في ظلالِ الهجرةِ النبويَّة
أَرِحِ الفــؤادَ بذِكرِهم وتَنَسَّـــــمِ
وأَعِـــدْ أَحــاديثَ الهوى وتَرَنَّمِ
واذْكُرْ،رعاك اللهُ، مُهجةَ مُغرَمٍ
ما مثلُها،في الحُبِّ،مُهجَةُ مُغرَم
أَوْدَى بهـــا طُـولُ البُعــادِ وشَفَّها
وَجْـــدٌ بظَبْيٍ في العقيقِ مُخَيِّــمِ
وسرى بها عِطْفُ النسيمِ معَطَّراً
لمّا سَــــرى نحـو الحِمَى بتَحَشُّمِ
يا حبَّـــــذا أَرضُ العَرارِ فكم لنا
وَلَــــهٌ بطِيبِ شَميمِهــــــا والمَلثَمِ
عَرّجْ بها واحمـلْ إليها مُهْجـةً
سَئـمَ الهــــوى منهـــا ولمّا تَسْأمِ
وإذا مَررتَ عــلى الديارِ فبُثَّهـا
ما شئتَ مـن وجدِ الفؤادِ وسلِّمِ
وإذا وصَلْتَ إلى مُقـامهِـــمُ فقِفْ
أَدَباً وناجِهِمُ بقـــلبٍ مُحْــــــرِمِ
قلبٌ تولَّـــــعَ بالحبيبِ وآلِــــــهِ
حاشــــا يُضامَ فحُبُّهم كالبلسَــمِ
فيــهِ الشفـــــاءُ لكلِّ ضُرٍّ مَسَّهُ
فعليهِـمُ منّي ســـلامُ مُتَيَّـــــــــمِ
ثمَّ الصلاةُ مـع التحيَّــــةِ كلّـمَــــا
هَبَّ النسيـمُ على الحَطيمِ وزمزمِ
***
فالْزَمْ حِمى المُختارِ طه مــادحاً
خــيرَ الأنامِ ودَعْ مَقـالَ اللُّـــــوَّمِ
وسَلِ الإلهَ بِهِ الهـــدايـــةَ والرضا
مـا خاب راجٍ بالحبيبِ الأكرمِ
هو رحمــةُ البَرِّ الرحيــمِ ونورُهُ
وهو الرؤوفُ بنا الرحيمُ ،فأعظِمِ
جاء البـَريَّـــةَ بالشريعةِ سَمحَةً
فهدى الأنامَ إلى السبيلِ الأقْوَمِ
حتى رأْيتَ العُرْبَ أعْظَــــمَ قُوَّةٍ
في الأرضِ تَنْطِـقُ بالبيانِ المُحْكَـمِ
فتَدول كُلُّ ممــــالكِ الدنيا بهم
ويَزول كُلُّ مُسَيْطِرٍ مُتزَعّـــــــِمِ
كِسرى وقَيصَرُ والطُغاةُ جميعُهم
بادوا وذَلَّ بُزاةُ كلِّ عَـــــرَمـْرَمِ
فإذا الهُدى فوقَ الذُرا أعلامُـــهُ
مَحْفوفةً بِمزمجِرٍ ومُحَمْحِـــمِ
وإذا المَشــــاعِـلُ في أَكُفّ ِفَوارسٍ
راحتْ تَدُكُّ حُصونَ ما لم يُقْحَمِ
وإذا الجَبابِرةُ العِظـــــامُ حَمائمٌ
طـــارتْ بآلاء السلامِ المحكَــمِ
رُحَمـــــاءُ فيما بينَهم أُسْدٌلدى
لَمْعِ الأَسِنَّةِ وازْوِرارِ الأَدْهُـــــــمِ
وإذا العدالةُ والسـلامُ سَحــائبٌ
رَوَّتْ ظِمــــــــاءَ العاَلمِ المُتَضَرِّمِ
فعَدالةُ((الفاروقِ)مازالت سَنـــــاً
يَغشاهُ كلُّ مُؤَمّـِــــلٍ مُتَـــوَسّــــِمِ
ساسَ العِبـــادَ بِرَحْمـةٍ وهو الذي
هـابَتْهُ آسـادُ الشَرى ، إن يَحْزِمِ
وكذلك الإيمــــانُ يؤتي أَهلَــــــهُ
ما شئتَ من خُلُقٍ حميـدٍ أفخَـمِ
لم تَعْرِفِ الدنيـا كقومي ســـــادةً
هــاهم جُـدودي يا مُفاخِرُ فانتمِ
***
يا مَـن بُعثتَ مُربّيــــاً ومُـعَلِّمَـــــاً
للعـــــالَمــــين فكنتَ خــيرَ مُعَلِّمِ
آذَوْكَ يا خـيرَ الورى فوسِعتَهــــم
وبنيتَ للهاديـــن أرفــعَ سُـلَّــــــمِ
هم يقذفونكَ بالحجارةِ دونمــــــا
ذنبٍ سِـــوى صَوْنِ الكرامةِ والدَمِ
كعبيكَ أَدْموا فالتجـــأتَ إلى الذي
فَطَرَ السَمَاءَ ومَن سِواهُ فتَحتَمِي
تدعـــوه:يا ربِّ اهْدِ قوميَ إنَّهم
لا يعلمُـــون ومـا قَسَوْتَ بمُجرمِ
وأتاك جبــريلُ الأمينُ مسـلّـِمَــــاً
أَبْشِرْ بتأييـــــدِ الإلهِ الأعظَـــــــمِ
لو شئتَ أنَّ الأخشبـــــين عليهِـمُ
رَدْماً لكان كمَـا أردتَ ؛ فصمِّـــمِ
لو كان نوحٌ ،يا ابن((آمنـة))الرضا
لدعـا عليهـم بالزُؤامِ الأوخــــــمِ
أو كان يونُسُ صاحبُ الحوتِ الذي
ركبَ السفينَ مُغـاضباً لم يرحَـــمِ
ما قلتَ مــا قال المسيحُ ولم تَقُلْ
ما قالــهُ((موسى))، ولم تـتظــلَّــمِ
بلْ قلتَ عَلَّ اللهَ يُخـــرجُ منهــــمُ
مَن يَهتـــدي بهُداك ؛ ربّي سـلِّـــمِ
***
يا ويحهــــــم إذ أقسَـمُــوا أَيمانَهم
أَنْ يَقتُلوكَ وخــــاب كلُّ مُرَجِّـــــمِ
وأَتَـــــوْا بــكلِّ مُكابرٍ مـتَعـطِّـــشٍ
لدَمِ النبيِّ ، فيا سَمَـــــاءُ تجَّّهمي
تَــذرو الثَرى فوق الرؤوسِ وقُلتَها:
شاهَتْ وُجــوهٌ للهُــدى لم تُسْــلِـــمِ
تحثو التراب على الرؤوس تهكّـمَـــاً
أَعْجِبْ بأمْرِ مُهــــــاجِــرٍ متهكِّــم
شـاهتْ وُجــوهُ الظــالمـين وسُكِّرتْ
أبصارُهم ، ومَرَرْتَ مُبْتَسِمَ الفَـــــمِ
أَخَـــذَتْـهُـــمُ سِنَــةُ الكَرى وتَنَبَّهوا
فإذا الــترابُ على رؤوس النُـــــوّمِ
***
ومضيتَ بَدراً في الدُجــــا متخفِّياً
أَحبِبْ ببدرٍ في الظَـــلامِ مُكَتَّـــــمِ
بَدرٌ وأَرسَـلَـــهُ الإلـــــــهُ فسار مِن
بَلَــــدٍ إلى بَلَــــــدٍ عزيزٍ مُكْـــرَمِ
نورٌ ببَكَّــــةَ قــد أَضاءَ سَـمَـاءهــا
وسَــرى لِيَكْشِفَ كـلَّ ليْــلٍ مُعْتِــمِ
نَسْرٌ وحَلَّقَ في الفَضاءِ، فويحهـــم
أَوَ يَسْتطيعون اللَّحــــاقَ بقَشْعَمِ ؟!
فجْرٌ وضيءٌ ما رَأَتْــــــــهُ عُيونُهم
أَوَ يُبصرُ الشمسَ المُضيئةَ مَن عمي؟
***
هذا فتى الإسـلامِ((حيدرةُ))الوغى
إمّـــا بغى باغٍ رَمـــــــــــاهُ بمِخْزَمِ
يفدي الرَسـول َبمُهجَةٍ مـــا راعَها
رَوْعٌ ، ولا انْغَمَـستْ بحَمْـأَةِ مَأْثَــمِ
فيَبيتُ مُلْتَحِفـاً بـــُبردَةِ((أحمدٍ))
والحاقدون كمَا السِوارُ بمِعصَــــمِ
ليرُدَّ كلَّ أمــــانــــــةٍ كانـتْ لهــــم
عند النبيِّ ؛ كذاكَ شأْنُ المُسْــلِــــــمِ
ولِيوهِمَ الأَشْرارَ أَنَّ((محـمّـــــداً))
مازال مُلْـتَحِفـــــــــاً ولمّا يَعـــزِمِ
هو حيدرُ الإسلامِ صِهرُ المُصطفى
زوجُ((البَتولِ))أبو الحُسينِ ؛ فأنعِمِ
بابُ الرسولِ ، مدينـــةِ العِلمِ التي
آوتْ إليْها كلَّ حَبْـــــرٍ مُلـهَــــــــمِ
فـتّـــــاحُ خَيْبرَ واليهـــودُ أَراقِـمٌ
تَسعى فلم يَرْجِــعْ ولم يَتَوَجَّــــمِ
ليثٌ لَـــــهُ في كلِّ ســـــــاحٍ صَوْلـةٌ
جيشٌ على البــاغي ، يُغير كيثهمِ
ندٌب إذانادى المُنــادي مَن فتًى؟
لَبّى ، فـلـــم يَجـــزَعْ ولــــم يَتَبرَّمِ
مَــن دارَ بالأَبطالِ في سُوح الوغى
دَوَرانَ نَسْرٍ بالقَطـــا والرُّخَّــــــــــمِ
مـازال بابـنِ العـــامريِّ يَــروضُـهُ
و يَروغُـــهُ مُتَبَسِّـمَــــــاً كالضَيْغَــمِ
حتى رَماه بِذي الفَقارِ على الثَرى
فَهَـوَى يُعَـفَّرُ بالتُــرابِ وبالــــدَمِ
يومَ اتًّـقى الغُـرُّ الكُمَـــاةُ نِزالَــــــهُ
فسَقاهُ كأسَ حِمـامِـــــهِ بمُقَـــــوَّمِ
اللـــهُ أكــبرُ ، لاكَـمِيَّ سِوى ((علي))
إن قيل هل للحربِ مِن بطلٍ كَمِي
لا سيفَ إلاّ ذو الفَقـــــــارِ ولا فتى
إلا أبو الحَسنينِ إنْ قِيـلَ اصْـــــدِمِ
فبَنوهُ ســـــــــاداتُ الأنامِ وذِكرُهم
ضَوْعُ الطُيوبِ وبُلَّـةُ القلبِ الظَمي
وهُمُ الغَطارِفَةُ الأشــــــاوِسُ في اللِّقا
وسيوفُـهم في اللهِ خيرُ مُــترجِـــــمِ
وهُــمُ الهُداةُ المُرشِــدون إذا الدُجـا
عَمَّ الدُنا وبــدا ثَـقيـــلَ المَجْثَـــــــمِ
***
يا مَن بكى خوفاً عليـــه رفيقــــهُ
في الغارِ والأخطــارُ فاغِرَةُ الفَــــمِ
فأجـــــابَــهُ بلِســـــــانِ ثَبْتٍ واثِــقٍ
باللهِ مُعْتَدٍّ بِــــــــهِ مُسْتَعصِــــــــــمِ
لا تَجْزَعَنْ فاللهُ ثالثُنـــــــا ، ومَـن
كانَ الإلـــــهُ ضَمِينَـــــــهُ لــم يُهْزَمِ
ويُجيبُكَ الصِدّيقُ لا أَخشى علـى
نفسي ، فَـدَيْـتُك يا حبيبي فاسْلَمِ
أَخشى عـــلى نور ٍبُعِثْتُ لنشــرِهِ
وأَخافُ أَنْ يُطْـوى ولمّا يُخْتَـــــــمِ
لو أَنَّهــــم نَظَروا إلى أَقــــــدامِهم
لَرَأَوْكَ يا مَجْلى الجَمالِ الأوسَــمِ
فأضَـلَّهم بَيْضُ الحَمَـــــامِ ورَدَّهم
نَسْـــجُ العَنـاكِبِ ، يا لَهُ مِن مُلْهَمِ
وكذا إذا شـــاء الإلهُ مَشيئـــــــــةً
نَفَـــذَ المُرادُ ، ولو بأَوْهى الأَسْهُمِ
***
وتَرْكتَ ((مكّـةَ)) والفؤادُ مُتَيَّـــــمٌ
بالبيتِ والمَسْعى يَطـوفُ ويَــرْتَمي
ويقــول أنـتِ أَحَـــبُّ أَرْضِ اللهِ يا
مَهْوى القُلوبِ ونَغْـمَــــةَ المُتَــرَنِّــــمِ
لــــــو أَنَّ أَهْـلَكِ ، يا أَثيرةَ مُهجَتي
لم يخرِجونـي منـــــكِ لم أَتَجَشَّــــمِ
تَطْـوي بِصاحِبــكَ القِفـــــارَ وتَتَّقي
في الغــارِ كيـــدَ الظالمِ المُتَهَكِّـــــــمِ
ما كانَ نَصْرُ اللهِ مَحْجـــــوباً ولا
ضَنَّ الإلــــــــهُ على النبيِّ الأكـرمِ
بل هكذا شــــاءَ الإلــــــــهُ بأنَّـــــهُ
لا حُلــــوَ إلاّ بعدَ شُرْبِ العَلْقَــــــمِ
***
نفسي فداؤُكَ يا((أبا حفصٍ))وقد
هاجَــــرْتَ دونَ تَنَكُّرٍ وتَلَــثُّـــــــمِ
مُتَوَعِّـــــــداً أَبْطالَ مكَّــــةَ بالردى
فإذا بهم مثــــــــل الأصَــمِّ الأبكَـمِ
مَـن شـــاءَ تَثْكَـلَـــــهُ العشيَّةَ أُمُّـــهُ
فالْيَتَّبِعْني بالقَنـــــــــا والْيَزْخَــــــمِ
فإذا عُتـــــاةُ القــومِ آسادُ الشَـرى
مابـين مَهــــدودِ القُوى ومُغَمْغِــمِ
ويطــوفُ حمزةُ مُسْتَخِفّـــاً هازئاً
وتُحاذرُ الأَبطالُ بَطْشَ الضيْغَـــــمِ
هـاجرْ ((أبا يَعْلى)) فَمــالَكَ تابــعٌ
منهم ؛ فأَنجِــــــدْ ما تشاءُ وأَتْهِــمِ
أَسـدَ الإلهِ لَسَوْفَ تَصْرعُ((شيبـــةً))؛
يا يومَ ((بدرٍ))مَن فَتـاكَ ؟ تَكَـلَّــــمِ
وزَأرتَ في ((أُحُـدٍ))حَروداً غاضبـاً
بـين الجُمُـوعِ كفيلقٍ مُتَقَـــــــــدِّمِ
إذ يَسـألُ الأبطـالُ : مَن ذاك الفتى
ذو الريشــةِ الحَمْراءِ فوقَ المِحْزَمِ
فيُقالُ: حمزةُ عمُّ خيرِ الخـلق مَن
بِسِوى نَدِيِّ الـغــــارِ لم يتعَمَّــــــــمِ
عَـــمَّ النبيِّ ومَــن سِــــواكَ لمثْلِهــا؟
هذي أفاعي الشِركِ تَسْعى فاصْرِمِ
فرِّقْ حُشودَهُـمُ وبَـــــدِّدْ جيشَهم
واحْصُــدْ رُؤوسَ المُشركين وكَوِّمِ
طَوْدٌ وعاتي المواجِ يَصْخَبُ حولَهُ
فأحالَـــــهُ زَبَــــــداً ، ولمّا يلْطِـــمِ
يكفيـكَ فخْـراً أَنْ ثَبَتَّ وأنَّهــــــم
غـدَروا فباؤوا بالوبيلِ الأوخَــــمِ
لو جاء((وَحْشيٌّ)) كِفاحاً، يومها
لارتدَّ بالخِزْيِ المُذِلِّ المُرغِـــــــــمِ
ولَما ارْتَوى من ((هِندَ))غِلٌّ ، إنّمـا
شــاء الإلهُ ، فطِبْ شهيداً و اكْرُمِ
***
ومضيتَ تَطوي البيـدَ دونَ تَهَيُّبٍ
ومَنِ اسْتَعان بِرَبِّـــهِ لم يَنــــــــــدَمِ
روحي فداك وقد وَعَدْتَ((سُراقةً))
بِسِوارِ ((كِسْرى)) يا سُراقــةُ أَسْلِمِ
إنَّ الرِمــــالَ ــ إذا أَرادَ المُجْتَبى ـ
لأَشَـدُّ فَتْكاً مـن خميسٍ مُقــدِمِ
يَدْنو فتبتلِـعُ الرمـــــالُ جَـــوادَهُ
وتهيجُ كالحِيتــــانِ أَوْ كالمُعجَــــمِ
فيـلوذ بالهـــادي ، وليس بمُنْـقِــذٍ
غــــيرُ النبيِّ مَــلاذِ كلِّ مُـيَــــمِّــــمِ
وكذا الكريــمُ إذا تمكّن سيفُــــــهُ
من خَصْمِهِ المغرورِ قال لــهُ : قُمِ
أمّــا النبيُّ فزادَ في إكْرامِــــــــــــهِ
وهَداهُ للإســـــــــلامِ ثُمَّ المَغْـنـَــــــمِ
فانظُرْ إليْــــــهِ مُهاجِراً مُتَخفِّيـــــاً
مـــن قومِـــــهِ واعْجَبْ لوعدٍ مُبْرمِ
بِسِــــوارِ كِسْرى يومَ كان مُتــوَّجـاً
وبتـــاجِــــــــهِ والفُرسُ عَدَّ الأَنْجُـــمِ
وبِغَــزوةِ الأَحْـزابِ بَشَّرَ صَحْبَــــــهُ
بِتَصــدُّعِ الإيوانِ ، فانْظُرْ واحُكـُــمِ
***
بَركاتُكَ الخَضْراءُ يا أنـدى الورى
كفّـاً وأَجْــودَ من سَـحابٍ مُـثْجِـمِ
عَمَّتْ جميعَ الخلـقِ مِن بَدْوٍ ومِن
حَضَرٍ ، ومَن رام النَدى لم يُحْرَمِ
لمّا مَررْتَ بــ (( أمِّ مَعْبَــــدَ )) والـدُنا
قَحْطٌ ، حَلَلْتَ فَحَلَّ كلُّ مُـــرَخَّـــمِ
يـا (( أمَّ مَعْبَـــــدَ )) لا تَخافي عَيْلَـةً
بركاتُ ((أحمدَ))في ديارِك فابسِمِي
ما ضَرعُ شـاتِكِ،بعد هذا،مُجْدِبٌ
فاسْقي العَشيرةَ كلَّهـــــا وَتَنعَّـمِـي
لو مَرَّ ((أحمدُ)) بالبَوارِ لأخْصَبَتْ
ولَأَنْبَتتْ حُلواً لَــذيـــــــذَ المَطْعَـــمِ
أَوْ لو رَأَتْ يومـــــــاً جَهَنّـمُ نُورَهُ
لَتَحَوَّلَتْ بَـرَداً جِمارُ جَهَنَّـــــــمِ
وأتيتَ (( يثربَ ))خاويَ الكفين لا
مالٌ لـــــــديكَ ولا قريبٌ تحتمِي
فأَمَـــــدَّكَ المـــولى بِرِزقٍ واســــعٍ
وهَدى لدينِــــكَ كــــلَّ قَـرْمٍ مُلْهَمِ
آخيْتَ بــــين غنّيِهــــم وفقيرِهـــم
وعَـدَلْتَ بــين مُعَـظِمٍ ومُعَظَّـــــــــمِ
ســـــــاويتَ بينهـمُ فليس الفضلُ في
نَسَبٍ وليس لِمُعْرِبٍ أوْ مُعجِـــــــمِ
ونَشرتَ نُورَ اللهِ بين عِبــــــــــــادِهِ
فَهَزمْتَ كلَّ مُـشَعْوِذٍ ومُنَجِّـــــــمِ
حَـرَّرتَ كلَّ مُكَبَّلٍ مُستَعْبَـــــــــدٍ
وشَفَيْتَ كُلَّ مُعَـذَّبٍ مُتــــأَلِّــــــمِ
فنُصِرتَ في كلِّ المعاركِ فاتحــــــاً
غُلْفَ القلـوبِ بنورِكَ المُتَبَسِّــــــــمِ
هاهـــم جُنُــودُكَ والسُيوفُ لوامعٌ
فوق الشوامــخِ كــالنســـورِ الحُوَّمِ
هَدَموا حُصونَ الظالمــين وشيَّــدوا
صَـــرحَ المحـبَّةِ فوق كلِّ مُهَــــــدَّمِ
فتَحوا البلادَ وأسَّسوا فيها الهــدى
وتَسَـنَّمُوا ، في اللهِ ، كلَّ مُـسَـنَّـــــمِ
بالنُورِ لا بالسيفِ عَـــمَّ هُـــــداهــمُ
فالسيفُ لا يجلــو سَــــوادَ المُبْـهَـــمِ
والنُــــورُ دُونَ السيفِ يبقى قاصِراً
وتَنالُــــهُ أَيْدي الجُنـــــــاةِ الهُــــوَّم
***
يا صــــاحبَ الذكرى تَداركْ أُمَّـــةً
ضــــاق الأُســــاةُ بِدائهـا المُتَـــــورِّمِ
باتتْ مُـشَــتَّـتَــةً وبات عَـــــدوُّهـــــا
مُـتَوفِّزَ الأنيابِ مَخضـــوبَ الفَـــــم
ما ضَرَّهــا لولا شَـتـــاتُ سَـــراتِهــا
أَنَّ الدُنا أَشْـــــداقُ صِـــــلٍّ أَرْقَـــــــم
لو أنَّهــــا حَزَمتْ وعـــــاد صَــوابُها
لمَشَتْ على درْبِ الجُــــدودِ الأَقْـوَم
فـإذا خُـيـــولُ العِزِّ تُـسْـرَجُ للوغى
وإذا بُنُودُ النَصرِ تُمهَرُ بالــــــــــدَمِ
وإذا الجِباهُ الشامخاتُ على المَــدى
تَمضي لما يُرضي العـلا ،لم تَهْــــرَمِ
فاشْفع لها عنـــد المَــليــــكِ لَعــلَّـهـــا
تُهـدى سبيلَ الـــرُشْـــــدِ أَوْ تَترَسَّـــمِ
***
مَلأ الـــــدُنا نُـــورُ النبيِّ((محـمَّـــــدٍ))
فَمَحا ظلامَ الجَهــلِ دون تَوهُّـــــــمِ
إنّي لَأَعْجَبُ مِـنْ قُـــــرَيْـشٍ إذ رأتْ
نـــــورَ الرســــالةِ ثمَّ لم تـتــــوسَّــــــمِ
ورَمَتْ نَــــداهُ بـكـلِّ حِــقْـــــدٍ قاتـلٍ
لمّا أَتاهـــــــا بالهــــــدى والمَـغْـنَــــــــمِ
وكأنَّ ربّي لم يَشَـــــأْ لِرَســـــولِـــــــــهِ
سهلَ الجَنى دُونَ اقْتِحــــامِ المَغْـــرَمِ
وكذا الــــدُنا ؛ فـمَـنِ اشْتراهـــا هيّنـــاً
هـانتْ عــليـــهِ فبـــاعَهـــا بالدِرْهَـــــمِ
ومَنِ اشْتراهــا بالدِمـــــاءِ فإنّـــــــــــهُ
ما باعهــــا إلاّ بإهْـــــــراق الــــــــدم
***
يا مَنْ مَـكارِمُ خُــلـقِـــهِ قَــــدْ تُمّـِمَـتْ
والدينُ تمَّ، فكـان خَيرَ مُتََّمَّــــــــــــــــمِ
هــذا بنــــــاؤكَ والصُــــروحُ شَــــوامِـخٌ
تَزْهــــو بكلِّ مُزَخْــــرَفٍ ومُـنَـمْــمِ
لم يَعْفُهـــــــا مَــــرُّ الـــزمــانِ ولم تَـزَلْ
أغصانُـكَ الخضــراءُ ريّـــــا البــُرعُـــمِ
آياتُــكَ الغَـــــرّاءُ نِبْـــراسُ الهُـــــــدى
وهِبــاتُـــــكَ الــــكُبـرى نَدِياتُ الهَمِي
يَفنى الزمانُ وفيـــكَ ما لم يُحْصِــــهِ
قلمٌ ؛ وهل تُحصى رمـــالُ يَلَـمْــلَــمِ ؟
صلّى عليـــك اللهُ مـا هَـــــــــبَّ الشـذا
وهَـفــــــــا لبيتِ اللهِ قــــلبُ مُـتَـيَّــــمِ
والآلِ والأصْحابِ ، أقْـمـارِ الــــدُجــا
مــــــا عَطَّرتْ ذكراك قلبَ المُغـــــرَمِ