناقشات فلسفية واجتماعية ووصف للأماكن التي مر بها إلى جانب تداعيات التعليقات اللغوية والأدبية.
    وقد وردت الموضوعات المتنوعة لهذا العمل مصاغة غالبا في شكل نقاشات سجالية بين الفارياق والفارياقة، زوجته الذكية المثقفة والواعية. وقد جاء هذا التصوير النقدي الذي يتناول المنجزات الجديدة وكذلك الجوانب السلبية للحضارة الأوروبية الحديثة ومن ضمنها الأوضاع الاجتماعية في أوروبا أيام الثورة الصناعية، ينضح سخرية، من الآخر ومن الذات على حد سواء.
    فرنسا وإنكلترا في أعماله
    والجدير بالذكر هنا هو أن الشدياق لم يتناول أوروبا ككتلة متجانسة، بل كان يفرق بين بلد وآخر، وطبقة اجتماعية وأخرى. مقارنة بفرنسا تبدو بريطانيا في كتاباته أفضل منزلة: ولئن كان الشدياق لا يتردد في انتقاد المعاملات التي يراها ذات غايات ربحية، والافتقار إلى آداب معيشية وإلى التعبير التلقائي عن المشاعر وانعدام قيم الكرم والضيافة، فإن انطباعه العام يظل مع ذلك إيجابيا.
    كانت إنكلترا بلده المضيف الأول، وقد حظي هناك بموقع جيد، بل ولعله قد تبنى أيضا بعض الأحكام المسبقة التي يغذيها الإنكليز ضد الفرنسيين. ينوه الشدياق بصدق الإنكليز ومصداقيتهم ووفائهم وكذلك المعاملات المتحررة بين الجنسين.
    وقد حظيت النساء بتنويه خاص من طرفه: فهن في إنكلترا، حسب قوله، متواضعات وفيات ونقيات. أما فرنسا فوصف نساءها بالافتقار إلى الطهارة – وكذلك الحالة البائسة للشوارع وتدهور النظافة والقيم الأخلاقية. فالفرنسيات في نظره يحبذن استعراض مفاتنهن ومستبدات تجاه الرجال كما أنهن يطلبن نمط عيش مكلف جدا.
    يفيض الكاتب في التنويه بتنظيم مجالات الحياة العامة في إنكلترا؛ الجميع يتمتعون بنفس الحقوق، ولا وجود لأي نوع من التعسف من طرف الحكام. وفي كتاب آخر صدر سنة 1867 بعنوان "كشف المخبّأ في فنون أوروبا" ، وهو كتاب رحلة من النوع التقليدي، قدم الشدياق صورة إيجابية عن فرنسا كأمة ذات حضارة تتمتع بنمط عيش متحضر.
    لقد كان الشدياق دون شك مثقفا محباً للمواجهة لا يبتعد عن أي نوع من المحرمات: انتقادات إنجيلية، تصويرات شهوانية مثيرة، الدفاع عن حقوق المرأة وعن الفصل بين الدين والدولة، بالإضافة إلى انتقادات لاذعة للإكليروس اللبناني ولكبار الملاّك والطائفية؛ كل ذلك كان مستفزاً للغاية في ذلك الزمن - وما يزال جزئياً إلى يومنا هذا.
    ولعل بقاء الشدياق مغمورا لا يحظى بما يستحق من التقدير، يعود إلى هذا الطابع الصدامي الاستفزازي، وحتى الآن ما يزال هذا العمل الجامع الذي خلفه لا يحظى بما يليق به من التكريم.

    بربارا فينكلر
    ترجمة
    علي مصباح
    ********************************************
    من قراءات
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    غرترودة بيل والشرق:

    هروبا من الحضارة التافهة نحو الشرق الفاتن



    يعُد اسم غروترودة بيل، من أهم الأسماء الغربية التي لعبت دورا خفيا وخطيرا في تاريخ السياسة العراقية الحديثة، منذ نشوء دولة العراق في بداية العشرينات من القرن الماضي. لكن ما الذي جاء بها إليه؟ تقرير أندرياس بفليتش
    كانت البريطانية غرترودة بيل مفتونة "بأصالة وعنفوان العرب في الصحراء". ولكنها رأت على عكس ذلك في المدن الحديثة، حيث انتشار التأثير المفسد للغرب، والإنحطاط غير الصحي والمتضارب مع الطبيعة. وأخيراً وليس آخراً كانت الحداثة الأوروبية والإحساس بثقل تأثيراتها الجانبية قد دفعا بغرترودة بيل للقيام بأسفارها.
    ولدت بيل عام 1868 في كنف عائلة إنكليزية، صناعية، ميسورة الحال. إذ جمع جدها ثروة طائلة من إمتلاكه لمناجم فحم ومصانع للحديد الصلب. يعود الفضل لوالد بيل لإنفتاحه ولتوفيره التحصيل العلمي لها، الذي لم يكن عاديا لفتاة في ذلك الزمن. فأنهت دراسة التاريخ في جامعة أكسفورد بدرجة إمتياز عام 1888.
    شدت غرترودة بيل الرحال عام 1892 لأولى رحلاتها إلى الشرق. وبينما كان رحالة القرن الثامن عشر يستكشفون البلاد الأجنبية معرضين أنفسهم وحيواتهم لمخاطر جمة، وتحت وطأة جهود جسدية هائلة وأعباء مالية باهظة، سهلت خطوط الملاحة البحرية، الدورية، بين أوروبا وشرق المتوسط، وأولى خطوط السكك الحديدية، السفر في أواخر القرن التاسع عشر.
    كان توماس كوك
    Thomas Cook أول من افتتح مكتباً للسفر في إنكلترا عام 1845 وأسس كارل بيدكرز Karl Baedekers عام 1827 في كوبلينتس Koblenz أول دار نشر تُعنى بدليل الرحلات، فتزود المسافرون منها بالمعلومات اللازمة.
    الهروب من التقاليد المحافظة
    لم تكن رحلة بيل التي قادتها بدايةً عبر باريس وميونيخ وفيينا، ومنها إلى القسطنطينية، ومن ثم إلى بلاد فارس عبر جورجيا هرباً من التشدد الإجتماعي السائد في إنكلترا الفيكتوريانية وحسب. "آه! ليت هذه التقاليد غير موجودة" كما دونت في دفتر ترحالها الذي نشر عام 1894 في لندن، "كم مرة سيجلس المرء بجانب إنسان من لحم ودم، بدلاً من الجلوس بجانب بدلة سهرة رسمية!"
    كانت بيل تصبو لرؤية أناس من لحم ودم في الشرق، لم يُزجوا في مشد الحداثة الضيق بعد. لكنها لم تسعى يوماً كي تعيش بنفسها تلك الحياة الشرقية البسيطة، المزعومة، التي كانت تتشوق لها، فقد سافرت مع مرافقة ضخمة ضمت فيما ضمته ثلاثة طباخين وعشرين خادماً وقافلة كاملة من البغال.
    وفي ذات الوقت استهزأت بيل بتجاهل المسافرين الآخرين. "بعض الناس" تقول بيل محتجة على بدايات ازدهار السياحة "يجوبون العالم بحثاً عن أفضل الفنادق ويذكُرون أمامك بإعجاب كيف أنهم قبل فترة وجيزة سافروا في روسيا.
    أما عندما تسألهم، فسوف تتأكد من أنهم لن يستطعوا إخبارك أكثر من أن الراحة كانت متوفرة في موسكو فعلياً، تماماً كما في أوطانهم، لا بل أنها أكثر زخراً، إذ كان على المائدة في الفندق ثلاثة أصناف من اللحوم البرية".
    سر الشرق الغامض
    كان الشرق بالنسبة لبيل عالما خياليا مليئا بالأسرار، على غرار ما خبرته منذ نعومة أظفارها من قصص ألف ليلة وليلة. تقول سابحة بخيالها "المشرق المليء بالأسرار" و "المفاجآت الأخاذة".
    ويتعين على الشرق أن لا يفقد غرائبيته. ثيوفيل غاوتير Gautier Théophile
    عبر عن تخوفاته من إمكانية "أن حضارتنا التافهة سوف تُفني صورة البربرية الفاتنة". حين قابلت بيل أميراً هندياً في فارس بدت مشدوهة لعدم إكتنافه الأسرار، وخاب ظنها بشدة بسبب إنكليزيته السلسة: "هذا يشوه، بشكل ما، الطابع المحلي للمشهد".
    بالرغم من إنتفاء السحر جزئياً لم تبق هذه الرحلة، رحلتها الأولى والأخيرة للشرق. إذ سافرت بعد فترة وجيزة إلى فلسطين ولبنان وسوريا. "لا يستطع المرء أن يبقى بعيداً عن الشرق بعد أن يكون قد ولجه إلى الأعماق" كما كتبت لوالدها.
    تعرفت بيل على عالم آثار في باريس، أيقظ فيها حب البحث العلمي، فنشرت عدداً من الكتب والمقالات في علم الآثار جلبت لها إعتراف العاملين في هذا المضمار. عملت أثناء الحرب العالمية الأولى لصالح الإستخبارات البريطانية، بداية في القاهرة ومن ثم في بغداد والبصرة.
    دعمت فيصل الهاشمي في العراق لتحقيق طموحاته بالعرش وبعد أن تتوج ملكاً في عام 1921 أضحت بيل مستشارته. في ذات الوقت بنت المتحف الوطني في بغداد. ربما كان طول وقت عملها وتعدد اهتماماتها وعدم ركونها للراحة هي أوجه متنوعة لدواعي هربها. توفت غرترودة بيل في بغداد في تموز/يوليو 1926 عن عمر يقارب 58 عاماً بسبب جرعة زائدة من مادة منومة.

    أندرياس بفيلتش
    ترجمة
    يوسف حجازي
    حقوق الطبع قنطرة 2005


    ************************************************** ********

    من قراءات
    (السندباد)

    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    بسم الله الرحمن الرحيم

    سلام الله عليك أخي السندباد ورحمته تعالى وبركاته
    وبعد ..
    هل من جديد يستحق الذكر؟
    أخوك أبو شامة المغربي

    د. أبو شامة المغربي

    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    رحلة ابن بطوطة المغربي
    رمضان والحج في كتابات الرحالة المسلمين
    هو محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي، ولد في 703هـ الموافق 1304م، وعندما بلغ الثانية والعشرين من العمر قرر الخروج من مدينة طنجة لأداء فريضة الحج، وهكذا خرج ابن بطوطة من مراكش عابرا الجزائر وتونس وليبيا حتى مصر، ليرحل جنوبا إلى بلاد الصعيد ويسلك طريق البحر الأحمر، لكنه لم يوفق في ذلك فعاد إلى الفسطاط ورحل منها إلى بلاد الشام ثم للحجاز ليؤدي فريضة الحج لأول مرة.
    وعندما وصل إلى مكة المكرمة قام بطواف القدوم وتعلق بأستار الكعبة وشرب من ماء زمزم قبل أن يسعى بين الصفا والمروة.

    وصف ابن بطوطة المسجد الحرام ومساحته وأبوابه كما أشار إلى دور الخليفة المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور في توسعه المسجد في عام 167 هـ، ووصف الكعبة المشرفة: ارتفاعها وعرضها وأبوابها وأستارها والميزاب المبارك والحجر الأسود، وأشار إلى أن باب الكعبة يفتح بعد كل جمعة فضلا عن فتحه يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.


    الكعبة لم تخل من طائف


    وفي أعلى كل صومعة خشبية في مكة تم نصب خشبة كبيرة بحيث يعلق فيها قنديلان من الزجاج طوال وقت السحور بحيث إذا اقترب آذان الفجر يتم إطفاء هذين القنديلين مرة بعد أخرى وبعد ذلك يبدأ ويبدي ابن بطوطة دهشته وإعجابه بمكانة الكعبة المشرفة حين يكتب في رحلته "من عجائبها أنها لا تخلو من طائف أبدا ليلا ونهارا، ولم يذكر أحد أنه رآها قط دون طائف..." بعد ذلك عرج على ذكر أبواب المسجد الحرام ثم وصف الصفا والمروة والمسافة بينهما، ولم يفته ذِكْر وجود سوق تجارية كبرى إلى جانب الطريق.


    وأشار ابن بطوطة إلى فضائل أهل مكة، فوصفهم بأنهم أصحاب (المكارم التامة والأخلاق الحسنة والإيثار للضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء) كما أشار إلى نساء مكة فقال إنهن (ذات صلاح وعفاف)، ولاحظ توجههن للطواف بالمسجد الحرام في كل ليلة جمعة وهن في أحسن زي وأبهى زينة وأطيب رائحة.


    وتحدث ابن بطوطة في كتابه عن العديد من علماء مكة ومنهم قاضي المدينة نجم الدين محمد الطبري وخطيب مكة بهاء الدين الطبري، كما أشار إلى إمام المالكية بالحرم الشريف، الفقيه أبو عبد الله محمد، وإلى إمام الحنفية شهاب الدين أحمد بن علي وإمام الحنابلة محمد بن عثمان.


    الأكل مرة كل يوم
    ونظرا لمكوث ابن بطوطة فترة طويلة في مكة المكرمة بانتظار الحج فقد لاحظ بعض العادات الاجتماعية لسكانها من ذلك قوله (وأهل مكة لا يأكلون في اليوم إلا مرة واحدة ويقتصرون عليها إلى مثل ذلك الوقت ومن أراد الأكل في سائر النهار أكل التمر ولذلك صحت أبدانهم وقلت فيهم الأمراض والعاهات).


    ولاحظ أنه بمجرد ثبات رؤية هلال رجب، أمر أمير مكة بضرب الطبول والأبواق إيذانا بدخول الشهر، وتوجه وركبه للطواف بالبيت الحرام، كما احتفل أهل مكة بعمرة رجب احتفالا مهيبا، وذكر ابن بطوطة أنه شاهد شوارع مكة المكرمة ليلة السابع والعشرين من رجب وقد غصت بالهوادج وجِمَال المعتمرين وهي تخرج إلى التنعيم وأمامها الشموع والمشاعل.



    ولم ينس ابن بطوطة الإشارة إلى حضور أهالي المناطق القريبة من مكة لعمرة رجب بعد أن يجلبوا معهم الحبوب والسمن والعسل وغيرها من السلع، الأمر الذي يسهم في توفير السلع للمعتمرين وفي رخص الأسعار أيضا.


    حضر ابن بطوطة ليلة النصف من شعبان في مكة المكرمة فذكر أنها ليلة مباركة عند أهالي مكة، حيث يبادرون فيها إلى الطواف والصلاة جماعات في المسجد الحرام بعد إيقاد السرج والمصابيح فضلا عن ضوء القمر، ويقومون بأداء مائة ركعة وبعضهم يطوفون بالبيت الحرام، والبعض الآخر خرج من أجل أداء العمرة.


    قرع الدبادب لاستقبال رمضان
    وذكر ابن بطوطة أنه عند حلول شهر رمضان لعام 726 هـ أمر أمير مكة بقرع الطبول والدبادب (آلات خشبية عالية الصوت)، وإقامة احتفال بالمسجد الحرام الذي تم تجديد الحصر به، وزيادة الشمع والمشاعل به، كما لاحظ إقامة الصلاة وراء أئمة المذاهب المختلفة حول الكعبة فضلا عن وجود العديد من قراء القرآن الكريم حتى (.. لا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلي لجماعته فيرتج المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس، وتحضر القلوب).


    كما تحدث عن وقت السحور في رمضان بمكة المكرمة فأشار إلى قيام (المؤذن الزمزمي) في الصومعة الموجودة في الركن الشرقي من الحرم الشريف بالدعاء والذكر والتحريض على السحور بالإضافة إلى العديد من المؤذنين الآخرين.

    وفي أعلى كل صومعة خشبية في مكة تم نصب خشبة كبيرة بحيث يعلق فيها قنديلان من الزجاج طوال وقت السحور بحيث إذا اقترب آذان الفجر يتم إطفاء هذين القنديلين مرة بعد أخرى وبعد ذلك يبدأ المؤذنون في الأذان.


    أما سكان مكة الذين لا يصل الأذان إليهم نتيجة ابتعاد بيوتهم فإنهم ينظرون من أعلى سطوح منازلهم فإذا شاهدوا القنديلين مضاءين فإنهم يقومون بالتسحر وإذا رأوهما مطفأين يقلعون عن الطعام.


    ويذكر ابن بطوطة أن أهالي مكة يحتفلون بالعشر الأوائل من رمضان فيقوم في كل ليلة أحد أبناء كبار رجال مكة بختم القرآن أمام القاضي وكبار الفقهاء وبعد الانتهاء من ذلك يقام له منبر مزين بالحرير ليخطب للناس من فوقه، وبعد الانتهاء من الخطبة يقوم والده بدعوة الحاضرين إلى وليمة بمنزله.


    ويشير ابن بطوطة بشكل خاص إلى أن ليلة السابع والعشرين هي أعظم من احتفالهم بسائر الليالي بحيث يتم أيضا ختم القرآن بحيث تكثر فيها قراءة القرآن فضلا عن زيادة كبيرة في الشموع والقناديل.


    تشابه روايات الرحالة مع مرور الزمن
    ويمكننا أن نلاحظ هنا تشابها بين رواية الرحالة ابن جبير الأندلسي ورواية ابن بطوطة المغربي على الرغم من اختلاف زمان أدائهم لفريضة الحج (القرن السادس إلى القرن الثامن الهجري) حول كيفية استقبال أمير وسكان مكة لرمضان وكيفية التسحير واستخدام القناديل المضاءة لذلك، وكذلك ما يرجى في ختم القرآن في الليالي العشر الأخيرة منه وقيام أبناء كبراء سكان مكة بختم القرآن في تلك الليالي أمام قاضي مكة وفقهائها، ثم قيامهم بالخطبة وقيام آبائهم الميسورين بإقامة ولائم لسكان مكة.


    واحتفالهم الكبير بليلة السابع والعشرين من رمضان ويمكننا أن نفهم مما سبق أن تلك العادات الطيبة استمرت طول قرنين من الزمان كما هي.

    ويصف ابن بطوطة استعداد المكيين لاستقابل عيد الفطر المبارك فيذكر أنهم يقومون بإيقاد الشمع والمشاعل والمصابيح بحيث يضاء سطح الحرم كله ويقضي المؤذنون هذه الليلة في تهليل وتكبير وتسبيح، بينما يأخذ الموجودن في الصلاة والطواف والذكر والدعاء.


    وبعدما يفرغ أهالي مكة من أداء صلاة الصبح يلبسون أحسن ما لديهم من ثياب ويتوجهون لأداء صلاة العيد بالحرم الشريف وبعدها يقبل الناس على السلام والمصافحة ويتوجهون لدخول الكعبة المشرفة، وبعد ذلك يخرجون إلى مقبرة باب المعلى لزيارة قبور الصحابة والسلف الصالح.


    قرع الطبول للصلاة!
    مكث ابن بطوطة في مكة بعد ذلك حتى موعد حجته الأولى 726 هـ فيذكر أنه تم تشمير (رفع) أستار الكعبة أو إحرام الكعبة يوم السابع والعشرين من ذي القعدة صونا لها من الشد والجذب الذي يمكن أن تتعرض له من قبل الحجاج ولهفتهم عليها.


    كما ذكر أنه بمجرد حلول أول أيام شهر ذي الحجة يتم قرع الطبول في أوقات الصلاة حتى يوم الصعود إلى عرفات وفي اليوم السابع من الشهر يلقي الإمام خطبة المسجد الحرام بعد الانتهاء من صلاة الظهر لكي يعلم الناس فيها كيفية أداء مناسك الحج.


    ويصعد الذين حضروا لأداء الفريضة إلى منى في اليوم الثامن برفقة أمراء مصر والشام والعراق وفي اليوم التاسع من ذي الحجة رحل الجميع من منى بعد الصلاة الصبح إلى عرفات.


    وذكر أن وقفة العيد كانت يوم خميس، ولم يفته الإشارة إلى بعض الشخصيات الهامة التي قامت بأداء شعيرة الحج ذلك العام منهم الأمير أرغون الدوادار نائب الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكي، وزوجته.


    غادر ابن بطوطة والحجاج وعرفات بعد غروب الشمس إلى مزدلفة متأخرين، حيث جمعوا بين صلاة المغرب والعشاء كسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أن صلوا الصبح في مزدلفة توجهوا نحو منى، حيث رمى جمرة العقبة، وقام الحجاج بالذبح والنحر، ثم حلقوا وحلوا من كل شيء باستثناء النساء والطيب حتى طواف الإفاضة، وأشار ابن بطوطة إلى أن كسوة الكعبة المشرفة وصلت من مصر، وقاموا بتغطية الكعبة بها يوم النحر ووصفها بأنها من الحرير حالكة السواد ومكتوب عليها العديد من الآيات القرآنية.


    ولم يفته أن يشير إلى أن الملك الناصر هو الذي يتولى أمر كسوة الكعبة فضلا عن تكفله بمعاش القاضي، والخطيب، والأئمة، والمؤذنين، والفراشين، وما يحتاج إليه الحرم الشريف من الشمع والزيت كل سنة.


    وبعد الانتهاء من فريضة الحج لأول مرة غادر ابن بطوطة مكة المكرمة باتجاه العراق في العشرين من شهر ذي الحجة 726 هـ.
    ****************************

    د. أبو شامة المغربي
    المصغرات المرفقة المصغرات المرفقة ابن بطوطة.jpg‏  

    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    رمضان والحج في كتابات الرحالة المسلمين
    رحلة ابن جبير الأندلسي
    يعد الرحالة الأندلسي ابن جبير الذي ولد عام 539 هـ= 1145م من أشهر الرحالة المسلمين الذين اهتموا بالكتابة عن رمضان في كتب رحلاتهم، وتلقى منذ صغره تعليما دينيا فدرس القرآن وعلومه حتى إذا بلغ الأربعين من عمره قرر الرحلة إلى الأراضي المباركة في رحلة بحرية من الأندلس إلى شمال أفريقيا ومنها إلى الإسكندرية، ثم تحرك ركبه إلى القاهرة، ومنها استقل سفينته في نهر النيل حتى مدينة قوص في صعيد مصر، ومنها برا إلى ميناء عيذاب على البحر الأحمر ليستقل سفينته حتى ميناء جدة التي هاجم في كتابه استغلال سكانها للحجاج وفرضهم الإتاوة عليهم، ثم وصف عملية تسجيل أسماء الحجاج لدى صاحب جدة قبل انتقالهم إلى مكة المكرمة ليلة الثالث عشر من ربيع الآخر 578هـ.


    ولدى الدخول إلى المدينة المقدسة أخذت "الألسنة تضج بالدعاء وتبتهل إلى الله بالثناء؛ فتارة تشتد بالتلبية وآونة تتضرع بالأدعية" قبل أن يطوف ركب ابن جبير طواف القدوم ثم الصلاة والتعلق بأستار الكعبة والسعي بين الصفا والمروة.


    في المسجد الحرام
    وصف ابن جبير المسجد الحرام، والأماكن المقدسة والمباركة في مكة، وقد قرر أن يبقى بالمدينة حتى أداء الحج، وقام أثناء ذلك بأداء عمرة شهر رجب واصفا زحام المعتمرين أو "مرأى الحشر يوم القيامة لكثرة الخلائق فيه"، وكان قد حضر ليلة النصف من شعبان في مكة المكرمة ووصف قراءة القرآن والصلاة بالمسجد الحرام.


    وسجل لنا ابن جبير في رحلته بداية شهر رمضان في الأراضي المباركة؛ إذ ذكر أنه قد وافق يوم أحد، ولم يفته أن يلاحظ أن أهل مكة صاموا ولم يكونوا قد تمكنوا تماما من رؤية الهلال، ولكن أمير مكة أمر بضرب "الدبادب" وهي آلات ذات أصوات عالية من أجل إعلان بدء الصوم؛ لأنه رأى وجوب صيام يوم الشك.


    ولاحظ ابن جبير أنه بمجرد بدء شهر رمضان تم تجديد الحصر الموجودة بالمسجد الحرام والإكثار من إشعال الشموع والقناديل حتى تلألأ الحرم نورا وسطع ضياء.


    كما وصف صلاة التراويح بالحرم المكي فذكر اصطفاف العديد من المصلين خلف الأئمة من المذاهب الأربعة، ولأن ابن جبير كان مالكي المذهب فقد احتفى بذكر الأئمة والقراء المالكية وما قدمه التجار المالكية من شموع عالية أمام المحراب.


    قناديل المسجد دليل السحور
    ولم يفت ابن جبير ذكر مسألة السحور في ليالي رمضان في مكة المكرمة، فذكر أن أحد المؤذنين كان يتولى التسحير في الصومعة الموجودة في الركن الشرقي من المسجد الحرام بسبب قربها من دار أمير مكة فيقوم المؤذن وقت السحور داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور، ونصبت في أعلى الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع وفي طرفيه بكرتان صغيرتان فوقهما قنديلان كبيران من الزجاج يضيئان طوال فترة السحور، فإذا اقتربت نهاية وقت السحور قام المؤذن بإنزال القنديلين من أعلى الخشبة وبدأ في الأذان.


    ونتيجة لاتساع مساحة مكة المكرمة وبعد الكثير من منازلها عن المكان الموجود به قنديلا التسحير، يذكر ابن جبير ارتفاع منازل مكة؛ وهو الأمر الذي جعل الذين لم يسمعوا نداء السحور يشاهدون القنديلين يضيئان أعلى الصومعة فإذا لم يبصروهما عرفوا أن وقت السحور قد انتهى.


    وسجل ابن جبير في رحلته وصول الأمير سيف الإسلام بن أيوب أخي صلاح الدين الأيوبي إلى مكة في اليوم التالي من شهر رمضان 578هـ قادما من مصر بعد مروره على المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم زيارة لمكة بعض الوقت وبرفقته وفد من الحجاج المصريين الذين التمسوا الأمن برفقته قبل أن يكمل الطريق باتجاه اليمن لمعالجة إحدى الفتن التي حدثت بها، كما سجل دعاء سكان مكة للأمير سيف الإسلام وأخيه صلاح الدين الأيوبي لاهتمامه بأحوال المدينة المقدسة، ثم طاف سيف الإسلام وأتباعه ببيت الله الحرام، ودمعت أعينهم تبتلا وخشوعا قبل أن يقوم بالسعي بين الصفا والمروة كما تم فتح الكعبة المشرفة له خصيصا.


    ختم القرآن شيم المجاورين

    اهتم ابن جبير بذكر اجتهاد المجاورين للمسجد الحرام في صلاة التراويح وختم القرآن، فذكر أنه كان يجري ختم القرآن في كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، فذكر أنه في ليلة الحادي والعشرين من رمضان قام أحد أبناء مكة بختم القرآن أمام قاضي المدينة وبعض شيوخها، واحتفل والد الصبي بذلك بأن قام بدعوتهم إلى وليمة في منزله.


    كما قام صبي آخر من أبناء مكة عمره 15 عاما بختم القرآن ليلة الثالث والعشرين فقام والده أيضا بالاحتفال بهذه المناسبة؛ ولأنه كان من الأثرياء، فقد لاحظ ابن جبير أنه أحضر ثريا مصنوعة من الشمع، وأنواعا من الفاكهة "الرطبة واليابسة" والعديد من القناديل والمشاعل.


    وفي ليلة الخامس والعشرين قام بختم القرآن ابن الإمام الحنفي للمسجد الحرام؛ الأمر الذي أوجب احتفال والده به أيضا.


    ثم تحدث ابن جبير عن ختم القرآن الكريم بالمسجد الحرام ليلة السابع والعشرين بوصفها ليلة استثنائية ومباركة يقول: "وأي حالة توازي شهود ختم القرآن ليلة سبع وعشرين من رمضان خلف المقام الكريم وتجاه البيت العظيم؟ وإنها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤل سائر البقاع للحرم"، وختم ابن جبير حديثه عن ليالي رمضان في مكة، بالدعاء لله أن يبارك صومه إلى جوار الكعبة والبيت الحرام.


    ويصف ليلة عيد الفطر المبارك في مكة المكرمة بوصفها من "الليالي الحفيلة"، حيث جرى إيقاد جميع القناديل والمشاعل والأنوار في الجهات الأربع للحرم، كما تمت إضاءة سطح المسجد الموجود أعلى جبل أبي قبيس، كما أقام المؤذن تلك الليلة أعلى سطح قبلة زمزم مهللا ومكبرا ومسبحا وحامدا، بينما قضى كافة الموجودين في مكة ليلتهم ما بين صلاة وطواف وتهليل وتكبير.


    عيد الفطر في مكة
    بادر السكان بمجرد الانتهاء من أداء صلاة الفجر بلبس أثواب العيد الجديدة، وتوجهوا ثانية لصلاة العيد بالمسجد الحرام، وبعد الاستماع إلى خطبة العيد أقبل الناس على مصافحة بعضهم البعض آخذين في الدعاء مسرورين فرحين بما آتاهم الله من فضله، ثم طافوا بالبيت الحرام، وبعد انتهاء الصلاة والطواف والسلام توجهوا إلى زيارة قبور الصحابة المسلمين في جبانة المعلى، وقاموا بالدعاء لمن فيها من عباد الله الصالحين.


    مكث ابن جبير شهري شوال وذي القعدة في مكة المكرمة انتظارا لأداء فريضة الحج، استعرض خلالهما كيفية أداء المناسك، كما قام بزيارة المنزل الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي تحول إلى مسجد يعرف بمسجد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، كما زار دار السيدة خديجة رضي الله عنها.


    تشمير الكعبة

    كما وصف تشمير أستار الكعبة المقدسة على جوانبها الأربعة، فيما يعرف بإحرام الكعبة، حيث ترفع الأستار يوم السابع والعشرين من ذي القعدة، ولا تفتح الكعبة حين إحرامها إلا بعد الوقفة، ويحكي لنا موقفا طريفا في مكة ليلة التاسع والعشرين من ذي القعدة، حيث انتظار هلال ذي الحجة، فيذكر أن طائفة من الحجاج المغاربة والمصريين كانوا يريدون أن يكون الوقوف على جبل عرفات يوم جمعة، لما لهذا اليوم من بركة واسعة، فادعوا أنهم شاهدوا هلال ذي الحجة في التاسع والعشرين من ذي القعدة، غير أن قاضي مكة ردهم قائلا: "يا للعجب! لو أن أحدهم يشهد برؤيته الشمس تحت الغيم الكثيف لما قبلته، فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة!


    مكة كالرحم يسع مولوده
    ويرصد ابن جبير توافد أعداد لا تحصى من الحجاج على مكة المكرمة، ويذكر أنه من الآيات البينات أن تسع مدينة مكة الصغيرة جميع هؤلاء الحجاج، وذلك حسب تعبيره، "لو أن المدن العظيمة حلم عليها هذا الجمع لضاقت عنه ويتفق مع العلماء القائلين بأن ذلك ما حدث إلا لأن مكة تتسع لحجاجها اتساع الرحم لمولوده".


    ويلاحظ أنه منذ اليوم الأول لذي الحجة بدأت أصوات "الدبادب" العالية تظهر في كافة أوقات الصلاة وحتى يوم عرفة بتذكير الناس وجمعهم عند الصلاة الجامعة بالمسجد الحرام.


    وصف ابن جبير مناسك الحج وأفاض في وصف الوقوف على جبل عرفات وذكر أنه من السنة المبيت بها، ولكن الحجاج اضطروا إلى مغادرتها بسبب خوفهم من قبيلة بني شعبة المشهورة بالإغارة على الحجاج ونهبهم؛ غير أنه يذكر أنه تمت حماية الحجاج آنذاك بفضل تدخل الأمير عثمان بن علي صاحب عدن، الذي كان قد فر منها بعد وصول الأمير سيف الإسلام أخي صلاح الدين الأيوبي.

    وعلى الرغم من وصف ابن جبير له سابقا بأنه كان ظالما في قومه واختص لنفسه الكثير من الأموال والمتاجر وهو ما دفع الدولة الأيوبية إلى مهاجمته وعزله فإن ابن جبير يحمد له موقفه في حماية الحجاج من هجمات الشعبيين في المضيق الكائن بين مزدلفة وعرفات، ويصف ما فعله الأمير عثمان بأنه "... جهاد يرجى له بالمغفرة لجميع خطاياه".

    ووصف ابن جبير ازدحام الحجاج على جبل عرفات الذي "لا شبيه له إلا الحشر"، وتتبع كل مناسك الحج ورحلة الحجيج ومواقعهم بالتفصيل الدقيق، وذكر أهم الشخصيات التي وصلت للحج هذا العام، وكان أمير العراق الذي وصل في موكب ضخم برفقة أمراء بلاد فارس والعديد من السيدات.
    كما ذكر ما جرى عند عودة الحجاج إلى مكة من المناوشات والاحتكاكات بين أهالي مكة والحجاج العراقيين والأتراك، حيث جرح البعض وانتهبت بعض أمتعة التجار قبل أن تنتهي تلك الفتنة سريعا.

    ولم يفت ابن جبير الإشارة إلى وجود أسواق لتلبية حاجات الحجاج، ومن ذلك سوق منى التي تستمر لثلاثة أيام، وهي من كبرى الأسواق فضلا عن السوق العظيمة المعروفة بسوق المسجد الحرام التي تحتوي سلعا وبضائع لا حصر لها، وحسب تعبيره "كانت سوقا عظيمة يباع فيها من الدقيق إلى العقيق ومن البر إلى الدر".


    ثم غادر ابن جبير مكة في العشرين من ذي الحجة 578هـ بعد أن مكث بها أكثر من ثمانية أشهر، وبعد إتمام الغرض الأساسي من رحلته إلى الشرق وهو الحج إلى بيت الله الحرام.

    د. أبو شامة المغربي
    المصغرات المرفقة المصغرات المرفقة الرحلة.jpg‏  

    رد مع اقتباس  
     

  9. #9 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0

    يقول الإمام الشافعي:

    ســــــافرْ تَجِدْ عِوَضــاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ 1 وَانْصَبْ فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَبِ
    إنِّــــــــــي رأيتُ وُقُوفَ المــاءِ يُفْسِدُهُ 2 إنْ سَالَ طَابَ وإنْ لم يَجْرِ لـم يَطِبِ
    والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً 3 لَمَلَّهَا النــاسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُــــرْبِ
    (من قراءات السندباد)
    المصغرات المرفقة المصغرات المرفقة ربان السفينة.gif‏  
    رد مع اقتباس  
     

  10. #10 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    ابن بطوطة
    تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار

    (ترجمة الرحالة المغربي)

    هو محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله، ابن بطوطة، رحالة مؤرخ، ولد سنة 703هـ، ونشأ في طنجة بالمغرب الأقصى، وخرج منها سنة 725هـ، فطاف بلاد المغرب، ومصر، والشام، والحجاز، والعراق، وفارس، واليمن، والبحرين، وتركستان، وما وراء النهر، وبعض الهند، والصين، والجاوة، وبلاد التتر، وأواسط إفريقية، واتصل بكثير من الملوك والأمراء، فمدحهم، وكان ينظم الشعر، واستعان بهباتهم على أسفاره، وعاد إلى المغرب الأقصى، فانقطع إلى السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين، فأقام في بلاده، وأملى أخبار رحلته على محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس سنة 756هـ، وسماها (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، ترجمت إلى اللغات البرتغالية، والفرنسية، والإنجليزية، ونشرت بها، وترجمت فصول منها إلى الألمانية ونشرت أيضا، وكان يحسن التركية والفارسية، واستغرقت رحلته 27 سنة - (1325م - 1352م)، ومات في مراكش، وتلقبه جمعية كمبردج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالين المسلمين، وفي نابلس بفلسطين أسرة الآن تدعى بيت بطوط، وتعرف ببيت المغربي، وبيت الكمال، تقول: إنها من نسل ابن بطوطة.
    وتوفي رحمه الله سنة 779هـ .

    (من قراءات السندباد)
    ---
    سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
    وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
    إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
    إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
    والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
    لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ
    رد مع اقتباس  
     

  11. #11 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    الرحلات المتبادلة بين الغرب الإسلامي والمشرق

    يتضمن هذا الكتاب مجموعة من الدراسات الخاصة لنماذج من الرحلات بين الغرب الإسلامي والمشرق، كتبت في مناسبات مختلفة بعضها نشر في مجلات عربية، أو في محاضر الندوات التي ألقيت فيها هذه الأبحاث، وبعضها الآخر لم ينشر، ويظهر هنا لأول مرة.
    وبالنظر إلى أهمية الرحلة التي تمثل مظهراً من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية، وغلى دورها في الربط بين ثقافة المشرق والمغرب، جاءت الفكرة لجمع هذه الأبحاث، ونشرها ضمن كتاب واحد.
    وكمثال لتنوع أهداف الرحلة في العالم الإسلامي عبر العصور، جاء تنوع هذه الأبحاث، التي تشير إلى مختلف الأسباب الرئيسية التي دفعت العلماء إلى الرحلة، كأداء فريضة الحج مثلاً، وزيارة الأماكن الشهيرة في المشرق، التي تشد المسلم شداً لكونها مهد الحضارة، ومهبط الوحي، وهذه هي الرحلات الحجازية.
    أما الرحلات الخاصة بطلب العلم والاستزادة من÷، فهي الرحلات الدراسية التي يهدف أصحابها إلى لقاء المشايخ الكبار والأخذ عنهم، والرجوع بالإجازات التي تخولهم رواية الحديث النبوي الشريف، ومختلف فروع العلوم العربية والإسلامية.
    وإلى جانب هذه الرحلات يمكن الإشارة إلى الرحلات السياحية التي تكون غايتها الوقوف على الأماكن، ووجوب الآفاق، والتعرف إلى أخلاق الشعوب وعوائدها.
    وهناك نوع آخر من الرحلات، يمكن أن يشمل أهدافاً متعددة، وهي الرحلات العامة التي جمعت أغراضاً كثيرة، مثل الحج، والسياحة، والتعليم، والتجارة، وخير مثال عليها، رحلة ابن بطوطة.
    وتغلب الصفة العلمية والدينية على بعض الرحلات التي تمت معالجتها في هذا الكتاب، ولاسيما في البحثين الخاصين بالصلات العلمية بين القدس والأندلس، والصفحات المشرقة من التواصل الثقافي بين القدس والغرب الإسلامي، ففي هذين البحثين يتجلى بوضوح مدى التبادل الثقافي بين الجانبين.
    وأجريت دراسة التأثير العلمي لهذه الرحلات بشكل أكثر تفصيلاً، ليكون أنموذجاً لهذه الرحلات، في بحثين آخرين، الأول، تناول صوراً من هذا التأثير بين الموصل والأندلس، والثاني جاء بعنوان: الرحلة ودورها في توثيق الصلات العليمة بين المشرق والأندلس. وكانت مدينة الموصل أيضاً الأنموذج الذي تم اختياره لهذه الدراسة.
    وليس معنى هذا أن الموصل كانت الوحيدة في هذا الشأن، بل يتساوى معها الكثير من المدن الكبيرة الأخرى في المشرق، وربما يزيد عليها.
    وتأكيداً لقولنا أعلاه، على أن هذه الرحلات لم تكن مقتصرة على مدينة واحدة، بل شائعة بين الأندلس، ومختلف العالم الإسلامي، جاء البحث الخامس، الذي تطرق إلى الرحلات العلمية والتواصل بين الأندلس وبلاد إيران وما وراء النهر.
    وبالنظر إلى ما تتمتع به رحلة ابن جبير من مكانة عالية بين الرحلات المغربية، فقد توجه إليها الاهتمام لدراسة أكثر من موقع في المشرق الإسلامي، ولا سيما أن هذه الرحلة تعد رواية شاهد عيان للأحداث التي جاءت فيها، وشهادة العيان هي قمة ما يصبو إليه المؤرخ لتسجيل الروايات التاريخية.
    والواقع أن رحلة ابن جبير، تعد من المصادر الأساسية لتاريخ أي بلد مرّ به هذا الرحالة، لأنه كان دقيق الملاحظة، صائب النظر، يهتم بتسجيل كل ما يراه بأسلوب سهل صادق يبعث على الثقة. ومن هنا جاءت أهمية البحث السادس: الرحلات الأندلسية مصدراً لتاريخ بلاد الشام/دراسة تحليلية مقارنة لنص ابن جبير، فضلاً عن فائدة هذه الرحلة في تقوية الصلات بين الجانبين، أي الغرب الإسلامي وبلاد الشام، فقد كانت لملاحظاته، ومشاهداته، أهمية كبيرة في تاريخ هذه البلاد.
    وينطبق الأمر نفسه على البحث السابع: بغداد من خلال رحلة ابن جبير، التي تمت في سنة 580هـ/1184م، فقد تناولت روايته مختلف جوانب الحياة فيها، ولا سيما خطط المدينة، ومحلاتها، ومساجدها، ومجالسها العلمية، وتم التركيز في البحث على إبراز أهم الملامح الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية من خلال مشاهدات ابن جبير.
    أما البحث الثامن: تكريت من خلال رحلات المغاربة والأندلسيين، فقد تمت معالجتها من خلال دراسة أكثر من رحلة واحدة، وذلك لصغر هذه المدينة التي تقع بين بغداد والموصل.
    وفي البحث التاسع، تم تناول رواية الرحالة المغربي المعروف ابن بطوطة، عن اليمن، وهي رواية على درجة كبيرة من الأهمية، لأن هذا الرحالة عرف بشدة اهتمامه بكل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة العامة للبلاد التي يزورها.
    (من قراءات السندباد)
    ---
    سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
    وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
    إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
    إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
    والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
    لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ
    رد مع اقتباس  
     

  12. #12 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار

    يقول أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة رحمه الله تعالى:
    (كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة، معتمدا حج بيت الله الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم، فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والدي بقيد الحياة، فتحملت لبعدهما وصبا، ولقيت، كما لقيا، من الفراق نصبا، وسني يومئذ اثنتان وعشرون سنة...)

    (من قراءات السندباد)
    ---
    سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
    وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
    إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
    إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
    والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
    لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ
    رد مع اقتباس  
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •