صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 الأخيرةالأخيرة
النتائج 49 إلى 60 من 63

الموضوع: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود

  1. #49 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    تعميد التعصب !

    بقلم: أ .د . حلمي محمد القاعود
    ...........................................

    لم يتوقف أحد عند خبر نشرته الأهرام في 25/3/2008م؛ ورد من ستراسبورج يتحدث عن تواصل المظاهرات في بعض عواصم العالم ومدنه احتجاجا على استقلال كوسوفا ، مما ترتب عليه استدعاء الاتحاد الأوربي لموظفيه العاملين في شمال الإقليم بسبب المظاهرات العنيفة هناك .
    ليس المهم في الخبر خروج المظاهرات أو الاحتجاج على استقلال كوسوفا ، ولكن المهم أن هذه المظاهرات التي نسبت إلى ما يسمى نشطاء اليمين المتطرف ؛ اختلط فيها الاحتجاج على الاستقلال بالهتاف المعادي للمسلمين ، والدعوة إلى إخراجهم من أوربة .
    يفترض في نشطاء اليمين أنهم متدينون متمسكون بالمسيحية وقيمها ، فلا يؤذون مواطنيهم ولا يدعون إلى تشريدهم ، ويتعاملون معهم بمحبة وأخوة ولكنهم في حقيقة الأمر ليسوا كذلك ، إنهم متعصبون ضد الإسلام والمسلمين . والتعصب ميراث تاريخي ؛ يتناقض مع قيم المسيحية السمحاء ، وأخلاق المحبة التي دعا إليها المسيح عليه السلام . الأوربيون بصفة عامة ، لايعبأون بالقيم الدينية التي ينتسبون إليها ، ويخالف معظمهم الوصايا العشر ، ولا يبالون بالطقوس الدينية الكنسية إلا في حالات الميلاد أو الوفاة أو الزواج .. بل إن الزواج صار في أغلبه مدنيا ، أي يتم أمام مكتتب التوثيق الرسمية دون حضور " رجل دين ".. لقد صار ذكر الإسلام أو المسلمين مستفزا للغربيين ، وينفجر التعصب الخبيء تحت قشرة التحضر والمواطنة والمدنية والعلمانية والحداثة ،وهي القشرة التي انخدع بها ، أو اعتنقتها بعض النخب عندنا وصدعوا بها رءوسنا . إن التعصب الهمجي يتناسى ما تلوكه أجهزة الدعاية ( الميديا ) الغربية عن حقوق الإنسان وكرامته وحريته ، ويتفجر غضبا وغيظا أمام لفظة إسلام أو مسلمين ، ويتجاوز كل الحدود الشائكة والخطوط الحمراء ، ليعبر عن تعصبه الذميم بوسائل مختلفة وطرق متعددة ، ولا يقتصر الأمر على عامة الناس ، ولكنه يمتد إلى رأس الكنيسة هناك ( بابا الفاتيكان) الذي لا يخافت في الإعلان عن تعصبه وكراهيته للإسلام والمسلمين ، واتهامه الكاذب للإسلام في محاضرته الشهيرة معروف ومعلوم ، فقد صور الإسلام بأنه دين القتل والإرهاب وسفك الدماء ولا يحب الآخر ، ثم قام البابا بنفسه مؤخرا في خطوة تعصبية فاقعة تؤكد عدوانيته ؛بتعميد شخص مصري ، قيل أنه كان ينتسب إلى الإسلام وتنصر !
    هذا التعصب الرخيص ضد الإسلام والمسلمين يصب في خانة تحريض التعصب الطائفي المحلى ، ويشجعه على الاستمرار في التحدي والاستفزاز ، على أساس أن هناك من يظاهره عالميا ، ويناصره بالقوة ويقدم له القدوة والنموذج في كيفية إدارة الحرب الصليبية ضد الإسلام والمسلمين . بمعنى آخر أن ما يتردد عن الآخر والحوار معه هو مجرد حيلة من حيل الخداع والمكر التي لا تنطلي إلا على السذج والبلهاء الذين يعتقدون ، أن الآخر لديه قابلية للحوار والفهم والاقتناع ، بينما هو يصر على عدوانيته الهمجية ، الممنهجة والمقننة والمخططة في إطار زمني محدد ، يحقق على امتداده تصفية حساباته مع الإسلام والأمة الإسلامية .
    إن بندكيت السادس عشر ، حين يتخلى عن واجباته الكنسية الكبرى ، ورعاية الطائفة الكاثوليكية التي تضم مئات الملايين في العالم ، وينشغل بصحفي مغمور من أصل مصري ، كان ينتسب إلى الإسلام وأعلن ارتداده لسبب عاطفي يتعلق بالحيلولة بينه وبين فتاة يهودية كان يحبها ؛ لهو أمر يثير كثيرا من التساؤلات والشكوك حول موقف الفاتيكان ومزاعمه التي تتحدث عن الحوار والتقارب والتسامح والسلام ، وتؤكد أن الرجل جاء ليكمل مسيرة " بطرس الحافي " الذي تقدم الحروب الصليبية الأولى لحظة انطلاقها عام 1905م من سان مونت كلير بفرنسا ؛ قائلا : إنها إرادة الله " ، أي إن الحرب ضد المسلمين ( الكفار ) ، والقضاء عليهم ، وتخليص بيت المقدس من أيديهم ، وحي إلهي يجب تنفيذه بالقتل وسفك الدماء !
    الصحفي المصري المغمور ، الذي تنصر ، وعمده بابا الفاتيكان لن ينقص الإسلام شيئا ، ولن يزيد المسيحية شيئا ، لسبب بسيط ، وهو أنه دخل وقبله المسيحيون من باب التعصب البغيض الذي يزرع الشر والكراهية والإحن لحساب الشيطان لا حساب المسيح عليه السلام .. لقد سافر هذا الشخص المتعصب إلى إيطاليا قبل خمسة وثلاثين عاما ليدرس في جامعة إيطالية ، ثم عمل في عدة صحف إيطالية آخرها " كوريير دي لا سيرا " الصحيفة الإيطالية المشهورة ، ولكنه كان طوال فترة غربته متعصبا ضد بلده وأمته ودينه ، ومنحازا إلى العدو النازي اليهودي في فلسطين ، وزار القتلة اليهود هناك ، وأصدر عنهم كتابا يؤيدهم ويمتدحهم ويذم قومه وأهله ، فمنحوه جائزة " دان ديفيد " وقدرها مليون دولار، ومنذئذ صار طفلهم المدلل الذي أتيح له أن يكون صوتا عاليا في الدفاع عما يسمى اضطهاد المسيحيين في العالم العربي ، واليهود النازيين الغزاة وهم يقتلون الشعب الفلسطيني على مدار الساعة، وعن مذابحهم وتدميرهم في لبنان ، وخاصة في عدوانهم على الشعب اللبناني صيف عام 2006م !
    إن الإطار التعصبي الطائفي المقيت الذي يتحرك من خلاله هذا الشخص كان ينبغي ألا يجلب اهتمام بابا الفاتيكان ورعايته له لدرجة أن يقوم بتعميده بنفسه .، في الوقت الذي ينادي فيه بالحوار ، ويخدع مجموعة ممن ينتسبون إلى علماء الإسلام اسما ، كي يذهبوا إلى مؤتمر يعقد في الفاتيكان تحت عنوان " حوار الأديان " .. ولا أدري ما ذا سيقول لهم تماما ، ولا أية ثمار ستنتج عن هذا الحوار الذي يصر فيه الداعي على جرائمه ، فضلا عن أنه لا يحترم ما يعتقدون ولا يرى فيه دينا سماويا حقيقيا نزل به الوحي من عند الله بينما المسلمون يؤمون بالمسيحية وعيسى عليه السلام ؟
    لقد علل الناطق باسم الفاتيكان قيام " بندكيت" السادس عشر بتعميد المصري المتعصب المغمور ؛ بأنه يأتي في سياق دعم حرية الاعتقاد ، وللأسف فإن البابا لا يدعم حرية المسلمين في التعبير عن عقيدتهم ، وممارسة شعائرهم ، في داخل أوربة ، وفي بلاد المسلمين لأنفسهم ، بل إنه يحرمهم هذه الحرية ، ويرسل كتائب المنصرين لتجوب العالم الإسلامي بطريقة مباشرة وغير مباشرة لإكراه المسلمين على التحول عن دينهم ، والكفر بالإسلام ، والانضمام إلى ركب الصليبية المتوحشة ، وما تشهيره بالإسلام إلا حلقة من حلقات مخططه الشرير !
    إن المهرجان الذي أقامه الفاتيكان لتنصير مصري مغمور وتعميده ؛ لا ينفصل عما يحدث على أرض مصر من سعي حثيث لاستئصال إسلامها ، وتحريمه على أهلها ، وإظهارها في صورة أخرى تناغي وترا حساسا لدى المتعصبين الطائفيين ، وتشبع رغبة التحدي الطائفي في إذلال الأغلبية الساحقة وقهرها ، تحت دعم معنوي دولي يأتي من الفاتيكان وأوربة التي تتظاهر لإخراج المسلمين منها..
    من المؤكد أن الحرب الصليبية الوحشية التي يشنها الغرب على الإسلام والمسلمين ، ويقودها الفاتيكان ، ويسهم فيها نفر من المتعصبين الطائفيين في بلادنا ، تحقق بعض أهدافها لأسباب يعود بعضها إلينا في مقدمتها الغفلة والخيانة ، ولكنها على المدى غير البعيد ستجلب من الخسائر والكوارث ما لا يمكن حصره ، وسيدفع من يشعلون نارها الثمن الذي لن يتوقف عند احتراق أصابعهم وحدها...
    ...............................
    *المصريون ـ في 2/4/2008م.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #50 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    التحدي الطائفي !

    بقلم: أـ د . حلمي محمد القاعود
    .............................................

    في لحظات الضعف الحضاري تتغير المعادلات الاجتماعية ، حيث تتدخل أياد أجنبية لتحقيق مصالحها وأهدافها في البلد الضعيف ؛الذي غالبا ما يكون مستباحا على أكثر من مستوى ، فتشعل نار الصراع الداخلي ، وتقف وراء بعض الأقليات العرقية أو الطائفية أو المذهبية ، وتمنحها الدعم والعون ، لتجعل منها رأس حربة في الوصول إلى ما تريد .. هذا ما حدث في زمن الحروب الصليبية الأولى ، وفي زمن الاستعمار ( الصليبية الجديدة والراهنة ) . ولا شك أن خصوم الأمة أفلحوا في ذلك وحققوا انتصارات لا بأس بها على حساب العقيدة والهوية والوحدة القومية والوطنية والإسلامية جميعا .
    ومن المفارقات أن هؤلاء الخصوم لم يقتصر كيدهم وعدوانهم على المسلمين وحدهم ، بل إنهم عملوا على الكيد لطوائف ومذاهب من ملتهم نفسها ، حتى بدا بعضها منسحقا ومهزوما ، ولعل أبرز الأمثلة ما قام به الكاثوليك والبروتستانت في القرن التاسع عشر لتحويل الأرثوذكس المصريين ، بل والعرب عن مذهبهم ، وحققوا في ذلك نجاحات ملحوظة ، مما أدي إلى استنجاد الكنيسة الأرثوذكسية المصرية آنئذ بالخليفة العثماني لإنقاذهم من الغزو المذهبي الأوربي ، وهو ما تمخض عن إصدار الخط الهمايوني حماية للنصارى ، وردعا للكاثوليك والبروتستانت عن التمدد والانتشار بالترغيب أو الترهيب على حساب المذهب الأرثوذكسي ، وفي العصر الراهن استطاع الفاتيكان أن يسحق الكنائس المشرقية ويطوعها بالدخول تحت عباءة مجلس الكنائس العالمي ، الذي باتت أهدافه لا تخفي في مجال التنصير والتبشير بالكاثوليكية وحدها .. وسأعود - إن شاء الله - إلى هذه المسألة لتفصيل أوسع في صفحات لاحقة ، مع تأصيلها تاريخيا ، ولكني أركز الآن على محاولة تغيير المعادلة الاجتماعية في مصر والعالم العربي من خلال بعض المظاهر رغبة في تحدي الأغلبية وقهرها وإذلالها ، في ظل الاستقواء بالعدو الخارجي ، والتماهي معه على حساب المصالح الوطنية والقومية . .
    في الخليج ، أقيمت بعض الكنائس مؤخرا ، وصاحب افتتاحها ضجيج غير عادي من الفرح والابتهاج في العالم الصليبي الغربي ، والتبشير في الوقت نفسه بقرب افتتاح كنائس في أماكن أخرى في الخليج أيضا .. وهذا المهرجان الغريب الذي أقيم من أجل الكنائس الجديدة يتناسى أنه لا يوجد أصلا مواطنون نصارى في الخليج ، باستثناء العراق ، والنصارى الموجودون في المنطقة كلهم غرباء وعابرو سبيل ، أي ليسوا بحاجة ماسة إلى هذه الكنائس ، ولكن الاستباحة الصليبية المتعصبة رأت إذلال العرب والمسلمين بإقامة مبان ترمز إليها وأن لم تكن هناك حاجة إليها ، ثم التبشير بقرب إقامة كيانات طائفية تستقل عن الدول الأم على المدى البعيد كما حدث في الأطراف ( تيمور الشرقية مثلا ، ومن قبلها الفلبين ، وسيريلانكا .. ).
    الجبابرة أحيانا لا يكتفون في قهرهم وإذلالهم للضعفاء بالقسوة والإيذاء المادي أو البدني ، ولكن يبحثون عن إذلال معنوي أكثر تأثيرا وإيلاما للضحية .. مثل إرغامها على تقبيل الأيدي أو الأرجل ، أو ارتداء ملابس النساء أو التسمي بأسمائهن ، أو اغتصاب الحرائر .. وهي أمور في غاية البشاعة ، وخاصة في المجتمعات ذات التقاليد والأعراف العريقة والقيم الإنسانية الراقية ( تأمل مثلا ما فعله الصرب الهمج في البوسنة والهرسك ، وما يفعله الصهاينة في فلسطين المحتلة منذ قرن من الزمان ..!).
    إنه التحدي الذي تمارسه الهمجية الشرسة في تعاملها مع الآخر ، وخاصة المسلم ، وهو ما يجعل بناء الكنائس الخليجية يأتي في هذا الإطار الذي لا تفرضه طبيعة الواقع ، ولا الضرورة الاجتماعية التي تنبع من التسامح والمودة والمواطنة المشتركة ..
    في السياق نفسه يأتي الإلحاح من أقلية الأقلية الطائفية في مصر على مسألة بناء الكنائس أمرا مرادفا للإذلال العام ، ومع أن أحدا لم يشاهد نصرانيا يصلى خارج الكنيسة كما يفعل المسلمون يوم الجمعة مثلا ؛ حيث يصلون بجوار المساجد التي تضيق بهم فيضطرون لافتراش المساحات والشوارع المحيطة لأداء صلاتهم ؛ فإن " البلاك ووترز" الذين وظفهم خصوم الأمة لا يكفون عن التحدي والمطالبة بزرع الكنائس في كل مكان ، بل اختيار مداخل المدن وواجهاتها ؛ اعتقادا منهم أن ذلك سيعطي الوطن هوية غير إسلامية ، ويؤكد على هيمنة الأقلية ، وتوغلها الظافر في الواقع الاجتماعي !
    من هذا القبيل مثلا ما نشرته الصحف مؤخرا عن غضب النصارى لإنشاء محطة بنزين في مدينة الرحاب بالقرب من كنيسة المدينة . فقد رفضوا إنشاء هذه المحطة ، وقام خمسون شخصا منهم برفع قضية أمام المحاكم يتضررون فيها من المحطة خوفا على أرواح المصلين (!!)( المصري اليوم 22/3/2008م).
    علما أن كثيرا من المساجد تجاورها محطات بنزين وورش ميكانيكية وغيرها ولم يتضرر منها أحد منذ اختراع السيارات حتى الآن !
    المفارقة في الأمر ، أن أرض الكنيسة المذكورة مهداة من الشركة المالكة لمدينة الرحاب ، ولم تتقاض عنها الشركة أية أموال أو مقابلا ، وكانت ضمن مخطط المدينة الذي ضم رسوما هندسية لمحطة البنزين في مكانها المتضرر منه !
    التحدي منهج في الإذلال العام ، اتبعه الصليبيون في الأندلس قبل سقوطها ، وهو أمر يتناقض مع قيم النصرانية السمحاء وأخلاق المسيح عليه السلام، الذي يأمر بالمودة والمحبة وإدارة الخد الأيسر بعد الخد الأيمن ومباركة اللاعنين .. ولكن نجاح خصوم الأمة في تحريك الأقلية وتشجيعها وإمدادها بالمال والميديا الكاذبة ، جعل التحدي يقوى ويشتد ، وهو ما يرسب بالضرورة مشاعر مناهضة ، قد تترجم إلى مواقف على الأرض لا يحبها من يتوقون إلى الأمن والسلام !
    وإذا كانت السلطة البوليسية الفاشية تصر على أن السياسة لا دين فيها ، والدين لا سياسة فيه ، وتعدل الدستور والقوانين لتحرم الأغلبية من التعبير عن معتقداتها ومشاعرها الإسلامية ؛ فإننا نجد التحدي لدي الأقلية يخترق الدستور والقوانين جميعا . وتأمل مثلا موقف كنائس المنصورة من الاحتجاج على الحزب الحاكم صاحب الدستور والقوانين ؛ لتجاهل ترشيح بعض النصارى الذين اختارتهم هذه الكنائس على قائمته ، وقد أعرب الأنبا داود مطران الكنائس الأرثوذكسية في المنصورة عن استيائه من تجاهل الحزب لترشيحات الكنائس حيث لم يأخذ بكل المرشحين !! ، واحتج القس فيليبس كاهن كنيسة الشهيد اسطفانوس في المنصورة قائلا : إنه لا يجوز ترشيح ثلاثة من النصارى فقط ليمثلوا سبع كنائس (!)في المحليات بمختلف مستوياتها وسط هذا العدد الكبير من المسلمين ( المصري اليوم 19/3/2008م)، الكنيسة ترشح النصارى وليس النصارى هم الذين يرشحون أنفسهم ، ويشاركون بقية مواطنيهم في العمل العام ، لأن المسألة صارت فرزا دينيا صاخبا يعلن التحدي جهارا نهارا !!
    ترى هل يقدر شيخ الأزهر أو فضيلة الجنرال الدكتور أو المفتي أو مجمع البحوث الإسلامية على التقدم بترشيح أحد أو الاعتراض على ترشيح أحد ؟
    إن التحدي السافر النابع من الاستقواء الخارجي يبدو أحيانا أمرا طبيعيا في سياق الضعف الحضاري وتهالك النظام على الاحتماء بخصوم الأمة ، بيد أن المستقبل في ظل هذا الوضع ينذر بكوارث قد لا تبقي ولا تذر ، خاصة إذا كان هذا التحدي مدعوما في الداخل بمجموعات من الأبواق المأجورة المنتمية إلى اليسار المتأمرك وأشباهه ، وهي أبواق لا تعرف غير مصالحها ، والأرباح المادية والمعنوية التي ستعود إليها!
    .........................................
    *المصريون ـ في 25/3/2008م.
    رد مع اقتباس  
     

  3. #51 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    قراءة في رواية «زهرة الصباح» لمحمد جبريل
    ---------------------------------------------------

    «زهرة الصباح»: البحث عن الأمل.. والحلم بالنجاة

    بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
    ............................................

    1. تمهيد
    يعد محمد جبريل (المولود عام 1938م ) من أغزر الروائيين المعاصرين إنتاجاً، وخاصة فى السنوات الأخيرة، حيث قدّم للمكتبة العربيى عدداً من الروايات والمجموعات القصصية والدراسات الأدبية، منها: "إمام آخر الزمان" 1984، "من أوراق أبى الطيب المتنبى" 1988، "قاضى البهار ينزل البحر" 1989، "قلعة الجبل" 1991، "الخليج" 1993، "إعترافات سيد القرية" و "السحار" و "رحلة إلى السيرة النبوية" و "آبات الستينان" و "زهرة الصباح" 1995، وقد انتهى مؤخراً من كتابه رباعية روائية عن منطقة رأس التين فى الإسكندرية،حيث ولد وعاش طفولته وصباه، ولعلة أراد أن يقابل رباعية الإسكندرية التى كتبها "لورانس داريل" قبل عده عقود من السنين، ولكن من خلال منظورة المصرى العربى الإسلامى الذى يظهر فيه دور مساجد "أبى العباس المرسى" و "البوصيرى" و "ياقوت العرش"، وغيرها من معالم المنطقة وآثارها.
    وقد تخصّص جبريل، فى رواياته الأخيرة تقريباً فى استدعاء التاريخ، ليقدّم من خلاله قضايا معاصرة تصعب معالجتها مباشرة فى بض الأحيان، وخاصّةً ما يتعلق بالقيم الراسخة التى صارت غاية مشتركة تنشدها البشرية عامة، والعرب والمسلمون على وجه الخصوص، مثل الحرية والعدل والمساواة والشورى والكرامة والإنسانية وتوسّل إلى ذلك بالتاريخ الإسلامى والتاريخ الفرعونى والتاريخ الحديث، ثم استفاد فى روايته الجديدة "زهرة الصباح" بمعطيات "ألف ليلة وليلة" والتراث الشعبى الأسطورى فى إطار التاريخ المملوكى بمصر، ليناقش العديد من القضايا الكبرى.
    ولا ريب أن الإطار التاريخى يستدعى مهارة فائقة فى الوعى بلغة الحقبة موضوع المعالجة الروائية، سواء على مستوى المعجم، أو مستوى المفردات الاجتماعية والإنسانية، أو القيم السائدة والعادات والتقاليد التى كان يعيش بها المجتمع آنئذ، ليتحقّق الإحكامُ الروائىّ، أو الصياغة الفنية الجيدة، وقد حقق محمد جبريل كثيراً من هذه المهارة فى روايتيه: "من أورا أبى الطيب المتنبى" و "قلعة الجبل".
    وقد سبق جبريل نجيب محفوظ فى استعاره إطار "ألف ليلة وليلة" وشخوصها فى رواية له تحمل عنوان " ليالى ألف ليلة" ولكنة آثر استخدام لغته العصرية المألوفة التى يكتب بها رواياته، وركز على بعض القضايا من خلال مفاهيمه وبنائه الروائى الخاص، أما "زهرة الصباح" فتدخل فى إطار "ألف ليلة وليلة" بشكله الموروث، وتتقنع به بصورة شبه كاملة، لتنقل القارئ إلى عصر قديم، له نكهته الخاصة، ومذاقه المتميز.
    2. المرأة المتسلحة بالمعرفة
    تعالج رواية "زهرة الصباح" قضايا الصراع بين الحق والباطل، والشجاعة والخوف، والعدل والظلم، والتمرد والقمع، والإصلاح والإفساد، وتحاول أن تقد الدواء الشافى لهذا الصراع الذى يذهب ضحيته كثير من الناس قهراً وغدراً وانتقاماً، ومن خلال الحكاية المشهورة بين شهريار وشهرزاد تتّضح معالم هذا الصراع وأبعاده، سواء ما يتق شهريار وأسلوبه وتفكيره، أو تفكير الناس من خلال شهزاد وأبيها وزهرة الصباح وأبيها، وطوائف الشعب وطبقاته المختلفة.
    "شهريار" مولَعّ بقتل الفتيات اللاتى يتزوجهن بعد ليلة الدُّخول بهنّ، ويقف طابور طويل من الفتيات فى انتظار مصيرهن، من بينهن "زهرة الصباح" ابنه "عبد الملك المتبولى" كاتب سرّ الدولة، ولكن شهرزاد تحكى للملك حكاية متتابة على مدى الليالى الألف، فتغير من طبيعته القاسية، وبتحول إلى الأستقامة والعدل، وما بين قسوة شهريار واستقامته، يعيش الناس بلاءً عظيماً، وقهراً لا حدّ له، ويصاحب ذلك خراب وعنف ودم وجاسوسية ووحشية وفساد وشذوذ وتشهير، وفى ظلّ هذا الوضع تحدث أحياناً بعض محاولات المقاومة والرفض، ولكنها تقابل بوحشيو وانتقام شديدين، حتى ترسخ الخوف فى النفوس، وصار الخوف فى ذاته عنصر قهرٍ داخلى يمارس سطوته على الناس كباراً وصغاراً، حتى شهريار نفسه لحق به الخوف أيضاً، وها هو ذا يقول لشهرزاد: "أيه السعادة" وأنا لا أطمئن إلى الرقاد فى قصرى؟!"، ومع ذلك بقى الحلم بالعدل قائماً فى الصدور والنفوس، وفى الخطب والمواعظ، وظلّ الناس يتساءلون عن الفارس المنقذ الذى يتحدى الخوف ويحقق الأمل الموعود أو المنتظر، وفى الوقت ذاته هناك لجوء إلى الله واستجارة به ليرفع البلاء ويكشف الغمّة، " واجتمع الفقهاء والوجهاء وعامة الناس فى الجامع الأزهر، يتضرعون إلى الله أن يكشف الغمّة، عَلَت دعوات الناس إلى الله بأن يكشف الغمّة.."
    وقد انكشفت الغمة بفضل الله، ثم بفضل شهرزاد تلك الفتاة التى تشير إلى دلالتين أراد الكاتب فيما يبدو أن يوصّلهما إلى القارئ:
    الأولى قيمة الثقافة والعلم والمعرفة فى تغيير الطبيعة البشرية وتحويلها من خانة الشر إلى دائرة الخير الرحيبة، فلولا ثقافة شهرزاد ووعيها العلمى والفكرى وحسن استخدامها للأفكار والقصص التى تحمل هذه الأفكار، ما استطاعت أن تغير شهريار وتحوله من حال إلى حال، وقد حرصت زهرة الصباح، أو حرص أبوها على تلقينها الثقافة والعلوم المتاحة فى ذلك الحين، بالإضافة إلى القصص والحكاات التى جمها من الرواة والكتب، كى تتسلح بها عندما يأتى عليها الدور بعد شهرزاد.
    الدلالة الثانية فى تركيز الرواية على دور المرأة فى التغيير الإيجابى والفعال، ففى الوقت الذى تقع فيه رؤوس الكثير من الرجال عند محاولتهم للتغيير، فأن المرأة تحقق ما يعجز عنه كثير منهم، ولذا تستدعى الرواية عدداً من مشاهير النساء فى التاريخ للتذكير بقدرات المرأة وطاقاتها، مثل "تودد" الجارية التى همت العلماء بعد مناظرتها لهم، و "البدوية" التى آثرت زوجها على أحد الخلفاء، و "صفية" بنت ملك القسطنطينية، و"إبريزة" بنت نلك قيسارية، و "نزهة الزمان" بنت صفية وعمر النعمان، وغيرهنّ، ثم إن شهرزاد نفسها تمثل المرأة التى هزمت شهريار.
    ومع تقدير الرواية لدور المرأة فى التغيير، فإنها لا تُلغى دور المجتمع تُعدّ المرأة جزءاً أساسياً فيه تشارك فى حركته، وتسعى لتحريرة ورفع الظلم عنه، وهو ما نرته عبر سطور الرواية.
    (يتبع)
    رد مع اقتباس  
     

  4. #52 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    (القسم الثاني)
    .....................
    3. "التوازى" مع حكايات "ألف ليلة وليلة".
    يقوم بناء الرواية على فصول تحمل أرقام الليالى الألف، وما بعدها، ليست هذه الأرقام فى تسلسل الليالى الموروثة، وإنما تأخذ أرقام بعض الليالى وتترك بعضها الآخر، بل إنها تبدأ بالليلة الثانية قبل الليلة الأولى، ويشير الكاتب إلى أن ذلك بسبب اعتبارات الحكى، تُرى هل أراد الكاتب أن يزيد من أقتناعنا بالإطار التاريخى الذى يكتب من خلاله؟ أم ماذا؟ فى الحقيقة فإنى لم أر مسوّغاً ضرورياً للتقديم أو التأخير.
    يقوم الراوى فى "زهرة الصباح" بدور مهم جداً، حيث يتولى تقديم الأحداث والأشخاص، ويقطع سردَهُ فى العديد من المواضع أو الفصول حديث الشخصيات نفسها من خلال الاسترجاع أو المونولوج، ولكن الراوى يبدو هو المهيمن الأول على البناء الروائى، والمتحكم فى مسارة بصورةٍ تقيه من الترهل والفضلات الزائدة على الحاجة، ومن هنا رأينا فصولاً تطول، وأخرى تقصر حتى تحتوى على فصل واحد فقط، وثالثة تحمل تضميناً فقط، لقصةٍ شعبية أو موّالٍ أو حدثٍ من الأحداث الروائية.
    وتبدأ الأحداث بالعقدة الروائية فى تشابهٍ واضح م الراية القديمة "ألف ليلة وليلة"، حيث يتم إعدام البنات بالتتابع، كل بنتٍ فى ليلة، حتى تأتى شهرزاد وتوقف عمليات الإعدام انتظاراً للفراغ من قصّ حكاياتها المتداخلة والمتنوعة، "يأتى الصباح بنبأ إعدام فتاة جديدة" ولكن الجديد هنا، أن الناس يتألّمون لأنهم لأنهم يساعدون فيما يحدث ويباركونه.
    هناك أيضاً تشابه آخر فى اعتماد البناء الروائى على الحكايات الداخلية الكثير، تقوم شهرزاد بروايتها، أو يحكى أشخاص أخرون، وتتنوع هذه الحكايات ما بين موروث أسطورى أو شعبى أو من حكايا "ألف ليلة وليلة" نفسها، مع دلالاتٍ معاصرة بالطبع، وبعض هذه الحكايات يتيح فرصة التمدّد الروائى فى أكثر من أتجاه، وخاصة تلك الحكايات الأسطورية التى تعتمد على الحيلة السحرية مثل الاستعانه بالخاتم المسحور.
    يبدو أن البناء الروائى بصفةٍ عامة يحرص على صفة التوازى فى أبعادٍ شتى، وذلك لإبراز المفارقة السلوكية أو الفكرية، فعلى سبيل المثال يتوازى سلوك المتبولى (الحانق على شهريار، بسبب ابنته التى سيأتى عليها الدور فى الإعدام) مع سلوك شهريار نفسه، وخاصّةً بعد أن آلت له الأمور كلّها تقريباً منذ انشغال شهريار بشهرزاد، وعلى سبيل المثال أيضاً، يتوازى الواقع الروائى مع الحكايات التى ترويها شهرزاد، ففى الوقت الذى يشعر شهريار بأن بعض مساعدية ينوى الغدر به تقصّ شهرزاد حكايةً مماثلة هى "الحمّال والبنات" على أن التوازى بالقصص الشعبى من الواقع الروائى يبدو مهيمناً على بناء الرواية، كما يبدو أكثر تأثيراً فى الدلالة، وذلك لارتباطه بالوجدان الشعبى العام، ومن ذلك أيضاً ما تواجهه "زهرة الصباح" عند زواجها السرّى وتَوازيه مع قصة خضرة الشريفة، أسرها وعذابها فى ديار الأعداء، ثم تحريرها على أيدى الدراويش.
    ولا ريب أن هذا التوازى فى البناء الروائى، قد ساعدت علية الحكايات الداخلية الكثيرة، وهو بدوره أسهم فى كسر رتابة السرد، وتخليصة من الترهل، كما أضاف إلية حيوية وتنوعاً ملحوظين، وإنْ تسبّب فى إصابته بتضخّم ملحوظ فى عدد الشخوص أو أسمائها، فقد كثرت أسماء الشخوص كثرةً ملحوظة أدت فى بعض المواقع الروائية، إلى ما يشبه الإرباك للقارئ فى تتبعه للشخوص الرئيسية.
    لقد خضع انسياب الأحداث وحركة الشخوص إلى وعى هندسى حاد، مما أخضعها جميعاً للنهايات التى أرادها الكاتب، وأرادتها "ألف ليلة وليلة" ـ النصّ المستدعى ـ فقد انتصرت شهرزاد على شهريار، الذى تحول من وحش يعشق الانتقام ولا يبالى فى سبيل ذلك، إلى رجل وديع مسالم يعشق العدل، ويغدق على الجميع ويعطف عليهم، وبذا نجت "زهرة الصباح"، وإن كان والدها، قد تحول إلى زاهد يعيش أيامه الأخيرة فى خانقاه شيخو، ويقنع بما يأكل طَلَبَتُها من طعام وخبز وحلوى، وكان يوزع ما يتبقى من طعامه علىهؤلاء الطلاب، وقد أقنعه زوج ابنته بالعودة إلى القصر، ولكنه عاد مذهولاً، فاستحق الشفقة والرثاء والبكاء.
    النهاية المهمّة فى الرواية هى الحلم، الذى يحلم به شهريار لإقامة مجتمع يسودة العدل وألمن والنظام والمساواة،وقد استدعى الكاتب نهايةً موازية لها، وهى اعتراف قبيلة "عَبْس" بأبنها الذى أستعبد طويلاً وهو "عنترة بن شداد"
    على كلّ، فإن النهاية ـ كما صرحت ـ تهدف إلى أن يعود الناس إلى ممارسة حياتهم الطبيعية فى أمنٍ وسلام وطمأنينة، دون خوفٍ أو قهر أو رعب.
    4. بيئة حافلة وزمان متدفق
    تستدعى الرواية بيئةً مكانية وزمانية مطابقةً للمرحلة التاريخية، وهى المرحلة المملوكية فى مصر، وهو بيئة مختلف إلى حد ما للبيئة فى "ألف ليلة وليلة" حيث يتسع فيها المكان والزمان جميعاً.. أما "زهرة الصباح" فقد تحركت على رقعةٍ وادى النيل، ومدينة القاهرة تحديداً، فى أواخر العصر المملوكى، ولهذة المرحلة طابعها وملامحها، فقد شهدت الكثير من الصراعات والأحداث على أكثر من مستوى، وفى الوقت ذاته عَرفت تقاليدَ متنوّعة وطريفة فى شتى المناسبات، ومن ثم يمكن القول، إن البيئة المملوكية فى آواخر زمانها بيئة حافلة وحية، وتتيح للعمل الروائى فرصة العرض الحىّ الشائق الذى يَحُضُّ على المتابعة، ويير لدى المتلقى رغبة الاكتشاف.
    تحفل الرواية بوصف الأماكن والطرقات والمعالم، التى تتميز بها القاهرة، أو مصر فى ذلك الزمان، وما أكثر الحديث عن القصور والبيوت والمساكن والمساجد والدواوين، ديوان الجيش وقاعة الإنشاء، ودار الوزارة وبيت المال والزردخانة، وديوان البريد، ودور كبار الأمراء، والقصر الأبلق، وقاعات البيسرية والدهيشة والبحرة، وألسواق والحدائق وغيرها، وإن كانت القلعة، بأبهائها وحجراتها وطوابقها ومداخلها وحراسها وسكانها، هى المكان الأبرز فى البيئة الروائية المكانية، حيث كان يعيش شهريار، يلفة عالم من الغموض والألغاز والأسرار، وخاصة ما يتعلق بمصير الفتيات اللائى يلقَيْن حتفهنّ، والسجناء والمذنبين الذين يواجهون الإعدام.
    القلعة تبدو سجناً لشهريار، لا يخرج منه إلا نادراً فى المناسبات، ويَرهبه الجميع ولا يقترب مه إلا رجلان: ضائع أو مضيَّع، وتدور معظم الأحداث فى القلعة وما تضمّة من قصور وبيوت، أما بقيها فتجرى فى الشوارع والأسواق والميادين (حيث يجلس الرواة والحكاؤون) والمساجد.. وقد دخلت المقابر إلى المجال عندما تم التضييق على الرواة ومراقبة ما يقولون.
    وتبدو البيئة القاهرية فى ذلك الزمان أقرب إلى البيئة التجارية فى عمومها، وإن كانت تضم أصحاب المهن والحرف المتواضعة، وهذه البيئة هى التى تنبت فيها الشخصيات الإيجابية بحكم أنها ألقرب إلى التأثر بما يقوله شهريار ويسلكه، حيث تنعكس عليها قراراته قبل أن تنعكس على غيرهم، فهى على كل حال تمثل ما يعرف الآن بالطبقة الوسطى التى تُعد عماد المجتمع وأساسه الفعال، ,على جانب ذلك فهى عنصر رئيسى من ناصر الصراع الروائى تدفعة إلى الذروة، وتتحكم فى نهاياته.
    أما الزمن الروائى فى "زهرة الصباح" فيبدو متدفّقاً أفقياً فى تتابع مسلسل، ولكنه يعود إلى الوراء فى أحيان كثيرة ويتجاوز الفترة الزمنية الروائية التى تمتد إلى ما بعد "ألف ليلة وليلة"، وذلك عن طريق الراوى أو الاسترجاع، فالراوى يملك قدرة واسعة على عبور المكان والزمان من خلال الحكايات الشعبية والتاريخية والأسطورية العديدة، فيمكنه مثلاً أن يعود مئات السنين ليتحدث عن الهلالية والزناتى وسيف بن يزن، وعنترة وكليب، وبذا ينفسح الزمان وتتّضح آفاق جديدة، ورؤًى مختلفة تعطى للزمن الحقيقى طماً متميزاً، وتكسر رتابة السرد الروائى، خاصة وأن الحكايات تأتى ـ كما سبق القول ـ لتوازى الأحداث الروائية فى السرد، ولنتأمل مثلاً، مايقوله الروائى فى بداية الليلة الخامسة بعد التسعمئة :
    قال الراوى عن الصحصاح بن جندية، فى سيرة "ذات الهمّة" :
    ـ لو عاش فى عصر عنترة، لجعله من رجاله، ولغدا عنترة بن شداد من غلمانه..
    وقالت زهرة الصباح للجارية نسيم :
    ـ ماذا لو بدَّلتِ اسمك إلى عُنيترة؟
    قالت نسيم:
    ـ وأنى لى أن أصل إلى عُنيترة! لقد قادت أخوتها بعد وفاة أبيها!
    استطردت فى دلال
    ـ أليس "نسيم" أجمل وأرقّ؟
    قال زهرة الصباح:
    ـ لكن عُنيترة صارت ـ بعد إسلامها ـ واحدة من المسلمين الغزاة الأوائل!
    ويقوم الاسترجاع بالعودة إلى تاريخ الشخوص وسيرتهم الذاتية، أو إلقاء الضوء على الأحداث الروائية، كما نرى فى سيرة "عبد الملك المتبولى" وهو يقارن بين ما انتهى إليه من مكانةٍ وجاه عند شهريار، وكيف بدأت حياته منذ زمان بعيد:
    "الرحلة طويلة، منذ أن أنهى حفظ القرآن فى الكتاب، وجلس إلى إمام المغاربة فى عموده بالجامع الأزهر، ثلاث سنوات وأربعة أشهر، أفادته حياة المجاورين، اختلاف المشارب والاتجاهات، والمناطق التى قدموا منها، دلّ على متأمرين فى طائفة البهرة، جعلوا من جامع الأقمر وكراً لنسج مؤامراتهم، بلغ شهريار ما له، فطلب استدعاءه، أدناه منه، وسأله عن اسمه وبلدته وأحواله، خلع عليه، وأمر بإلحاقة فى طباق القلعة"
    ثمة ملمح آخر فى الزمن الروائى فى "زهرة الصباح" هو انتماء اللغة إلى زمن الرواية الأصلى، فى العصر المملوكى، وكثيراً ما نجد معجم هذا العصر حاضراً فى عملية القصّ والوصف، بحيث يتشكل أمامنا العصر القديم بملامحه وأحداثه، ولنتأمل هذه العبارة مثلاً:
    "قضت زهرة الصباح وأمهّا اليوم كلّه عند جدتها فى المغربلين، جرى فى القصر تطويش خمسة من العبيد السود، ليقوموا بحراسة حريم القصر، وخِدْمتهنّ، مع أنّ التطويش كان يجرى فى مداراةٍ داخل السراديب السفليّة،فإنّ عبد الملك المتبولى كان يشدَّ على الأم والابنة فتغادران القصر" .
    و "التطويش" يعنى إخصاء الذكور بما يجعلهم غير قادرين على ممارسة الحياة الجنسية، مما يؤهلهم إلى خدمة النساء فى قصور السادة والحكام دون خوفٍ عليهنّ، وكان التطويش سائداً فى الفترة المملوكية وما بعدها، حتى انتهى بإلغاء الرق فى القرن الماضى تقريباً.
    يمكن القول: إنّ لغة الرواية لغة تاريخيّة أو زمنيّة، تنتمى إلى التاريخ، وإن كتبت بصياغة العصر، وبذا يحقق الكاتب تناغماً ملحوظاً بين الأحداث والبيئة واللغة جميعاً فى إطاؤ تاريخىّ يتحدث عن عصرنا بصورةٍ ما.
    (يتبع)
    رد مع اقتباس  
     

  5. #53 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    (القسم الثالث)
    .....................
    4. ابطال الرواية.. والتغيير.
    تحفل "زهرة الصباح" بكثيرٍ من الأشخاص، لدرجة يصعب معها تحديد الشخصية الرئيسية التى يمكن أن نتوقف عندها، فلا شهريار، ولا شهرزاد، ولا دنيا زاد، ولا عبد الملك المتبولى، ولا ابنته زهرة الصباح، ولا غيرهم، يمكن أن ينفصل فى دورة عن الآخر، وخاصّةً أن بعضَهم الواقعىَّ يقوم بدور موازى لبعضهم التاريخى (أو المستدعى تاريخياً) أيضاً فإنّ أرباب الحرف والمهن والتجار يقومون بدور رئيسى فى أحداث الرواية، وكأن الكاتب جعل منهم شخصية قائمة بذاتها فى مواجهة شهريار، وسكان القلعة، كذلك فإن هنالك نوعية أخرى من الشخصيات مجهولة الأسم والملامح تقوم بدور الرواة الذين يقصّون الحكايات الشعبية على العامة، فى صورة موازية لأحداث الرواية الواقعية، وهؤلاء يمثلون نوعاً من المقاومة يزعج شهريار وأتباعه، لأن قصصهم تشير إلى ما يجرى فى القلعة وتُعلَّق عليه، ولعل الرواية أرادت أن ترمز بهم إلى نوع من المثقفين يختلف عن عبد الملك المتبولى مساعد شهريار، ويملك فى الوقت نفسة القدرة على العمل الإيجابى مهما كان الحصار شديداً والمقاومة دائمة، أمّا من يفتقر إلى الفعل الإيجابى أو الصدق فيما يقول، فإن الناس ينفضون من حوله بل ينقضون عليه، وهو ما حدث عندما خاض الراوى فى حارة الجودرية، فيما لا صلة له بقصص العرب، وحكايات الأيام الغابرة، وأخترع حكايات أخرى تخدم المتبولى وأعوانه.
    ومع ذلك، فإن الكاتب قد أعتنى ببعض الشخصيات على وجه خاص، ورسمها بصورة معينة لتمثل حالةً ما، أو نموذجاً ما، يشارك فى الآداء الروائى المشترك.
    أول هذه الشخصيات بالطبع "شهريار" وقد جعلته الرواية شخصية متحولة، حيّة، نطالع أعماقها، ونقرأ أفكارها، ونشاهد عملية تغيّرها على يد شهرزاد، من إنسان قاسٍ متوحشاً، يجد لذة فى اإنتقام ومتعة فى القتل، إلى شخصية أخرى تسعى إلى العدل وأحترام آدمية الإنسان والحفاظ على كرامتهم.
    وفى البداية تطرح الرواية أسباب شهوة "شهريار" للانتقام وقسوته فى معاملة الناس، فتخبرنا أن الخيانة الزوجية كانت سبب كرهه للمرأة، وانتقامه من النساء، وقتله لكل فتاة بعد أن يدخل بها، ويبدو حين يطلب عروس اليوم التالى إنساناً آخر غير الذى كان أمس، إنّ شهريار يبدو شخصية مزدوجة، وخاصةً حين يجتمع إلى شهرزاد ويستمع إلى قصصها فينسى وحشيته، ويتحول إلى إنسان رقيق، وكأنه لم يأمر بالقتل أبداً! بل أنه إنسان محب للثقافة والمعرفة، ولعل حبه هذا اتضح بعد تأثير شهرزاد عليه، فقد أمر بإعادة تأسيس مكتبة لقصر، وتزويدها بما تحتاجه من الكتب بعد أن عانت طويلاً من الإهمال ونهب الخدم والحراس معظم ما فيها، وخصص المكافآت لمن يزوّد بما فى حوزته من نفائس المخطوطات وكتب القدامى والمحدثين،وعين للمكتبة خُزّاناً وخَدماً وفراشين، ووفر ما يحتاج إليه النساخ والمطالعون من الأقلام والمحابر والورق، وأمر النساخ أن يكتبوا بعض المؤلفات القيمة بماء الذهب، وغير ذلك من مظاهر العناية بالمكتبة ورعاية القراء والاهتمام بالعلماء والأدباء والشعراء..
    تصور الرواية شهرذاد وقد غيرت شهريار حتى زهد فى الدنيا، وندم على ما فرط فى قتل النساء والبنات، وتوبته إلى الله عن ممارسة الظلم، مما حداها على أن تُعلَّ على حديث له بأنّ طبيعته تختلف عما يظهره، ثمَّ تظفر شهرزاد بالعفو والحياه، لأنه رآها عفيفةً نقيّة، ومن أجل أن ترعى أولادها الثلاثة.
    وبدأ شهريار مرحلة تغييرٍ شاملة فى أرجاء الدولة، فغاب الخوف بعد أن غابت اليد الباطشة، وسادت العدالة والمساواة والرحمة لدرجةٍ أدهشت الناس، حيث نظروا فى البداية إلى الأمر بشئ من الريبة، ثم أطمأنوا بتوالى الأحكام الصائبة فى حكمه، وأيقنوا أن الله أذهب ما فى نفسه من مشاعر غاضبة، وشفى صدره.
    لقد حققت الرواية، من خلال تغيُّر شهريار بالثقافة والفكر، صورة الحاكم/ الحلم، والإنسان/ المثال، بدلآً من أت تجعله عرضةً للعقاب على يد المظلومين الذين أوذوا، وصبوا طويلاً على القهر والكيد، وكأنها تطرح حلاً لما يعانيه الناس يتمثل فى تثقيف المسؤول وملء رأسه بالمعرفة حتى يعود إلى جادة الصواب، وإن كان هذا الحل ليس ناجحاً دائماً، فكثيراً من الطغاة كانوا من المثقفين الأذكياء، ولم تمنعهم الثقافة أو الذكاء من التوحّش وقهر العباد.
    أمّا "شهرزاد" فهر رمز المرأة المثقفة الجسور، التى تواجه الخطر بصبر وإيمان، رباها أبوها الوزير "رندان" أحسن تربيّة، وعلّمها وثقّفها، فاستفادت بكل هذا فى ترويض شهريار وتحويله عن الطغيان والقتل، وكشفت عن مشاعره الإنسانية الطيبة، وأحبته، وأنجبت منه، وافتدت أختيها "دنيا زاد" و"زهرة الصباح" وبقية بنات جنسها، ومثلت "الفتاة القدوة" للأخريات وخاصةً "زهرة الصباح" التى راح أبوها يلقنها ما يصل إلى سمعه من معلومات وحكايات حتى تتسلح بها فى مواجهة شهريار حين يأتى الدور عليها.
    لقد تطابقت صورة شهرزاد فى الرواية مع صورة شهرزاد فى "ألف ليلة وليلة" ولكنها هنا تحولت إلى رمز أكبر، بحكم موقعها الصعب المتأزّم الذى يجعلها بين الحياة والموت، يطلع الصباح كل يوم ويتوقع الناس أنها قتلت بيد شهريار، ولكنهم يكتشفون أنها مازالت على قيد الحياة، حتى انتصرت فى النهاية، وكأن الرواية تبشر بانتصار الشعوب وعودة السلام إلى جنباتها، وفى الوقت نفسه تؤكّد على قدرة المرأة المثقّفة فى وقت التدهور والمأساة، "من كان يتصوّر أن الحدّوتة وحدها هى التى أفلحت فى وقف مسلسل الإعدام؟! " .
    وتبدو "زهرة الصباح" فى الرواية ظلاًّ واقعياً لـ "شهرزاد" أو موازياً واقعياً لها، فهى تقتفى خطاها، فى العلم والمعرفة والثقافة، وتعيش محنتها حين تنتظر دورها، بعد أن يقضى شهريار عليها، فتقوم بقصّ الحكايات عليه أملاً فى أن تطيل عمرها بعض الوقت أو تَفْلِت من مصيرها المؤلم، لذا تتحلّى بقدر من الشجاعة وحبّ الحياة فى قلب المحنة، وتوافق على الزواج سرّاً من الشابّ التاجر "سعد الداخلى"، ابن التاجر "الداخلى الملوانى" وهو من التجار المرموقين الذين حققوا أموالاً كثيرة وأقتنوا الدوابّ والأراضى فى الريف، ويحرص دائماً على أن يرعى الله فى كل أعماله والتمسك بأحكام الدين، ويبتعد عن أهل الخلاعة والفسوق، ومن أجل "زهرة الصباح" قَبِلَ أن يكون مجرّدَ خادم فى قصر المتولى والدها، حتى لا يكتشف أمره، وتعيش معه "زهرة الصباح" حياةً يظلَّها الخوفُ وعدم الأمان، وكأنها تحتمى بالزواج ممّا تتوقعه وتراه! بيد أن نجاح شهرزاد فى تغيير شهريار، يحقق لها أمان كما حققه لبنات جنسها وأبناء جنسها جميعاً.
    وكما بدت "زهرة الصباح ظلاً موازياً لشهرزاد، فإنّ عبد الملك المتبولى والدها، يبدو كذلك ظلاً موازياً لشهريار مع الفارق بين الرجلين، فإذا كان شهريار يهوى الزواج بالفتيات ثمّ يقتلهنّ، فإن المتبولى يحب ابنته ويحرص بكل السبل على أن تبقى حيّةً ولا تتعرّض لمصير الأخريات، ويجمع الرجلين، بعدئذ وقبله، التصرف بقسوةٍ ووحشية وقمع العباد، وإن استطاعت شهرزاد أن تغيّرهما بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة، فينتهى الأول إلى إقامة العدل، ويتحول الثانى إلى زاهد فى الدنيا مذهول كأنه نسى نفسه والناس!
    ومع تضخّم الرواية بالشخصيّات، خاصّةً الجوارى والعبيد والضحايا، فإن هناك بعض الشخصيات الثانوية المهمة، لأنها تقوم بالتوصيل أو التواصل بين الشخصيات الرئيسية، وتلقى الضوء على سلوكها وفكرها، وخاصّةً فى الأماكن المغلقة أو المستعصية على العامّة،وأولها "القلعة" وقصورها وغرفها، ويمكن أن تُعدّ الدلاّلة "حمدونة" أو الجارية "نجوى" من الأمثلة الدالة على ذلك، أيضاً فإن بعض هذه الشخصيات تمثل الآداه الفاعلة أو التى لا بد منها مثل شخصية "مسرور" السيّاف، الذى يتحرّق شوقاً فى كل آن لتنفيذ أوامر سيده بقطع الرؤوس على النطع، وهو هائل القامة، أسود البشرة، يغطّى الشعر الأكرت رأسه إلى الأذنين، وأهم ما يميز سحنته شفتان غليظتان كأنهما منفصلتان عن بقية الوجه، وقد جعلته شهرزاد يقضى شهوراً دون أن يؤدى واجبة اليومى المتمثل فى الإطاحة برأس الفتاة التى تُزف إلى شهريار.
    وتقدّم الرواية نماذج عديدة للضحايا، وإن كانت لم تتوقف أمامهم كثيراً ولعل ذلك يرجع إلى كثرتهم، مثل: "معروف خضر" و "بهاء زينهم" و "عقيل البابلى" و "طاهر العجمى" و "جعفر الوزان" وغيرهم.وواضحّ أن كثرة الشخوص فى الرواية تبير عن طبيعتها التى تعالج قضية عامة تهم جميع الأفراد فى المجتمع، لذا جاء بعضها جاهزاً ومرسوماً من الخارج، باستثناء الشخصيات الرئيسية فى أثناء القراءة من الداخل أو الخارج معاً، كما يتبدّى فى شهريار "شهريار" وظلة الموازى عبد الملك المتولى، وشهرزاد وظلها الموزاى زهرة الصباح.
    5. لغة تاريخية.. فى سياق عصرى :
    تتميز الصياغة لدى محمد جبريل بخصائص مشتركة، تكاد تنسحب على معظم رواياته، فهمو حريص على أن تبدو الجملة الروائية قصيرة وبسيطة قدر الإمكان، كما يحرص على إسقاط أدوات الربط بين الجمل تبعاً لذلك، ولعل هذا يعود إلى تأثره بلغة الصحافة التى تحرص على الإيجاز، ومن علائمه تقصير الجلة من حيث التركيب وإسقاط الرورابط، ولكت لغته فى مجموعها ـ كما قلت فى مناسبة أخرى ـ نقيّة، وبعيدة عن الترهلّ والمفردات الزائدة.
    الجديد، هنا، هو استخدام اللغة التاريخية الملائمة للإطار التاريخى فى الرواية، ولا نعنى باللغة التاريخية أنها لغة قديمة سادت فى هذا الزمان الذى جرت فيه أحداث الرواية، ولكنها تستخدم مفردات المعجم الذى يشير إلى تاريخية اللغة فى سياق عصرىّ، وقد أشرنا إلى فى الفقرة الرابعة، فمفردات العادات والتقاليد والمسميات والتقسيمات الإدارية والوظائف والرتب والألقاب.. الخ، كلها نجدها ائمة فى لغة السرد الروائى، يذكر الكاتب بدقةبل أنه يأتى أحياناً بفقرات مسجوعة على غرار الأسلوب المسجوع الذى كان شائعاً فى ذلك العصر، ولنقرأ، مثلاً الفقرة التاريخية التى تصف "مريم الزنّارية" مع ما فيها من طرافةٍ عصرية أحياناً:
    "كأنها فضّة نقيّة، أو بلطية من فسقيّة، أو غزالة من بريّة، بوجةٍ يُخجل الشمس المضيئة، وعيونٍ بابلية، ونهودٍ عاجية، وأسنان لؤلؤيّة، وبطن خماسية، وأعطاف مطويّة، وسيقان كأطراف ليّة، كاملة الحسن والجمال، ورشيقة القدّ والإعتدال.." .
    (يتبع)
    رد مع اقتباس  
     

  6. #54 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    (القسم الرابع)
    ......................
    بيد أنّ الرواية تحرص على أن تقد ذلك العصر من خلال وصفٍ حرّ ينقلنا إليه وإلى معالمه، تأمّل، مثلاً، وصف مسيرة أحدِ المواكب التى أشتهر بها :
    "سار الموكب من حىّ الطبّالة، على الجسر الطويل بين بركة الرطلى والخليج الناصرى، فى المقدمة حملة المشاعل، ثمّ المئات من فرس الديلم، يرتدون الثياب الموشاة بالقصب، ويحملون الحراب، ثم حملة العصىّ، يتقاذفونها فى الهواء، فراكبوا الجمال، يضربون كؤوساً معدنية، وركب الآلتية ظهور الحمير، يضربون على الطبل، أو يعزفون على آلات النفخ، يتبعهم الصُّحبجيّة وأولاد عبد السلام، بثيابهم الواسعة، الملوّنة المزركشة، يتقدمون ويحيطون بالهودج، الذى جلست "شهرزاد" فى داخله، تنثر عليه خائف الذهب والفضة ".
    والأمر يسير على هذا النحو فى وصف الأماكن والمجالس والقصور، بما يتلاءم مع الصورة التاريخية التى تنبض بالحياة من خلال اللغة الحية أيضاً، فإنّ الحوار ينطبق عليه ما ينطبق على الوصف، وتعبّر اللغة عن دلالاتٍتاريخية خاصةً بذلك العصر، وأنماط السلوك فيه، فضلاً عن الحوار فى البناء الروائى وقيامه بدوره ى عملية الكشف والنفسير والشرح، وربط الحاضر بالماضى، وتوقع الأحداث الآتية، مثلاًُ، أن نقتطف الجزء التالى من الحوار الذى دار بين زهرة الصباح وزوجها سعد الداخلى، حيث كان يتهيّأ للخروج من البيت وهى تبدى إشفاقها عليه:
    ـ أظلّ فى خوف عليك، منذ خروجك من البيت، حتى عودتك إليه!
    تلاعب بأصابعه شأن المتحيّر:
    ـ جعلنى أبوك خادماً فى قصره.. لكننى كذلك أشرف على أعمال أبى.
    فوّتت المعنى:
    ـ وبماذا تقدّم نفسك للمحتسب؟
    وهو ينزع الشارب الأسود من فوق شاربه المائل للاصفرار:
    ـ كما تعلمين.. أغادر القصر متخفيّاً، وأعود إليه متخفيّاً..
    استطرد وهو يتهيأ لاحتضانها:
    ـ أنا عند أبى مشرف على أعماله. أما هنا، فأنى سعيد بأن أكون خادماً لمحبوبتى الجميلة.
    وكما نرى، فإنّ الحوار، مع كفه لطبيعة العلاقة بين الزوجين، وظروف الزوج الذى يتخفى للوصول إلى زوجته، بالإضافة إلى التعريف بطبية عمله، فإنه يشير إلى الوظيفة التاريخية الهامة التى كانت سائدة فى عصر الرواية وهى وظيفة المحتسب، وكانت مهمّته مراقبة الأسواق، والآداب العامة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، من خلال مساعديه الذين يختارهم من بين المؤهلين لهذه المهمّة.
    وعلى هذا النحو يمضى الحوار فى المواضيع الأخرى حاملاً الدلالة التاريخية، وقائماً بمهمّة الكشف والإيضاح، تؤازره فى ذلك عملية تضمينٍ واسعةُ النطاق تعتمد عليها الرواية، ويتنوع التضمين ـ الذى ينتمى إلى الموروث ـ ما بين موّال، وحكايةٍ شعبية، وأسطورة، وإن كان الموّال أكثرها حضوراً من حيث الإبقاء على صيغته الأصلية.. أما الحكاية أو الأسطورة فقد تتعدّل صياغتها اللغوية لتكون أقرب إلى القارئ المعاصر..
    إنّ الموّال، وهو صورة من صور الزَّجَل، يبدو أقرب إلى روح الشعب ووجدانه، فضلاً عن لهجته الدارجة القريبة من الفصحى، وقد أكثرت الرواية من تضمينه بحكم تسجيلة لأحزان الناس ومعاناتها فى واقعها وحياتها، فاهتمّ به الرُّواة الذين يقصّون الحكايات الشعبية فى المقاهى والميادين والحارات، واستدعته الرواية، ليؤكّد على اللغة التاريخية، ويتوازى مع الأحداث ودلالاتها، لذا نجد بعض فصول الرواية تقتصر على موّالٍ واحد فقط، لتكثف من دلالته، ولتؤكد على الأمل فى النجاة وعبور المحن، ولو بالموت، ففى الليلة الثامنة بعد الثلاثمئة مثلاً، يقول الراوى:
    الـدنـيـا غـازيـّة مـا داِمـتْش للـنّاس ولا لـيـّهْ
    ولا دامِتْش لمصرى ولا للرُّومى اللى نشا سور اسكندريّهْ
    ولا دامتش لسيدنا داود اللى فتل الحديد، ولان لما بقى مَيّهْ
    ولا دامتش لـسيـدنا سليمان اللى طاعـه الإنس والجنيّهْ
    ولا دامـت لسيف اليزل اللى سعى وجـاب كـتاب المِيّهْ
    ولا دامتش لأبو زيـد وديـاب أيـام حـروب الهلاليّةْ
    والموّال هنا هو كلّ الفصل الروائى، واعترض المجال السردى ليؤكد على حقيقة الموت التى تطال الجميع بلا تفرقة ولا تمييز، وكأنّ الرواية بهذا الفصل الموّال، تؤكد مسبقاً على مصير شهريار المحتوم مهمه علا فى الأرض وجعل أهلها شِيَعاً.
    ولا يقتصر التضمين بالموًال على هذا الفصل، ولكنه يتكرّر فى مواضع أخرى تشى بالحزن والألم، ولعلّ أكثرها توفيقاً الليلة الثامنة والثلاثون بعد الثمانمئة، حيث أنشد الراوى موّالاً، منه هذه الأبيات:
    وكـلً سـاعَهْ نقـولْ بكرَهْ حا تتعدّلْ
    ومهما نسعى نـلاقى الـزهر بَـهْدلْنا
    ظـروفنا هيّـه كِـدَهْ حلفتْ ما تتعدّلْ
    مـا دام معاهْ حَـظّ.. أحـوالُه بتتعدّلْ
    وصاحب العقل فى الدنيا عايشْ مظلوم
    والتضمين بالحكاية الشعبية قد يشمل القصة كاملةٍ، مثل حكاية القديس الذى ذبح الوحش وانتصر عليه، كما فى الليلة التاسعة بعد الأربعمئة، أو إشارات تستدعى الشخصية الشعبية مع ملمح من قصتها، كما نرى فى استدعاء عنترة وكليب والهلالية وغيرهم على مدى صفحات الرواية، ممّا يعطى المذاق التاريخى للرواية بعامّةٍ وللغتها على نحوٍ خاصّ.. وإن كان الحصاد فى النهاية عصرياً وقائماً بالقرب منا.
    6. رواية الحلم بالنجاة:
    وبعد..
    فإن "زهرة الصباح" حلقة جديدة من حلقات البحث عن الأمل، والحلم بالنجاة من خلال إقامة العدالة والمساواة والرحمة، ورفض الشرّ والقسوة والانتقام الأعمى، ليعيش الناس فى أمن سلام وطمأنينة.
    رد مع اقتباس  
     

  7. #55 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    الأنـــــــــــــــــــــــــدال

    أ.د. حلمى محمد القاعود
    ....................................

    هو صمت القبور . دلالة الموت الأبدى .. تطبق على العواصم العربية والإسلامية . لم ينطق أحد ، والغزاة النازيون اليهود يدمرون لبنان ويحاصرونه ، بعد أن دمروا غزة وحاصروها.... مئات القتلى والجرحى من المدنيين البسطاء فى غزة ولبنان ، يلقون حتفهم أو ينزفون الدماء ، دون أن تهتز عاصمة عربية ، أوتصدر بيانا يستنكر أو يشجب – كما كان فى الزمن القديم! – إبراء للذمة على الأقل ، وكأنهم يوافقون ضمناً ، بل يساعدون ضمنا ، حكومة الغزاة النازيين اليهود على حرب الإبادة ضد الفلسطينين واللبنانيين الذين يقودون المقاومة الوحيدة ضد الإجرام النازى اليهودى ..
    حكومة موسكو استنكرت العدوان النازى اليهودى على الفلسطينيين واللبنايين ، كما استنكرت استخدام اليهود للقوة المفرطة ، ولكن الأشاوس والنشامى العرب والمسلمين لم يستنكروا أبداً ، بل لم ينطقوا أبداً ، واكتفى بعضهم بالقيام بدور ساعى البريد بين العدوّ النازى اليهودى والمقاومة الإسلامية فى غزة ولبنان .. وفى سياق هذا الدور لا يخافت ولا يخجل من طلب إلى المقاومة أن تستسلم للعدو وتسلم بمطالبه !
    لقد قامت المقاومة الإسلامية فى غزة بعملية " الوهم المتبدد " ، فقتلت جنديين من الغزاة ، وأسرت ثالثاً ، وقامت المقاومة الإسلامية فى لبنان بعملية " الوعد الصادق " ، فقتلت سبعة من الغزاة ، وأسرت اثنين . وكان ذلك تحولاً بارزاً فى أداء المقاومة أذهل العدو ، وأربك خططه العدوانية ، وحطم كبرياءه وصلافته ، وأتاح الأمل لتحرير الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين من قبضته .
    الغزاة النازيون اليهود فى فلسطين تعودوا أن يأمروا فيُطاعوا ، وقد أمروا الأنذال فأطاعوهم منذ بدء غزوهم لفلسطين ، لدرجة أن الخونة الأوائل كانوا يطلبون منهم مبالغ مالية قليلة لإحياء ليالى شهر رمضان المعظم فى قصورهم المنيفة ! ( راجع ما كتبه المؤرخون اليهود الجدد عن الخيانات العربية ) ولكن الأمور تغيرت بعد بدء المقاومة والانتفاضات واعتماد الشهادة سبيلاً إلى استخلاص الحقوق وتحرير الأوطان وتخليص المقدسات .. وإذا كان الغزاة اليهود قد انزعجوا لهذا الأسلوب الذى تبناه الشعب الفلسطينى والعربى ، فإن المفارقة تكمن فى أن الأندال توافقوا مع الغزاة فى هذا الرفض ، وصارت المقاومة ذات الصبغة الإسلامية خطراً داهماً يجب عليهم التصدى له ووأده وسحقه واستئصاله من الوجود !
    بماذا تفسرون قسوة الأنظمة العربية الحاكمة ضد شعوبها عامة ، والمقاومة الإسلامية خاصة ، فى الوقت الذى تطأطئ فيه رءوسها وتصمت صمت الحملان عن إجرام الغزاة اليهود وعدوانهم واستهانتهم بالعرب والمسلمين ، فضلاً عن القوانين الدولية وما يسمى الشرعية الأممية ؟
    أليس من العار أن تصمت الأنظمة على تدمير لبنان وقتل ابنائه ، فى الوقت الذى لا تتسامح فيه مع كاتب أو ناشط سياسى كتب أو قال كلاماً لا يُعجبها أو لم يرق لها؟
    أليس من العار أن تصمت المدافع على الجهات المحتلة ، ولكنها لا تتردد فى دك المدن والقرى التى يفترض أن بها معارضين لهذه الأنظمة ؟
    أليس من العار أن تتفرغ بعض الأنظمة لمحاربة الإسلام والحجاب وتخصيص بطاقات ممغنطة لمن يدخلون إلى المساجد أو يخرجون منها ؛ فتضع الأولين تحت المراقبة وتترك للآخرين حرية الحركة ؟
    إن الأندال هزموا الشعوب العربية والإسلامية من الداخل قبل أن يهزمهم الغزاة النازيون اليهود ، ومع ذلك فإن هذه الشعوب بدأت تستيقظ وتأخذ زمام المبادرة ؛ وستنتصربإذن الله بعد أن تقدم الدم والمال والجهد والصبر الجميل .
    المقاومة الإسلامية فى غزة ولبنان تقلق العدوّ النازى اليهودى وتقض مضجعه ، والعدو يتمادى فى عدوانه مدعوماً بالصليبية الاستعمارية المتوحشة بقيادة الولايات المتحدة ، وصمت الأندال ، وتواطئهم أيضاً .
    شعوبنا بعيداً عن الأندال ، تستطيع أن تقدم الكثير لدعم المقاومة وإيلام العدو وداعميه ، يستطيع التجار فى البلاد العربية والإسلامية أن يوقفوا صفقاتهم مع الدول الاستعمارية الصليبية طالما هناك بديل فى أماكن أخرى . يستطيع المواطنون أن يُقاطعوا البضائع القادمة من بلاد التوحش الاستعمارى الصليبى . يستطيع المواطنون أن يُقاطعوا الشركات والهيئات والأفراد التى تتعامل مع العدو النازى اليهودى أو تمالئه ، أو تمالئ الصليبيين الاستعماريين . يستطيع المواطنون العرب والمسلمون أن يفعلوا الكثير ، ولهم فى تجربة الدانمرك أسوة حسنة ، وعلى علماء الدين أن ينهضوا بدورهم فى هذا السياق لقيادة الأمة مهما كانت الضرائب التى ينبغى دفعها .. وألا يعتمد ا على علماء السلطة وفقهاء الشرطة ، الذين باعوا الآخرة بالدنيا ، وآثروا رغد العيش على شرف الدعوة والجهاد ..
    (( فاصبر صبرا جميلاً . إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا )) ولا عزاء للأندال !
    .....................................
    *مصر الحرة ـ 16/7/2006م.
    رد مع اقتباس  
     

  8. #56 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    مسألة بقاء ، وليست مسالة سلام!

    بقلم: د. حلمي محمد القاعود
    ................................

    شغلنا القاعدون عن الجهاد ، والموالون لأميركا واليهود، وكتاب المارينز ،وكتاب لاظوغلي ؛ عن النظر إلى المستقبل الذي يستعد فيه الغزاة النازيون اليهود لجولة أخرى من القتال ضد العرب والمسلمين في لبنان وخارجه، تعيد لجيشهم هيبته المحطمة وقدرته المكسورة .
    شغلونا بنظرياتهم وأفكارهم وأحكامهم بتكفير هذا الحزب أو ذاك ، وعدم شرعية مساندة هؤلاء المقاتلين أو أولئك ، والدخول إلى معمعة التنقيب عن العدو الحقيقي للأمة ؛ هل هو إيران الصفوية أم أميركا الصليبية ؟ وأخذوا يحدثوننا عمن ساند الأميركا ن الغزاة في حربهم ضد العراق وأفغانستان ، وتناسوا من جعلوا أراضيهم ومياههم وسماواتهم قواعد عسكرية وممرات جوية وبحرية للغزاة المجرمين ..
    وتباروا في تحديد من انتصر ومن انهزم ، وأقسم بعضهم بالأيمان المغلظة أن حزب الله جلب العار والشنار للأمة ، لأنه ظل يدافع عن لبنان ، ويضرب اليهود في أعماق معاقلهم 34 يوما تحت قصف الفانتوم 15، 16 ، 18 ، وبوارج ساعر 4، 5 ، ومدفعية الميركافاة ، ولم يهرب من الميدان .. ونسي القوم أن شعبية حزب الله ورئيسه حسن نصر الله ؛ فاقت كل التوقعات على امتدد العالم الإسلامي بسنته وشيعته و،ومسلميه ومسيحييه ، باستثناء تحالف 14 آذار ، وحكومات العرب ، وخونة المهجر ..
    ومن غرائب هذا الإشغال أن القوم كانوا مهمومين بقضايا فرعية ونشرها على أوسع نطاق في الوقت الذي كانت طائرات العدو تدك فيه الضاحية الجنوبية لبيروت وبنت جبيل وبعلبك ومرجعيون وغيرها ، فأي عقلية تلك التي تترك دماء الشهداء ، وأطلال الدمار وقوافل المهجرين ، وتهتم بحكم فك السحر بالسحر ، وإلغاء خانة الديانة في البطاقة الشخصية والوثائق الرسمية ، وفتوى المفتي حول التماثيل وسرد الشتائم والسخرية التي وجهت له ، ونشر ثقافة السلام في ربوع الأوطان المهزومة المنكوبة بالفساد واللصوص الكبار والصغار ، الموعودة بالنكبات وحوادث الطرق والعبّارات والقطارات ؟
    ويدخل تحت هذه الغرائب ما ينقله كتاب لاظوغلي بلا خجل من ملفات زملائهم المخبرين حول تحركات هذه الجماعة الإسلامية أو تلك ، مما يعد سقطة مهنية وخلقية بكل المقاييس .. أما سخريتهم من الحديث عن التطوع والقتال بجانب الأشقاء في لبنان ضد الغزاة اليهود فحدث ولا حرج .. لقد ذهبت بهم سخريتهم إلى حد الصفاقة والوقاحة حين جعلوا من رغبة التطوع ، وجودا فعليا لميليشيات مسلحة تستعد للانقضاض على الحكم وسرقته ، وتناسوا أن لا ظوغلى لم ولن تسمح بهذه المليشيات المزعومة ، فهي تعلم دبة النملة في كل مكان .. وحاشا لله!
    شغلونا وتناسوا أن القضية الأكبر والأعظم؛ هي قضية الوجود المستباح ، مما يتطلب أن ينهض الناس جميعا لحماية وجودهم وأرضهم وحاضرهم ومستقبلهم .
    شغلونا ، وتناسوا أن الشيطان الأكبر ، يقود بنفسه عملية استباحة البلاد والعباد ، وتأكيد الحصار على لبنان جوا وبحرا وبرا ، ليخنق الشعب الذي يزعم أنه يحميه ويحرره ويحافظ على استقلاله ، بعد أن أخفق الشيطان الأصغر في تحقيق أهدافه ، ثم إن الشيطان الأكبر يساوم الدول الكبرى لتقوم بجوانب محددة من هذه المهمة كي يفرغ للمهمة التالية التي أعلنت عنها الآنسة كوندي ؛ وهي بناء الشرق الأوسط الجديد ، بدءا بضرب إيران وتمزيقها إلى دويلات تستدعي بالضرورة تمزيق العراق والسعودية وسورية رسميا ، وانتهاء بالجائزة الكبرى حيث تتمزق أم الدنيا والسودان الشقيق!
    وأسأل هؤلاء الأشاوس والنشامى الذين يرون في أميركا واليهود ملاذا وملجأ : من الذي سلطكم على أمتكم في هذا الوقت الحساس وهذه الظروف الحرجة لتساعدوا الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر ؟
    من الذي خدعكم كي لا تروا أبعد من أنوفكم ، وتغدروا بأمتكم ، وتطعنوها من الخلف ؟
    إنكم بوصفكم عربا تحت الاحتلال وتحت الهيمنة النازية اليهودية لا تساوون شيئا ، ولا قيمة لدمائكم وأعراضكم وكرامتكم .. تقول عميرة هاس ؛ مراسلة ها آرتس ، في مقال لها يوم 23/8/2006/ :
    " حسب قوانين الاحتلال ( اليهودي طبعا ) ونظمه ؛ لا يعد الجنود الذين يقتلون المدنيين الفلسطينيين مجرمين ومشبوهين أو متهمين أو مدانين إطلاقا..".
    ومعنى هذا يا قوم أن إنسانية النازي اليهودي تستبيح المهزوم ، وتفعل به ما تشاء لدرجة الموت ، وما يحدث في فلسطين يحدث في لبنان ، وحدث في مصر والأردن وتونس . النازي اليهودي يقتل العربي والمسلم دون رحمة ولا شفقة ،ولا تثريب عليه ، وأنتم تتشحون بالعقلانية والمغامرات المحسوبة ، والتخطيط الاستراتيجي لتنفذوا عملياتكم " يوم القيامة " ، وتستخلصوا حقوقكم عندما " تقوم الساعة "!
    بئس ما تفعلون ، وبئس ما تفكرون ، أيها الموالون لأميركا ن واليهود؟!
    ما رأي الذين يتحدثون عن قاعدة "الولاء والبراء "؟ ما حكم من يوالي الأمير كان واليهود، ويري فيهم إلّها من دون الله ، وناصرا من دون الله ، وملجأ من دون الله ؟
    لقد جاء اليهود الغزاة إلى بلادنا ليكونوا قاعدة عسكرية للصليبيين الهمج ، تضرب بلا عقاب ، وتنسف بلا حساب ، والذين يتصورون أن مجلس الأمن الدولي سيعيد إليهم حقوقهم ؛ واهمون ، أو قاعدون بمعنى أدق. إن مجلس الأمن الدولي لم يعد حقا للعرب والمسلمين منذ إنشائه ، بل أسهم في ضياع حقوقهم ، وصار مجرد إدارة من إدارات الكابيتول ( الخارجية الأميركية ) يأتمر بأمره، ويسمع ويطيع لمن يجلس فيه ، ولو كان الآنسة كزندي .. فإلى متى أيها السادة تنتظرون السلام وعودة اللاجئين وتحرير القدس ؟
    لقد لخص كاتب يهودي نازي الموقف باختصار شديد وعميق ؛ جين قال :
    نحن أمام صراع متواصل ومستديم . ومن سيكون أقوى في عقيدته وحقه ؛ هو الذي سيبقى ، المسألة هي مسألة بقاء وليست مسألة سلام لشدة الأسف " ( ليمور سمينيان درش- معا ريف 3/8/2006م).
    نعم مسألة بقاء وليست مسألة سلام !
    فهمها النازي اليهودي ، وعمل من أجلها ، مع أنه ليس صاحب حق ، ونحن مشغولون بخلافاتنا وتفاهاتنا ، تاركين جوهر الأمور تسويغا للقعود عن الجهاد ، ورغبة في التخلف عنه :
    " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ؛ وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون . فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون " ( التوبة:81-82).
    ماذا نقول لربنا وقد امتلكنا الرجال والسلاح والمال ( دماء الشهداء رفعت دخول كثير من العرب القاعدين! )، ولم نواجه العدوان النازي اليهودي ، ولم ندعم المجاهدين بالمال والسلاح والقول الواضح الصريح؟
    أيها السادة :إن المسألة مسألة بقاء .. وليست مسألة سلام..
    وبقاء العرب جميعا مرهون بالجهاد ، وليس غيره.
    رد مع اقتباس  
     

  9. #57 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ضد التعصب أم ضد الإسلام؟ 1 من 6

    بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
    .........................................

    في مشروع مكتبة الأسرة الذي ترعاه السيدة سوزان حرم الرئيس مبارك، لعام 2000م، صدر كتاب بعنوان "ضد التعصب" للدكتور جابر عصفور، وهو كتاب كبير الحجم نسبياً يقع في 464 صفحة من القطع المتوسط 14-19.
    والدكتور جابر عصفور، كاتب معروف، وهو على صلة بالتراث العربي، خاصة التراث النقدي، وله فيه إسهام من خلال رسالته حول الصورة الفنية لدى النقاد القدماء، ثم إنه بالنسبة للعمل العام، قد اقترب من النظام في عهد عبدالناصر، الذي عيَّنه معيداً بكلية الآداب، بعد أن كان مدرساً في منطقة نائية، إثر رسالة تلقاها منه، كما اقترب من النظام في عهد السادات عن طريق السيدة جيهان رؤوف حرم الرئيس، وكانت طالبة في قسم اللغة العربية الذي ينتمي إليه الدكتور جابر.
    وفي العهد الحالي، ارتقى الدكتور جابر سلَّم القيادة الثقافية الرسمية من خلال المجلس الأعلى للثقافة ونشاطاته المتنوعة "اللجان ـ الجوائز ـ الندوات ـ المؤتمرات ـ النشر ـ المسابقات..."، ومن بداية التسعينيات تقريباً صارت مقالاته، "مانيفستو" حركة الحداثة ثم ما يعرف بالتنوير بعدئذ!.
    علاقتي بالرجل على المستوى الشخصي طيبة، وعلى الصعيد الفكري عاصفة، إلى الدرجة التي يمكنني أن أصفه بالصديق اللدود!، وفي أعماقي أهتف دائماً: اللهم اجعل جابر عصفور جندياً من جنود الإسلام، أو أقول: اللهم انصر الإسلام بجابر عصفور، فهو يملك القدرة والطاقة على الدفاع عن الدين، ومواجهة خصومه.
    ولعل كتابه "ضد التعصب" يمثل أوضح الأمثلة على الفارق الشاسع بيني وبينه، في الرؤية وتناول القضايا، حيث ينحاز عبر صفحاته، إلى الخطاب الرافض للمرجعية الإسلامية، بل الحانق عليها، المعادي لها، من خلال قضايا ثقافية طارئة ذات صلة وثيقة بمفاهيم إسلامية راسخة، ومن هذه القضايا: قضية نصر أبوزيد، وما يسمى تكفير حسن حنفي، ورواية وليمة لأعشاب البحر.
    إن جابر عصفور ينحاز إلى هذه القضايا انحيازاً عاطفياً غير عقلاني، ويناصر أصحابها بلا تحفظ، وفي المقابل لا يرى إيجابية واحدة لدى الخصوم ـ أعني الإسلاميين ـ بل يؤاخذهم جميعاً بما يفعله السفهاء، ويرتب على ذلك أحكاماً بظلامية الفكر الإسلامي وإظلام الإسلاميين!، ثم ينتهي بصورة ما إلى أن التعصب سمة ملازمة للإسلام، وبالتالي فهي مفارقة لغيره من العقائد والأفكار.
    كان الدكتور جابر ـ للأسف الشديد ـ طرفاً أساسياً في أهم هذه القضايا، وعنصر تصعيد لها، على حساب الآخرين أو الوطن، ولم يجد غضاضة ـ وهو المسؤول التنفيذي للثقافة والمؤثر الفعال في وسائط الدعاية ـ أن يشعل النار ضد الإسلاميين وفكرهم، وأن يصمهم جميعاً بالظلامية والإرهاب! وأن يستثمر مناخ العنف والعنف المضاد الذي ساد البلاد عقب مقتل الرئيس السادات ـ رحمه الله ـ ليؤلب السلطة التي ينطق باسمها، والرأي العام الذي يخاطبه ضد الإسلام والإسلاميين بوصفهم قتلة ودعاة تخلف وخرافة.
    لو أن الدكتور جابر التقط قضية واحدة من القضايا المطروحة، وعالجها بمفهوم إسلامي، ومرجعية إسلامية، لكنا معه على طول الخط، حتى لو أخطأ، لأن الخطأ حينئذ يمكن تصحيحه وتوضيحه وبيانه، ولكنه للأسف الشديد، ظل طوال خصومته ينطلق من مرجعية غربية لا تتفق مع الإسلام في معظم منطلقاتها.
    وأبادر إلى تحفظ بأن مرجعية الإسلام تتمثل في القرآن الكريم والسنة المطهرة، واجتهادات العلماء الثقات، ولا يصحّ أن يأتي بعض الناس الذين لا يحفظون قرآناً ولا يفقهون حديثاً، ولم يدرسوا فقهاً أو شريعة لنجعلهم علامات على الإسلام أو مرجعية لأحكامه وقيمه، وتشريعاته، فهذا هو الضلال بعينه، إن الإسلام يحكم على المسلمين، والمسلمون لا يحكمون عليه.. وكل يؤخذ منه ويرد عليه، إلا المعصوم ص.
    ومن العدل والإنصاف أن نتابع بعض القضايا التي عالجها الدكتور عصفور، لنرى إلى أي مدى كان اتهامه للإسلام والمسلمين بالتعصب صائباً أو غير صائب.
    ترويج الكتـاب
    فور نزول كتاب "ضد التعصب" إلى الأسواق، رافقته حملة واسعة لعرضه والتعريف به في كبريات الصحف الحكومية والحزبية بأقلام تهاجم الإسلام صراحة، أو تهاجمه نفاقاً سعياً لمكاسب مادية آنية، في الوقت الذي تظهر فيه عشرات الكتب الجادة دون أن تحظى بأي اهتمام ولو بسطرين على امتداد عمود عرضه خمسة سنتيمترات في صحيفة سيارة.
    وهذا يقودنا إلى قضية خطيرة ومهمة بدأ بها الدكتور جابر عصفور كتابه، وهي قضية الحرية والتعصب، وقد صدرها بمقولة لأستاذه طه حسين ملخصها أن الحرية لا تتحقق بالتمني، ولكن تؤخذ عنوة "فقد أراد الله أن تكون هذه الحرية حقاً للعلم، وقد أراد الله أن تكون مصر بلداً متحضراً يتمتع بالحرية في ظل الدستور والقانون"، وقد جعل جابر عصفور هذا المعنى في استهلاله لكتابه الذي هو مجموعة مقالات سبق نشرها في صحف بقوله: "إن حرية التفكير والإبداع هي جزء لا يتجزأ من حرية الإنسان الاعتقادية والسياسية والاجتماعية. وهي مسؤولية عقلية وأخلاقية واجتماعية وسياسية"، ومضى يفسر هذه المسؤولية بإسهاب، ونحن معه في تفسيره، وإن كان لنا بعض التحفظات على مصطلحاته وتصوّراته في هذا المجال.
    بيد أن المفارقة في موقف طه حسين تكمن في إصراره على أن يقول هو ما يشاء، ويحرم غيره من الرد عليه، وذكر بعض معاصريه أنه كان يذهب إلى الصحف التي تنشر ردوداً مغايرة لما يقول، ويطلب من أصحابها عدم نشر هذه الردود، ولم يؤثر عنه أنه وقف موقفاً واضحاً إلى جانب حرية الشعب أو الأمة، بل إنه قبل رشوة من انقلاب يوليو 1952م حين وضع اسمه رئيساً لتحرير جريدة "الجمهورية" قرابة خمسة عشر عاماً دون أن يكتب كلمة واحدة في هذه الجريدة، بل دون أن يذهب إليها، وكان يتقاضى مرتبه دون عمل مقابل.. أين هذا من موقف العقاد الذي دخل السجن وتعرّض للجوع بسبب مواقفه من أجل الحرية؟
    إن الكلام عن الحرية جميل، ولكن تطبيقه أجمل.. ويصبح هذا الكلام قبيحاً وبشعاً وشنيعاً حين نطبقه بالنسبة لأنفسنا ونحرّمه على غيرنا من المخالفين، وهذا ما فعله طه حسين وكثير من تلاميذه الذين يرون الحرية حقاً لهم وحدهم دون غيرهم. كان طه حسين لا يرد غالباً على مخالفيه، بل كان يهجوهم ويكنِّي عنهم دون أن يذكرهم، وهذه فصامية عجيبة من رجل يدعو لأخذ الحرية بالقوة.
    وجابر عصفور تلميذ طه حسين، يفعل الشيء نفسه للأسف، فهو يحمل علــى المتعصبين ـ كما يسميهم ـ ويقصد بهم التيار الإسلامي، ويصمهم بالإرهاب والقمع والأصولية ـ بالمفهوم الغربي ـ وينفي عنهم العقلانية والإبداع والاجتهاد، ويؤسس على ذلك نتيجة خطيرة وهي تقويضهم الدولة المدنية والمجتمع المدني باستبدادهم الديني، ورغبتهم في إقامة الدولة الدينية، وسيطرتهم على المؤسسات التضامنية للمجتمع المدني، مثل نقابات المحامين والمهندسين والأطباء وغيرها.
    بل هو المتعصب
    هذه الحملة من جانب جابر عصفور تحمل مغالطات تؤكد تعصبه ضد تيار مخالف يمثل الأغلبية الساحقة، ويتكرر مفهوم هذه الحملة على امتداد مقالاته في كتابه "ضد التعصب". وإذا كانت الحرية ـ كما يقول ـ مسؤولية عقلية وخلقية واجتماعية وسياسية، فمن واجبه أن يدافع عنها بوصفها حقاً للآخرين، وما لا يعجبه في مفاهيمهم وتصوراتهم يرد عليه بالمنطق والحجة مع المرجعية الواضحة التي تحدد منطلقاته وأفكاره.. ولكن الذي نراه لديه ولدى تيار العقلانيين ـ كما يسميهم ـ هو هجاء لا يستند إلى منطق أو حجة، وتحريض رخيص ضد هؤلاء الإرهابيين الظلاميين الأصوليين الذين يقوضون المجتمع المدني ومؤسساته التضامنية، حتى لو أتت بهم انتخابات حرة نزيهة إلى مقاعد القيادة في نقابات متعددة أو مؤسـات مختلفة.
    والغريب حقاً، أن يعتقد الدكتور جابر عصفور أن الدولة المدنية نقيض الدولة الإسلامية، وكنت أظنه في البداية يقصد بالدولة المدنية، الدولة النقيض للدولة البوليسية أو الدولة العسكرية أو الدولة التي تحميها الطوارئ وتأخذ فيها الديمقراطية الحقيقية إجازة مفتوحة، وللأسف اكتشفت أنه يقصد بالدولة المدنية الدولة التي لا تبقي للإسلام على أثر، بل تستأصله من حياتها تماماً، وإذا أبقت على أثر فهي دولة دينية بالمفهوم الكنسي، على غرار الدولة الدينية في العصور الوسطى المظلمة بأوروبا.. وبالتأكيد فإن جابر عصفور لا يرى غضاضة في تدخل الفاتيكان في الشؤون السياسية الدولية، ولا تدخل البطريرك الأرثوذكسي الروسي في حرب الشيشان ومباركته لتدمير جروزني وسحق المسلمين، ولا تدخل البطريرك الأرثوذكسي الصربي في تأييد ميلوسوفيتش وكاراديتش ومباركتهما لذبح المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا، ولا تدخل البطريرك نفسه في تأييد مرشح المعارضة الصربية لرئاسة الجمهورية، وعدّه الفائز في الانتخابات... ولا... ولا...
    بيد أن الدكتور عصفور يقيم الدنيا ولا يقعدها لأن المصريين أو العرب أو المسلمين يريدون إقامة دولة إسلامية على أسس العدل والشورى والمساواة والأخلاق والرحمة، فهذه الدولة دينية كهنوتية في مفهومه، وهي أخطر من دولة صلاح نصر وحمزة البسيوني وصدام حسين!.
    لقد أرسى الإسلام الحنيف قيمة التسامح بصورة غير مسبوقة في التاريخ، ورفض العنصرية والاستعلاء المرذول والكبر في صورها المختلفة، وجعل المنتمين إليه أحراراً تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ودوت مقولة عمر في أرجاء الأرض "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، ودعا القرآن الكريم إلى الدفع بالتي هي أحسن، وحرّض على العفو الذي هو أقرب للتقوى: فهل يحق لنا بعدئذ أن نتهم الإسلام بأنه ضد الدولة المدنية، ونكفِّر الداعين إليه حين نصفهم "بالتأسلم"، ونخلط ظروف العنف والعنف المضاد، بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لنسحب على الإسلام صفات الدم والقتل والجهل والمؤامرة؟
    لا ريب أن الدكتور عصفور يغالط كثيراً حين يستخدم مفهوم الدولة الدينية في مقابل الدولة الإسلامية، ومفهوم المجتمع المدني في مقابل المجتمع الإسلامي، ومفهوم الحرية الغربية مقابل التسامح الإسلامي، ومفهوم التعصب ضد الإسلام، فالتعصب المقيت والخطير كان السمة الأساسية في فكر اليساريين والدنيويين الذين ينافح عنهم الدكتور عصفور .
    رد مع اقتباس  
     

  10. #58 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ضد التعصب أم ضد الإسلام؟ (2 من 6)

    بقلم أ.د. حلمي محمد القاعود
    ................................

    التيار اليساري الدنيوي الذي ينافح عنه الدكتور جابر عصفور، لا يؤمن بالحرية ولا يتقبلها إلا إذا اتفقت مع ميوله ورغباته، وحققت مصالحه وغاياته، وهو يتاجر بالحرية والليبرالية والاستنارة دون أن تكون مبدأً أو خُلقاً أو قيمة حقيقية، والدليل على ذلك قائم في سلوك هذا التيار وممارساته على مستويات عدّة.
    لقد باع هذا التيار نفسه من أجل المناصب والمكاسب التي ينالها من وراء الأنظمة المتعاقبة، بل وصلت الحال إلى أن اختصم الأقارب في هذا التيار من أجل منصب هنا أو هناك، وخاصة في وزارة الثقافة التي استخدمت سياسة المنح والمنع لتجمع أكبر قدر من الأنصار الذين يؤيدون سياستها الفاسدة ومنهجها المريب، وقد تخلّى هذا التيار عن مقولاته وشعاراته ليقبل الاحتفال بالغزاة (ما سُمي بالعلاقات الثقافية مع فرنسا)، وتأييد حكم الطوارئ، واستبداد الحزب الحاكم، والتخطيط الثقافي لاستئصال الإسلام وإقصائه تحت شعار محاربة التطرف والإرهاب.
    وفي وزارة الثقافة على سبيل المثال فإن لجان المجلس الأعلى للثقافة تضم في أغلبيتها الساحقة أعضاء من التيار اليساري الدنيوي، ومن شذّ عن ذلك فهو استثناء لذر الرماد في العيون، علماً بأن وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة من الهياكل القومية العامة التي يفترض أنها تمثل الأمة تمثيلاً حقيقياً شاملاً يعبّر عن حقيقة التيارات السائدة فيها، ولكن أدعياء الحرية والليبرالية والاستنارة قصروا هذا الحق على أنفسهم، مع أنهم أقلية ضئيلة جداً تمثل الغرب الاستعماري في مصر، ولا تمثل ثقافة الأمة ولا تعبر عن تطلعاتها بحال.
    مجلات وزارة الثقافة لا تكفّ عن الضجيج والصراخ من أجل "فقه الحرية"، ولكنها لا تتقن غير "فقه المصادرة" وراجعوا أعداد هذه المجلات لتروا أنه تيار واحد هو الذي يتكلم ويبدع ويدرس ويترجم، ذلكم هو تيار أدعياء الحرية والليبرالية والاستنارة!، وكأن هذه المجلات من الممتلكات التي ورثوها عن آبائهم وذويهم، وليست ملكاً للشعب كله الذي تمثل الأغلبية الساحقة فيه تياراً آخر مخالفاً يرفضهم.
    ومن المفارقات أن وزير الثقافة حين أصدر جريدة بأموال المسلمين، تدافع عنه وعن خطاياه الثقافية، رفع على رأسها عبارة لقاسم أمين تفيد بقبول الآراء المخالفة وضرورة نشرها، ولكن جريدة الوزير بعد عددين أو ثلاثة ـ ولعل ذلك كان للتمويه ـ أحكمت الحصار حول المخالفين، ولم تفسح صدرها وقلبها إلا للأتباع من أنصار الوزير، أعني التيار الدنيوي بفصائله المختلفة!
    وجريدة الوزير تكرار لمجلة كانت تصدرها مؤسسة الأهرام اسمها "الطليعة" ورفع محررها على صدرها شعاراً لفولتير يقول: إنني على استعداد أن أدفع دمي ثمناً لإعلان رأيك.
    ثم فوجئ الناس أن هذا المحرر يعني دفاعه عن حرية الفصائل الأخرى اليسارية الدنيوية ولا يعني بقية خلق الله من المسلمين وغير المسلمين!
    مشكلة الدكتور جابر عصفور والتيار الذي يتحدث باسمه أنهما يؤمنان أن حرية الآخر مرفوضة تماماً، وأن غايتهما الأساسية هي إقصاء هذا الآخر تماماً مهما كان موضوعياً ومعتدلاً ومتزناً، وإلا فلننظر في المؤتمرات والندوات والمنشورات ومعارض الكتاب وغيرها من أوجه النشاط الثقافي، ثم نسأل من الذي يحضرها ويستفيد بها، ومن الذي تدور حوله الأضواء؟!
    والإجابة بالطبع: أعلام التيار اليساري الدنيوي، وكأن مصر المسلمة عقمت إلا من هؤلاء، صحيح أن الظروف قد تستدعي أن يتسرب شخص مغاير أو أكثر إلى هذه الأنشطة، ولكن هذا التسرّب يأتي لغاية معروفة سلفاً هي تحسين الوجه الثقافي الذي تظهر به السلطة الثقافية المستبدة.
    إن الحرية ـ كما ينادي عصفور وغيره ـ لاتتجزأ، ومسؤوليتها شاملة، ولكنها في واقعهم تتجزأ وتتحدّد، وتلك لعمري آفة التيار اليساري الدنيوي الذي يؤمن عملياً بمبدأ ميكافيللي: الغاية تبرر الوسيلة!
    إن الضجة التي أثيرت حول نصر أبو زيد، وحسن حنفي، ومارسيل خليفة، وامرأتين خليجيتين، وحيدر حيدر، كان من المنتظر أن يحدث مثلها إن لم يكن أكبر منها من أجل الذين تقمعهم سلطات الحكومات المدنية ـ كما يسميها اليساريون والدنيويون ـ وتضعهم في السجون بلا محاكمات، أو تحاكمهم أمام محاكمات عسكرية لا يُردّ حكمها ولا ينقض، لأنهم يخالفون هذه السلطات في مناهجها، ويطالبون بالحرية والعدل والشورى والمساواة والإصلاح.. ولكن اليساريين والدنيويين ـ يمضون على منهج الغرب في احتقار العرب والمسلمين، ولا ينطقون بكلمة، ولا يتفوهون بلفظة لأن هذه السلطات ستمنع عنهم الماء والكلأ لو تكلموا، وتستغني عن خدماتهم لو نطقوا، وستبحث بعدئذ عن غيرهم بالضرورة، لذا فإنهم حريصون تماماً على الصمت عند اغتيال الحرية الحقيقية، والضجيج من أجل منتهكي حرمة الإسلام والمسلمين، ويصبح تأويل المحكم من آيات القرآن الكريم إبداعاً واجتهاداً وصنعاً للمستقبل، وغناء آيات القرآن الكريم على الألحان الموسيقية عملاً فنيّاً راقياً، والتوفيق بين الإسلام والحداثة الغربية بحثاً مبتكراً وإنجازاً فكرياً، وسبّ الذات الإلهية والرسول الكريم ص وتشويه صورة الإسلام، وتلويث المسلمين من الإبداع الذي لا يفقهه إلا أعلام النقد المستنير من أمثال اليساري فلان وعلان وترتان!
    لو أن التيار اليساري الدنيوي الذي يمثّله جابر عصفور يعبر عن نفسه في وسائط ثقافية يملكها، ما اعترض أحد، ولكنه يعبّر عن نفسه في وسائط قومية يملكها الناس جميعاً ومنهم الأغلبية الساحقة المسلمة، وفي الوقت ذاته يمنع هذه الأغلبية الساحقة المسلمة من التعبير عن نفسها في الوسائط التي تملكها، فهل هذا عدل؟ وهل هذه حرية؟.
    رد مع اقتباس  
     

  11. #59 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ضد التعصب أم ضد الإسلام ؟ (3 مـن 6)

    أ.د. حلمي محمد القاعود
    ............................

    يبكي الدكتور جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب" من أجل الدكتور نصر أبو زيد الذي رفضت اللجنة العلمية ترقيته إلى درجة أستاذ، ويخصص أكثر من نصف الكتاب للدفاع عن نصر، وسرد محاكماته، وانتقاد الأحكام التي صدرت بردّته والتفريق بينه وبين زوجته نتيجة لتأويلاته الفاسدة لمبادئ إسلامية ثابتة ومعلومة.
    والحقيقة أن نصر أبو زيد ضحية لجابر عصفور ومن معه، فقد ألقاه في اليمِّ وحذره من الغرق وهو لا يعرف العوم!
    ويعلم جابر عصفور أن اللجنة العلمية، وخاصة لجنة الأساتذة المساعدين التي كان مهيمناً عليها، مع وجود من هم أقدم منه سناً وعلماً ووظيفة قد ظلمت كثيرين، ونكلت بكثيرين، وغدرت بكثيرين، لا لشيء إلا لأنهم لم يكونوا على منهج أهل اليسار والدنيويين، أو لأنهم أرادوا التعبير عن ذواتهم ونهوضهم في وجه المتاعب والصعاب.
    هؤلاء المظلومون ـ وما أكثرهم ـ لم يجدوا صفحة للحوار القومي تساندهم، ولا صحافة يسارية تعضدهم، ولا أقساماً أو مجالس كليات علمانية تدعمهم، بل لم يجدوا من يصغي لهم أو يهدهد أحزانهم، وقد سمعت بأذني أحد أعضاء اللجنة يسخط على المهيمنين عليها، ويقول: إنهم يريدون ذلك، أي عدم ترقية فلان أو علان.. فالترقية المزاجية لم تكن ضد "نصر أبو زيد" ولم تكن رغبة "عبدالصبور شاهين" الذي اتهمه جابر عصفور بتهم غليظة، ولكنها كانت ضد المخالفين لليسار وأتباعه، ورغبة المحكمين اليساريين الدنيويين!.
    مشكلة جابر عصفور وجماعته أنهم لا يرون إلا أنفسهم ومصالحهم، وهذه مأساة بكل المقاييس، وكانت الظروف التي تقدم فيها "نصر أبو زيد" للترقية حافلة برغبة جهات خارجية وداخلية للقضاء على بقية مظاهر النشاط الإسلامي، حتى الأنشطة الخيرية، مما أعطى لجابر وجماعته فرصة الانطلاق، ليس دفاعاً عن نصر بقدر ما كانت سعياً لعملية الاستئصال والتشهير بالإسلام، والداعين إليه وإلى تطبيق تعاليمه في الحياة اليومية والعامة، لا شك أن "نصر أبوزيد" كان ضحية لعملية واسعة ضد الإسلام، حيث كان موضوعه مدخلاً لبعث الأفكار الرديئة والكتابات السخيفة والتصورات الفاسدة التي تصب في تقويض مفاهيم الإسلام وأخلاقه، وتخدم الغرب الصليبي الاستعماري وقاعدته اليهودية في فلسطين المحتلة.
    فرأينا مقولات الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر لطه حسين، والإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق، والمرأة في الإسلام لمنصور فهمي، وتربية سلامة موسى، ومؤلفات لويس عوض، وغيرهم من الذين استباحوا ثوابت الإسلام وقيم الأمة، يعاد إنتاجها من جديد، أو تطبع مرة أخرى، في الوقت الذي يتم فيه حصار الكتاب الإسلامي والمجلة الإسلامية والصحيفة الإسلامية من خلال أجهزة الدولة.
    "نصر أبوزيد" كان شخصاً متديناً، وكان فلاحاً مجتهداً، ولكنه تحول بفضل الهيمنة اليسارية الدنيوية إلى ما اعتقد أنه صواب، فتجرأ على القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي بغير الحقيقة العلمية، ودخل في متاهات، ما كان أغناه عنها لو أنه احتكم إلى المفاهيم الصحيحة للتأويل من خلال المنظور الإسلامي، وليس المنظور الغربي "الهرمينوطيقا"، إن القرآن الكريم يضم آيات محكمات وآخر متشابهات، والمحكمات واضحة وضوح الشمس لا يجوز تأويلها لأنها تقنن العقيدة والشريعة في قوانين إلهية لا تحتاج إلى تأويل أو اجتهاد، وقد أجمعت عليها الأمة سلفاً وخلفاً، فما الذي يدعوه إلى اختراق الثوابت واللعب بها؟ إنها الدعاوى التي غررت به وثبت زيفها: حرية التعبير وحرية الفكر، والعقلانية والاستنارة.. وكأن الإسلام لا يعرف شيئاً من ذلك أبداً في مفهوم اليساريين!.
    أما المتشابهات من الآيات فمردها إلى أولي العلم الذين يملكون صلاحية البحث والتحري، وهؤلاء هم الثقات الذين تستريح إليهم الضمائر والأفئدة، ولهم اجتهادهم أو تأويلهم الذي يصل بهم إلى الحقيقة والصواب بإذنه تعالى.
    لقد أخطأ نصر حامد أبوزيد، ورصدت محكمة النقض ـ أعلى درجات التقاضي ـ عدداً من أخطائه الفادحة والفاضحة، ولكن هذا لم يقنع جابر عصفور الذي بات ينوح على نصر، ويهجو القضاة والمحكمة والحكم، ويستشهد بآراء اليساريين والدنيويين الذين انحازوا إلى التجليات الفكرية الاستعمارية.
    مشكلة جابر وجماعته مركبة ومعقدة، لأنهم يرفعون قميص عثمان ويطالبون بالثأر له، ولكنهم في الحقيقة يريدون الانتقام من الإسلام الذي يمثل عائقاً وحائط صد خطيراً في وجه التغريب والعلمنة والهيمنة الاستعمارية.
    ترى لو أن نصر حامد أبوزيد استخدم التأويل في تفسير الإنجيل والتوراة، وذهب إلى عكس ما تعارف عليه الكرادلة والحاخامات هل كانوا سيتركونه أو يتركون المؤازرين له؟ وهل كان جابر عصفور وجماعته يستطيعون رفع أصواتهم، بل يتحدون القانون الذي يحظر التعليق على الأحكام الصادرة عن القضاء، وخاصة محكمة النقض؟
    هل وصل الأمر إلى أن يكون الإسلام ديناً مستباحاً وأن يكون تسفيه أحكامه وتشريعاته ومبادئها لتي تربط الفرد بالمجتمع وتضع أسس العلاقة بين الراعية والراعي، أمراً مطلوباً من جهات خارجية وداخلية لإذلال العرب والمسلمين، وترسيخ أقدام اليهود في فلسطين. (فلا وربك لا يؤمنون حتى" يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما(65)) (النساء ) .
    رد مع اقتباس  
     

  12. #60 رد: مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    ضد التعصب أم ضد الإسلام (4 من 6)

    بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
    ..................................

    محنة نصر أبوزيد، التي أفاض جابر عصفور في الحديث عنها عبر صفحات كتابه "ضد التعصب" تمثل نموذجاً للعب بالنار الذي يقوم به التيار اليساري الدنيوي، حين تلتقي أهدافه مع غايات الاستبداد وقهر الوطن.
    خذ مثلاً مصطلح "التنوير"، إنه مصطلح مخادع مخاتل، لأنه يراوغ القراء وخاصة عامتهم الذين يفهمون المعنى الظاهري، المباشر للمصطلح، وهو الإضاءة أو إشاعة النور ونشره، ولكن المعنى بمفهومه الأوروبي ـ كما يعرف جابر عصفور ويقصد ـ يكمن في الإيمان بما هو واقعي وطبيعي فحسب، مما يعني رفض الغيب والوحي والإله.
    إن إعلاء شأن العقل دون سواه، يعني رفض الوحي الذي يمثله عندنا نحن المسلمين "النقل" متمثلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع. إن العقل لا يتناقض مع النقل في الفكر الإسلامي.. حتى المعتزلة الذين يفخر بهم جابر عصفور وتلميذه نصر أبوزيد، يستخدمون العقل لإثبات النقل.. وإذا كان التنويريون الأوروبيون قد آمنوا بالعقل وحده، فذلك أمر طبيعي، لأن الكنيسة الغربية أعطت لنفسها حق التطهير والحرمان، وقيَّدت العقل، وأفسحت المجال للخرافة، وحاربت العلم والبحث، واستعبدت البشر، ونشرت الظلام في كل مكان، وهو ما لم يحدث في الإسلام، وفي العصور المظلمة كانت بغداد تفخر بأنها تخلو من وجود أمي أو أمية، وفي الوقت ذاته كان "شارلمان" إمبراطور الدولة الرومانية لا يعرف كيف يكتب اسمه.
    من مزايا التنوير الأوروبي، أنه أكد على كرامة الإنسان، بصرف النظر عن الناحية العقدية، ولكن التنويريين العرب، يرون التنوير محدوداً بنقطة واحدة هي إلغاء الإسلام، لأن مرجعيته تقوم على النقل، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين، وقد دفعهم هذا إلى الرضا بسحق الإنسان "لأنه مسلم"، وخدمة الأنظمة المستبدة "التمرّغ في خيراتها بالتالي"، والصمت عن ممارساتها في مصادرة الحرية والكرامة والشورى "التي هي أكبر مساحة من الديمقراطية"، والمساواة والعدل والمشاركة في صنع الأوطان.. في أوروبا لا تقتحم الشرطة بيت مواطن في الفجر، مهما كانت التهم الموجهة إليه، ولا يتم تعذيبه بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا، ولا يُلقى في السجن دون محاكمة، ولا يُعاد اعتقاله بعد تكرر أحكام الإفراج عنه، ولا يُحاكم أمام قاض غير قاضيه الطبيعي، ولكن هذا كله يحدث في كثير من البلاد العربية، ويؤيده أهل التنوير العرب، ويرونه جزءاً من التنوير!.
    ويستخدم جابر عصفور مثلاً مصطلح "التأسلم" و"المتأسلمين" تعبيراً عن كل من يرى ارتباط الإسلام بشؤون الحياة والمجتمع والحكم والاقتصاد والتربية واجباً، وهذا المصطلح سكَّه شيوعي سابق كان تلميذاً لهنري كورييل ـ الصهيوني الهالك ـ وصار مليونيراً حالياً ومتأمركاً بارزاً. وقد أكثر جابر عصفور من ترديد هذا المصطلح على مدى اتساع كتابه ليؤكد على حقيقة أن كل من يدعو إلى الإسلام بمفهومه الصحيح هو دعيّ يطلب الحكم ويسعى إليه.
    والتأسلم بهذا المفهوم التنويري يعني أن صاحبه ليس مسلماً حقاً ويتستر بالإسلام، أي أنه كافر، وهو ما يسميه جابر عصفور وشيعته بالتكفير، ويعيبه على بعض المسلمين الذين يكفرون الآخرين، ويفتشون في قلوبهم.. ولكن ما يعيبه جابر عصفور على غيره، يقترفه هو.
    وهكذا فإن علماء الدين ورجال الأزهر، وكل من يكتبون أو يدعون إلى الإسلام الشامل هم كفرة عند جابر عصفور وشيعته، فضلاً عن كونهم إرهابيين يستحقون الاستئصال والسحق.
    ومثل "التنوير" و"التأسلم" يستخدم عصفور مصطلح "الأصولية" بمفهومه الغربي، وهذا المفهوم يجعل المصطلح مقيتـاً وكريهاً، لأنه ضد الحياة والتقدم والمستقبل، وتطبيقاته عند الأصوليين اليهود والصليبيين في أمريكا وكندا والغرب توحي بالتخلف الشديد والعداء للحضارة والمدنية.. فهل الأصولية عند المسلمين كذلك؟ الحقيقة أن الأصولية عند المسلمين مفخرة لهم ولدينهم ولحضارتهم، فهي تعني القياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاجتهاد الذي يحقق صالح الناس.. وإذا كان بعض الأصوليين في الغرب يرفض نتيجة المدنية الغربية الحديثة من آلات ومبتكرات، فإن الأصولية عند المسلمين تسعى لتوظيف هذه المنتجات وتقبلها في الدائرة اليومية الإنسانية.. وبالطبع، فإن أصولية المسلمين دليل على الوعي والتفتح ومعانقة الحياة، وفارق كبير بين من يرفض استخدام المصباح الكهربي، ومن يوظفه ليستفيد منه على أكبر نطاق.. ومن المؤسف أن جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب" ظل يلف ويدور حول معنى الأصولية لغوياً دون أن يلتفت إلى دلالتها حضارياً لدى علماء المسلمين، مما أوقعه في التأويل الخاطئ.
    لا ريب أن "جابر عصفور" يجد متعة في استخدام المصطلح استخداماً مراوغاً يخدم أهداف التيار اليساري الدنيوي، ويدعم السلطة الشمولية التي تحكم بالطوارئ والمحاكم العسكرية، وما رأيناه في استخدامه للتنوير والتأسلم والأصولية، ينسحب على بقية المصطلحات التي يبثها عبر صفحات كتابه "ضد التعصب" مثل الاجتهاد، والتعدد، ونسبية النتائج، والمجتمع المدني، والدولة المدنية، والاستبداد الديني "يقصد الإسلامي!"، والسؤال والشك، والتجريب والإبداع، ورجال الدين والتعصب الديني، والاتباع والابتداع، والثقافة التقليدية، والدولة الدينية، والخطاب الديني، وجماعات الضغط المتأسلم... إلخ.
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مائة عام على مولد الناقد الكبير محمد مندور
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 01/01/2009, 05:20 AM
  2. قراءة الأديب أحمد مكاوي لسرداب التاجوري
    بواسطة مريم خليل الضاني في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17/12/2008, 09:44 PM
  3. من هو الأديب الحق؟ ومن هو الناقد الحق؟ ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08/01/2008, 04:52 AM
  4. حلمي
    بواسطة هيا الشريف في المنتدى الشعر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 30/08/2007, 06:15 PM
  5. حوار مجلة «حياة» مع الأديب الدكتور حسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23/09/2006, 08:48 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •