جان جاك روسو
(Jean Jacques Rousseau)
(28 يونيو1712-2 يوليو1778)
فيلسوف و كاتب و محلل سياسي سويسري، ولد في جنيف وقضى فيها طفولته وشبابه المبكر وذهب إلى باريس وهو في الثلاثين من عمره وبعد عدة رحلات استقر فيها وكتب فيها أهم مؤلفاته "العقد الاجتماعي" الذي يوصف بأنه "إنجيل الثورة" وقد بدأه بالاحتجاج الصارخ على طغيان عصره: ولد الإنسان خيَّرا بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده.
وتقوم نظرية روسو على وجود تعاقد بين الانسان والمجتمع الذي يعيش فيه، وبمقتضى هذا العقد الاجتماعي يتنازل الإنسان عن جزء من حريته وحقوقه الطبيعية لهذا المجتمع مقابل تعهد المجتمع بصيانة هذه الحقوق وحماية الأفراد، وكان روسو في كتاباته يدعو إلى الديمقراطية والحرية والمساواة، ويرجع تأثير روسو المتعاظم في الناس إلى المشاعر القوية التي كان يشحن بها كتاباته وكان من أشد المتأثرين بهذه الكتابات روبسبير الذي لعب دورا عظيما في أحداث الثورة.
هي ترجمة ذاتية كتبها روسو في أخريات أيامه بعد إلحاح شديد من أحد الناشرين، ثم إن جان جاك روسو- الذي أدانته الكنيسة، وحرمته من حماية القانون ثلاث دول، وهجره أخلص أصدقائه - كان له الحق في الدفاع عن نفسه، بل في الدفاع المستفيض: وحين قرأ فقرات من هذا الدفاع على بعض المحافل في باريس حصل خصومه على أمر من الحكومة يحظر أي قراءة علنية أخرى لمخطوطته، فلما فت في عضده، تركها عند موته مشفوعة برجاء للأجيال التالية قال فيه:
"إليكم هذه اللوحة الإنسانية الوحيدة - المنقولة بالضبط عن الطبيعة بكل صدق - الموجودة الآن أو التي ستوجد إطلاقاً في أغلب الظن، وأينما كنتم، يا من نصبكم قدري وثقتي حكماً على هذا السجل، فإني أستحلفكم بحق ما أصابني من خطوب ومحن، وبحق ما تشعرون به من أخوة البشر، وباسم الإنسانية جمعاء، ألا تدمروا عملاً نافعاً فريداً في بابه، قد يصلح بحثاً مقارناً من الدرجة الأولى لدراسة الإنسان، وألا تنتزعوا من شرف ذكراي هذا الأثر الصادق الوحيد لخلقي، الأثر الذي لم ينل من خصومي مسخاً وتشويهاً".
وعلى الرغم من أن الكتاب نتاج لما فطر عليه مؤلفه من شدة الحساسية وقوة الذاتية، ورهافة العاطفة وكما يقول هو نفسه "إن قلبي الحساس كان أس بلائي كله"، إلا أن هذا القلب كان قد أضفى ألفة حارة على أسلوبه، وحناناً على ذكرياته، وفي كثير من الأحيان سماحة على أحكامه، وكلها تذيب نفورنا ونحن نمضي في قراءة الكتاب "إنني مقبل على مغامرة لم يسبق لها نظير، ولن يكون لتنفيذها مقلد، أريد أن أظهر إخواني في الإنسانية على إنسان في كل صدق الطبيعة، وهذا الإنسان هو أنا نفسي، أنا مجرداً من كل شيء، إنني أعرف قلبي، وأنا عليم بالناس، ولم أخلق كأي حي من الأحياء، وإذا لم أكن خيراً منهم، فإنني على الأقل مختلف عنهم، أما أن الطبيعة أحسنت أو أساءت بتحطيم القالب الذي صببت فيه، فذلك شيء لا يستطيع الحكم عليه إنسان إلا بعد أن يقرأني".
"وأياً كان موعد الساعة التي سيُنفخ فيها في صور يوم الحشر، فسوف آتي وكتابي هذا في يميني لأمثل أمام الديان الأعظم وسوف أقول بصوت عالٍ: كذلك سلكت، وكذلك فكرت، وكذلك كنت، لقد تحدثت إلى الأبرار والأشرار بنفس الصراحة، وما أخفيت شيئاً فيه سوء، ولا أضفت شيئاً فيه خير، وقد أظهرت نفسي كما أنا: حقيراً خسيساً حين كنت كذلك، وخيراً سمحاً نبيلاً حين كنت كذلك، لقد أمطت اللثام عن أعمق أعماق نفسي".
والكتاب في جزئه الأول يشيع الطمأنينة في القارئ خلافاً للجزء الثاني الذي شوهته الشكاوى المملة من الاضطهاد والتآمر، والكتاب قصة روح حساسة شاعرة خاضت صراعاً أليماً مع قرن واقعي قاس، وعلى أية حال، فإن كتاب الاعترافات، لو لم يكن ترجمة ذاتية ، لكان من إحدى الروايات العظيمة في العالم.
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com