النتائج 1 إلى 12 من 1155

الموضوع: أدب الرحـــــــلة ...

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36

    أحمد محمّد محمود*
    أورد ( خير الدين الزركلي ) في موسوعته "الأعلام" عن الرحـــالة ما يلي: محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي، وزير، رحالة، من الكتاب البلغاء من أهل مكناسة، استخدمه السلطان سيدي محمد بن عبد الله في بعض الأعمال، ثم استوزره وانتدبه لكثير من المهمات وعقد المعاهدات، وكان سفيره في إسبانيا، ومالطة، ونابولي، والآستانة، وإلى إمبراطور النمسا، توفي بمراكش، من كتبه: الإكسير، البدر السافر، رحلة إلى مالطة، وهذه الرحلة التي أطلق عليها (إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والخليل والرسول الحبيب)، توفي عام 1213هـ - 1798م.
    حقق رحلته وقدم لها بدراسة قيمة ضافية "محمد بوكبوط" ووصف الرحالة الذي انتهت رحلته في آخر يوم من شعبان عام 1202هـ "بأنه من عيار كبار رجال الدولة الذين ساهموا بفعالية في صنع أحداث النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي" ووصف الرحلة "بأنها تقدم مشاهدات على طول طريق الحج العثماني، بحيث ينفرد الرحالة بذلك، نظراً لكون جل الرحلات المغربية إلى الحج، كانت تسلك عبر طريق مصر الذي ظل ركب الحج المغربي يتخذها، كما تساهم الرحلة في تصحيح كثير من المقولات التي علقت بتاريخ العثمانيين، من جراء الاعتماد شبه المطلق على كتابات وتقارير الأوروبيين، وبالإضافة إلى ما يراه من إحاطتها بوصف دقيق لطريق الحج، أتى الرحالة على مواضيع ثقافية وإسلامية ومعلومات واسعة، فكانت رحلته: حجازية، سياحية، اكتشافية، سفارية، زيارية، علمية."
    ولما لهذه الرحلة من قيمة علمية، وتاريخية وأدبية، ودبلوماسية، نستعرضها في عددين - إن شاء الله -، ونبدأ بمنطلق الرحلة حتى انتهاء زيارته الدبلوماسية لعاصمة الدولة العثمانية ومشاهداته فيها وملاحظاته عليها، ووصوله إلى دمشق في طريقه لأداء الحج.
    ويقدم الرحالة المكناسي لكتابه بالحديث عن فوائد الرحلة والاغتراب، "فإن التنقل في البلاد والتأمل في مخــلوقات الله من العباد، تذكرة للقلوب، وتبصرة على أن الاغتراب وحده يحدث في القلب خشوعاً، وإلى الله رجوعاً، وعن غيره نزوعاً، ولو لم يكن في الاغتراب إلا هذه الفائدة لكفاه فضلاً، وأحـــــرز في السبق إلى الفضل خصل."
    وجاء الرحالة على مناسبة تعيينه في مهمة دبلوماسية إلى القسطنطينية العظمى "حتى نتلاقى مع سلطانها "السلطان عبد الحميد خان" 1725 ـ 1789م، ومن هناك نستعد للسرى إلى أم القرى، لقضاء مناسك الحج، ونفرق هديته على أهل الحرمين الشريفين، وأن نرسم له ما تتفق رؤيته في هذا السفر، في البدو والحضر."
    انطلاق الرحلة
    بدأ الرحالة أول عام 1200هـ - 1785م، منطلقاً من الرباط، إلى تطوان، ومنها تعذر سفره بحراً بسبب اضطراب البحر في فصل الشتاء، فأمضى أربعة أشهر ونصف في انتظار الفرصة المواتية للإبحار، وبقي في تطوان "لا نستطيع من كثرة الأمطار والطين خروجاً" ثم توجه إلى طنجة، ومنها عشية ثاني رجب من عام السفر، "ركبنا البحر في مركب بعثه عظيم الإصبنيول، ملك إسبانيا كارلوس الثالث<، فتوجه إلى قرطاجنة الإسبانية فوصلها في ثلاثة أيام، ومنها أبحر في مركب كبير "فبقينا نتردد في البحر لأن الريح غير مواتية شهراً ويومين، حتى تغير الماء وتأذى الناس من شربه فوصل إلى (سرقوزه) على الطرف الجنوبي الشرقي لجزيرة صقلية، ومن هذه المدينة كان دخول المسلمين على عهد بني أمية حتى تملكوها وبقيت تحت حكمهم نحواً من 300 سنة."
    وقد فرح سكان صقلية بدخول المركب وطلبوا من ركابه النزول في الجزيرة، "ولما رأوا امتناعنا جاؤوا ذات ليلة إلى المركب بقضهم وقضيضهم، ومعهم المنشدون، واستعد قبطان السفينة بتزيينها، بما يناسب عوائدهم، وبعد غروب الشمس أتى أهل البلد، وبدأ حفل السمر متبوعاً بتوزيع الحلويات، ثم شرعوا في الغناء."
    وفي رابع رمضان، غادر المركب صقلية، وكانت الريح مواتية، فوصلوا إلى جزائر بحر إيجة والتي سماها الرحالة "جزر بر الترك" "وتحرك علينا ريح غير موافق، وبقينا نساعفه باستعمال السير أمامه يميناً وشمالاً، إلى أن قربنا إلى بغاز (البوسفور- القسطنطينية)، وفي هذه النواحي توفي عضو من أعضاء الرحلة، وكان البر بعيداً، فألقيناه في البحر، رحمة الله عليه<، ووصف الرحالة عادات المراكب البحرية إذا أرادت دخول الموانيء العثمانية: "يخرج المركب مدفعاً إعلاماً به ويتمادى في سيره، فتخرج سلطات الميناء مدافع كثيرة يباعدونها عنه حتى لا تصيبه، إظهاراً للقوة" ، فوصل إلى ميناء القسطنطينية رابع شوال من عام السفر، فأرسلت السلطات زوارق تسأل قبطانه عن خبره - كما هي العادة - "ولما علم السلطان بخبر السفارة والسفير بعث إلينا ونحن في المركب على سبيل الإهداء والإكرام، أواني كثيرة من الزجاج، مملوءة بأنواع الحلوى والتحف الكاملة الظرف، مع فواكه الموسم، ومن الغد أتى أعيان الدولة بزوارق فركبناها وتوجهنا إلى العاصمة."
    وقد أنزل رجال التشريفات الوفد المغربي في دار كبيرة وواسعة، فخيمة الفرش تطل على البحر في منظر عجيب، "وأقمنا خمسة أيام بعد نزولنا، واستدعانا الوزير "الصدر الأعظم" يوسف باشا خوجا إلى ملاقاته، فمن عاداتهم ذلك، وسرنا في موكب فخم، يضم جماعة من الأعيان، فركبنا الخيول وتقدمت خيلهم أمامنا ورجالهم حافون بنا، ومررنا بطرقات المدينة حتى وصلنا دار الوزير المعدة لجلوسه، واستفهم منا الوزير عن حال السفر والتعب وما يناسب المقام، ثم أُتي بالقهوة فشربنا وتلك عندهم عادة لازمة، ثم البخور والطيب، وبعد أن كسانا بقفاطين، وقدم للوزير رسالة سلطان المغرب للسلطان العثماني على ما جرت به عوائدهم، ترجمت إلى التركية قبل تقديمها للسلطان، ثم طلب إلينا التوجه إلى مكتب (الكاهية) ففعل معنا مثل ما فعل الوزير، ثم توجهوا بنا إلى "الدفتردار" الذي بيده أموال السلطان، فأكرمنا على نحو سابقيْه."
    مع السلطان العثماني
    وفي يوم 72 من شهر الوصول، حدد الصدر الأعظم للسفير ورفاقه موعداً لملاقاة السلطان العثماني وتحركت البعثة الدبلوماسية من مكان نزولها قبل الفجر "فقدموا لنا خيلاً مكلفة السروج، فركبناها وتقدمت خيلهم موكبنا وحفت رجالهم بنا، وانتهينا إلى مسجد صلينا فيه الفجر، ثم توجهوا بنا إلى ممر قبالة دار الوزير وأوقفونا صفاً، وانضممنا إلى موكب الوزير عند تحركه بعد طلوع الشمس حتى وصلنا باب دار السلطان فنزلنا، وجلسنا على مساطب مهيأة للراحة، فأخذونا إلى حيث يجلس الوزير فأجلسونا إلى يساره، وشاهدنا جانباً من أسلوب إدارة الدولة حيث تعرض على الوزير القضايا والشكاوى فيرد عليها، ونودي على كل من له شكاية أن يتقدم، والسلطان يراقب ذلك من نافذة مجاورة، وبعد انتهاء النظر في القضايا، أُحضر الطعام، فأخذوا في وضع أواني الطعام، إناء في إثر إناء، فنصيب من كل إناء أكلة ويُرفع، ثم قمنا إلى مكان جلوسنا، فطافوا علينا بأباريق الماء والصابون لغسل الأيدي، ثم بالطيب والبخور، ثم توجهوا بنا إلى موضع آخر، وخلعوا على جميع من حضر، فلبسنا الخلع، ثم أخذونا إلى مكان تمهيداً لملاقاة السلطان العثماني."
    ويصف الرحالة مراسم استقبال السلطان له ولمرافقيه: "ووجدنا أقواماً معينين للدخول معنا على السلطان، فأمسك بثوب كل واحد منا رجلان منهم عن يمين وشمال، فدخلنا عليه في قبة فوجدناه جالساً على مرتبة والوزير قائم عن يمينه، فشرح الوزير للسلطان وضعنا ومهمتنا، ومن أين أتينا، فقدّمتُ له هدايا سلطان المغرب، ووقفنا أمامه مقدار وقت قليل ثم خرجنا من عنده< وشرح الرحالة كيف أن استقبال السلطان العثماني لهم بهذه السرعة، وبالبروتكول الاحتفالي الذي شاهده "لم يتفق لأحد من قبل، كما أخبرنا بذلك أهل الديوان، وإنما يقابل السلطان البعثات والوفود في مناسبات الأعياد، أو عرض العسكر لقبض الراتب."
    ويعطي الرحالة (المكناسي) نبذة عن سيرة السلطان العثماني، وموجزاً لتاريخ الدولة العثمانية، ووصفاً للعاصمة "القسطنطينية": "وما رأيت ما يؤدي وصفها ومعناها وما اشتمل عليه أقصاها وأدناها، إلا ما أجابني به بعض أحبار النصارى ممن استوطنوها، يقال إنها مدينة هذه الدنيا، ففيها من الأمور الدنيوية ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فلا يمكن أن تسأل عن شيء غريب إلا تجد له سوقاً، حتى الحشرات لها سوق يرتاده أهل الطب."
    "فهي محشر الأمم، ومحط الرحال، وبحر العمران، وغاية القصاد والمورد العذب للوراد، إلا أن بردها عاصف، وقرها لا يصفه واصف، ولا يرده دثار، ولا موقد نار، فهي إناء للثلج المصبوب، فتنبو عن المضاجع من قرها الجُنوب."
    وكفاها فخراً أن ضمت قبر الصحابي (أبي أيوب الأنصاري)، وكونها موطن جهاد وقراع للعدو وجلاد، وما بهــا من الخيرات تفصــــيلاً فشيء لا تفي به عبارة، ومن أغرب الغرائب ثبات أسعار الحاجيات فيها على كثرة سكانها، وترسو في مينائها من السفن في وقت واحد 80,000، والسفن ترد إليها كأنها القوافل.
    ويعطي وصفاً لأعظم مساجدها، وفي مقدمة ذلك أيا صوفيا، ومسجد السلطان أحمد، ومسجد السليمانية، الذي بناه السلطان سليمان القانوني- 1520 - 1566م، ومسجد العثمانية، ومسجد السلطان محمد الفاتح، وبه 16 مدرسة يتلقى طلابها جراية شهرية، ويصف مكتباتها- التي لا يوجد مثلها في سائر البلاد-"ويســـهر على أمــــــن الـمدينـــة 40,000 شخص يتناوبون الحراسة ليلاً ونهاراً وهي مشحونة بالسلع والأمتعة ولا يضيع منها شيء، ولا تجد فيها على كبرها جلبة ولا غوغاء، ويعاقب من يقوم بشيء من ذلك."
    ويصف الرحالة حفل زفاف أميرة عثمانية، وما فيه من الفخامة والبذخ، ويأخذ عليهم بعض الممارسات "ومنها أنهم في الاحتفالات إذا أكلوا وشربوا وتطيبوا كسروا الأواني جميع."
    وبعد أن أدى السفير ـ المكناسي ـ مهمته في بلاط السلطان العثماني، جاء وقت سفره من العاصمة التي أعجبته كثيراً: "وفي يوم الثاني والعشرين من الشهر استدعانا الوزير بقصد الملاقاة والوداع، وتم ترتيب موكب على نحو موكب الاستقبال يوم وصولنا، وفي مجلس الوزير تدارس مع السفير المغربي علاقات الدولة العثمانية بأوروبا، ثم خلع الوزير خِِلعاً على المكناسي ورفاقه "وكان السلطان العثماني قد عين الخيام والبهائم لحمل أثاثنا وأثقالنا والمحامل لركوبنا، فتأهبنا للسفر، وقطعنا البحر إلى البر الآخر يوم الجمعة 23 من رجب، مبتدئين الرحلة إلى الحجاز عبر طريق الحج العثماني."
    الرحلة إلى الحجاز
    ويحــــدد المكناسي خمس مراحل بين القســـطنطينية والشام، يقطعها ركب الحجيــــج العثماني، بحيث يستريح بعد نهاية كل مرحلة، ويريــــح الدواب، ويســــتكمل الركب تأمــــين وشــــراء وكراء ما يحــــتاج من مـــؤن لبقية مراحل الرحلة.
    وكان منطلق الرحلة بعد عبور البوسفور من أسكدار، مروراً على التوالي بـ: قرطل، كبزة، ديل سقال سي، خارسك كوي، "ثم رحلنا فســــرنا بين جبــــال يتخللها وادي يقال له "كاور كو" أي قرية الكفــــار، وتمادينا في المسير في الوادي يعترضنا في دورانه بينها، فقد عبرناه نحو 12 مرة حتى وصلنا للقرية السابقة، وأهلها كلهم نصارى تحت رعـاية السلطان عبد الحميد، وعليـــها بساتين كثيرة وجلها شجر التوت الذي يعلف بورقه دود الحرير، ومنها وصلنا إلى "جنزنك" أي مدينة الرخام، ولها سور من أعظم الأسوار وأمنعها وأعظمها حجارة إلا أن به خراباً، ومنها إلى "لفك" التي أخذت اســـمها من نهر تقع عليه، ومنها إلى "خان الوزير" الذي ابتـــناه ســنان باشا بقصد أن ينزل به ركب الحجاج زمن الشتاء والثلج والوحل."
    "ومنذ أن غادرنا العاصمة ونحن نمر ببلاد ليست سهلة ولا صعبة بل هي وسط بين ذلك، ماؤها كثير، وأثرها كبير، وظلها من كثرة الأغصان ظليل، ونسيمها عليل، ولا تمر بساقية فضلاً عن واد إلا على قنطرة، ولا بمكان ذي وحل إلا على جسر بحجارة مرصفة منصوبة."
    ومنها إلى مدينة السكوت، فمدينة أسكي شهر، وهنا تنتهي المرحلة الأولي من مراحل قوافل الحج، "فأقمنا بها يومين، بقصد الاستراحة وإراحة الدواب، وفيها يأتي في العادة جميع الخدمَة من سقائين وطباخين وفراشين وأصحاب المحامل ودواب الحمل وغير ذلك يطلبون من مخدوميهم إكراماً زيادة على الأجرة المعلومة، وصار ذلك عادة لازمة ويسمون ذلك "البقشيش" بلغتهم، وبها حمام مبني على ماء يخرج من الأرض في غاية الحرارة، وجعلوا له حوضاً كبيراً عمقه أقل من القامة فهو مثل المغطس يصب فيه الماء ويخرج منه، والناس يغتسلون فيه، وعليه من يخدم الزبائن مقابل أجر يعطى على الفوطة، وقد اغتسلت فيه ولم أستطع المكوث فيه كثيراً لحرارة الماء."
    ومنها مر الرحالة على "سيدي الغازي" وهي مؤسسة على ربوة من الأرض أسفلها نهر عذب وعليه كان نزولنا، وهي شديدة البرد كالبلاد التي مررنا عليها من قبل، وبعد عدة قرى في الطريق مررنا على "بياض كوي" فوجدناها خالية من أهلها، لأن أهلها يرحلون في طلب الكلأ لماشيتهم، لأن بلادهم باردة، وربيعهم متأخر.
    وبعد قرى بلودم، تاي ـ سقلي، "سافرنا في بلاد منفسحة وفجاج ومياه وطيور وأزهار على أنواع متعددة، ما رأيت مثل هذه الأرض مياهاً عذبة، حتى وصلنا "أق شهر" ويقول أهل البلد إنها مدينة "جحا" صاحب الحكايات المعروفة، وأرونا قبره، ومررنا على "اللاذق شمال قونية" وأهلها يصنعون الزرابي الكثيرة، وجاء أهلها إلينا يعرضون بيعها، ومنها إلى "قنية" الشهيرة بين عمورية وأنطاكية، وقبل وصولنا إليها مررنا بفجاج وصحارى كثيرة الغبار والعجاج قليلة النبات، وقُنية هي بداية المرحلة الثانية من مراحل قافلة الحج العثمانية إلى الشام، وأقمــنا فيــها يومين للراحة، وفيـها شــــيخ من عــــادة العثــمانيين أن يذهب للســلطان الجديد ليبايعه ويأخذ عليه العهد في أن يسير بالمسلمين بالعدل، ويقلــــده الســــيف علامة على تمام البيعة والانقياد لحكمه وأمره ونهـيه، وبعده يبايع السلطان الجديد الأعيان والناس."
    ومر الرحالة في المرحلة الثالثة من مراحل الطريق بقرى منها "قربنار" "لم يستقر لنا فيها مقــام ولا اســــــتراحة ولا منام، لرياحها الشديدة وعجاجها، وتصنع في هذه القرية الجوارب التي تجعل في الأرجل من الصوف ومنها تصدر للبلاد."
    ووصـــلنا لقرية "كُجُك شام" وهي ذات بســـاتين وأزهار وجداول وأنهار وأغصان وأطيار، والجداول تتلوى في القــــرية كالثعبان، ومعنى اسمها بالتركية "الشــــام الصغير" لكثرة مياهها وأنهارها.
    "ووصلنا إلى قرية "ألن قشلة" وبها خان "فندق" عظيم ومسجد شيد بقصد نزول الحجاج إذا صادفوا فصل الشتاء لشدة البرد، وكان بردها شديداً عندما مررنا بها في شهر مايو، ومنها إلى "الصندقلي" وفيها نزلنا من المحامل وركبنا الخيل لصعوبة أرضها، وكان بردها شديداً وبها رعود، ونزلت صاعقة قتلت واحداً من مرافقينا، فدفناه في مكانه، ولم يصب بجرح ولا كسر وإنما مات من قوة الصيحة."
    وسار موكب الحجاج في طريق صعبة وخطرة "فمررنا بطريق محفور في حاشية الجبل، والوادي أسفله، مع توالي صب البرد والأمطار حتى وصلنا إلى "أوابل" وفي هذا الطريق عدد من الفــــنادق يأوي إليها الحجاج والمسافرون إذا أعاقهم المطر والثلج، حتى وصــلنا إلى أدنة، وهي بداية المرحلة الرابعة من المراحل الخمس إلى الشام، بحيث يستريح فيها المسافرون ودوابهم، ويشترون ما يحتاجون للمرحلة التالية."
    "وأدنة" هذه فيها ما يدل على أنها كانت من أعظم المدن، ومن بديع ما رأيت بها القنطرة المقامة على نهرها، تتكون من 16 قوساً في غاية الكبر، بين كل قوسين منفذ للماء، ومن غريب ما رأيت بالوادي: بيوت كبار كلها من الخشب على متن الوادي مربوطة بسلاسل في القنطرة، وفي داخلها مطاحن للقمح تدور بدواليب مربوطة فيها يديرها الماء، فإذا كثر الماء في موسم الأمطار وخشي عليها ترخى السلاسل ويؤتى بها إلى شاطئ الوادي، ومنها توجه موكب الحجاج إلى "المصيصة" قرب أنطاكية، "وهي كثيرة القطن ولأهلها اعتناء به فنزلنا بأرض يقال لها "قرطقراط" تلقّانا عند قنطرتها رجل ثائر في شرذمة من خيله، له شيء معين يأخذه من الركب كل سنة، ويمر مع الركب حتى يخرجه من بلاده في مسيرة يومين، وأكرمه كبير الركب وخلعوا عليه، وأخذ من الركب ما شاء من الخيام وما أشبه ذلك مقابل الخفارة في أرضه، وسار أمام القافلة حتى بلغ بها قلعته "بيّاس" وهي كثيرة البساتين إلا أنها مهدمة خربة، وبعدما خرجنا من أرضه مررنا بجماعات من أصحابه متفرقين يهنئون الركب بالسلامة ويقولون لهم: هاتوا حق السلامة، فيعطونهم."
    في الشام
    ومرّ موكب الحجاج بقرية الإسكندرونة، ويقال لها "مرسى حلب"، "وأهل الجبال التي مررنا بها لم تنلهم الأحكام، فقد تعرضوا للركب يأخذون منه لا على وجه الطلب، ولكن بالقوة، وربما يمدون يدهم إلى بعض البهائم الحاملة حتى يستنقذها أصحابها بما يطلبونه منهم، وإسكندرونة بنيت بين جبال وعرة ذات أنهار وعيون ثرة، طرقاتها في غاية الصعوبة، مررنا بها ليلاً بالمشاعل على خطر، وربما سقط بعض الإبل من بعض جرفاتها فما أمكن استنقاذها< ومر الركب بأنطاكية المشهورة "وهي مدينة كبيرة وأرضها أرض حراثة وفلاحة، على وادي العاصي، وقد جرى على لسان العامة خرافة أنه من النيل، ولا أصل لذلك، وهي اليوم ليست بالحال الذي يناسب شهرتها، فقد غيرها توالي القحط والوباء، وقد وجدنا بقيته، وصلناها في الصيف والزرع في سنبله لم يحصد لقلة الناس، فقد أبادهم الوباء، ودخلت حماماً بها فأخبرني واحد من عماله أنهم كانوا قبل ذلك 60 شخصاً، وهم اليوم اثنان فقط، وزاد من سوء حالها ظلم حكامها، الذين يأكلون اللحم ويمتشون العظم، جبر الله حال المسلمين."
    ويقال إن بها قبر الرجل الصالح "حبيب النجار" الذي وردت قصته في القرآن الكريم في سورة يس، وهي من وقفات الراحة في مراحل الطريق الخمس إلى الشام.
    ومع انطلاق الركب في المرحلة الأخيرة قبل الوصول إلى الشام، "مر ركب الحجاج بأرض الزنبق على وادي العاصي، ومنها إلى جسر الشغر، وبها بساتين كثيرة وزيتون، ومنها إلى قلعة المضيق وهي أقرب إلى أغادير بالمغرب قائمة على جبيل تحتها فندق كبير لنزول الحجاج، ومنها توجه الركب إلى "حماة" وهي مدينة كبيرة مؤسسة على نهر العاصي يشقها، وعليه دواليب كثيرة لاستخراج الماء في غاية الكبر، ويزرع بها القطن، وينسج على ألوان وأشكال، ولما حططنا الرحال بظاهرها، خرج أهل البلد بجميع الأشياء للبيع، والفواكه الموجودة في الوقت لاسيما المشمش الحموي فهو في غاية الحلاوة، وكذا الأردية والأُزر التي يحرم بها الحجاج فهي تشترى من هذه المدينة، فاشترينا منها كما فعل الناس<. ومنها توجه الركب إلى "حمص" وكانت فيما تقدم من الزمان "محفوفة بالمياه الجارية في السواقي، والغدران، فكأنها جزيرة في بحر، أو قلادة في نحر، فوجدنا فيها قبور المشاهير: سيف الله خالد بن الوليد، عبد الله بن عمر بن الخطاب - على حسب ما يزعم أهل حمص-، والصحيح أنه رضي الله عنه توفي ودفن بمكة، وكعب الأحبار من التابعين، وجعفر الطيار أخي الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وعكاشة بن محصن، والصحيح أنه استشهد في حروب الردة في اليمامة، وعمرو بن أمية الضمري، والصحيح أنه دفن بالمدينة، وسعد بن أبي وقاص، والصحيح أنه دفن بالبقيع بالمدينة، وأبو موسي الأشعري ويقال إنه دفن بالكوفة، ودحية الكلبي والراجح أنه مدفون في دمشق بقرية المزة، وعبد الله بن مسعود والصحيح أنه دفن بالمدينة، وغيرهم من الصحابة ممن يقال إنهم دفنوا في حمص."
    ويصـــف المكناسي مدينة حمص فيقول: لها سور من أعظم الأسوار، وأزقتها وأســــواقها مرصوفة بالحجــــارة من عمل الروم، ولها القلعة الحصينة، ويقال إن بها المصحف العثماني يخـــرجونه للناس يوم الجمعة، ولم نصـــادف بها جمـــعة حتي نراه.
    ومن حمص توجه الركب إلى دمشق "فنزل الركب خارجها، ثم تقدم إلى البلدة فوجدنا أهلها جميعاً خرجوا لملاقاة ركب الحجاج بالفرح والإجلال، والطبول والمزامير، والخيول في مهرجان عظيم، فأنزلونا داراً فيها مياه كثيرة في عدة مواضع، لكون أرض الشام من أكثر البلاد مياهاً، إذ يشقها سبعة أنهر، وأجروا علينا من المؤن والعلوفات ما هو فوق الكفاية في إكرام عظيم، ووجدنا فيها قبوراً للمشاهير مثل قبر نبي اللّه يحيى بن زكرياء، وتبركنا بمصحف الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، فقد أخرجه لنا القيّم من خزانته."، وبها قبر بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد بن عقيل بن أبي طالب، أسماء بنت أبي بكر الصديق، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، أبو الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي وزوجته أم الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، وأويس بن أويس الثقفي، محمد بن مالك الجياني النحوي صاحب الألفية، وغيرهم كثير.
    وينهي المكناسي رحلة ركب الحج من العاصمة العثمانية إلى الشام بوصف مقتضب لدمشق: هي مدينة عظيمة بما أضيف إليها، فعدد حماماتها نحو 60 ، ومناسج الحرير تزيد على 15000، عامرة الأسواق، قريبة من جبل قاسيون، كثيرة المياه والبساتين، وكلها على السقي.
    ----------------------------------
    * كاتب سعودي
    المرجع:
    1- رحلة المكناسي ـ إحراز المعلي والرقيب في حج بيت الله الحرام، حققها وقدم لها: محمد بوكبوط ـ الناشر: دار السويدي للنشر والتوزيع ـ أبو ظبي ـ الإمارات العربية المتحدة ـ والمؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت لبنان ـ ط أولى عام 3002 م.
    2- الأعلام ـ خير الدين الزركلي.



    د. أبو شامة المغربي


    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    رحلة سلام الترجمان
    بحثا عن سد ذي القرنين
    أحمـــد محـمّد محمود*
    قال تعالى:{ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً. إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً} "الكهف: 83-98".
    اختلف المؤرخون والرواة والمفسرون في شأن ذي القرنين على أقوال عديدة يصعب الجمع بينها، كما يصعب القطع بصحتها كلها لتباعد تفسيراتها وتعليلاتها، ونقل ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) بعضاً من هذه الأقوال عن ذي القرنين: "قيل ملكاً من الملوك العادلين، وقيل نبياً وقيل رسولاً، وقيل إنه ملك فارس والروم، وقيل الإسكندر المقدوني، وقيل إنه كان من حمير وأمهرومية"، وقد خرج بعض المفسرين بمحاولة للجمع بين الروايات فقالوا "ملك صالح، نصح اللّه فأيده".
    نقل القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) عن ابن إسحاق "أنه أوتي ما لم يؤت غيره، فمدت له الأسباب حتى انتهى إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضاً إلا سُلط على أهلها، قال بعض العلماء: ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مشرقاً ومغرباً حتى وصل إلى جرمها فمسه لأنها تدور مع السماء حول الأرض، ولكن المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهتي المشرق والمغرب".
    آراء متباينة
    ونقل ابن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان): "أن الجبلين اللذين بنى عليهما السد هما: أرمينية وأذربيجان، وفيما ذو القرنين يسير إذ وجد أمة صالحة يهدون بالحــق وبه يعدلون، يقسمون بالسوية ويحكمون بالعدل، ويتأسون ويتراحمون، حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم متشابهة، قلوبهم متآلفة، ســيرتهم حســـنة، قبـــورهم على أبــــوابهـــم، وليس لبيــــوتهم أبواب، وليــــس عليهم أمراء وليـــــس بينـهم قضــــاة، وليـــــس بينــهم أغنــياء، ولا مــلوك ولا أشــراف، لا يتفـاوتـــون ولا يتفاضلون، ولا يختلفون ولا يتنازعون، ولا يستبون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولا يحردون ولا تصيبهم الآفات، وهم أطول الناس أعماراً، ليس فيهم مسكين ولا فقير ولا فظ ولا غليظ، وجدوا آباءهم يواسون فقراءهم ويرحمونهم.. إلخ".
    ونقل الفخر الرازي في تفسيره الكبير عن أبي الريحان الهروي: أن الســـد في ناحية الشمال، لا بين الصين ولا أذربيجان، ويـــــرى الحافظ ابن كثير في تاريخه: أن ذا القرنين بنى السد من الحديد والنحـــاس، وسـاوى بين الجبال الصــم الشــامخات الطوال، فلا يعرف بناء على وجه الأرض أجل منه، ولا أنفــع للخلق في دنياهم.
    ويرى الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) أن اليهود الذين كانوا منفردين بمعرفة أخبار أهل الكهف وذي القرنين والروح: أرادوا اختبار نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، فجعلوا مشركي قريش يسألونه صلى اللّه عليه وسلم عنها، فأذن اللّه لنبيه بأن يبين منها ما هو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل، وفي عجيب صنع اللّه تعالى في اختلاف أحوال الخلق، ولم يتجاوز القرآن ذكر ذي القرنين بغير ما اشتهر به إلى تعيين اسمه وبلاده وقومه، لأن ذلك من شـــؤون أهل القصص والتاريخ وليس من أغراض القرآن.
    وعرض المفسر الجليل الاختلاف بين المفسرين في تعيين من هو ذو القرنين :"اختلافاً تفرقت بهم فيه أخبار قصصية وتاريخية واسترواح من الاشتقاقات اللغوية، وهو اختلاف يتصل باختلاف القصاص الذين عنوا بأخبار الفاتحين عناية تخليط لا عناية تحقيق".
    ويستبعد ابن عاشور أن يكون هو الإســكندر المقـدوني، لأنه لم يكن ملكاً صالحاً، ويستبعد أن يكون الملك الفارسي أفريدون "والذي يظــهر لي أن ذا القرنين ملك من ملوك الصين هو تســـــين شـــي هـــوانق تي، لأسباب، منها أن أعظم الســدود موجود في الصين اليوم يفصــل بينها وبـــين المغول، وبـلاد الصـــين في عهد هذا الملك كانت تدين بالكونفوشـيسية فلا جــــرم أن كــان أهلـــها قـــومــاً صالحين".
    واقعة تاريخية
    نعود الآن إلى "سلام الترجمان" الذي اشتهرت رحلته إلى الأصقاع الشمالية من قارة آسيا بحثاً عن سد ذي القرنين، فقد اعتبر المستشرق "دي خويه"رحلته واقعة تاريخية لاشك فيها وأنها جديرة بالاهتمام، وأيده في هذا الرأي خبير ثقة في الجغرافيا التاريخية هو "توماشك"، وفي الآونة الأخيرة يرى عالم البيزنطيات "فاسيلييف "أن سلاماً نقل ما شاهده في رحلته للخليفة العباسي الذي أوفده لهذه المهمة، وبعد أن نقل المستشرق الروسي "كراتشكوفسكي" هذه الآراء مع آراء المشككين في الرحـــلة، قــال: ويـــــلوح لي أن رأي - فاسـيلييف - هذا لا يخلو من وجاهة رغماً من أن وصف الرحــــلة لا يمكن اعتباره رسالة جغرافية، بل مصنف أدبي يحفل بعناصر نقلية من جهة وانطباعات شخصية صيغت في قالب أدبي من جهة أخرى.


    وبدأت قصة الرحلة عندما رأى الخليفة العباسي الواثق باللّه (232- 722م) في المنام حلماً تراءى له فيه أن السد الذي بناه الإســـكندر ذو القـــرنين ليحــول دون تســــرب يأجـــوج ومأجوج، قــد انفتـــح، فـــــأفـــــزعه ذلك، فكلف ســلام التــرجمان بالقيام برحـــلة ليسـتكشف له مــكان سد ذي القرنين.
    ويروي لنا المسعودي في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وابن خرداذيه في كتابه (المسالك والممالك) قصة هـــذه الرحلة على النحو التالي:
    "إن الواثق باللّه لما رأى في المنام أن السد الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين يأجوج ومأجوج مفتوحاً، أحضر سلاماً الترجمان الذي كان يتكلم ثلاثــــين لســــاناً، وقال له: إذهب وانظر إلى هذا الســــد وجئني بخبره وحاله، وما هو عليه، ثم أمر له بأصحاب يســيرون معـــه وعــــددهم 60 رجلاً ووصله بخمسة آلاف دينار وأعطاه ديتـــه عشرة آلاف درهم، وأمر لكل واحد من أصحابه بخمسين ألف درهـــم ومؤونة ســــنة ومئة بغـــل تحمل الماء والــــزاد، وأمر للرجال باللبـــابيــد وهي أكســـية من صـــــوف وشعر.
    وحمل سلام رسالة من الخليفة إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية بتفليس، وكتب صاحب أرمينية توصية لهم إلى صاحب السرير، وذلك كتب لهم إلى صـاحب اللان، وهكذا إلى فيلا شاه وطرخان ملك الخزر، الذي وجه معهم خمسة أدلاء ساروا معهم 25 يوماً حتى انتهوا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة، "فسرنا فيها عشرة أيام، ثم وصلنا إلى مدن خراب فسرنا فيها عشرين يوماً وسألنا عن خبرها فقيل لنا هي المدن التي خربها يأجوج ومأجوج، ثم صرنا إلى حصون بالقرب من الجبل الذي في شعبة منه السد، وفي تلك الحصون قوم يتكلمون العربية والفارسية، مسلمون يقرؤون القرآن ولهم كتاتيب ومساجد، وبين كل حصن وآخر فرسخان، ثم صرنا إلى مدينة يقال لها (إيكة) لهـا أبواب من حديد وفيها مزارع وهي التي كان ينزلها ذو القرنين بعسكره، بينـها وبين الســـد مســـيرة ثلاثة أيام، ثم صرنا إلى جبل عال، عليه حصن، والسد الذي بناه ذو القرنين هو فج بين جبلين عرضه 200 ذراع، وهو الطريق الذي يخرجون منه، فيتفرقون في الأرض، فحفر أساسه 30 ذراعاً وبناه بالحديد والنحاس، ثم رفع عضادتين مما يلي الجبل من جنبتي الفج عرض كل منهما 25 ذراعاً في ســمك 50 ذراعاً، وكله بناء بلبن مغيّب في نحاس، وعلى العضادتين عتبة عليا من حديد طولها 120 ذراعاً، وفوقـــها بناء بذلك اللبن الحــــديد إلى رأس الجبل وارتفاعه مد البصر".
    "فيكون البناء فوق العتبة 60 ذراعاً وفوق ذلك شرف من حديد، في كل شرفة قرنتان تنثني كل واحدة على الأخرى، طول كل شرفة خمسة أذرع في أربعة، وعليه سبع وثلاثون شرفة، وباب من حديد بمصراعين معلقين عرض كل مصراع 50 ذراعاً في 75 ذراعاً في ثخن خمسة أذرع، وقائمتان في دوارة على قدر العتبة، لا يدخل من الباب ولا الجبل ريح، وعلى الباب قفــل طوله سبعة أذرع في غلظ باع في الاسـتدارة، والقفل لا يحتضنه رجلان وارتفاع القفل من الأرض 25 ذراعاً، وفوق القفل بخمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفــل، وقفــيزاه كل واحد ذراعان وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف، وله 21 سناً من الأســـنان واستدارة المفتاح 4 أشبار معلق في سلسلة ملحومة بالبـــاب طولها 8 أذرع في 4 أشـــبار، والحلقة التي فيــها الســلسلة مثــل المنجنيـق، وعتبة البـــاب عرضها 10 أذرع في بســـط مائة ذراع، ومـــع الباب حصـــنان يُكوِّن كل منهــما 200 ذراع.
    "وفي أحد الحصنين آلة البناء التي بني بها السد، من قدور الحديد ومغارف حديد، وهناك بقية من اللبن الذي التصق ببعضه بسبب الصدأ، ورئيس تلك الحصون يركب في كل يومي إثنين وخميس، وهم يتوارثون ذلك الباب كما يتوارث الخلفاء الخلافة، يقرع الباب قرعاً له دوي، والهدف منه أن يسمعه مَن وراء الباب فيعلموا أن هناك حفظة وأن الباب مازال سليماً، وعلى مصراع الباب الأيمن مكتوب {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً}، والجبل من الخارج ليــــس له مـــتن ولا ســـفح، ولا عليه نبات ولا حشيش ولا غير ذلك، وهــو جبل مســطح، متســع، قـائم أملس أبيض".
    وبعد تفقد سلام الترجمان للسد انصرف نحو خراسان ومنها إلى طبانوين، ومنها إلى سمرقند في ثمــــانية أشهر، ومنهــا إلى أســــبيشاب، وعبر نهر بلخ ثم صار إلى شروسنة فبخــــارى وترمذ ثـم إلى نيسابور، ومات من الرجال في الــــذهاب 22 رجـــلاً وفي العــودة 24 رجلاً.
    وورد نيسابور وبقي معه من الرجـــــال 14 ومن البــــغال 23 بغلاً، وعاد إلى (سر من رأى) فأخبر الخليفة بما شاهده، بعد رحـــلة استمرت 16 شهراً ذهاباً و12 شهراً في الإياب".
    ----------------------
    * كاتب سعودي
    المراجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــع:
    1-البداية والنهاية للحافظ ابن كثير، النــــاشر: مكتبة المعـــــارف بيـــروت ط2 عام 1977م.
    2- تاريخ الأدب الجغرافي العربي كراتشكوفسكي، الناشر: جامعة الدول العربية القاهرة.
    3-المسالك والممالك لابن خردا ذبه، الناشر: وزارة الثقافة السورية عام 1999م.
    4-الشريف الإدريسي ودور رحلته وجغرافيته للدكتور محمد مرسي الحريري، الناشر: دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1965م.

    د. أبو شامة المغربي

    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    شاعر سوري كبير ورحالة شهير يزور لبنان
    (التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية)

    تأليف: عبد الغنى بن اسماعيل النابلسي

    تحقيق: هريبرت بوسه

    تقديم: ابن الريف

    هذه الرحلة كنت قدمتها ضمن كتب الرحلات المعروضة من طرفي على هامش الندوة الدولية لابن بطوطة، التى نظمتها مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة أيام 27 ـ28 ـ29 ـ1993...
    (هذه رحلة لطيفة للشيخ الصوفي الأديب الشاعر المبدع عبد الغني إسماعيل النابلسي إلى مدن لبنان: صيدا، وبيروت، وطرابلس، وبعلبك انطلاقا من مدينة دمشق الفيحاء السورية مسقط رأسه وهي في 134 صفحة من تحقيق المستشرق هريبرت بوسه، وتقديم السيد يوسف مقداد مدرس اللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية بها سبورغ، عرف فيه بنسب المؤلف وعائلته ومؤلفاته الخاصة بالرحلات، ووصف المخطوطة وطريق التحقيق وطا بع الكتا ب العام، وكذا طريق الرحلة مع ملحق في آخر الكتاب يحتوي على فهرسة أسماء الاشخاص، والأما كن، والبلدان، والاشعار، والكتب، ومصا در التصدير والتحقيق.
    مؤلف الرحلـــــــــة
    هو عبد الغني بن إسماعيل النابلسي العالم الصوفي الشاعر الرحالة المشهور المزداد بدمشق بسوريا عام 1050هـ، الموافق 1641م، كان من أبرز رجال التصوف والرحلات في عصره، كثير التجوال والترحال في البلدان بحثا عن العلماء، والأولياء، والمآثرالتاريخية والمقدسا ت الاسلامية، توفي رحمه الله فى شعبان 1143 ـ مارس 1731م في دمشق، ودفن في الصالحية بجانب ضريح الفيلسوف الشهير ابن عربي، صا حب الفتوحا ت المكية، وبسبب شعبيته الواسعة ففد قيل: إن المدينة اهتزت لموته إلى درجة أن أبوابها أغلقت حزنا على وفاته.
    رحـــلاتـــــــــــه:
    قام بعدة رحلات هامة نذكر منها:
    1 ـ (حلة الذهب الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز): وهي رحلة دامت اسبوعين إلى بعلبك في شهر شتنبر
    2 ـ (الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية): وهي رحلة دامت مدة شهر ونصف، ابتداء من مارس/ أبريل 1690 إلى أن أتمها في 9 ذي الحجة 1101 ـ13 شتنبر 1690، وقد تحدث عنها المؤرخ المصري الجبرتي في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) في الجزء 1 الصفحة 154 طبعة القاهرة، سنة 1320 ـ1902م
    3 ـ (الحقائق والمجاز في رحلة بلاد مصر والحجاز): وهي رحلته الكبرى التي قام بها في المحرم 1105 ـ شتنبر 1694م إلى سوريا، ولبنا ن، ومصر، والمدن المقـدسة بالحجاز، استمرت 388 يوما، طبعت في مصر سنة1299 ـ1881م، وفي دمشق عام 1324هـ، وفي القاهرة مرة أخرى سنة1906م
    4 ـ (المنازل الطرابلسية) ـ وهي الرحلة المقدمة، التي بدأها يوم 6 شتنبر 1700، وهناك رحلتان سابقتان مشابهتان لهذه الرحلة هما (المنازل الأنسية في الرحلة الطرابلسية) للحسن البوريني الدمشقي المتوفى سنة 1022 ـ1615 والرحلة إلى طرابلس الشام ـ لرمضان بن موسى العظيمي المتوفى سنة 1090.
    د. أبو شامة المغربي


    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    رحلة فيلبي إلى أرض مدين
    مكتبة العبيكان تطبع الإصدار الإثني عشر من سلسلة كتب
    عبد الله فيلبي
    د. إبراهيم بن عبد الله السماري*

    شهدت الحضارة الإنسانية تطورات تاريخية بحسب الحقب الزمنية المختلفة التي شهدت مولد كل عصر حضاري، كما أن كثيراً من الحضارات ارتبطت بالأرض التي شهدت ازدهارها وعلو شأنها حتى عرفت بها مما جعل المتأخرين يجدّون للبحث في هذه الأرض بقصد التعرف على تلك الحضارة التي سادت ثم بادت، بل إن بعض المناطق شهدت مولد عدد من الحضارات مما جعلها أكثر استهدافاً بالبحث والتحري ومن ذلك أرض مدين التي يرجع أوج مجدها إلى عهود إبراهيم وموسى وسليمان، بالإضافة إلى نبوخذنصر البابلي الذي كانت تيماء عاصمته الصيفية وملوك اللحيانيين والمعينيين والأنباط الذين حكموا عرب عاد وثمود وسيطروا على طريق التجارة الذي سارت في دروبه التوابل والعطور من اليمن السعيد إلى مراكز الحضارة العظمى في الأيام الخوالي.
    وقد اشتهر باحثون ورحالة بحب المغامرة لاستكشاف الحضارات السابقة وأرض مدين بالذات ومن أهم هؤلاء ممن قدموا معلومات جغرافية متقدمة عن تلك الأرض مثل تشارلز داوتي وغوارماني وأوغسطس فالن وألويس موسل وتشارلز هوبر وهاري سانت فيلبي (عبد الله فيلبي) في كتابه (أرض مدين).
    وقد قامت مكتبة العبيكان بطباعته ضمن اثني عشر إصداراً من سلسلة كتب فيلبي ونشرته هذا العام بتعريب الدكتور يوسف مختار الأمين وبمراجعة وتدقيق عبد الله بن محمد المنيف .
    يمكن وصف منهج فيلبي في كتابه بأنه يرتكز على أسلوب السهل الممتنع في وصف أحداث رحلته إلى أرض مدين ـ التي تمت بين نوفمبر 1950 ومارس 1953 ـ مع صَبْغِهِ بصبغة قصصية سلسة تطرد السأم عن القارئ ولاسيما عند تطرقه للتفصيلات الدقيقة والمواقف الطريفة التي حصلت له أو لمرافقيه كما يسهل أن يلحظ القاري اجتهاد فيلبي في التعليل والتحليل لمايمر به من أسماء وحوادث ومن ذلك ماذكره عن تسمية الجبل الأبيض وقبر الشيخ كما ظهرت الخلفية التاريخية للمؤلف ولاسيما عند حديثه عن التاريخ القديم لتيماء وتبوك وقلعة الحاج وغير ذلك، وحرصه على الوصف الدقيق للشواهد الأثرية والمعالم من أودية وجبال وسهول وعيون وفوهات بركانية وأخاديد ونباتات وطيور وقصور وطرق وغيرها والتحدث بإسهاب عن إحداثياتها الجغرافية، بل إنه تعدى ذلك إلى وصف الواقع الاجتماعي والحضاري للمناطق التي زارها بدقة متناهية مع التصريح بما يراه من تصورات لتطويرها كما استعان في كتابه بعدد من الصور التي التقطها بعدسته الفوتغرافية لكثير من المواقع والآثار التي اطلع عليها مع خريطة جغرافية لطريق الرحلة ومعالمه الهامة مما جعل المعلومات التي قدمها فيلبي في كتابه (أرض مدين) أدق وأشمل من كتابات الرحالة الآخرين ولاسيما تحريه الدقة في وصف النقوش القديمة والنصوص الثمودية والنبطية والمعينية وحرصه على الوقوف عليها بنفسه.
    ومما زاد أهمية وصف فيلبي لهذه النقوش والنصوص لجوؤه إلى المقارنة الدقيقة بين ما رآه بنفسه في رحلته وبين وصف من سبقه من الرحالة في كتبهم لما رآه مع الإشارة إلى ما طرأ عليها من تغيرات بسبب العوامل الجغرافية أو نتيجة الاعتداءات البشرية نتيجة للطمع المادي مما جعل وصفه لهذه النقوش والنصوص مصدر ثراء حقيقي للبحوث والدراسات العلمية المخصصة لهذه المنطقة.
    وملحوظة أخرى تسجل لفيلبي في كتابه (أرض مدين) أنه برغم إتمامه رحلته بدعم من الملك عبد العزيز وبتسهيل من المسؤولين في المناطق والبلدان التي مرّ بها بناء على ذلك الدعم، فإنه لم يجامل في تقاريره التي ضمنها كتابه الحكومة المركزية فقد انتقدها لتأخرها في تطوير وتحديث بعض المناطق والطرق التي زارها وإن أرجع ذلك أحياناً كثيرة إلى سلبية بعض المسؤولين تجاه عرض احتياجات بلدانهم والمطالبة بتطويرها، ولذا حظي منه عبد الله الشنيفي أمير تيماء بالثناء لجهوده في تحديث بلده ووصفه بأنه من الأفراد الساعين للتطور.
    كما لم ينسَ فيلبي أملاً كرره في أكثر من كتاب ـ ومنها كتابه هذا ـ وهو المطالبة بإحياء سكة حديد الحجاز إلى الشام لمايراه فيها من إنعاش لاقتصاديات البلدان التي تمر بها ولما ستوفره من تسهيل للوصول إلى التراث الحضاري الذي حرم من مشاهدته كثير من الناس وبعضهم من المختصين لصعوبة الوصول إليه بسبب الطبيعة الجغرافية والظروف الاجتماعية.
    عند تصفح كتاب (أرض مدين) سنجد أنه قسم المؤلف كتابه بعد المقدمة إلى أحد عشر فصلاً كان الفصل الأول منها عن رحلته من المدينة إلى خيبر وخصص الثاني لخيبر ومحيطها والثالث لطريقه من خيبر إلى تيماء والرابع لتيماء وماجاورها والخامس من تيماء إلى تبوك والسادس عن واحة تبوك والسابع عن روافة والحرّة والثامن عن شَرَوْرَى وقريّة والتاسع عن هضبة حسمى والعاشر عن وادي مدين والحادي عشر عن ساحل مدين.
    ثم خصص ملحقاً عن قبور الأنباط في مغاير شعيب مدين وقارن مجموعاته بالمجموعات التي ذكرها موسل مركزاً على حالتها الراهنة عند زيارته وفي هذا الملحق نبه فيلبي إلى ما انفرد به عن موسل وفي نهاية الكتاب كشاف ثري بالأعلام والأسماء والقبائل والأماكن والمواضع والبلدان والجبال ونحوها أثرى مادة الكتاب وسهّل للباحث والقارئ الاستفادة من المعلومات الغنية التي تضمنها.
    ومن الجدير بالتنويه إليه استدراك مراجع الكتاب عبد الله المنيف على فيلبي بعض العبارات التي لا يصح إيرادها مثل تشكيك فيلبي في صعود موسى جبل حُراب، وتصحيح بعض المعلومات التاريخية كنسبة فيلبي قلعة الأزلم إلى السلطان سليم وتصحيح المراجع لهذه المعلومة بنسبتها إلى السلطان محمد بن قلاوون وتسجيل القراءة الصحيحة للنص المنقوش على القلعة الذي يثبت صحة هذه النسبة من واقع المصادر الموثوقة التي نشرته.
    وفي الجملة يظل كتاب فيلبي من أكثر المصادر المكتوبة عن شمال المملكة العربية السعودية شمولاً ودقة نظراً لإقامة المؤلف الطويلة في المملكة وقربه المستمر من الملك عبد العزيز مما أتاح له فرصاً ووقتاً أفضل من غيره للبحث والاطلاع وتسجيل نتيجة ذلك كله في كتبه الكثيرة يضاف إلى ذلك مايملكه فيلبي نفسه من خلفية جغرافية كبيرة عن القياسات وخلفية علمية عن كيفية وصف وقراءة ونقل النقوش والنصوص الأثرية.
    *كاتب سعودي

    د. أبو شامة المغربي

    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    الذهب والعاصفة
    رحلة إلياس الموصلي إلى أميركا
    قراءة ونقد الدكتور
    سعدي المالح

    بداية لا بد من الإشادة بهذه السلسلة من كتب الرحلات العربية إلى العالم التي بدأت دار السويدي للنشر والتوزيع في أبوظبي بالإشتراك مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بإصدارها مؤخرا تحت عنوان "ارتياد الآفاق"، والتي "من شأنها أن تؤسس، وللمرة الأولى، لمكتبة عربية مستقلة مؤلفة من نصوص ثرية تكشف عن همّة العربي في ارتياد الآفاق " و في الوقت نفسه " بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا العربية من خلال تقديم كلاسيكيات أدب الرحلة، إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحالة عرب ومسلمين" كما جاء في كلمة الأستاذ محمد أحمد خليفة السويدي الاستهلالية التي تتصدر كل كتاب من هذه السلسلة الهامة بالفعل.
    على أن الاختيار الموفق لـ "رحلة الياس الموصلي إلى أميركا" في النصف الثاني من القرن السابع عشر(1668-1683م)، والتي تعتبر أول رحلة شرقية قام بها كلداني/ آشوري عراقي إلى العالم الجديد، كفاتحة لهذه السلسلة، جاء ليعيد الاعتبار لكاتبها على رغم ركاكة أسلوبه وضعف ملكته الفنية، ويبعث الحياة لجهده المتميز بطرافته وقيمته الجغرافية والتاريخية والدينية باعتباره وثيقة فريدة من نوعها.
    حرر الكتاب وقدم له الأستاذ نوري الجراح، فقسمه إلى أربعة أقسام: الرحلة الأوربية، والرحلة الأمريكية، والرحلة المكسيكية، والعودة إلى أوروبا.
    وأضاف اليه ملحقين الأول نص لأغناطيوس كراتشكوفسكي عن الموصلي من كتابه "تاريخ الأدب الجغرافي العربي". والثاني مقدمة الأب أنطون رباط اليسوعي للرحلة عند نشرها للمرة الأولى في مجلة المشرق عام 1905م.
    سبع سنوات في أوروبا
    تبدأ رحلته في ربيع عام 1668م من بغداد باتجاه الشام، ليواجه مع رفاقه اللصوص في منتصف الطريق وينجو منهم ويصل دمشق، ومن هناك قصد الموصلي القدس وحج إلى الأماكن المقدسة .

    في طريق عودته من الأراضي المقدسة زار مدينة حلب، وبعد أيام انحدر إلى ميناء اسكندرونة، ومن ثم استقل مركبا انجليزيا قاصدا أوروبا. في الطريق إلى البندقية الذي استمر سبعين يوما من الابحار مر بقبرص وكريت.
    وفي البندقية، بعد الحجر الصحي أربعين يوما، تمتع بعشرين يوما من التنزه وزيارة الكنائس، ثم غادر إلى روما وسكنها ستة أشهر قابل فيها البابا وزار الأماكن المسيحية المقدسة، ثم غادرها عبر فلورنسا وليغورنا وجنوا إلى فرنسا.
    ويبدأ رحلته الفرنسية من مرسيليا إلى أوينيون فليون التي التقى فيها القنصل الفرنسي السابق في حلب وبغداد، بعد أيام دخل باريس وزار فيها الملك لويس وأخاه أمير أوليانس وأميرا آخر "سانت إينيان" وحظي منهم بالعز والإكرام كما يقول. وبطلب من السفير العثماني يبقى في باريس ثمانية أشهر.
    بعد ذلك قصد اسبانيا مارا بمدن وقرى لا تحصى على حد قوله، إلى أن وصل مدريد وقدم رسائل من البابا اكليمندوس التاسع إلى ملكة اسبانيا فيليبه الرابع، ثم زار أخ الملك المتوفي، وساح في مدن سيراكوزا وبرشلونة وميناء كاتاكيس وسيسيليا وباليرمو (من حيث أرسل ابن اخيه يونان الذي أنهى دراسته في ايطاليا إلى حلب).

    وبعد أن أخفق في الحصول على أموال من بعض هذه المدن عاد إلى مدريد ومنها توجه إلى البرتغال وزار في لشبونة الأمير حاكم البلاد.
    عاد مرة أخرى إلى أسبانيا، وهناك حدث أن توفرت أمامه فرصة أن يطلب شيئا تهبه له ملكة أسبانيا بعد أن قدس لها قداسه السرياني الشرقي. استشار رسول البابا في مدريد الكاردينال ماريكوتي فنصحه بطلب رخصة تخوله الذهاب إلى "بلاد هند الغرب" كما كانت تسمى القارة الأميريكية في ذلك الوقت. فحصل على تلك الرخصة التي كانت مقتصرة على الأسبان من الإداريين والمبشرين الكاثوليك.
    وثماني سنوات في العالم الجديد
    من هنا تبدأ الرحلة إلى أمريكا الجنوبية والوسطى. في عام 1675م غادر قادش "رفقة مراكب تسافر كل ثلاث سنوات مرة واحدة إلى بلاد الهند الغربية( أميركا الجنوبية) التي تسمى البيروه والتي تبعد إلف وخمسمائة فرسخ داخل بلاد ينكي دنيا( المكسيك) لكي يحضروا من هناك خزنة الملك" فتمر المراكب بجزر الكناري لتصل في آخر المطاف إلى أول مدينة في العالم الجديد: كراكاس (عاصمة فنزويلا) ومنها بعد حوالي شهرين الى كرتاخينا (في كولومبيا) وبعد زيارة لبنما عبر بورتوبلو يعود إلى كولومبيا من جديد ليتجه جنوبا على الساحل الغربي من أمريكا الجنوبية باتجاه الأكوادور حيث زار غواكويا وأقام لعدة أشهر في كيتو بعد ذلك ليستقر أكثر من سنة ونصف في ليما عاصمة البيرو، ثم يقوم بزيارات قصيرة إلى كل من بوليفيا والأرجنتين وشيلي ومن هناك يعود إلى ليما ليبحر إلى بنما مرة أخرى لكن بقصد زيارة ينكي دنيا( المكسيك).

    وفي طريقه إلى المكسيك يمر بكوستاريكا ونيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا، وفي المكسيك أيضا يرتبط بشبكة من الأصدقاء والمعارف ويقضي في العاصمة مكسيكو ستة أشهر، وفيها يفكر في العودة إلى وطنه (العراق) عبر الفيليبين بعد أن يسمع الكثير من القصص عنها، لكن عارضا صده عن ذلك، وهو أن الرجل الذي قرر أن يأخذه معه في المركب كان ذاهبا ليحكم في الفيليبين، فطلب منه أن يدينه عشرة آلاف غرش، ولما شاورصاحبنا وزيرا مكسيكيا بشأنه تبين انه مدين للآخرين بمئتي ألف غرش فامتنع عن مرافقته، وأبحر من المكسيك إلى هافانا( كوبا)، ومنها استقل سفينة إلى اسبانيا، فروما، حاملا معه هدايا ثمينة للبابا اينوسنيوس الحادي عشر.
    ومع أن الموصلي يركز معظم اهتمامه على رجال الدين الكاثوليكيين، ورؤساء محاكم التفتيش الأسبان، وحكام المدن والبلدان الذين عادة كان يحمل إليهم توصيات من أصدقائه، وكذلك على الخدمات الدينية كإقامة القداديس والتبشير وذكر عجائب القديسين التي سمعها، إلا أنه لا ينسى أن يصف في رحلته المدن التي زارها والطرق والقصور والجبال والأنهار والبحار والمناجم والمزارع والأحداث التي صادفته والناس الذين التقاهم وطرق معيشتهم وطبائعهم وأمراضهم وغرائب أخبارهم سواء كانوا من البيض أو من السكان الأصليين، ويهتم في رحلته بوصف بعض الحيوانات والطيور والنباتات التي شاهدها وبعض الهدايا التي حملها معه.
    بيد أن نوري الجراح ، وفي سياق الحديث عن مضمون الكتاب يتساءل " كيف أن الموصلي لم يعقد خلال رحلته أي مقارنات بين الخبرات والظواهر التي عاشها ورآها في أميركا وبين نظيرها في مسقط رأسه في الموصل، حتى وكأن شرقيته لم تشكل له، إلا في ما ندر، مرجعا يعتد به"؟ وهو تساول وجيه، وباعتقادي، أن الهمّ الرئيسي للموصلي كان الهم الديني الكاثوليكي المحض، في حين أن ماضيه كله كان ينتمي إلى النسطورية (نسبة إلى نسطوريوس الذي أعتبر مريم العذراء أم المسيح الإنسان وليس المسيح الإله) التي تخلى عنها حديثا.

    والكنيسة الكاثوليكية في ذلك الوقت كانت تعتبر النساطرة كفرة وهراطقة، فلم يكن له من هذه الناحية بالفعل مرجعا يعتد به، وكان هدفه أن يبين"توسع الكنيسة وامتدادها إلى أربعة أطراف المسكونة وبين طوائف مختلفة ولغات متفرقة" كما يقول في مقدمة كتابه ثم ينتقد بشدة "بعض طوائف الناس الذين أنكروا الطاعة للكنيسة الرومانية ومدبرها الذي هو الحبر الأعظم"، ويضيف:" فسبيلنا أن نبرهن ونبين رجوع هذه الطوائف إلى الإيمان الحقيقي واحتضانهم للكنيسة المقدسة" ص28 والتي يقصد بها طائفته النسطورية التي كان ينتمي إليها.
    مصدر تاريخي جغرافي قيّم
    يشيد المستشرق الروسي المعروف أغناطيوس كراتشكوفسكي بهذه الرحلة التي تحتل برأيه مكانة هامة في الأدب العربي ويقول:"وهي لا تقل أهمية وطرافة من حيث مضمونها . ويجب الأعتراف بأن قراءتها قد لا تخلو أحيانا من تأثير مؤلم على نفس القاريء فهي أثر من الآثار التي تصور عهد الاستعمار الذي أناخ بكلكله على أهل البلاد الأصليين واستغلهم استغلالا مشينا "ويضيف" والمؤلف يعرض لنا وقائعه بالكثير من الهدوء دون أن يعكس أية انفعالات عاطفية إزاء ما يسرده، وبهذا بالذات تكمن أهميته كمصدر تاريخي جغرافي ذي قيمة بالنسبة لذلك العصر بأجمعه"، وفي معرض تقييمه لمؤلف الرحلة يقول كراتشكوفسكي:" إنه ولا شك يتمتع باطلاع واسع لكنه يجمع إلى ذلك سذاجة مذهلة" وعلى العكس منه يقول نوري الجراح في مقدمته: إنه "لم يكن أبدا شخصية تنطوي على شيء من السذاجة ، بل على العكس من ذلك كان شخصية ذكية مقتدرة ومتأكدة من قدراتها" .

    ويعتبر كتابه هذا" وثيقة فريدة من نوعها على أوضاع القارة الأميركية في النصف الثاني من القرن السابع عشر فضلا عن قيمته كأثر أدبي لا يخلو من طرافة".
    إلا أن نوري الجراح في تحريره للكتاب قد فاته تحرير أو تصويب بعض من الأسماء والكلمات سواء في متن الكتاب أو في الحواشي التي وضعها أنطون رباط. مثلا، يقول رباط في حاشيته عن موسيو بيكيت ص37 "سُمّي أسقفا على بابل"، فلا بد أن نضع إلى جانبها بين قوسين (بغداد) لأن المقصود ببابل هنا هو بغداد فالغربيون كانوا في ذلك الوقت يسمون بغداد باسم بابل خطأ لعدم معرفتهم موقع الأخيرة بالضبط، وبابل في القرن السابع عشر كانت قرية مهجورة، أو المقصود بها أسقفية أو بطريركية الكلدان التي ما تزال تسمى باسم بابل.

    وفي ص 66 "وقلت له ابرك على ركبتيك" تقول الحاشية: أي اجلس ، وهي كلمة حلبية، والصحيح أن"ابرك" كلمة سريانية تعني "اركع"، والكاتب يقصد بها الركوع، فيحدد له "على ركبتيك" إذ أن المؤمن يركع في الكنيسة.
    وأصل الفعل "برك" و"بُركا" هي الركبة بالسريانية. والسريان من أهل الحسكة والقامشلي والجزيرة وليس الحلبية يستعملون في لهجتهم العربية "ابرك" بمعنى اجلس، علما أن الفعل" برك" بالعربية يأتي بمعنى الإقامة بالمكان، واستناخة البعير. وفي صفحة 66 وردت كلمة "برنج" و"البرانج" وتقول الحاشية: إنها كلمة فارسية معناها النحاس، ونظنها بمعنى الخابية والبرنية. وأعتقد إن الكلمة نقلت من الأصل بخطأ طباعي في طبعة أنطون رباط. وحسب المعنى يجب أن تكون "بربخ" وجمعها "برابخ" وهو مجرى من الخزف للماء وما شاكله، وأصل الكلمة سريانية أيضا ولا تزال تستعمل في القرى الكلدانية/الآشورية العراقية. وقد استعملتها شخصيا في أحد فصول كتابي " الينابيع الأولى" المنشور في جريدة " الزمان" عام 1999 نقلا عن والدتي. وورد في ص131 من مقال كراتشكوفسكي "هذا كله لم يمنعه من القيام بالخدمات الدينية ....ولكن بلغته السورية!" كذلك يذكر المحرر أن صاحب الرحلة " قام بأعمال القداس باللغة السورية السريانية!" والمعروف أنه ليس ثمة من لغة تسمى اللغة السورية، لكن يترجم البعض Syrian Language أو Syrian Church اللغة السورية أو الكنيسة السورية، وهذا خطأ، وأعتقد أن مترجم كراتشكوفسكي وقع بالخطأ نفسه عند ترجمته الكتاب عن الروسية فترجم" سيرييسكي يازيك" اللغة السورية، والصحيح هو اللغة السريانية والكنيسة السريانية نسبة إلى السريان وليس إلى سوريا، وأصل كلمة Syrian التي تعني السريان، وفقا لمعظم المؤرخين والباحثين في اللغات القديمة مصحفة من Assyrian وتعني الأشوريين، وقد وصلتنا بشكلها المصحف عبر التراجم من اليونانية، فقلبت الشين سينا وسقطت الألف، حسب اللفظ اليوناني لها. ولكي لا يقع الباحثون في مثل هذا الخطأ بدأوا يسمون اللغة السريانية Syriac Language بالأنكليزية، و Langue Syriague بالفرنسية.
    ولا أدري ماذا يقصد الأستاذ نوري الجراح باللغة السورية السريانية، فإذا كان يقصد السريانية هي السورية فهو غير محق، أما إذا كان يقصد اللهجة السريانية السورية باعتبار أن للسريانية المعاصرة لهجتين سورية (غربية) وعراقية (شرقية)، فهو أيضا لا يصيب الحقيقة لأن صاحب الرحلة إبراهيم الموصلي هو كلداني عراقي يتحدث اللهجة السريانية العراقية ويحددها في كتابه غير مرة فيذكر إنه كان يقدس بالسريانية الشرقية وهي اللهجة التي يؤدي بها أبناء الكنيستين الكلدانية والآشورية في العراق( الكنيسة النسطورية سابقا) طقوسهم الدينية حتى اليوم.
    جهد كبير لكنه ناقص
    وقد كتب نوري الجراح مقدمة مطولة للكتاب ( نحو 15 صفحة) مستعينا بمقدمة الأب رباط ومقال كراتشكوفسكي ونص الرحلة. ويبدو من هذه المقدمة انه بذل جهدا كبيرا في جمع المعلومات والبحث عن أصل الرحلة على رغم صعوبة الحصول على المصادر المطلوبة، لكنه يعترف "أن جهده هذا ناقص بالضرورة، وكان يمكن أن يكون أكثر استجابة إلى شروط البحث العلمي"، و"تعجل في اخراجه إلى النور لكي يتمكن من تحقيقه في طبعة لاحقة"، وهذا ما شجعني فعلا في الخوض في كثير من التفصيلات التي تساهم في القاء الضوء على هذا الأثر القيم وشخصية كاتبه وملابسات العصر الذي عاش فيه، وليس انقاصا من أهمية الجهد الذي بذله الجراح في إخراج الكتاب إلى النور.
    في الحقيقة ليست هذه أول طبعة عربية للكتاب بعد نشره في مجلة "المشرق"،
    فقد نشر الأب أنطون رباط هذه الرحلة مع كراس آخر عن تاريخ البيرو للمؤلف نفسه في كتاب مستقل عام 1906 في بيروت، وصدر عن المطبعة الكاثوليكية (انظر "المشرق" السنة12 عام 1909 ص798)، ومنذ ذلك الحين كتِبتْ العديد من المقالات عن الرحلة وصاحبها في عدد من المجلات في العراق" لغة العرب" ولبنان" المشرق" ومصر"المقتطف" تلقي المزيد من الضوء على التاريخ الحقيقي لهذا العمل والنسخ المتوفرة منه في ذلك الوقت، وتكشف أكثر فأكثر شخصية صاحبه، كان يمكن الوصول إلى بعضها علىالأقل، سيما وأن كراتشكوفسكي يذكر بعض هذه المصادر بكل وضوح، وبالذات ما يخص وجود نسخ أخرى من مخطوطة الرحلة التي لم ينتبه اليها الجراح، وقال في حاشية مقدمته "إن المستشرق الروسي لم يذكر أيا من المكتبتين اللتين تحويان على النسخ المذكورة" بينما ذيل المستشرق الروسي تلك المصادر في هوامش ذلك الفصل من كتاب" تاريخ الأدب الجغرافي العربي"(ص743-744) وحذفها الجراح من ملحقه المنشور في آخر الكتاب. وهذه النسخ المخطوطة من الرحلة والمكتشفة بعد عام 1905هي:
    1- في عام 1909 أراد سلامة موسى أن يستعرض في المقتطف( العدد35 ص860) نسخة من هذه الرحلة موجودة في " خزانة ديوان الهند في لندن" (فهرست 2 ص207عدد719) وطلب من مشتركيه في بغداد أن يعلموه بما يعرفونه عن صاحب الرحلة، إلا أنه تخلى عن الفكرة بعدما عرف أن "المشرق" قد نشرتها متسلسلة.

    والنسخة هذه كما ورد في خاتمتها نقلها مقدسي الشماس حنا مقابل عشرين بغدادية(البغدادية درهم مضروب في العراق) لصالح الشماس كوركيس ابن الشماس عيسى غنيمة من نسخة كتبت أصلا في سانتا ماريا مقابل ميناء قادش بخط يد اندراوس ابن مقدسي عبد الله الكلداني في الأول من آذار(مارس) عام1699م. 2- وظهرت نسخة ثالثة من رحلة الموصلي لدى الدكتور داود الجلبي ( وكان أديبا ولغويا معروفا) تحدث عنها في كتابه " مخطوطات الموصل" ص269 الصادر في العشرينات من القرن العشرين، وهي منقولة على الأغلب من نسخة سانتا ماريا الأصلية في 26 تموز(يوليو) سنة 1748.
    3- هذا ونشر يعقوب نعوم سركيس مقالا عن صاحب الرحلة في مجلة "لغة العرب" للأب أنستاس ماري الكرملي(الجزء السادس السنة التاسعة) يقول فيه إن بحوزته نسخة أخرى من الرحلة أهداها له نرسيس صائغيان كان عمرها يتجاوز في ذلك الوقت( العشرينات من القرن العشرين) قرنا ونصف قرن على الأرجح.
    4- والنسخة الخامسة من الرحلة يذكرها القس بطرس نصري في الجزء الثاني من كتابه" ذخيرة الأذهان"( الموصل 1913 ص359) فيقول إنها شوهدت عند نعمان الحلبي ، لكن يبدو أن هذه النسخة ضاعت من مكتبة الحلبي، كما يؤكد يوسف ابن نعمان الحلبي ليعقوب نعوم سركيس.

    أصل صاحب الرحلة
    لا يتوصل نوري الجراح إلى أية معلومات جديدة عن صاحب الرحلة لعدم توفرها في مصادره، لكنه يستعين بما كتبه كراتشوفسكي عن الموصلي من "أنه من بيت عمون وإنه ينتسب إلى عائلة قدمت للحياة الروحية عددا من البطاركة النساطرة ، وأن هذا البيت ارتبط، بصورة وثيقة منذ عام 1553 مع الفاتيكان ، وكان لهؤلاء البطاركة انطلاقا من روما صلاتهم القوية مع مختلف الطوائف المسيحية شرقا وغربا"، ويميل الجراح إلى "الأخذ بهذا الاعتقاد لإعتبارين، أولهما: الدقة التي عهدت عن كراتشكوفسكي، والتي كشفت عنها رصانة أبحاثه.

    وثانيهما المكانة التي سيتبين لقاريء الرحلة أن الموصلي تمتع بها على أعلى المستويات السياسية والدينية في العواصم الأوربية الأربع: روما، باريس، مدريد، لشبونة".
    وقبل الدخول في مناقشة الرأي غير الدقيق لكراتشكوفسكي حول ارتباط عائلة المؤلف بالفاتيكان أود أن أشير إلى أن صاحب الرحلة الخوري الياس ابن القسيس حنا الكلداني الموصلي وينتمي إلى قرية " ألقوش " التي تبعد نحو 50 كيلومترا إلى الشمال من الموصل، من نسل البطاركة النساطرة والعشيرة الأبوية "بيت أبونا" كما يقول الأب بطرس نصري في كتابه ذخيرة الأذهان" (الجزء الثاني الموصل1913 ص 359) ويقدم لنا الأب جوزيه دي سانتا ماريا الذي زار بغداد وسافر مع صاحب الرحلة إلى روما في رحلته الأولى معلومات جديدة عنه في كتابه الرحلة الثانية إلى الهند الشرقية(روما 1672 ص22-32 نقلا عن يعقوب نعوم سركيس)، ونعرف إضافة إلى والده القسيس حنا، كان أخوه الأكبر عبد المسيح قسيسا لكنيسة بغداد، وأخوه الأصغر عبد الله قسيسا في الموصل، وعمه إيليا الثامن بطريركا على النساطرة في ذلك الوقت (من عام 1627 وحتى وفاته في 1660م)، وأبن عمه يوحنا مروكي الذي سمي إيليا التاسع مروكي بطريركا على النساطرة أيضا خلفا لإيليا الثامن(من عام 1660 وحتى وفاته في عام 1700م)، حسب قانون الوراثة في الرئاسة الكنسية من أخ لأخيه أو لابن أخيه، والذي سنه البطريرك شمعون الرابع الباصيدي(1437-1476) وساد حتى منتصف القرن العشرين.

    وكان جميع بطاركة كنيسة المشرق النسطورية منذ بداية القرن الرابع عشر عرضا من هذه العشيرة "بيت أبونا" أيضا. لكن واعتمادا على الأب جوزيه دي سانتا ماريا أن إلياس الموصلي جحد مذهبه النسطوري وانتمى إلى الكثلكة، وهذا ما دعاه لأن يقصد روما تبركا في رحلته الأولى برفقة الأبوين الدومنكيين سانتا ماريا وفنشنسو دي سانتا كاترينا في عام 1659م.
    أما ما يذكره كراتشكوفسكي من أن بيت عمون (بيت أبونا) ارتبط بصلات وثيقة مع الفاتيكان عقب الاتحاد في عام 1553، ويأخذ الجراح برأيه ، فلنا عليه مآخذ كثيرة، وهو بعيد عن الدقة تماما، لأن هذا البيت لم يرتبط بروما ارتباطا وثيقا أبدا لا قبل الاتحاد في عام 1553 ولا بعده. وبقيت هذه العائلة مناوئة للفاتيكان، ملتزمة بعقيدتها النسطورية، رافضة الاتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية، وإن كان بعض بطاركتها تأرجحوا في أوقات معينة بين التقارب مع الكرسي البابوي والإختلاف معه، ومع ذلك حتى أن البطريرك يوحنا هرمز(1760-1838) آخر بطريرك وراثي من هذه العائلة والذي اندفع بشدة نحو الإتحاد مع روما كان على خلافات شديدة مع الفاتيكان ومرسليها من المبشرين والقناصل. وأما الاتحاد مع روما الذي يشير اليه كراتشكوفسكي فلم يكن مع هذه العائلة أبدا، بل قام بالضد من التقاليد الوراثية لهذه العائلة وقاده رئيس دير الربان هرمز الراهب هرمز سولاقا(1513-1555) الذي كان ينتمي لعائلة بلو من مدينة عقرة، وقد قتل انتقاما لإنشقاقه برشوة من شمعون السادس برماما سليل العائلة الأبوية الذي كان على السدة البطريركية آنذاك.
    لذلك أرى أن سفره إلى روما للمرة الثانية في عام 1668م كان في سبيل جمع المال للكنيسة الكلدانية المنشقة عن النسطورية، تلك الكنيسة الضعيفة والناشئة في ذلك الوقت، لذا تراه يمتدح بشكل واضح وصريح كل من أكرمه وأنفق عليه ويذم من امتنع عن ذلك، وربما أيضا تخلصا من مضايقات ابن عمه البطريك ايليا التاسع مروكي الذي كان يسعى لإملاء شروطه على روما للتقارب معها. وعندما لم يوفق ناصب العداء لروما ولجميع أبناء جلدته الذين اعتنقوا الكثلكة.

    وعلى العموم لكي نتوقف جيدا على أسباب سفر الخوري إلياس الموصلي إلى أوربا لا بد من دراسة الأوضاع الدينية والاجتماعية للمسيحيين العراقيين في تلك الحقبة، والصراعات التي كانت يخلقها ويديرها المبشرون والمرسلون الكاثوليك من فرنسا وايطاليا في بغداد والموصل وحلب وسائر المنطقة.
    أما سفره المفاجيء من أوربا إلى أمريكا فباعتقادي كان بسبب اخفاقه في الحصول على الأموال اللازمة في أوربا، وتوفر فرصة سهلة لهذه الرحلة، وارتباط ذلك بالأخبار التي كانت تروج لسهولة الحصول على الذهب والمال، ودخول الناس بالجملة إلى الكثلكة في العالم الجديد .
    وليس بعيدا أن يكون الموصلي قد سعى للحصول على الأموال لتثبيت كيان كنيسة كاثوليكية عراقية لتواجه بنجاح عائلته الإقطاعية المتنفذة والمسيطرة على السدة البطريركية للكنيسة النسطورية التي جحد عقيدتها من جهة، ونفوذ المبشرين الأجانب الذين كانوا يسخرون التبرعات المرسلة إلى كاثوليكيي الشرق إما كرشاوي لكسب مؤمنين جدد أو لمصالحهم الخاصة من جهة ثانية. تلك الكنيسة التي لم تنجح لأن تصبح مؤسسة جماهيرية بين المسيحيين العراقيين إلا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر وبفضل المبشرين الغربيين وأموالهم.
    المصدر


    د. أبو شامة المغربي

    kalimates@maktoob.com

    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    رحالة صيني مسلم يبحر في التاريخ
    رحالة صيني مسلم يبحر في التاريخ فيكتشف أمريكا قبل كرستوفر كولومبوس
    اجتاز الإسلام منذ دقه باب الصين في منتصف القرن السابع مراحل تاريخية متعددة بزغ خلالها العديد من المسلمين الصينيين بين علماء وأطباء ورحالة، ممن ساهموا في نقل حضارة بلادهم للعالم أجمع.. في هذا العدد نقدم لكم رحالة مسلم ساهم في انتشار الإسلام في مناطق متفرقة من العالم واكتشف دولاً لم تعرف من قبل..
    من هو زهنج هي؟
    "زهنج هي" هو رحالة صيني مسلم ولد في العام (1371م) من عائلة صينية مسلمة تعيش في جنوب الصين.. كان والده يعمل في التجارة فيسافر كثيراً ويجوب بلدان عديدة مما جعله يتعلق بالسفر والترحال منذ نعومة أظفاره..
    وعندما بلغ (11 عاماً) اصطحبه والده في أول رحلة إلى مكة المكرمة.. فتعلم اللغة العربية وتحدثها بطلاقة، وتعرف على مدن الشرق وجغرافيتها وعادات شعوبها.
    رحلات استكشافية
    برز " زهنج هي" واشتهر برحلاته المتعددة وعلا صيته بين الرحالة والبحارة فوصل إلى جنوب أفريقيا والخليج العربي والمحيط الهندي، وفي كل رحلة ينقل معه الذهب والفضة والحرير الصيني والحديد والمنسوجات القطنية يرافقه الرسامون والفنانون والعلماء والبحارة والجيولوجيون.
    وفي عام 1405م قام بأكبر رحلة استكشافية في ذلك الوقت بـ 7 أساطيل بحرية زار فيها 37 دولة امتدت من جنوب شرق آسيا إلى أفريقيا وصولاً إلى العالم العربي حيث كانت الصين تمتلك أقوى الأساطيل البحرية التي كانت تنافس بها الأساطيل الأوروبية في ذلك الوقت.
    أما في العام 1413م شد "زهنج هي" رحالة إلى العالم العربي لأول مرة مصطحباً 30000 رجل عبر أسطول ضخم وصل به إلى مضيق هرمز، مسقط وعُمان ثم الهند، ودار حول بحر العرب وصولاً إلى عدن ثم إلى البحر الأحمر..
    وفي هذه الرحلة الطويلة توقف "زهنج هي" في كل ميناء عربي يصل إليه ليلقي الترحيب وكرم الضيافة العربي، حيث بعثت أكثر من 19 دولة عربية بمندوبين وممثلين عنها يحملون الهدايا إلى امبراطور الصين في ذلك الوقت " يونغ لي" لتوثيق العلاقات الودية بين الصينيين والعرب.
    نقل الحضارة
    ساهم الرحالة الصيني المسلم " زهنج هي" في نقل حضارة شعب الصين إلى الدول العربية فضلاً عن نقل البضائع الصينية المميزة كالحرير الصيني واللؤلؤ المصطنع والمطرزات الحريرية والقطنية والذهب والفضة، كما ساهم في التعرف على عادات الشعب الصيني وانتشار الإسلام بشكل موسع.
    الأسطول البحري
    أما عن أسطوله البحري فكان يتكون من عدد كبير من السفن الكبيرة والصغيرة تتصدرها سفينته التي كانت تعرف بـ" سفينة الكنز" والتي يبلغ طولها (400قدم) حيث اعتبرت أطول سفينة في ذلك الوقت مقارنة بسفينة (كرستوفر كولومبوس) والتي كانت بطول (85) قدماً فقط.
    ثم يأتي بعدها تباعاً السفن المحملة بالبراميل العملاقة التي كانت تستخدم لتخزين المياه والخيول الخاصة بالتنقل براً ثم السفن الصغيرة المحملة بالحرير الطبيعي والبورسلان والعديد من المنتوجات الصينية.
    أما طاقم الملاحة فكان يحتوي على 27000 بحار وجندي موزعين على السفن كل حسب مهامه المنوطة به.
    رحلته الأخيرة
    أنهى الرحالة المسلم "زهنج هي" حياته بين موجات البحر أثناء رحلة عودته من الهند في العام 1433م عن عمر يناهز 60عاماً، وقد قام بـ 7رحلات على مدى (28عاماً) قطع فيها أكثر من (50000كم)، وزار أكثر من 37 دولة.
    مفاجأة قوبلت بالتشكيك، وهي: أن كريستوفر كولومبوس لم يكن أول من اكتشف أمريكا والمكتشف الحقيقي للقارة الأمريكية كان من الصين، وهو "زهنج هي"، وقد نزل على السواحل الأمريكية قبل سبعين عاماً من وصول المستكشف الأوروبي الشهير في العام 1492م.
    هذا هو الاكتشاف المدهش الذي خلص له الباحث البحري "جيفن منزيس" الذي أمضى 15 عاماً في تتبع آثار أسطور صيني ضخم طوى ذكراه النسيان.
    وقد نشر منزيس نتائج بحوثه في كتاب بعنوان: "1421: العام الذي اكتشفت فيه الصين أمريكا".
    ولكن كيف تمكن إيطالي من معرفة شيء عن الجزر الكاريبية قبل حتى أن يولد المستكشف كولومبوس؟ هذا هو السؤال الذي دار في خلد منزيس والذي وصل أخيراً إلى قناعة بأن أسطولاً صينياً ضخماً مؤلفاً من ثمانمئة سفينة أبحر من الصين في 8 مارس 1421م ودار حول العالم وأسس مستعمرات في شمال وجنوب أميركا واستراليا ونيوزلندا وفي المحيط الهادئ والمحيط الهندي.
    بحث منزيس في السجلات الصينية التي وجد بها إثباتات لرحلات (زهنج هي).
    وعثر كذلك على سجلات في أسبانيا والبرتغال تثبت أن أوائل المستكشفين الأوروبيين في العالم الجديد التقوا بمستكشفين صينيين وجلبوا معهم أحجار اليشم إضافة إلى قطع فنية أخرى صينية.
    إذن كيف نسي العالم (زهنج هي) وسفنه الثمانمئة؟ لسوء الحظ أنه أثناء خروج الأسطول الصيني في رحلات استكشافية ضربت عواصف مصحوبة بالبرق العاصمة الصينية ودمرت مبانيها.
    وفي رحلة سفره الأخيرة إلى مكة وفي طريقه وجدت خريطته البحرية المفصلة للعالم طريقها إلى أوروبا مما منح المستكشفين البرتغال فكرة جيدة عما سيكتشفونه في أفريقيا وأميركا قبل شروعهم في ذلك.
    ويعترف منزيس بأن اكتشافه هذا قوبل بتشكيك من المؤرخين المعاصرين، لكنه يقول إن الجميع متفق على أمر واحد على الأقل وهو أن الصينيين استوطنوا سواحل المحيطين الهادي والأطلسي في الجزء الشمالي والجنوبي من أميركا قبل زمن طويل من إبحار كولومبوس إليها .

    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0








    احتفاء مميز بجامعة كاليفورنيا بالرحالة المغربي الكبير ابن بطوطة
    لوس أنجلس 06/12/2004
    احتفت جامعة كاليفورنيا يوم الجمعة الماضي في حفل مميز أقيم بحرمها الجامعي بلوس أنجلس، ومن خلال شهادات لكبار الخبراء في مجال البحث التاريخي، بالذكرى700 لميلاد الرحالة الشهير والعالم المغربي الجليل ابن بطوطة.
    وأمام حضور، جمع ثلة من الاكاديميين والباحثين المبرزين، أعربت السيدة نزهة الشقروني الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، عن ابتهاجها بانعقاد هذه الندوة المخصصة لرجل يجسد بالنسبة لكل المغاربة، الصورة المثلى للارتباط العميق والأصيل بقيم السلام والحوار واحترام الآخر.
    ولاحظت السيدة الشقروني أن احتفاء كهذا في زمن العولمة، لا يمكن إلا أن يكون موعدا ملائما حل في أوانه، مشيرة الى أن ابن بطوطة المغربي والمغاربي والعربي والمواطن الذي ينتمي الى العالم في شساعته، جاب مختلف أنحاء المعمور في سفر امتد على مدى29 سنة وحمله الى أكثر من أربعين بلدا بمختلف القارات.
    وأضافت أن ابن بطوطة ظل مدفوعا بوحي من عقيدته الدينية الراسخة، مسافرا جريئا في جميع رحلاته و"مسلما لم يكن يهاب شيئا ولم يكن يخيف أحدا" مستحضرة في هذا السياق ما ذكره في نص رحلته من أوصاف لمختلف الأمصار التي زارها بإحاطة كبيرة وباحترام أكبر " دون استخفاف أو ازدراء بثقافات الاخرين".
    وخلال هذا اللقاء الذي نظمه مركز الدراسات الافريقية وشعبة مبحث الموسيقى العرقية بجامعة كاليفورنيا بمساعدة من سفارة المملكة المغربية وبمساهمة من الخطوط الملكية المغربية، اجتهد الخبراء المشاركون في الاحاطة بالدوافع التي حملت هذا الرحالة المغربي في القرن الرابع عشر الميلادي على القيام برحلة تم تتويجها بنص وصفي كتبه الوزير الشاعر محمد بن جزي الكلبي، وأصبح مصدرا ثريا بالمعارف والمعلومات لا يستغني عنه مؤرخ أو باحث في أي ركن من أنحاء العالم، وشهادة أيضا ثمينة عن مختلف المجتمعات والثقافات بإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأوربا في تلك المرحلة.
    ومن جهته رأى روس دان أستاذ التاريخ في جامعة سان دييغو ومؤلف كتاب عن ابن بطوطة، في هذا الرحالة المغربي "رجلا متعطشا للمعرفة وفقيها تكون على أصول المدرسة المالكية وأصول الفقه الاسلامي، ومن ثمة لم يعتبر نفسه فقط مواطنا مغربيا ولكن فردا من هذا العالم الشاسع الذي كان يطلق عليه أنذاك (دار الاسلام)، ويضم بين جوانبه أمصارا مسلمة مختلفة حيث تعيش مجموعات تنتمي الى ديانات وثقافات أخرى".ولهذا السبب - برأي الباحث - أنهى ابن بطوطة رحلته بزيارة لمكة كما أصر على زيارة عدد من معاقل الصوفية خلال رحلته الطويلة.
    ومن جهتها منحت الباحثة جيزلين ليدون من جامعة كاليفورينا لرحلة ابن بطوطة بعدا دينيا، موضحة أن الرحالة الكبير أراد دون شك أن يطفيء عطشه الكبير للمعرفة وفقا لتعاليم الاسلام الذي يوصي بالبحث عن المعرفة أينما كانت ولو في الصين، وهكذا مكن هذا الرحالة الكبير المؤرخين - برأي الباحثة - من أكثر المصادر غنى، خصوصا ما تعلق منها بتاريخ إفريقيا الغربية في القرن الرابع عشر.
    وفي مقارنة ما بين ابن بطوطة وماركو بولو لاحظ الباحث الجامعي جوفري سيمكوكس أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا، أنه خلافا للرحالة الإيطالي الذي قام برحلته بحثا عن ربح مادي خصوصا وانه كان وليد البندقية وابنا لأحد التجار، فإن الرحالة المغربي لم يكن يهمه من رحلته سوى التزود الروحي والهم المعرفي.
    وهذا ما أكده المكلف بالأعمال لدى سفارة المملكة السيد محمد أرياض حين أشار إلى أن الرحالة المغربي كانت تحركه دوافع روحية عقدية ملاحظا أن ابن بطوطة جسد من خلال رحلته معنى الاية القرآنية " إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ".
    وبالنسبة للاساتذة ميكاييل موروني وميكاييل كوبرسون وعلي جهاد راسي كان لابن بطوطة بكل بساطة "ولع لا حدود له بتحصيل المعرفة"، فيما اعتبر الاستاذ كمال أودريري خريج جامعة كاليفورنيا وصاحب فكرة تنظيم هذا اللقاء، أن الورع والتفقه في مجموعة من العلوم ساهمت في جعل ابن بطوطة الداعية الانساني والرجل الذي لم يكن يتردد في ركوب الأهوال والمخاطر وغياهب البحار للقاء الآخر.
    ومن جهة أخرى، اغتنى اللقاء أيضا بمداخلة قيمة مصحوبة بعرض للصور الثابتة عن المغرب، ألقاها الصحفي توماس أبركرومبي الذي سبق له أن دبج مجموعة من المقالات التي نشرت حول ابن بطوطة بمجلة "ناشيونال جيوغرافيك" .وتواصل هذا اللقاء برحلة موسيقية حملت الحضور، على جناح الموسيقى من طنجة الى الصين مرورا بمصر وغانا والشرق الاوسط وأسيا الوسطى ومنطقة البلقان والاندلس مجسدة بذلك مختلف الامصار التي مر منها الرحالة ابن بطوطة، وانطلقت بأمداح نبوية من أداء فرقة من الموسيقيين والراقصين من شعبة مبحث الموسيقى العرقية بجامعة كاليفورنيا.
    ******
    السندباد
    ---
    سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
    وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
    إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
    إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
    والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
    لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد : أدب الرحـــــــلة ... 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    إكتشاف غير مســـبوق حـــول رحلة إبن بطــــوطة
    الدكتور عبد الهــــادي التــــازي
    http://www.albadeeliraq.com/showdeta...ulture&id=2732
    ******
    السندباد
    ---
    سافرْ تَجِدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفَارِقُهُ
    وَانْصَبْ، فإنَّ لَذِيذَ العيشِ في النَّصَــــبِ
    إنِّي رأيتُ وُقُوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
    إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِــــــــبِ
    والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
    لَمَلَّهَا الناسُ مِنْ عَجَمٍ ومِن عُرْبِ
    رد مع اقتباس  
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •