أجر الإمامة والتعليم
بقلم : السعيد شيخ
إخوتي المخلصين لله – تعالى- طاعتهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنتظر:
أن أُثير خليّة النحل أو ( الدبابير )،
أو أُعنَّفَ فأُتّهمَ بأنّ الجنّ مسّوني بسوء،
أو أن تُخفّف التهمة فيصفوني بالغائب عن عصري ، وبالعيش في ضلال عصور مضت!
تمهلوا- رعاكم الله - ، و اسمعوا المتّهم ، ثمّ احكموا عليه بالشنق، أو بالتأييد.فالقاعدة أن يُستتاب الضالّ، فيُفهم منه، وقد تكون المحصّلة له أو عليه!!
مسيرة تاريخيّة:
سأعود معكم إلى البدء! وأغوص في أعماق التاريخ، لننظر عبر أزمانه و أمكنته إلى تطبيق القاعدة الفقهيّة ( تتغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان – وأضيف :و بتغيّر الأمكنة ).
سأعود معكم إلى عصر المصطفى- صلّى الله عليه وسلّم- ، إلى عيش الكفاف الذي كان يكتفي به، واضعاً نفسه في حال يعيش فيه أكثر الصحابة، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى،
اختار المسلمون الصدّيق–رضي الله عنه–أوّل خليفـة لرسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-في حكم المسلمين (أميراً للمؤمنين )، وخرج إلى عمله الذي كان الله ينعم عليه برزقه من خلاله، فاعترضه الفاروق:أتترك شؤون المسلمين، وتضيع وقتك في العمل؟!،وقال: وكيف أحصل على قوت عيالي، فخصّص له أهل الحلّ والعقد جراية من بيت مال المسلمين تكفيه للعيش فوق حدّ الفقر، ودون حدّ الغنى،(والعصر يتدخّل هنا: فمن كان في حدّ يتجاوز الفقر،عدّه الناس اليوم دون حدّ الفقر.أمّا الأغنياء فكانوا غالباً في منزلة متوسّطي الحال اليوم).
وسار الخلفاء على هذه السنّة الجميدة، اللهمّ إلا الأغنياء منهم فما يمدّون أيديهم إلى بيت مال المسلمين(من المؤكّد أنّ الخليفة عثمان بن عفّان–رضي الله عنه– فعل هذا، أمّا الوضع في العصور الأخرى، فلن أكون مع الذين يُدخلونهم في سلك عثمان بن عفّان–رضي الله عنـــــه–، و لا مع الذين يتّهمونهم بالخوص في بيت مال المسلمين، ولا يتّسع المجال للمناقشة، فالأمر في أمسّ الحاجة إلى مراجعة تاريخيّة دقيقة، تُصفّى فيها الروايات سواء التي تحكم لهم أو عليهم، و مايعتينا أن نكون من التابعين سواء أصابوا أو أحطؤوا، فلا يشفع لنا عند الله-تعالى- أن نقول: إنّنا اتّبعنا خلفاء!!)
وحذا هذا الحذو العلماء والقضاة و المعلّمون. فمن تفرّغ– إذا رأي وليّ الأمر تفرّغه ضروريّا، كان له حقّ مقدّر في بيت مال المسلمين يكفي لسدّ حاجته إلى غير الله، أمّا الإمامة فكانت مسؤوليّة وليّ الأمر، وقد خُصّص له من قبل. كان الأغتياء منهم يأبَوْن أن يأخذوا شيئاً، فعملهم لوجه الله-تعالى- بل كانوا يتكفّلون بنفقة بعض الطلبة ( وبيت المال كان كذلك كفيلا بهم )، بل كان الإمام أحمد بن حنبل يتحمّل آلام الجوع يحتسب بها الأجر عند الله-تعالى- (وإن كنت أوجب أن يأخذ العالم الفقير من بيت المال وغيره مالايشتبه فيه و لايشُتمّ منه منّّّّّّّةٌ ولايُلمح وراءه مصلحة يتوقّع المعطي نوالها، أو إفتاء يُخالف الشرع، أو يُميل المفتي فينحاز إلى صفّ المعطي، وعندها تُعني الرشوة!!
وبقي الحال على ذلك حتّى ضعف الإيمان، وقلّ العلم عند الأمراء في عصور التمزّق ، فلم يكن المماليك والأيّوبيون والأتراك- فيما بعد- قادرين على إمامــة الناس(سامحوني فلا يشمل هذا الحكم الجميع)، ثمّ تحوّلت إلى عادة في حـــال الضـــــرورة وغيرها ، و صار وليّ الأمر لا يتقدّم للإمامة حتى ولو كان صالحاً لها. فخصّص وليّ الأمر جرايات للأئمّة والعلماء و المعلّمين، و لكنْ لاتضخموا الأمر و نظنّوا أنّ هذه الجراية كانت تحوّلهم إلى أثرياء!
في العصر الحديث:
تابع الناس هذا التعديل، وجعلوه سنّة يلتزمون بها، ثمّ أُحدثت له وزارات الأوقاف(وفي المغر ب كان اسمها:وزارة الحبوس )، والاسم يوخي إلينا بأنّها تدير شؤون الأوقاف التابعة للمساجـــــد وغيرها من الأملاك التي ترتبط بالدين ارتباطاً خاصّاً في ممارسة العبادات و التعليم الشرعي، وصار لازباً أن تعيّن الأئمّةّ والدعاة إلى الله – تعالى- والمعلّمين والمؤذّنين والمقرئين والقيّمين على إدارة المساجد والمحافظة عليها سليمة نظيفة، والإشراف عليهم في استقامتهــــــــــم العلميّة والسلوكيّة، ودفع جراياتهم ( عفواً: رواتبهم أو مرتّباتهم ).
ولكنّ هذه الظاهـــــــرة الجديدة فُتحت للعلماء و الدعاة منابر في الإذاعة والرائي ( التلفزيون ) والفضائيّات، والصحف والمجلات، و خُصّص لهم جُعالات ( عفواً: مكافآت ) كغيرهم من مقدّمــي البرامج والمتحدّثين و الكتّاب والمغنّنين والمغنّيات و الممثلين والممثّلات، و لكنّ الأســـــــــــى الشديد و الكارثة العظمى أنّ علمهم يقلّ قدراً عن الفنون المبدعــــــــــة!!، وأنّ المعلّمين الذين يبذلون مهجهم ( إنْ كانوا مخلصين لعلومهم و لأبناء أُمّتهم ) لايصلون إلا على الكفــــاف (فأفتى بعضهم لأنفسهم بالدروس الخصوصيّة التي خرجت عن حدّها الشرعيّ، فأخذ الناس يُقدّرونهم بعد انحرافهم!! )
وانتفع العلماء و المصنّفون عندما حوّلوا جهادهم الشرعيّ إلى تجارة يبيعون الكتب و الأشرطة و الإسطوانات، وكنّا ننتظر أن تكون من وسائل الدعوة فتباع بأسعار تعلو طفيفاً أسعار التكلفة، و لانطلب منهم دفع هذه التكلفــــــــــة و لا أجور العاملين عليها!!( إلا إن تصدّقوا بعلمهم لوجه الله- تعالى-) من جيوبهم.
لايبحث الداعية المخلَص لله- تعالى- عن المال إلا بما يعيش كريماً لاييذل وجهه للناس، أمّا إن صار ثريّا، فأنا لاأُفتي بالتحريم،- فالأمر دقيق- وا كلّ ماأقول:إنّ في الأمــــر شبهة، وشكّاً في صدق دعوته.
فهل لكم رأي آخر – أحبّتي في الله- تعالى-.أغيثوني أغاثكم ربّ العزّة.
سامحوني، فقد يطنّ دعاة اليوم الذين أثرَوْا من دعوتهم أنّنا نحسدهم على ما آتاهم الله – تعالى – من فضله ( ياحاسدي الناس، مالكم و للناس؟!)، حاش لله فالمؤمن الصـــادق لا يحسد أبدا، و لكن يغبط في الكسب الذي ليس فيه شبهة!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته