- القصة في التراث :

لعل حاجة السرد حاجة تشترك بها كل المجتمعات, وقد امتازت القصة في التراث العربي وربما أغناها القران الكريم, والحديث الشريف , فقصص الأولين لم تعرف لمجتمعات أخرى , ثم تعرض الرسالة لكثير من المحن دفع بالقصة لمكانة مرموقة لما فيها من سلوان وتأثير في النفس البشرية لتأخذ بعبر قصص الأمم السابقة .

وقد"حرص الخلفاء الراشدون على الاهتمام بالقصص، فعمر بن الخطّاب أذن لقاص بأن يقص على الناس يوماً في الأسبوع، وأمر بترجمة قصص العدل والسياسة، وأذن عثمان لقاص بأن يقص على الناس يومين في الأسبوع، وأجاز علي بن أبي طالب للحسن البصري أن يقص في المسجد. وفي عهد الدولة الأموية أجاز معاوية القص لجماعة من القصاصين، كما أنه اصطفى شيخاً من شيوخ القصص وأمره بتدوين ما يرويه، ثم اتخذه قاصّاً له" ص 12 المصدر ذاته خريبط

وهذا الموروث القصصي لعمري موروث ضخم كبير, رغم ضياع الكثير من مصادر التراث , وخذلان الدارسين لتراثهم الثر.
"وأوحى هذا التراث القصصي لبعض الدارسين العرب المحدثين بأن يعدوه أصولاً فنية ومصادر للفن القصصي العربي الحديث، ورفعوا مكانته الأدبية والفنية في بعض الأحيان على كثير من الأعمال القصصية المعاصرة. يقول يوسف الشاروني: ((لقد عرف التراث العربي المجموعات القصصية التي تمتاز عن كثير من مجموعاتنا المعاصرة، بأنها كانت تندرج تحت موضوع واحد، مثل: كتاب البخلاء للجاحظ(160- 255هـ) و"المكافأة وحسن العتبى" للتنوخي(337- 384هـ"
ص 13 خريبط
هذا
شأنه بعضهم ولنرى شأن صنف أخر :
"يذهب بعض الباحثين، والمهتمين بتاريخ الأدب العرب الحديث إلى أن جذور القصة العربية الحديثة لا ترجع إلى التراث العربي القديم وإنما تعود إلى الأدب القصصي الغربي الحديث، يقول الدكتور محمد طه الحاجري: "فالقصة في الأدب العربي الحديث عند هؤلاء النقاد أمر بدع، لا ميراث له يمت إليه. ولا أصل له في الأدب العربي القديم يمكن أن ينتسب إليه بصورة ما، وإنما
هو تقليد محض لذلك الفن عند الأوروبيين صدرنا به عنهم، كما صدرنا بكثير من علمهم، وأنماط فنونهم" ص 14 المصدر ذاته خريبط
- ولعل بداية الكلام للحاجري صحيحة , لكن نهايته خاطئة وسوف نثبت من خلال بحثنا رسوخ فنيات القص الحديث في تراثنا من خلال مثال قصص الهمذاني, والتي فاق بها زمانه.

" وقد وقع خلاف بين مؤرخي الحركة الأدبية العربية الحديثة حول أول قصة قصيرة، فنية ظهرت في الأدب العربي((فالمستشرق الروسي(كراتشوفسكي). والألماني(بروكلمان) والفرنسي(هنري بيرس) يرون أن قصة"في القطار" لمحمد تيمور التي نشرت عام 1917 في جريدة"السفور" هي أول قصة تحمل المعنى الفني، ويخالف هذا الرأي الأستاذ عباس خضر في كتابه الأقصوصة في الأدب العربي الحديث، فيذهب إلى أن قصة"سنتها الجديدة" التي نشرت عام 1914 للكاتب اللبناني ميخائيل نعيمة هي أول قصة فنية في الأدب العربي، أما الدكتور محمد يوسف نجم فيرى أنها قصة"العاقر" لميخائيل نعيمة أيضاً التي نشرها عام 1915." ص 15 المصدر ذاته خريبط
لكننا يجب أن نؤكد أن هذا الشكل من الفنية تخص القصة الغربية الروح , والتي لن يفيد ترجمة قالبها لنكتب نسخة طبق الأصل, ولكننا يمكن أن نفيد منها من باب المثاقفة ونقارنها بالقصة العربية الروح ,والتي تسبق القصة الغربية بمئات السنين وتزيدها تنوعاً وهي تؤكد على أصالتها القومية والثقافية والروحية فلدينا المسامرة والسيرة والمقامة والخبر والحكايات والطرائف والنوادر والملح والليالي ولدينا القصة الطويلة والقصيرة بل والقصيرة جداً ,والتي عرفها المجتمع حديثاً وهي تكثر في القران الكريم والحديث الشريف وملح الخلفاء (وسيكون لنا عندها وقفة بإذن الله) , ولا نقول ذلك من باب التعصب للأصول لكن وعياً لذاتنا الحضارية وسعياً نحو تطويرها, وعلى كل الكتاب أن يكفوا عن محاكاة الفنية الغربية , لأن الفن يولد نتيجة لعدة عوامل نفسية اجتماعية تاريخية وقد يكون سياسية تتعلق بذات المنطقة , لن يصلح تصدير أسس هذا الفن بحذافيره لمجتمع يختلف من ناحية التراث والتاريخ والثقافة, وندعو كل كاتب أن يبحث عن ذاته وعن روحه الأصلية المنسية ويعبر بها ولو كانت غائمة الآن ,لكنها سترسخ مع التجربة, ولعلنا سنشير لأصول القصة العربية وروحها ونتلمس هذه الروح ومورثاتها في تراثنا الثر, ونشير للحاجة الماسة تطوير هذه الفنيات لتواكب العصر وتسد لهاث الوجدان العربي المتعطش للروح الأصيلة والتي أنهكتها الطعومات الفنية الهجينة التي لا روح لها